موقع متخصص بالشؤون الصينية

السفير الصيني في بيروت لموقعنا: من أجل الدفاع عن سيادتنا وحقوقنا يجب علينا أن نمتلك قوة متطورة

1

تتطور الصين، وتُظهر في كل يوم المزيد من الدلائل المدهشة على أن تطورها سيبقى متصاعداً حتى الوصول في وقت قريب إلى الموقع الأول عالمياً على مستوى الاقتصاد، وربما على مستوى السياسة والعسكر أيضاً.
ولذلك تقف الصين في بؤرة اهتمام العالم، الكل يتحدث عنها، كثيرون يخطبون ودّها، وقوى كبرى تخاف منها، وبالرغم من ذلك تمضي الصين، بلا تردد في طريق “التنمية السلمية” الذي اختارته.
عن الصين، النامية، الكبرى، السائرة على طريق التطور، وعن علاقتها بعالمنا العربي، وبالقوى الكبرى في العالم، كانت هذه المقابلة مع السفير الصيني في لبنان، السيد وو تسي سيان، الذي تحدث فيها بصراحة عن كل الأسئلة التي طرحها عليه وفد “موقع الصين بعيون عربية”، المؤلف من مدير الموقع محمود ريا، والباحث في الشؤون الدولية حسام مطر، فيما كانت الصور للزميل المصوّر عصام قبيسي.

وفيما يلي نص المقابلة:
س: سعادة السفير هبطت قبل أيام أول طائرة حربية صينية على أول حاملة طائرات صينية وكان هذا الهبوط في أجواء احتفالية، ويأتي هذا في الوقت الذي تبدو الصين مهتمة جداً بتطوير بحريتها وسلاح الجو بشكل خاص، ما هي الرسالة التي تريدون توجيهها؟ وهل هناك رغبة صينية في تقديم إعلان ما للعلام من خلال هذه الخطوات؟  

ج: في شهر أيلول/ سبتمبر من السنة الماضية، أصدرت الحكومة الصينية كتاباً أبيض للتنمية السلمية وبنسخ مختلفة عربية وإنكليزية وفرنسية. حقيقةً، إن تطوير حاملة الطائرات هو جزء بسيط في الاستراتيجية الدفاعية الصينية الكبرى.
في الوقت الماضي لم يكن لدى الصين سلاح بحرية وسلاح جو قويان، كانت تمتلك فقط قوات برية كبيرة وضخمة. وبعد عام 1949 تطورت الأسلحة البحرية والجوية تدريجياً.
حتى الآن، حاملة الطائرات تستعمل للتدريب، ونأخذ منها الدروس والعبر. قد تلاحظ أن جسم هذه الحاملة قد تم شراؤه من أوكرانيا، ولم يتم بناؤه محلياً، ويمكن اعتبار تطوير حاملات الطائرات جزءاً من تطوير سلاح البحرية، وبالإضافة إلى ذلك نطور سلاح الجو.
قبل فترة أقمنا معرض طائرات في مدينة جوخا في جنوب الصين، حيث تم عرض طائرات عسكرية وبعض الصواريخ العسكرية أمام العالم.
الآن لدينا قاعدة قبولة للصناعة العسكرية بعد  الانطلاق بتطويرها منذ الخمسينات.
مثلاً في هذا المعرض في مدينة لوخة قد تم عرض بعض الصواريخ هي ذات جودة عالية وطابع حديث. ولن أنسى التذكير بأن الصين، امتلكت في مطلع الستينات تكنولوجيا الأسلحة النووية، ولكن بعد تملك الصين لتكنولوجيا الأسلحة سرعان ما أعلنت أنها لن تستخدم أسلحتها النووية أولاً. هذا يعني أن استراتيجية الدفاع الصينية ترتكز على الدفاع فقط. وهذا يعني أيضاً أننا لن نبادر إلى هجوم مسلح على الآخرين في الخارج، ولكن لدى الصين عزيمة وقدرة على الدفاع عن سيادة ووحدة الأراضي الصينية.
طبعاً هذا الكلام ليس كلاماً فارغاً، لدينا الخبرة في التاريخ. مثلاً في مطلع الخمسينات خضنا الحرب في كوريا الشمالية بهدف الدفاع عن وطننا. في ذلك الوقت اشتعلت نار الحرب على الحدود بين الصين وكوريا الشمالية وتم تدمير الجسر بين البلدين، والسنة قبل الماضية زرت هذا الجسر المدمر وبجانبه هناك جسر جديد يربط بين الصين وكوريا الشمالية. وفي ذلك الوقت أرسلت الصين جيشاً صينياً متطوعاً لحرب ضد القوات العظمى، ما أدى لانقلاب المعادلة في الحرب وإعادتها إلى المربع الأول.
في ذلك الوقت كانت أسلحة ومعدات الجيش الصيني متخلفة، ولكن لدينا استراتيجية قوية وتكتيكات مرنة، ويمتلك الضباط والجنود هذه التكنولوجيا، وكل هؤلاء الضباط والجنود كانوا قد اجتازوا اختبار الحرب الأهلية الصينية لمدة طويلة.
يمكن أن نقول إننا أخذنا المبادرة في حرب كوريا الشمالية، رغم تخلف الأسلحة والمعدات. ومنذ الخمسينات حتى الآن شهدنا تطورات كبيرة وسريعة بحيث الأسلحة والمعدات. ولكن استراتيجية دفاعنا العام ما زالت استراتيجية دفاعية فقط. لذلك صدر هذا الكتاب الأبيض للتنمية السلمية والمتعلق بالسياسة الدفاعية الصينية.
في وقت سابق سألني بعض الأصدقاء عن الأوضاع المحيطة بالصين. مثلاً الولايات المتحدة واليابان قامتا بمناورات عسكرية في محيط الصين، وقامت اليابان باستفزازات حول الجزر التي استولت عليها في وقت ماضٍ. وتعتقد اليابان انها باعتمادها على الدعم الأميركي يمكنها أن تفعل كما تشاء. ولكن هي أغفلت أن الصين اليوم مختلفة تماماً عما كانت عليه ما قبل 1949.
الصين لا تسعى إلى الهجوم على الآخرين أو احتلال أراضيهم، ليست لدينا مثل هذه الأفكار، ولكننا سندافع عن سيادة وسلامة أراضينا بعزيمة لا تتزعزع، ومن أجل الدفاع عن سيادتنا وحقوقنا يجب علينا أن نمتلك قوة متطورة، في سلاحي الجو والبحر مثلاً.

