موقع متخصص بالشؤون الصينية

اليهود في الصين

0

Flag-Pins-China-Israel
صحيفة القدس الفلسطينية:
الهدف من تخصيص هذه الورقة حول تاريخ اليهود في الصين, هو تسليط الضوء على العلاقات الصينية – الإسرائيلية في العصر القديم والعصر الحديث , والعلاقات الدبلوماسية بين الصين وإسرائيل ، حيث اعترفت إسرائيل بجمهورية الصين الشعبية التي تم الإعلان عن تأسيسها عام (1949م) في (9/1/1950م) , وتكون إسرائيل بهذا الاعتراف قد سبقت الدول العربية كافة التي كانت قائمة آنذاك , فلقد كانت مصر أول دولة عربية تعترف رسمياً بجمهورية الصين الشعبية وجاء هذا الاعتراف في (16/5/1956م) , إلا أن الصين التي كانت تعتبر أن إسرائيل جزءاً لا يتجزأ من الاستعمار العالمي والإمبريالية العالمية , وأنها تُمثل أداتها الاستعمارية الضاربة في منطقة الشرق الأوسط , لم تعير أي اهتمام لاعتراف إسرائيل بها , ورفضت إقامة علاقات دبلوماسية معها , وظلت الصين على موقفها الثابت والمبدئي ولم تتخلى عن تأييدها للقضية الفلسطينية خلال هذه المرحلة التاريخية على وجه الخصوص , وظلت تدعم وتساند القضايا والحقوق العربية على وجه العموم , واستمرت الصين على هذا النهج حتى كانون الثاني من عام (1992م) , حيث تم تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإسرائيل , وجاء هذا التبادل بين الطرفين في ضوء الظروف والمستجدات التي طرأت في الشرق الأوسط , والتي كانت أبرزها عقد مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر (1991م) , وجلوس أطراف الصراع على مائدة المفاوضات المباشرة , وسبق مرحلة الاعتراف والتبادل الدبلوماسي بين الصين وإسرائيل تبادلات محدودة النطاق , تمثلت في سعي الصين للاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في مجال الزراعة وطرق الري الحديثة , والأهم من ذلك الاستفادة من خبرات إسرائيل العسكرية , وما تمتلكه من تكنولوجيا عسكرية , وكانت أول صفقة للصين في التعامل مع إسرائيل عام (1985م) حينما باعت إسرائيل أسلحة ومعدات للصين , شملت الصفقة أجهزة اتصالات رادارية , ونظماً دفاعية خاصة بالصواريخ ( جو – جو) , وأجهزة إطفاء الحرائق , وأجهزة الليزر والأشعة فوق الحمراء للرؤية الليلية , والأنظمة الباليستية التي تعمل بالحاسوب لتحديد الهدف بدقة , والخبرات الفنية اللازمة لتحسين قذائف الدروع القادرة على اختراق الواجهة الأمامية للدبابة , وتبع ذلك صفقات بمليارات الدولارات تقوم إسرائيل بمقتضاها بتزويد الصين بكميات كبيرة من العتاد الحربي , وتقنية صناعة السلاح , وتهدف الصين من وراء هذا التعاون الولوج إلى التكنولوجيا العسكرية الأمريكية المتطورة المتاحة لإسرائيل دون غيرها مما أثار غضب أمريكا في أكثر من مرة واضطرت للتدخل وإلغاء صفقات مبرمة بين الصين وإسرائيل , وخاصة صفقة الطائرات بدون طيار , والتي اضطر رئيس وزراء إسرائيل آنذاك ( أيهود باراك) لإلغائها , ودفع غرامات مالية للصين , وقيل أنه قد تم بيع هذا النوع من الطائرات إلى الصين بعيداً عن عيون أمريكا , التي سرعان ما انكشفت , وأدت إلى إشعال غضب عارم في الأوساط الأمريكية .

وقد أدى الكشف عن هذه الصفقة بين الصين وإسرائيل , إلى الكشف عن مزيد من الصفقات سابقاً ولاحقاً , وخاصة قيام إسرائيل ببيع الصين صواريخ وأسلحة هجومية , وقد كشف ذلك عندما قامت إحدى الطائرات الهجومية الصينية المقاتلة باعتراض طائرة تجسس أمريكية في الأجواء الصينية , وعند مشاهدة الأمريكيين لفيلم التسجيل , وجد الأمريكيون أن الطائرة الصينية المقاتلة التي اعترضت طائرة التجسس الأمريكية عالية التطور , كانت مزودة بصواريخ هجومية إسرائيلية , وزاد التبادل بين الطرفين ووصل لدرجة توريد أسلحة للصين , وتدريب مقاتلين وطيارين صينيين .

وجود اليهود في الصين :

يهود ( خاربين)

يُعتقد أن مدينة ( خاربين) التي تقع في شمال شرق الصين , كانت تضم أعداداً من يهود وصلوا إليها في النصف الأول من القرن العشرين , طمعاً في ملاذ آمن لهم هروباً من حالة الفوضى والحروب والثورات التي شهدها العالم في تلك المرحلة , ويقول نائب رئيس مركز الأبحاث اليهودية في أكاديمية ( هيلو جيانغ) للعلوم الاجتماعية ( لي شو كياو) , أن اليهود قدموا إلى هذه المنطقة منذ عام (1899م) على الأرجح , وذلك وفق ثلاث موجات أو مراحل من الهجرة , الأولى كانت في عام (1899م) والثانية عام (1917م) إثر الثورة البلشيفية في روسيا , والثالثة (1929م) إثر نزاع صيني – روسي على الحدود , وقدر عدد اليهود الذين وصلوا إلى مدينة (خاربين) في تلك المرحلة بعشرين ألف (20,000) يهودي .

