موقع متخصص بالشؤون الصينية

الحرب على ليبيا… ضد الصين؟

0

(مركز «فورين بوليسي إن فوكس» ـ كون هالينان) عبر صحيفة السفير اللبنانية:
أتى القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن والذي أجاز القصف الأميركي الأخير على ليبيا، على خلفية «الأخلاقية» التي تفترض التدخل لحماية المدنيين من اعتداءات النظام بمختلف أشكالها من قمع وضرب وقتل.
وفي حين ألهمت هذه «الأخلاقية» مجلس الأمن والولايات المتحدة في ليبيا، فان المفارقة الساخرة، ان احداث البحرين والسعودية واليمن لم تلفتهما، حيث يتعرض المدنيون أيضاً للاعتداءات السافرة في الأشكال نفسها وحتى القتل. فهل يكمن السبب في شرّ معمر القذافي تحديداً يا ترى؟ هو حتماً أكثر غرابةً وجنونا. ولكن يكفي أن يكون المرء «معارضاً»ً في أي من هذه الدول، ليضمن الحياة المشؤومة. لا حريات مدنية، سجون مكتظة بمعتقلين سياسيين، وتعنيف شرعي مستدام لمن لا يحب «القائد».
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا إذاً هذه الازدواجية؟ وهل كل ما يحصل هو لأجل النفط؟
الجواب الساخر: كلا… فبعضه من أجل الغاز الطبيعي أيضاً!
إن الأمور صراحةً بهذه البساطة. ولنستعرض بعض الحقائق:
1. في العام 2009، توقعت إدارة المعلومات النفطية الأميركية أن مخزون العالم من النفط «في انخفاض»، وأنه في العقود القادمة ستنضب هذه الاحتياطات وترتفع الأسعار. قد يشكك البعض في فحوى الدراسة بشكل عام، غير أن الجميع يعترف بأن مسألة إيجاد مصادر النفط السهلة، تتعقد أكثر فأكثر.
2. حوالي 65 في المئة من احتياطات العالم النفطية هي في الشرق الأوسط، واحتياطات الغاز الطبيعي كذلك. وتمتلك إيران ثاني أكبر احتياطي بعد روسيا.
3. تستهلك الولايات المتحدة ـ أكبر اقتصاد في العالم – حوالي 21 مليون برميل نفط يومياً. وفي حين لا يبلغ إنتاجها أكثر من 7،5 ملايين برميل، تستورد ثلثي حاجتها تقريباً. وأبرز مصادرها هي بالتدرج: كندا، المكسيك، السعودية، نيجيريا، فنزويلا، والعراق.
4. تبلغ حاجة الصين ـ ثاني أكبر اقتصاد في العالم ـ حوالي 8 ملايين برميل يومياً، وهو طلب مرجّح للارتفاع إلى حوالي 11،3 في المئة بحلول العام 2015. ومع إنتاجها لـ3،7 مليون برميل محلياً، فهي أيضاً تستورد معظم حاجتها من الخارج. وأهم مصادرها بالتدرج هي: السعودية، إيران، أنغولا، روسيا، عمان، والسودان.
بين عامي 2030 و2050، من المتوقع أن تتخطى الصين الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم – في حال استطاعت تأمين احتياجاتها من الطاقة لصناعاتها المتنامية. إن ضمان الوصول إلى منابع النفط والغاز يشكل نقطة ارتكاز في السياسة الخارجية الصينية، وذلك بسبب قلق بكين من وضعها الحالي في هذا الشأن تحديداً.
تأتي حوالي 80 في المئة من شحنات النفط إلى الصين عبر البحر، وجميع الطرقات التي تسلكها هذه الشحنات تمرّ عبر «حواجز» أميركية. فيسيطر الأسطول الأميركي الخامس عبر قاعدته في البحرين على مضيق هرمز، والذي تمر من خلاله شحنات النفط الآتية من السعودية، إيران وعمان. ويهيمن هذا الأسطول أيضاً على مضيق باب المندب على مدخل البحر الأحمر، والذي يمر عبره النفط السوداني إلى المحيط الهندي في طريقة إلى الصين.