 

س: كيف يمكن توصيف الصين الآن؟ هل هي دولة نامية؟ هل هي دولة كبيرة أو كبرى، هل هي دولة عظمى تقف في وجه الدولة العظمى الأخرى في العالم؟
ج: مازلت أعتقد أن الصين أكبر الدول النامية في العالم.
من ناحية، يجب أن نؤكد على سرعة تطور الصين في السنوات الأخيرة، وبالتحديد على صعيد التنمية الاقتصادية، ومن ناحية أخرى الصين تتمتع بالاستقلال والسيادة الكاملة بعد عام 1949.
ولكن يجب ان لا ننسى أن مستوى التنمية في الصين الآن متخلف عما هو عليه في الدول المتقدمة.
بعد وصولي إلى لبنان، شعرت بأن مستوى معدل التنمية الصيني أكثر تخلفاً عما هو في لبنان. نحن لا نستطيع أن نأخذ المدن الكبرى مثلاً شنغاي وبيكين على سبيل المثال كمقياس لاعتبار أن الصين أصبحت دولة متقدمة. يجب أن نأخذ المنطقة الوسطى والغربية في الصين كمثال، والتطور في هذه المناطق متخلف، خاصة في المنطقة الريفية. سبب التخلف في الأرياف يرجع إلى البيئة السيئة في هذه المناطق، فمثلاً المناخ الصحراوي واسع الانتشار، ومعه الجفاف، وبعض المناطق جبلية  والمواصلات فيها غير سهلة.
لذلك، من حيث المعدل المتوسط، التنمية الصينية ما زالت تنتمي إلى مستوى الدول النامية. في السنة الماضية بلغ معدل الدخل الفردي للصين أكثر من 5400 دولار وهذا الرقم هو بالنسبة إلى لبنان بالتأكيد فوق عشرة آلاف دولار. هذا يعني أن إجمالي الدخل الفردي في لبنان يوازي ضعفي ما هو في الصين على الأقل.
لذلك نقول إن الصين ما زالت دولة نامية، ونحن بحاجة إلى جهود.
في المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، الذي عقد مؤخراً، طرحنا هدفاً ليكون الناتج المحلي الاجمالي ودخل المواطن الصيني عام 2020 ضعفي ما كان عليه عام 2010،  وبحلول عام 2050 سيصل مستوى تطور الصين إلى متوسط مستوى الدول المتقدمة.
هذا الهدف ليس هدفاً سهلاً بالنسبة إلى الصين، لأن لديها هذا العدد الكبير من السكان، مليار وثلاثمائة وثمانين مليون نسمة. فقط  ولمجرد إطعام هؤلاء الأشخاص وتعليمهم وإسكانهم وتوظيفهم فإن هذه المهمة ليست سهلة، وإنما هي صعبة جداً.
طبعاً لدينا الثقة بأننا قمنا بتكريس قاعدة جيدة كما قلت قبل قليل. منذ الخمسينات بذلنا جهوداً لتكريس قواعد صناعية، وفي العقود الماضية رفعنا المضامين التكنولوجية في هذه الصناعة ونتصدر في بعض المجالات ،مثلاً في مجال السكك الحديدة الفائقة السرعة، والاتصالات والطاقة الشمسية والطاقة النظيفة، وبعض الشركات الصينية متميز في هذه المجالات.
الهدف هو تغيير مكان “المصنع العالمي” وترقية التكنولوجيا وإعادة الهيكلة الاقتصادية لتحقيق ورفع مستوى التكنولوجيا في الصناعة الصينية، ونأمل في أن لا نعتمد على الصادرات فقط، بل نوسع الأسواق الداخلية في الصين للحفاظ على تنمية مستقرة وصحية لاقتصاد الصين.