ويقول ( بان جوانج) , أستاذ التاريخ في معهد الدراسات الأوروبية والآسيوية في مدينة شنغهاي : أن معظم اليهود الروس الذين قدموا إلى الصين أصبحوا فيما بعد عماد الطبقة الوسطى بعد أن أتت جهودهم أكلها , ويضيف (بان جوانج) : “لكن الأوضاع والتطورات السياسية التي سادت بعد ذلك جعلت من العسير على اليهود مواصلة الحياة في الصين , مما أدى إلى خروجهم من جديد في أوائل الخمسينات , فمنهم من عاد إلى روسيا , والأغلبية الساحقة منهم هاجر إلى إسرائيل ضمن المخطط الصهيوني لزرع الاستيطان البشري في فلسطين التاريخية .

وقد عامل الصينيون اليهود الذين وصلوا إلى ( خاربين ) هرباً من التمييز القاسي في روسيا القيصرية وبعض الدول الأوروبية معاملة حسنة دون أي تمييز ووصل عددهم لأكثر من عشرين ألفاً , وسُمح لهم بأن يطوروا نظاماً اجتماعياً خاصاً بهم , وقال ( لي شو شياو ) : , نائب رئيس مركز الدراسات اليهودية التابع لفرع هيلو نغجيانغ لأكاديمية العلوم الاجتماعية , أن (خاربين) ومدناً صينية أخرى مثل (شنغهاي) أصبحت أيضاً ملجأ لليهود الفارين من بطش ومحارق النازي في أوروبا , وصرح (اسحق شابيرو) البالغ من العمر (74) عاماً الذي عاد لزيارة موطن طفولته في (خاربين) , قال : إنه بالرغم من مرور (70) عاماً منذ أن غادر خاربين , فإنه لا يزال يتذكر بوضوح أيامه السعيدة في (خاربين) وهو صبي صغير , وأضاف (اسحق شابيرو) , في ذاكرة الطفولة كان الصينيون حولي في كل مكان , في متجر الحلويات , وفي المتجر , وفي مصنع جدي .

وأضاف :” إنني شببت محاطاً بكثير من الصينيين طيبو القلب , ولم أشعر قط بأني أجنبي , وأكد ( اسحق شابيرو) بأن يهود (خاربين) كانوا يتحدثون الصينية والروسية , وكانوا يتمتعون بالحرية , وكان يمكن مشاهدة الأطفال الصينيين أيضاً في المدارس اليهودية , وقال (اسحق شابيرو) : أنه حتى بعد انتقال أسرته إلى الولايات المتحدة فإن والدته غالباً ما كانت تتحدث عن الأيام الخوالي في الصين , وقال إن والدته قد أخبرته ” إن الشعب الصيني كان دائماً لديه شعور ودي تجاه اليهود , ولم يتوقف قط عن مساعدتهم حتى حينما كانوا يمرون هم أنفسهم في أزمة وطنية , وقالت والدته :” إن الشعب الصيني شعب جدير بالإعجاب” , وفي أعقاب الغزو الياباني للصين واحتلال منطقة شمال شرق الصين عام (1931م) , تغيرت أحوال اليهود قليلاً , وحدثت بعض الاعتداءات على اليهود تمثلت في سرقة محالهم التجارية ومدارسهم وتدمير معابدهم واختطاف رجال الأعمال اليهود في (خاربين) التي كانت ذات يوم مأوى آمن لليهود , ولكن سرعان ما توقفت هذه الأعمال , والتي يُعتقد أن سلطات الاحتلال الياباني تقف خلفها , وبدأت مرحلة تفاهم بين اليهود والاحتلال الياباني على قاعدة المصالح المتبادلة , وطرحت خطة في حينه عُرِفت باسم ” خطة قنفذ البحر” , وهي خطة مفصلة تقع في حوالي تسعين صفحة , تتناول العديد من المجالات والمحاور وأهم هذه المحاور إقامة “كيان لليهود في دولة منشوريا” الصينية التي يسيطر عليها اليابانيون , والبدء في توطين حوالي (30,000) يهودي ومن ثم توسيعها تدريجياً , على أن يتحمل كافة التكاليف المترتبة على ذلك الجماعات المالية اليهودية في أمريكا , وتدفع مائة مليون دولار في المرحلة الأولية لإيواء الدفعة الأولى من اليهود , وجوهر هذه الخطة يهدف إلى بناء مستوطنات يهودية في (خاربين) تحديداً , وبقيت هذه الخطة حبراً على ورق ولم تترجم على أرض الواقع , والتي وافق عليها اليهود طمعاً في استمرار حالهم وتجارتهم ومصالحهم بشكل طبيعي من خلال التوافق مع سلطات الاحتلال الياباني , وكان اليهود في (خاربين) ضلعاً رئيسياً في إحياء تلك الخطة , فقد أعلنوا بصورة علنية عن رغبتهم في التعاون مع حكومة الاحتلال الياباني ، وفي المقابل اليابان كانت تطمع في الحصول على مئات ملايين الدولارات من الجماعات المالية اليهودية مقابل رعاية وتسهيل حياتهم وتأمين إقامتهم وممتلكاتهم ، ويعتبر الخبراء والباحثون في الشأن اليهودي من المراكز البحثية الصينية إن موافقة اليهود على هذه الخطة خيانة للشعب الصيني الذي أحسن معاملة اليهود في جميع البلاد وخاصة في (خاربين) .