ويعتبر مضيق ملقة الواقع بين إندونيسيا والجزر الماليزية والذي يتربع عليه الأسطول الأميركي السابع، نقطة أساسية في النفط المتجه إلى الصين.
يشكل هذا التوتر الصيني حول درب مصادرها النفطية المائي أحد أبرز أسباب قيام بكين بتطوير برنامج السفن الحربية، بنائها لمرافئ في جنوب وشرق آسيا، وجهودها لمدّ أنابيب برية من روسيا وآسيا الوسطى وباكستان.
يحاول الصينيون أيضاً التعايش مع واقع أن إيران، أي ثاني أكبر مصدر معتمد لديهم في ما يخص النفط والغاز، تخضع حالياً لعقوبات أدّت إلى تراجع إنتاجها بشكل عام وحصة الصين منه. وقد استثمرت الصين حوالي 120 مليار دولار بهدف تطوير قطاع الطاقة في إيران، قبل أن تضطر مؤخراً إلى وقف التمويل خوفاً من تطبيق العقوبات على مصارفها لتعاملها مع نظام طهران.
وتدري الصين جيداً دوافع عدم تدخل الولايات المتحدة في البحرين واليمن: فالأولى تشكل قاعدة للأسطول الأميركي الخامس، فيما يقع مرفأ عدن اليمني على مشارف البحر الأحمر. قد ترغب الصين إذاً في لعب الشطرنج.
أما في ليبيا، فرغم أن الولايات المتحدة لا تحصل على نفطها من هناك، تشكل احتياطات البلاد مصدراً استراتيجياً لحلفائها الأوروبيين. وتقبع العقدة الحالية في مقرّ «القيادة الأميركية العسكرية في أفريقيا» (أفريكوم). وحتى الآن، لم تكن منجزات هذه المؤسسة الأمنية الجديدة مبهرة بتاتاً. فبدايةً، لم يستقبلها أحد نظراً لواقع أن الوجود العسكري الأميركي في إفريقيا يشكل مصدر توتر للقادة المحليين. وبالتالي، اتخذت من ألمانيا مقرّاً لها منذ تأسيسها. أما مهمتها الميدانية الكارثية الأولى في قيادة الاجتياح الإثيوبي للصومال، فانتهت بسيطرة «تنظيم الشباب» المقرب من القاعدة على أطياف واسعة من البلاد.
غير أن ليبيا تشكّل حالياً هدفاً محتملاً لهذه القيادة، مما يجعل الصين أكثر توتراً (ويفسر غيظها من أنباء الخسائر البشرية الأخيرة في ليبيا). وعندما كانت لا تزال «أفريكوم» في مراحلها الجنينية، قامت برسم خطة لتدخل عسكري في خليج غيـنيا في حال أدت الاضطرابات الداخلية في قطع إمدادات النفط. وتقع أنغولا، المصدر الأفريقي النفطي الأول بالنسبة للصين، في خليج غينيا.
ولا يمكن اعتبار تشكيل قيادة عسكرية أميركية في القارة السمراء والذي أتى بالتزامن مع تزايد أهمية نفطها بمثابة الصدفة.
وتعمل «أفريكوم» حالياً على تدريب وتشكيل جيوش 53 دولة في القارة.
فها أنت إذاً في بكين. تتوق صناعاتك إلى السلطة. فيما يهندس الإعلام الأميركي حملة عدائية منظمة تجاهك وتتصدر مقالات الصحف عناوين من أمثال «النمر الصيني يبرز مخالبه»، ويلومك السياسيون الأميركيون على مشاكل بلادهم الاقتصادية. وقد وضعت الولايات المتحدة بصمتها على جميع مصادر نفطك وطرقها الأساسية إليك.
لم يعمل أحد على قطع الإمدادات حتى الان، غير أن التهديد بالقيام بذلك واقع ملموس.
في النهاية، لا يتعلق الأمر بالنفط والغاز بحدّ ذاته، وإنما بالسيطرة على الطاقة. فأية دولة تنجح في محاصرة مصادر الطاقة في العقود القادمة تضع نفسها في موقع يخولها فرض الكثير على بقية العالم.
وحتى الآن، تدفع شعوب الشرق الأوسط، ثمن هذا التحول.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.