 

س: في عالم جديد تلعب فيه الصين دوراً أكثر أهمية، تبدو المنطقة العربية واحدة من أهم بؤر التوتر وبؤر الاهتمام في الوقت نفسه. كيف تنظرون إلى ما يحصل في منطقتنا من تطورات، على صعيد التغيرات السياسية التي شهدناها والتي نشهدها في أكثر من بلد في المنطقة؟

ج: بعد وصولي إلى لبنان للعمل هنا، طالعت بعض الكتب المتعلقة بتاريخ لبنان وتاريخ المنطقة في الشرق الأوسط، وأتابع عن كثب آخر التطورات في المنطقة خلال السنتين الماضيتين. وأشعر بأن تاريخ البشرية متماثل بالرغم من اختلاف المناطق واختلاف المراحل التاريخية. وعندما أقرأ هذه الكتب التاريخية أشعر بالتماثل لأن هذا التاريخ، يشبه التاريخ الصيني، فالصين مرّت بعدد كبير من الاضطرابات والحروب والمعاناة.
أنا دائماً أفكر في أن القضية الأساسية منذ وجود البشرية في هذا العالم هي أن كل شخص يريد حياة أفضل، ومع تطور المجتمع البشري تظهر أنظمة مختلفة في العالم. هذا يعني أن التطور الشخصي يعتمد على التطور الاجتماعي ولا ينفصل عن المجتمع ككل. في أي حال من الأحوال هذا الشخص يعيش تحت إدارة ما في مجتمع ما. فهل لدى هذا المجتمع قدرة على إعطاء شعبه حياة مستقرة وطيبة وخدمة هذا الشعب؟ هذه القضية دائماً موجودة.