عاش اليهود في (خاربين) قرابة نصف قرن , ثم تركها البعض وتوجه إلى إسرائيل الوليدة , بينما البعض الآخر هاجر إلى استراليا وأمريكا ودول أخرى عديدة .

مقابر اليهود في (خاربين)

تقع مقبرة اليهود في (خاربين) على مساحة تقدر بحوالي (836) متراً مربعاً , وتحتوي على (600) قبر , وهي المقبرة الأكبر من نوعها في الشرق الأقصى , وتهتم السلطات الصينية المحلية في (خاربين) بحمايتها ونظافتها وصيانة قبورها , ويُدفن في هذه المقبرة جد ( أيهود أولمرت) رئيس وزراء إسرائيل الأسبق الذي تنحدر عائلته من يهود (خاربين) الذين فروا إليها من روسيا , وذات مرة حينما زار ( أيهود أولمرت ) الصين ذهب إلى زيارة قبر جده , وجرت العادة أن تقدم وزارة الخارجية الصينية إيجازاً عن زيارة أي مسؤول إسرائيلي كبير للصين للسفراء والقائمين بالأعمال العرب المعتمدين لدى الصين , وبعد انتهاء اللقاء مع المدير العام لإدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الصينية والذي قدم لنا إيجازاً حول نتائج زيارة ( أيهود أولمرت ) للصين , ووقف لوداعنا , وهو صديق حميم لي , ويتعاطف بشكل عميق مع الشعب الفلسطيني ونضاله العادل , قلت له وأنا أشكره مودعاً :” احذروا يا رفيق من تكرار زيارة “أيهود أولمرت ” إلى قبر جده في (خاربين) , فقال لي لماذا ؟ , فقلت له : حتى لا يقيم عليها مستوطنة إسرائيلية , هذه أطماع قديمة لليهود في خاربين إبان مرحلة الاحتلال الياباني , واكتفى سعادته بالابتسامة , وأنا اكتفيت بأن رسالتي قد وصلت لكشف أطماع إسرائيل في سرقة ونهب المزيد من الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات والحدائق الكبيرة عليها .

يهود كايفنج :

جماعة يهودية كبيرة , تتكون من عدة الآلاف من اليهود , كانت تعيش في مدينة (كايفنج) عاصمة مقاطعة (خونان) الواقعة على ضفاف النهر الأصفر , ويعود تاريخ اليهود في هذه المنطقة إلى القرنين التاسع والعاشر , حيث هاجرت أعداد من يهود إيران والهند إلى هذه المنطقة , وكان بين اليهود المهاجرين لهذه المنطقة من كبار رجال المال والأعمال والعلماء والمثقفين , مما مكنهم من استمالة أباطرة أسرة (تانج) الحاكمة , التي عينت أحد أعضاء طبقة (الماندرين) الصينية وهي الطبقة الأرستقراطية الثقافية تتكون من كبار الموظفين والعلماء , مسؤولاً عنهم , فكان يزور معبدهم باسم الإمبراطور مرة كل عام , ويحرق البخور أمام المذبح .

كان المهاجرون اليهود الذين وصلوا إلى (كايفنج) في غالبيتهم يتحدثون الفارسية , وكانوا متخصصين في صناعة المنسوجات القطنية وصباغتها وطباعة الألوان عليها , وهي صناعة كانت متقدمة في إيران والهند , وكان سكان الصين يتزايدون في تلك المرحلة , الأمر الذي أدى إلى نقص حاد في المنسوجات الحريرية المفضلة لدى الصينيين , ونشوء الحاجة إلى المنسوجات القطنية , مما ساهم في رواج هذه الصناعة , وهو ما قد يفسر استقرار اليهود في الصين في ذلك الوقت , فالمعروف عن اليهود أنهم يبحثون عن الأعمال المربحة , ويتبين من ذلك أن اليهود ينتمون إلى طبقة التجار والصناع التي تقع بين الفلاحين من جهة وطبقة الموظفين والعلماء من جهة أخرى , ومن ثم كان طموح اليهود الاجتماعي , هو الاتصال بالطبقة العليا والابتعاد عن طبقة الفلاحين , وقد اندمج يهود (كايفنج) في الحياة الصينية بالتدريج , وتزاوجوا مع الصينيين , وخصوصاً المسلمين بوصفهم من أصحاب الديانات السماوية , لدرجة أنه في مرحلة من المراحل , كان اليهود يصنفون بوصفهم مسلمين , حتى اختفى أثرهم تقريباً , وانصهروا في المجتمع الصيني الكبير.