وكل شخص يريد مجتمعاً عادلاً ومتميزاً بالمساواة والعدالة والسعادة. بالطبع هذا داخل المجتمع. وبالاضافة لذلك هناك عوامل خارجية قد تؤثر وتتدخل في شؤون المجتمع الداخلي. مثلاً فإن إمبراطوريات مختلفة قد سيطرت على هذه المنطقة وكل هذه السيطرة مفروضة من الخارج. بالنسبة إلى الصين، فمنذ العام 1840 وحتى عام 1949 تقريباً، أي خلال مئة سنة، تعرضت الصين للاحتلال من معظم القوى العظمى في العالم آنذاك. لذا هناك تماثل وتشابه بين تاريخ المنطقة ولبنان وبين التاريخ الصيني.
لذلك لدينا رؤيتان حول التطورات في منطقة الشرق الأوسط:
الرؤية الأولى: نتفهم تطلعات ومطالب هذا الشعب في سعيه لحياة أفضل.
الرؤية الثانية: أما بالنسبة لكيفية تحسين المعيشة، وما هو النظام الاجتماعي، والسلطة المناسبة لهذا الشعب، فهذا أمر داخلي وهذا أمر يعود للشعب نفسه ولا علاقة للعناصر الخارجية بشأنه.
كما قلت، إن الصين تعرضت لاحتلال خارجي لمدة أكثر من مائة سنة. حتى الآن نلاحظ أن التدخل الخارجي ترك معاناة وكوارث كبيرة في أفغانستان والعراق لم تحلّ حتى الآن.
أما السياسة الخارجية الصينية حول التطورات في المنطقة فتنطلق من نقطتين: الأولى هي احترام خيار الشعب بنفسه، الثانية معارضة التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية.

 