ويفسر اندماج وانصهار يهود (كايفنج) في نهاية الأمر بالمجتمع الصيني الكبير , على أساس انعزالهم عن يهود العالم , وعدم وصول مهاجرين يهود جدد إليهم , وعلى أساس الزواج المختلط, وعدم وجود معاداة لليهود في مجتمع مقاطعة (خونان), والذي ساهم أكثر فأكثر على انصهار اليهود في مكونات المجتمع الصيني , هو أن العقيدة الرسمية للدولة في الصين قبل الثورة كانت (الكونفوشيوسية) والتي كانت لا تعارض التعددية الدينية مادامت هذه التعددية لا تهدد النظام السياسي , وكان المطلوب من أية جماعة دينية أخرى أن تعترف بعبادة الأسلاف والمكانة الدينية للإمبراطور , كما لم تكن توجد أفكار دينية أو قومية أو ممارسات عنصرية تؤدي إلى عزل الأقليات الدينية , وكانت المفاهيم السائدة في الصين آنذاك أن الإمبراطورية هي العالم , لذلك عاشوا أصحاب الديانات الأخرى وخاصة الإسلامية واليهودية دون تمييز قانوني أو اقتصادي أو اجتماعي , كما أن تركيبة المجتمع الصيني من الأسرة الممتدة والعشيرة , قد ساعد على ترسيخ هذا النمط , وقلل من الاحتكاك المباشر بين الديانات , وقلل من احتمالات الصراع , والاحتكاك فقط مع مؤسسات الدولة , مما ساعد على تنظيم العلاقة وتقليل التوترات , وقد أدى كل هذا إلى اندماج اليهود تدريجياً وتمثلهم كثيراً مع عناصر القيادة (الكونفوشيوسية) التي تشكل أساس التعامل بين الجماعات .

ابتداءً من القرن الرابع عشر , أُعيد تنظيم طبقة الموظفين والعلماء بشكل أكثر انفتاحاً , من خلال نظام الامتحانات الإمبراطوري , الأمر الذي أتاح أمام اليهود في كايفنج فرصاً ضخمة للحراك الاجتماعي , فدخلت عناصر من قيادات اليهود الامتحانات ونجحت فيها وانضمت إلى البيروقراطية الحاكمة , وقد كان الانخراط في هذه الوظائف يُعد في نظر المجتمع الصيني أكثر أهمية وقيمة من الأعمال التجارية , كما كان يعتبر نقلة طبقية , ورأوا أن (الكونفوشيوسية) واليهودية لا تعارض بينهما , وتحولوا بالتدريج إلى النخبة القائدة في الجماعة اليهودية , وبدأت رؤيتهم (الكونفوشيوسية) تتسلل إليها حتى امتزجت اليهودية بالكونفوشيوسية , مما كان يعني تناقص عدد أعضاء اليهود , والذي كان يعين موظفاً في الدولة , يمنع تعينه في محل ميلاده وإقامته لمنع الوساطة والمحسوبية , ولذا كان على اليهودي الذي يعين موظفاً أن يترك كايفنج , الأمر الذي أدى إلى تناقص عدد الجماعة اليهودية والعناصر القيادية فيها , كان على اليهودي الذي ينضم إلى الطبقة الجديدة أن يصبح واعياً بمكانته الاجتماعية ووضعه الطبقي وبانتمائه إلى الطبقة الجديدة , وهو ما جعل الزواج المختلط من داخل الطبقة مسألة شبه حتمية , خصوصاً أن العاملين من العلماء والموظفين في مؤسسات الدولة كانوا يعيشون بعيداً عن أسرهم وعشائرهم , وهذا التحول في قيادة الجماعة اليهودية التي بحثت عن مصالحها ومراكزها في الدولة , وكذلك تشتتها وابتعادها عن جماعتها , هو الذي ساعد على تحويل اليهودية من الداخل , ثم تعمق الأمر , وبدأ اليهود يتبعون عبادة الدولة التي تتضمن تبجيل وتقديس كونفوشيوس , وتبنى اليهود طقوساً كونفوشيوسية , للاحتفال ببلوغ سن التكليف الشرعي والزواج والموت والدفن , وابتعد اليهود عن كثير من أهم شعائرهم التي كانت تحفظ لهم عزلتهم وهويتهم , كما أن اليهود لم يترجموا قط كتبهم المقدسة من العبرية إلى الصينية , ولهذا كان كيان الجماعة اليهودية مهدداً دائماً بالاختفاء في حالة نسيان القيادة للعبرية , وهذا هو ما حدث بالفعل عام (1723م) إذ أن العبرية كانت قد نسيت تماماً واندثرت في ذلك التاريخ .

لكل هذه الاعتبارات والأسباب الواردة أعلاه , تقوضت هوية الجماعة اليهودية من الداخل تماماً , وحينما مات آخر حاخام في القرن التاسع عشر , انتهى ما تبقى من اليهودية , بحيث أصبح أعضاء الجماعة اليهودية مع ستينات القرن الماضي صينيين في ملامحهم وردائهم وعاداتهم ودينهم , وفي عام (1900م) حاولت مجموعة من اليهود الإنجليز في شنغهاي تأسيس “جماعة إنقاذ يهود الصين” التي حاولت إحياء اليهودية في (كايفنج) لكن دون جدوى , حيث كانوا قد اندمجوا تماماً في المجتمع الصيني , وكان كل ما يعرفونه عن اليهودية هو أنهم يهود , وتذكر الوثائق التاريخية أنه لا يزال هناك حوالي نحو (250) صينياً من سلالة يهود (كايفنج) ولكنهم منصهرون تماماً في الحياة والواقع المجتمعي الصيني .

يهود شنغهاي :

على الرغم من أن السلطات اليابانية كانت تفرض حالة من الطوارئ على شنغهاي عقب احتلالها في أواخر عام (1937م) إلا أنها كانت قد اتخذت سياسة عدم التدخل في شؤون اليهود الذين انتشروا في جميع مناطق النفوذ الأجنبي , وسائر أحياء المدينة , وقد أقامت السلطات اليابانية ثلاثة معسكرات للاجئين اليهود في المدينة وعملت على توفير الدعم والمساعدة لأكثر من ثلاثة آلاف لاجئ يهودي .