س: هناك نقطة أساسية تابعة لهذا الموضوع تتعلق فيما يحدث في سوريا، لقد وقفت الصين موقفاً مميزاً من الأزمة هناك، فهل يمكن أن تضعنا بأجواء منطلقات هذا الموقف الصيني، من أين ينطلق هذا الموقف؟ ومدى تأثيره على العلاقات مع الدول العربية التي تنتقد هذا الموقف؟
ج: المواقف الصينية من قضايا منطقة الشرق الأوسط مثلما ذكرت قبل قليل تنطبق على القضية السورية. لذلك نحترم خيار الشعب السوري بنفسه، وطبعاً هناك آن اضطرابات وحروب شديدة وكبيرة في سوريا وليس لدى الشعب هناك خيار.
بالرغم من ذلك نرفض فرض الحل من الخارج، وكل ما يجب علينا أن نفعل هو دفع الأطراف المعنية في سوريا للجلوس على طاولة الحوار بمواقف حكيم وهدوء وبرؤوس باردة لإيجاد الحل السلمي. لذلك تظل الصين تبذل جهوداً لدفع المفاوضات السلمية.
منذ البداية أعتقد وأصر على وجوب إيجاد حل للمسألة السورية عبر النقاش والتشاور. السبب واضح وسهل وبسيط، هناك نموذجا العراق وأفغانستان، إلى جانب النموذج السوري، وبعد مرور وقت من الحروب والإضطرابات لم نجد حلاً حتى الآن. لذلك مضينا بهذا الموقف وبذلنا جهوداً دؤوبة وحثيثة للدفع باتجاه تحقيق هذا الهدف. وفي مطلع الشهر الجاري طرحنا مبادرة جديدة لإيجاد حل لمسألة سوريا. عناوين هذه المبادرة هي وقف إطلاق نار وإجراء مفاوضات ودعم الجهود المشتركة للأخضر الإبراهيمي.
هذا الموقف الصيني المعارض للتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول لا ينطبق على المنطقة العربية أو منطقة الشرق الأوسط أو في سوريا فقط، بل ينطبق على كافة المسائل والقضايا في العالم منذ الخمسينات.
كما ذكرتم، بعض دول المنطقة لديها تحفظات تجاه الموقف الصيني من المسألة في سوريا، وعدم تفهم لموقف الصين، ورأيي أن مضامين ومحتويات العلاقات الصينية العربية واسعة جداً. مسألة سوريا جزء صغير فقط من ملفات هذه العلاقات ليس أكثر. وقمنا بشرح موقفنا لدى هذه الدول، ونحن نؤكد على أن الصين ليس لديها مصالح خاصة في مسألة سوريا. نقطة الانطلاق لصنع السياسة الخارجية هي العدالة، ونفكر بمصلحة شعب سوريا ونعارض التدخل الخارجي لحماية الشعب السوري من نتيجة مشابهة لما جرى في العراق وأفغانستان ومن المعاناة المترتبة عليها.
كما نفكر في مصالح المنطقة كلها، في حالة حصول اضطرابات وحروب مدمرة في سوريا فإن منطقة الشرق الأوسط ككل ستتأثر، لذلك نقوم بشرح هذه الأمور أمام الدول العربية في المنطقة ونأمل منها تفهم الموقف الصيني العادل.
طبعاً العلاقات الصينية العربية لا تتمثل في مسألة سوريا فقط بل تحتوي على مضامين كثيرة.
الآن اعطيكم بعض الأرقام : في عام 2001 كان حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية يبلغ فقط 20 مليار و300 مليون دولار. أما في عام 2010 فبلغ هذا الحجم 150 مليار دولار تقريباً. أما في عام 2011، هذه السنة التي شهدت اضطرابات وتطورات في المنطقة، قد لا تتصور مدى سرعة نمو التبادل التجاري بين الصين والدول العربية. في هذه السنة بلغ  حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية نحو 200 مليار دولار.
هذا يعني أنه بالرغم من الاضطرابات والفتنة في المنطقة غير أن ذلك لم يؤثر على العلاقات الطبيعية والتعاون العادي بين الصين والدول العربية.
يمكن أن تتصور أنه في سنة واحدة فقط زاد التبادل التجاري بين الجانبين نحو 35 %. الآن كل سنة يزور تقريباً 300 الف عربي الصين للتجارة وللتبادل الثقافي وللسياحة. وكل سنة تقريباً يزور 350 ألف صيني الدول العربية، وهناك 8000 وافد عربي يدرسون في الصين.