وخلال فترة حكم الاحتلال الياباني كان اللاجئون اليهود يصدرون ثلاث أنواع من الصحف اليومية الخاصة بهم في شنغهاي , ويمتلكون مدرستين ابتدائيتين , ويتمتعون بحرية ممارسة المشاعر والفعاليات الدينية والترفيهية , وحتى حق القيام بالأنشطة ذات الصلة بالحركة الصهيونية .

وفي بداية عام (1941م) كانت الحكومة اليابانية قد سمحت لأكثر من ألف لاجئ يهودي بولندي بالتوجه إلى مدينة كوبى اليابانية , حيث قامت باحتضانهم وإيوائهم إلا أنها عادت ورحلتهم في نفس السنة إلى مدينة شنغهاي لاعتبارات سياسية , كي لا تعكر صفو علاقاتها مع حليفتها ألمانيا .

وفي شباط عام (1943م) , عملت السلطات اليابانية على تجميع اللاجئين اليهود القادمين من ألمانيا والنمسا وبولندا في معسكر (خونغ كو) البالغ مساحته خمسة كيلو مترات مربعة , ولكنه ليس على غرار معسكرات النازية الألمانية , حيث ظلوا يتمتعون بحرية ممارسة الشعائر الدينية والأنشطة الثقافية داخل المعسكر غير المسور والخالي من الموانع والعوائق على الطرق المؤدية له , ومن الجدير بالذكر أن أهل شنغهاي كانوا قد قدموا لهم مساعدات سخية برحابة صدر وهم في هذا المعسكر , مما يعبر عن مشاعر صادقة لا يمكن نسيانها بين أخوة يتذوقون المحن والمصائب , برغم سياسة اللطف التي خصت بها السلطات اليابانية اليهود دون غيرهم من السكان وخاصة أبناء شنغهاي من الشعب الصيني .

وكانت السلطات اليابانية تشجع هجرة اليهود إلى شنغهاي , وجاء أن الخبير الياباني للشؤون اليهودية حث على أن يتم تهجير (3000) عامل يهودي , وعقدت اجتماعات متكررة في شنغهاي للتداول في هذا الموضوع , وقدم الخبراء اليابانيون للشؤون اليهودية , والقنصل العام الياباني لدى شنغهاي , في يونيو (1939م) تقريراً من (90) صفحة تحت عنوان “دراسة وتحليل حول إمكانية جذب الأموال اليهودية” , وسلموه إلى سلطات طوكيو , وعلى إثره طرحت الحكومة اليابانية مشروعاً يقضي بضرورة توفير مائة مليون دولار أمريكي لإيواء (30) ألف لاجئ يهودي وليس ثلاثة آلاف فقط , ووقعت خلافات بين الخبراء اليابانيين حول مكان إقامة الكيان اليهودي في دولة منشوريا أم في شنغهاي .

وعلى أثر قدوم أفواج وأعداد كبيرة من اللاجئين اليهود إلى شنغهاي لدرجة أنهم لم يجدوا أماكن تأويهم ولا وظائف يعتاشون منها , مما دفع ممن سبقهم من اليهود في مدينة شنغهاي من “السفرديم” و ” الأشكيناز” , إلى تقديم عريضة للخبير الياباني في الشؤون اليهودية يطلبون فيها أن تقوم الحكومة اليابانية بإقناع السلطات الألمانية والإيطالية بمنع هجرة اليهود إلى شنغهاي , أو قيام الحكومة اليابانية بوضع قيود مشددة على هجرتهم إلى شنغهاي , وجاء في عريضة يهود شنغهاي ” لقد تحملنا الكثير من الأعباء , ولا نستطيع تحمل ما يفوق طاقاتنا , فليهاجر غيرنا إلى أماكن أخرى في العالم , وليعيشوا من عرق جبينهم ” , وهذا المطلب وضع السلطات اليابانية في موضع حرج للغاية , وعلى هذا الأساس قامت الحكومة اليابانية في التاسع من آب عام (1939م) بالإعلان عن بعض الإجراءات التقييدية على اليهود المهاجرين إلى شنغهاي من أوروبا , أو من دولة منشوريا إلى شنغهاي , ومن بين تلك الإجراءات مطالبة أي مهاجر يهودي إلى شنغهاي بدفع (400) دولار أمريكي كضمانة مالية , بالإضافة إلى امتلاكه أو حصوله على عقد توظيف أو عقد عمل مسبق في شنغهاي , وأكدت الحكومة اليابانية على أن هذه الإجراءات اتخذت بناءً على رغبة وطلب خاص من لجنة شؤون اللاجئين اليهود في شنغهاي .

مؤتمرات يهودية في خاربين برعاية يابانية :

المؤتمر الأول :

عقد المؤتمر الأول للجماعات اليهودية في الشرق الأقصى تحت تحريض ورعاية المحتل الياباني , فأرسلت الجماعات اليهودية في كل من شنغهاي , ومدينة كوبى في اليابان مندوبيها للمشاركة في هذا المؤتمر الذي عقد في ديسمبر ( 1937 م ) بمدينة خاربين , وحضره الخبير الياباني للشؤون اليهودية , وصرح أحد كبار المسؤولين في الدوائر العسكرية اليابانية في شمال الصين الشرقي والغربي قائلاً : ” يعتز أهل اليابان المترفعون على نزعة التعصب القومي بالصداقة الرابطة بين الشعبين الياباني واليهودي , وأن اليابان مستعدة للتعاون مع الشعب اليهودي ” .

وأرسل المؤتمر رسالة إلى جميع الجماعات اليهودية المنتشرة في العالم جاء فيها :

” نحن – المندوبون اليهود المشاركون في هذا المؤتمر المتسم بالطابع القومي – نعلن أننا نتمتع بالمساواة والعدالة بين أمم العالم في ظل حماية قانون الدولة ( اليابان ) كما سنعمل على إقامة نظام جديد في آسيا بالتعاون مع اليابان وسلطات منشوريا , فنحن نناشد أبناء ديننا بمد يد العون والمساعدة لنا ” , في إشارة واضحة لموافقة اليهود في خاربين على الاندماج في ” خطة قنقذ البحر ” , وإقامة دولة لهم على الأراضي الصينية , في الوقت الذي لم يتعرض اليهود في الصين عموماً وخاربين خصوصاً إلى أي نوع من أنواع التمييز من قبل الشعب الصيني وسلطاته , مما أثار غضب واشمئزاز أبناء الشعب الصيني الذي أحسن معاملة وإيواء اليهود الهاربين من بطش السلطات الروسية آنذاك , وبطش النازية في أوروبا أيضاً .

المؤتمر الثاني :

عقد المؤتمر الثاني للجماعات اليهودية في الشرق الأقصى بمدينة خاربين في عام ( 1938م ) , أي بعد سنة من المؤتمر الأول , وبعد عدة أسابيع على اجتماع الوزراء الخمسة اليابانيين الذي أقر تنفيذ ” خطة قنفذ البحر ” التي تشبه اليهود بقنفذ البحر , لقناعة اليابان بأن لحمه لذيذ بعد التخلص من سمومه , في إشارة لطمع اليابانيين بما يمتلكه اليهود من المال , وذهب , وفضة , حيث قام الجانب الياباني الذي شارك في المؤتمر بإعادة التأكيد على ادعاءاته التي جاءت في المؤتمر الأول من ود وتقرب لليهود , وقال الباحث الصيني ( تزانغ يي جي) في الشؤون اليهودية في الصين في مقالة له :” قد يرى المشاهد أكثر من اللاعب , إن تمثيلية الإمبراطورية اليابانية لم ترق مزاج رئيس مؤتمر اليهود الأمريكان , الذي قيّم ذلك قائلاً :” أعتقد بأن دعم اليهود لليابان ليس إلا تصرفاً من التصرفات المنحطة , فشأن اليابان شأن كل من ألمانيا وإيطاليا , دولة فاشية بكل معنى الكلمة , ولا أريد أن أخوض في أي نقاش في هذا الموضوع , فإنني أشعر بالخجل والأسف الشديدين أن تحظى اليابان بأي دعم كان من اليهود في الصين مهما كانت الدوافع والمبررات “.

المؤتمر الثالث:

عقد المؤتمر الثالث للجماعات اليهودية في الشرق الأقصى في خاربين عام (1939م) , وأجاز المؤتمر قراراً سرياً يقول ” نعبر عن جزيل شكرنا وامتناننا لليابان وشعبها للمعاملة الطيبة التي يلقاها المهاجرين الجدد من اليهود والمقيمين , واليوم فإن اللاجئين اليهود يتدفقون إلى أرجاء الشرق الأقصى كالطوفان , وخاصة إلى مدينة شنغهاي , فلم يجد الآلاف منهم أماكن تأويهم , ونضطر إلى إيوائهم في المدارس وغيرها من الأماكن العامة , ونحن الجماعات اليهودية في جميع أنحاء العالم سنكون مدينين بالشكر والعرفان لليابان فيما إذا عملت على إيجاد وتوفير مأوى لليهود المهاجرين , أو إقامة مستوطنات تأويهم في الشرق الأقصى , وإذا ما وافقت اليابان على ذلك (توفير مأوى لهم) فإن الطرفين اليهودي والياباني سيضطلعان سوياً بمسؤولية بناء المستوطنات كما يتعهدان بتضافر جهودهما في سبيل بناء آسيا جديدة” , وتم إرسال هذا القرار إلى المؤتمر اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية .

وحتى عام (1940م) لم يتسلم الجانب الياباني أي رد من رئيس المؤتمر اليهودي على قرار المؤتمر الثالث أو التعليق عليه , وفي تموز من عام (1940م) , عقدت اليابان تحالفاً عسكرياً مع كل من ألمانيا وإيطاليا , أُعلن عنه في سبتمبر من نفس العام , وعندئذٍ آلت خطة قنفذ البحر اليابانية إلى السقوط , ومُنيت بالفشل الذريع , وقال خبير صيني في الشؤون اليهودية يقيم في مدينة شنغهاي :”يشعر يهود خاربين بالخزي والندم من تلك الفترة التي تعاونوا فيها مع اليابانيين إبان الحكم العميل , ويشعرون بالخجل عند استطراقهم لتلك الحقائق التاريخية وعليه يتحاشون تناول هذا الموضوع”.

ويُعقب الكاتب والباحث الصيني (تزانغ يي جي) على موقف اليهود في خاربين من خطة قنفذ البحر , والتعامل مع المحتل الياباني قائلاً : ” عدت لأتأمل عبارات الثناء والتمجيد التي يكنها يهود خاربين تجاه الشعب الصيني لما يتحلى به من سعة صدر وأمة فريدة تخلوها نزعة التعصب في تعامله مع اللاجئين اليهود , ينتابني شعور مليء بالحرج والبرودة , ففي الوقت الذي كان فيه اللاجئين في مدينة خاربين يلجأون مرة تلو الأخرى إلى كل الوسائل المتاحة التي تمكنهم من كسب رضا الغزاة اليابانيين طمعاً في البقاء والحياة السعيدة , فإن أبناء مدينة خاربين والبلاد كلها يعاملون اللاجئين اليهود دونما أي تمييز أو انتقاء , ويبتلعون مرارة الاحتلال والتشرد والهلاك , وفي أوج صخب (خطة قنفذ البحر) التي أقامت الدنيا ولم تقعدها , وفرقة (731) للجيش الياباني الغازي ترتكب المجازر الدموية هنا وهناك , وتحصد أرواح أبطال المقاومة , علماً أن كل تلك المآسي قد وقعت قبل مذبحة تانجين التي تقشعر لها الأبدان , إذن ما هو الوحي الذي جاءت به كل تلك الحقائق التاريخية “.