في شهر أيار/ مايو الماضي عقدنا مؤتمراً للتعاون الصيني العربي في تونس. تكلل هذا المؤتمر بالنجاح الكامل، وكما تعرف فإن تونس قد مرّت باضطرابات كبيرة.
معظم الدول العربية أرسلت وزراء الخارجية لحضور هذا الاجتماع المنعقد في تونس، وبالإضافة إلى تحديد بعض مشاريع التعاون بين الجانبين، حدد الاجتماع هدفاً في مجال التبادل التجاري ينص على أنه في حلول عام 2014 ـ يعني بعد سنتين ـ سيزداد حجم التجارة المتبادلة بين الجانبين إلى 300 مليار دولار.
لذلك الصين تولي اهتماماً بالغاً لتعزيز التعاون والصداقة بينها وبين الدول العربية. ولا تتأثر هذه العلاقة بالإضطرابات  في المنطقة، أو  ببقاء المسألة السورية بدون حل، لأن مثل النوع من التعاون يتفق مع المصالح الأساسية لكلا الجانبين، وأنا أعتقد أن المطالب الأساسية للمواطن أيّا كان وطنه هي أنه يريد الحياة الأفضل، ومن أجل تحقيق هذا الهدف يجب تعزيز التعاون الدولي في المجال الاقتصادي.
لذلك الصين على استعداد لمواصلة تعزيز التعاون الاقتصادي وغير الاقتصادي مع الدول العربية.
أما التبادل بين لبنان والصين فهو أيضاً جيد.
في السنة الماضية بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين مليار و700 مليون دولار أميركي، والصين على استعداد لمواصلة إنجاز مشاريع تعاون بين البلدين.
على سبيل المثال قامت شركة صينية بأعمال توسيع مرفأ طرابلس، وترغب الحكومة الصينية في تقديم قروض تفضيلية لدفع ودعم بناء سكك حديدية للحكومة اللبنانية. وبالإضافة إلى ذلك قدمت الحكومة الصينية إلى الحكومة اللبنانية مساعدات في إعادة الإعمار بعد الحرب. لكلا السنة الماضية والسنة الجارية، كل سنة نقدم للحكومة اللبنانية أكثر من ثمانية ملايين دولار.
وفي إطار تقديم مساعدات لإعادة إعمار قدمنا للحكومة اللبنانية 6 سكانر وكراسي متحركة للمعوقين وأسرّة كهربائية للمرضى. ونستعد لتقديم بعض الإنارة العامة عبر الطاقة الشمسية. وقريباً سيقدم  الجيش الصيني للجيش اللبناني بعض الأجهزة المتعلقة بإزالة الالغام،  وستستخدم هذه الأجهزة في إزالة الألغام التي تركها الجيش الإسرائيلي في الجنوب اللبناني. كما تعرفون هناك مئتان وخمسون وسبعون جندي صيني يعملون في الجنوب اللبناني كل يوم لإزالة الألغام.
خلاصة القول عندما نقيّم العلاقات الصينية العربية نلاحظ كل المجالات التي نقوم بالتعاون فيها، وليس فقط مسألة واحدة.
كما أود أن أضيف نقطة هي أن  مصر تعرضت لإضطرابات كبيرة وتوترات كبيرة، ولكن علاقتنا مع مصر لم تتأثر كثيراً. في عام 1956 أقامت مصر علاقات دبلوماسية مع الصين وهي تعتبر أول الدول العربية والإفريقية التي أقامت علاقات مع الصين. وبعد انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيساً لجمهورية مصر زار الصين مباشرة بعد انتخابه. وكلا الجانبين لديهما رغبة في مواصلة تعزيز التعاون الاقتصادي. في مصر قامت بعض الشركات الصينية بخطوات لتعزيز التعاون الاقتصادي، مثلاً في مجال تجميع السيارات وانتاج بضائع أخرى في المنطقة الاقتصادية المصرية.
وأيضاً حول هذا الموضوع ناقشتُ مع وزارة الصناعة اللبنانية لبحث سبل جلب بعض الشركات الصينية للعمل في المناطق الصناعية اللبنانية.
خلاصة القول أنا على يقين بتطور العلاقات العربية الصينية لأن هذه هي رغبة كافة الأطراف.