السفارة الإسرائيلية في بكين :

تأسست العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإسرائيل في كانون الثاني من عام (1992م) , ومنذ ذاك التاريخ لا يوجد أي علاقة بين سفارة دولة فلسطين في بكين والسفارة الإسرائيلية , فسفارتنا في بكين توجه الدعوات إلى جميع السفارات والمكاتب التمثيلية والمفوضيات الأجنبية المعتمدة لدى الصين باستثناء السفارة الإسرائيلية , وهي بدورها تفعل نفس الشيء , ونظرة المجتمع الدبلوماسي لهذه العلاقة الثنائية برغم أن هنالك اتفاقات موقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي , نظرة مازالت صحيحة وفي محلها , حيث يعتبر الدبلوماسيون أن السفير الإسرائيلي والسفارة الإسرائيلية يمثلان جهة معادية للشعب الفلسطيني , مازالت تماطل وتتهرب من منحه حقوقه المشروعة , وتمكينه من إقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة على أرضه المحتلة , هذا المفهوم راسخ وثابت لدى المجتمع الدبلوماسي في الصين , الذي لم يوجه أي نقد أو لوم على موقفنا من عدم إقامة أي نوع من العلاقات الدبلوماسية مع السفارة الإسرائيلية في بكين .

من جانبنا في سفارة دولة فلسطين في بكين , اعتمدنا نهج معالجة تجاوزات وخروقات السفارة الإسرائيلية من خلال الدولة المضيفة وخاصة من خلال وزارة الخارجية الصينية , فالسفارة الإسرائيلية تعمل على استخدام رموز عربية وإسلامية ومسيحية في فلسطين ، وخاصة في مدينة القدس الشريف ، مثل صور قبة الصخرة المشرفة وصورة كنيسة القيامة المقدسة اللتان تقعان في مدينة القدس المحتلة , وكثيراً ما تستخدم السفارة الإسرائيلية في دعايتها الدبلوماسية هذه الرموز سواءً في العاصمة بكين أو في مدن ومحافظات أخرى , وسفارة دولة فلسطين تتابع هذه الممارسات , وتقف لها بالمرصاد , وحصل أن وجهت سفارتنا مذكرات رسمية , ومذكرات أخرى من مجلس السفراء العرب في بكين , إلى وزارة الخارجية الصينية , التي بدورها مشكورة تبدي اهتماماً فائقاً وتتحرك على وجه السرعة , وتعالج الإشكالية , وتوجه سفارة دولة فلسطين ومجلس السفراء العرب يلقي التقدير العالي من وزارة الخارجية الصينية , التي تسعى إلى توفير الهدوء وعدم حدوث أية مواجهات بين الجانب العربي والجانب الإسرائيلي , ونحن ندرك ونتعامل على أساس أننا في دولة مضيفة صديقة متمسكة بموقفها الثابت من دعم نضال وحقوق شعبنا المناضل .

وخلال مرحلة التحضيرات لإقامة معرض (EXPO) شنغهاي الدولي العام لعام (2010م) , عمدت إدارة الجناح الإسرائيلي على استخدام صور قبة الصخرة المشرفة وصورة كنيسة القيامة المقدسة في الملصقات الدعائية داخل وخارج الجناح الإسرائيلي , وعلى إثر ذلك توجه مجلس السفراء العرب بناءً على طلب من سفارة دولة فلسطين بمذكرة إلى وزارة الخارجية الصينية لمعالجة هذا التجاوز الذي يتعارض مع مبادئ وقوانين ( الاكسبو) , وفي مذكرة الشكر التي وجهها مجلس السفراء العرب في بكين إلى وزارة الخارجية الصينية على سرعة تجاوبها وتحركها وإزالة هذه الملصقات من على جدران الجناح الإسرائيلي في (الاكسبو) من الداخل , نوه مجلس السفراء العرب قائلاً ” إن مجلس السفراء العرب في بكين , إذ يعرب عن شكره وتقديره للأصدقاء في الجانب الصيني على هذه النتائج الهامة , فإنه يرى بأن ذلك غير كافي وأنه يتوجب على إسرائيل إزالة الجدارية الموضوعة على مدخل الجناح الإسرائيلي بمعرض شنغهاي الدولي بأكملها لاسيما وأنها تعكس صورة القدس الشرقية والتي هي أرض فلسطينية محتلة حسب الشرعية الدولية بالإضافة إلى العبارات التحريضية التي لازالت موجودة على الجدارية ” , وفعلاً تم متابعة الموضوع مع إدارة معرض شنغهاي الدولي حتى تم إزالة هذه الجدارية بأكملها قبل افتتاح المعرض أمام الجمهور والزوار .

الدعاية الإسرائيلية بالصين :

توزع السفارة الإسرائيلية في بكين صور , وملصقات , وأشرطة مصورة , لجذب السياحة الصينية إلى إسرائيل , ودائماً تعمل على استغلال صورة القدس الشرقية التي تحتوي على صورة قبة الصخرة المشرفة , وصورة كنيسة القيامة المقدسة , وفي إحدى المرات وزعت السفارة الإسرائيلية أجهزة بث فيديو للباصات التي تنقل الركاب في بكين مجاناً , شريطة أن تبث شريط دعاية سياحية لإسرائيل لمدة (6) شهور , وتضمن هذا الشريط المصور صورة القدس الشرقية المحتلة , وأحياناً تعمل شركات إسرائيلية على استغلال صورة القدس الشرقية في الدعاية لمنتجاتها , وفي كل المرات , وفي كل الأحوال يتم متابعة هذه التجاوزات الخطيرة من قبل سفارة دولة فلسطين في بكين , ويساعد الطلاب الفلسطينيون والعرب في الصين , وأصدقاؤهم من الطلاب الصينيين , على شرح هذه التجاوزات للشعب الصيني من خلال المواقع الإلكترونية المنتشرة على شبكة الانترنت .

وتلجأ السفارة الإسرائيلية إلى دعاية تضخم ما تقوم به فعلى سبيل المثال لا الحصر , تبرع السفير الإسرائيلي في زيارته لإحدى جامعات بكين بمبلغ (15,000) ألف دولار لتطوير مختبر الجامعة , وواكب هذا التبرع دعاية واسعة النطاق في الإعلام الصيني , بينما سفارة دولة عربية شقيقة تبرعت بمليون دولار لإحدى جامعات بكين دون أدنى دعاية في الإعلام الصيني , ربما لاعتبارات خاصة بالسفارة والدولة الشقيقة , ونوهت في مجلس السفراء العرب في بكين بصفتي رئيس اللجنة الإعلامية للمجلس , لضرورة الاستفادة من هذا الدعم العربي السخي والكريم , لكسب المزيد من الدعم والتأييد الشعبي الصيني للحقوق العربية , فالدعم الذي تقدمه الدول العربية الشقيقة للصين كبير ويتناسب مع حجم العلاقات والتبادلات التاريخية بين الجانبين العربي والصيني , فمثلاً وعلى سبيل المثال لا الحصر قدم مجلس السفراء العرب وأبناء الجاليات العربية في الصين الدعم المالي والاحتياجات الملحة لضحايا زلزال سيتشوان (2008م) , كذلك قدمت سفارتنا وكافة السفارات العربية الشقيقة , وكان الدعم الكبير والسخي من سفارة المملكة العربية السعودية في بكين , حيث تبرعت المملكة بخمسين مليون دولار أمريكي , وقامت بتمويل بناء حوالي (1650) وحدة سكنية جديدة للمتضررين من هذا الزلزال الخطير , علاوة على حجم التبادلات التجارية بين الجانبين العربي والصيني التي وصلت إلى رقم (200) مليار أمريكي حتى نهاية العام الماضي .

وتشارك سفارة دولة فلسطين , والسفارات العربية الشقيقة المعتمدة لدى الصين , في الأعمال والمعارض الخيرية , لدعم فقراء الصين , والمتضررين جراء الزلزال والانزلاقات الطينية والفيضانات , وهذه الأعمال الملموسة من عامة الجماهير في الصين , تلقى القبول الحسن والترحيب الحار من عموم أبناء الشعب الصيني والدولة الصينية , وتحظى بتغطية واسعة النطاق في وسائل الإعلام الصينية المختلفة وخاصة في الإعلام المرئي من قبل المواطنين الصينيين لاسيما على شاشات العرض الكبيرة المنتشرة في عموم أنحاء بكين والمدن الصينية , فالمواجهة الدبلوماسية مع إسرائيل ليست مسؤولية الجانب الفلسطيني فقط , وإنما مسؤولية الأشقاء في الجانب العربي , الذين مشكورين يبذلون كل ما بوسعهم لدعم الدبلوماسية الفلسطينية , والنشاطات العامة , لدعم نضال وحقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة التي لازالت تمثل القضية المركزية بالنسبة للأمة العربية ، والقاسم المشترك بين السفارات العربية في بكين ، خاصة في ظل الانفتاح الكبير والواسع النطاق الذي تشهده الصين , والتي وبرغم كل المتغيرات لازالت ثابتة على موقفها من دعم نضال وحقوق الشعب الفلسطيني , وأن الساحة الصينية باتت ساحة مفتوحة أمام جميع دول العالم , مما يتطلب مضاعفة الجهود الفلسطينية والعربية , وتكثيف الاتصال مع الدولة الصينية , والحزب الشيوعي الصيني , وجمعية الصداقة للشعب الصيني مع شعوب العالم والشعوب العربية , وزيادة حجم التبادلات والمنافع بين الجانبين العربي والصيني , فلغة العصر هي لغة السوق والمصالح وتبادل المنافع , ومن الأهمية بمكان أن يشعر المواطن الصيني والمثقف الصيني , بأن له مصلحة عميقة ممتدة مع المواطن العربي , فموقف الدولة الصينية الثابت الراسخ مهم , لكن يجب تعزيزه بموقف جماهيري قوي من عموم أبناء الشعب الصيني , وهذا ناجح إلى حد كبير من خلال حجم تبادل الزيارات والوفود والمنتديات المشتركة بين الجانبين في كافة المجالات .

المراجـــــــع/

– منشورات المركز العربي للمعلومات في بكين .

– منشورات الكاتب الصيني (تزانغ يي جي ) .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.