 

 

س: كيف تنظر الصين إلى السياسة الأميركية في الشرق الأوسط . هل ترى الصين أن السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة هي أحد أهم أسباب عدم الاستقرار في المنطقة نتيجة دورها فيما يحصل مع إيران أو في العراق سابقاً أو حتى في لبنان أو حتى في الأراضي الفلسطينية؟
الجزء الثاني من السؤال: نحن رأينا من خلال الأزمة في سوريا أن الصين لها سياسة أكثر حيوية تجاه المنطقة، هل الصين تعتقد أنها بحاجة لممارسة ضغط أكبر في الشرق الأوسط لموازنة النفوذ الأميركي والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط كنوع من الرد على السياسة الأميركية في الباسفيك، بمعنى أن الأميركيين يضغطون عليكم في الباسيفيك  ويحشدون قواتهم وتحالفاتهم، هل أنتم تجدون أيضاً أنكم بحاجة للرد على الأميركي في الشرق الأوسط من خلال تمتين تحالفاتكم السياسية وعلاقاتكم السياسية وموقفكم السياسي في الشرق الأوسط؟

ج: كما قلت قبل قليل، رفض الصين للتدخلات الخارجية يعود إلى الخمسينات، هذا موقف وسياسة خارجية ثابتة. الصين طرحت خمسة مبادئ للتعايش السلمي متعلقة بالسياسة الخارجية منذ مطلع الخمسينات.
هذه المبادئ الخمسة أولها هو الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي، الثاني: عدم الاعتداء المتبادل، الثالث: عدم التدخل في الشؤون  الداخلية، رابعاً هو المساواة والمنفعة المتبادلة، الخامس هو التعايش السلمي.
لذلك، هذه المبادئ مطروحة منذ  زمن ونتعامل مع القضايا والعلاقات في العالم حسب هذه المبادئ. ونتعامل أيضاً مع القضايا الكبرى والهامة في العالم وفقاً لهذه المبادئ الخمسة. أما الانطلاق لرفضنا للهيمنة وسياسة القوة هو من منطلق هذه المبادئ الخمسة.
عندما يتعلق الأمر بمسألة في الشرق الأوسط يمكن أن نلاحظ بشكل واضح  نتيجة تدخل أمريكا في الشؤون العراقية: انفجارات مستمرة كل يوم ويومين، وليس لدى الشعب العراقي الفرصة لعيش سلمي، ونفس الأحوال في أفغانستان. افغانستان بكونها الجار للصين تؤثر أحوالها وأوضاعها تأثيراً سلبياً على الصين.
أما قضية فلسطين فتعد سبباً جوهرياً لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وبعد مرور نصف قرن لم نجد حلاً لهذه المسألة، وهذا بسبب تحيز السياسة الخارجية الأميركية لإسرائيل.
لذلك السياسة الخارجية الأميركية لديها مشكلة. مثلاً عندما طلبت فلسطين الانضمام إلى الأمم المتحدة كدولة مراقبة رفضت أمريكا  مجدداً.
من هنا فإن السياسة الخارجية الأميركية المعتمدة في الشرق الأوسط ليست سياسة  حل.
أما في منطقة آسيا والباسيفيك، فقد قالت أمريكا إنها ستعود إلى آسيا مجدداً. وأنا دائماً أناقش مع أصدقاء وأقول إن هذ الأمر ليس جديداً. في الخمسينات والستينات أنشأت الولايات المتحدة قواعد عسكرية عديدة في محيط الصين. وأما القواعد العسكرية الأميركية في اليابان فما زالت قائمة حتى الآن. عندئذ هناك قواعد عسكرية لأمريكا في الفلبين باسم القاعدة كراك. أما في جنوب فيتنام فهناك قواعد لسلاح البحرية وكذلك في تايلاند. في تايوان الصينية يتمركز الجيش الأميركي، والأسطول السابع للولايات المتحدة يتدرب ويتجوّل في مضيق تايوان.
هذه الأوضاع مستمرة منذ الخمسينات والستينات، وبالرغم من ذلك تطورت الصين كالعادة. لذلك في السبعينات سحبت الولايات المتحدة بعض قواعدها، والآن قالت إنها ستعود إلى هذه المنطقة، وقامت بمناورات عديدة في المنطقة، وتمركز الجيش الأميركي في أستراليا بألفي جندي تقريباً، وأعتقد أن هذا ليس أمراً جديداً.
نحن نرى دائماً ضرورة التعايش السلمي والودي بين الدول في العالم بدلاً من التهديد المتبادل.  وتهديد الآخرين لا يؤدي إلى نتيجة جيدة. وهذه السياسة ستضر بمصالح الآخرين وفي الوقت نفسه تضر بالمصالح الذاتية.
لماذا سحبت أمريكا جيشها من أفغانستان والعراق؟ لأنها باتت تدرك النتيجة الخطيرة. وبذلك ندعو دائماً دائماً للتنمية السلمية، وهذا هو سبب نشر البيان الأبيض للتنمية السلمية وندعو إلى نبذ نظرية المواجهة.
وتدعم الصين بقوة استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة. الآن لدينا مندوبة على مستوى سفير في الضفة الغربية في فلسطين. وقد أرسلت الصين سفيراً لدى السلطة في تونس بقيادة السيد ياسر عرفات. وبعد انتقال السيد ياسر عرفات إلى الضفة الغربية أرسلنا مندوباً على مستوى سفير ما زال موجوداً حتى الآن، لذلك ندعم بقوة القضايا العادلة للشعب الفلسطيني.

 

مع الشكر الجزيل للأستاذ (نابغة) الذي تولى ـ مشكوراً ـ عملية الترجمة من الصينية إلى العربية وبالعكس
تعليق 1
  1. مروان سوداح يقول

    تصريحات مهمة للغاية خصّها سعادة سعادة السفير الصيني لدى لبنان السيد “وو تسي سيان”، للاستاذ والاعلامي محمود حسن ريا – الباحث المعروف والخبير في الشأن الصيني والدولي ورئيس الفرع الوطني اللبناني للاتحاد الدولي الالكتروني للصحفيين والاعلاميين والكتّاب العرب اصدقاء الصين في بيروت.

    لقد طالعنا هذه التصريحات المهمة، والتي كشف السفير فيها عن مقومات القوة الصينية واسباب عظمتها المتصاعدة ونمائها، وكان صريحا جدا في عرض وجهات النظر الصينية من المشاكل الاوسطية والعربية كافة، وهو نجاح حقيقي للديمقراطية الصينية القائمة على دعامات اشتراكية ذات خصائص صينية، ولموقع الصين الدولي ومكانتها العربية التي تتزايد وتتعاظم استناداً الى مواقفها تجاه قضايا منطقتنا بالمجمل.

    نهنئ الاستاذ حسن ريا بهذه المقابلة اللافتة، وسعادة السفير الصيني للادلاء بها ونشد على اياديهم ونبارك للصين بنجاح مؤتمرها الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني ونأمل لها مزيدا من الازدهار والتطور والنمو وتحقيق الانجازات الكبار دون توقف..
    مروان سوداح
    الاردن
    رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتّاب العرب اصدقاء الصين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.