موقع متخصص بالشؤون الصينية

عودة الجدل إزاء العملة الصينية

0

Yawn2
موقع قناة الجزيرة الالكتروني:

ستيفن إس روتش:
شهدت عملة الصين اليوان -أو “الرنمينبي”- ضعفاً في الأشهر الأخيرة الماضية، الأمر الذي أحيا مجدداً الاتهامات “المعتادة” بالتلاعب والخفض التنافسي لقيمة العملة واتباع سياسة إفقار الجار.

فقد أعربت وزارة الخزانة الأميركية في منتصف أبريل/نيسان الماضي عن “مخاوف جادة للغاية” إزاء هذا التطور، لتسلط الضوء على قضية لطالما شكلت واحداً من أبرز مسببات النزاع بين الولايات المتحدة والصين حول السياسات الاقتصادية.

الحقيقة أن هذا جدل عتيق, روجت له السياسة وجعلته أساساً للاقتصاديات المتأزمة، لكنه يلحق ضرراً خطيراً بكِلا الطرفين. فهو يصرف انتباههما عن قضايا أكثر أهمية تمس العلاقات الاقتصادية بين أميركا والصين، وبهذا التطرف في رد الفعل تهدد الاتهامات الأميركية بدفع أكبر اقتصادين في العالم إلى منحدر زَلِق من الاحتكاكات التجارية وتدابير الحماية، أو إلى ما هو أسوأ من ذلك.

وأود أن أعرض بعض الحقائق المتعلقة بالأمر: منذ أن حقق “الرنمينبي” أعلى مستوياته في 14 يناير/كانون الثاني الماضي، خسر 3.4% من قيمته مقارنة بالدولار الأميركي حتى 25 أبريل/نيسان، وهذا يأتي في أعقاب ارتفاع تراكمي في قيمة “الرنمينبي” بنسبة 37% منذ 21 يوليو/تموز عام 2005، عندما أنهت الصين ربط عملتها بالدولار، وغيرت نظام عملتها إلى ما سمي بـ”التعويم المحكوم”. ومقارنة بقيمة “الرنمينبي” عندما بدأ ذلك قبل تسعة أعوام تقريباً فإنه الآن لا يزال مرتفعاً بنسبة 32.5%.

خلال هذه الفترة، حدث تعديل هائل في موقف ميزان مدفوعات الصين على المستوى الدولي. فقد تقلص فائض الحسابات الجارية -وهو أقوى مؤشر لتناقص قيمة العملة- من مستوى قياسي بلغ 10.1% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2007 إلى 2.1% فقط في 2013. وتشير أحدث توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن الفائض سيستمر حول مستوى 2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2014.

اليوان قريب من القيمة العادلة
بالنظر إلى الأمر على هذه الخلفية، فإن القلق المبالغ فيه من قبل المسؤولين الأميركيين تجاه التراجع البسيط في سعر صرف “الرنمينبي” يبدو غير منطقي.
ومع ميل الموقف الصيني الخارجي إلى التوازن، يمكن القول إن “الرنمينبي” -الذي زادت قيمته بمقدار الثلث تقريباً منذ منتصف 2005- يبدو الآن قريباً بشكل معقول من “القيمة العادلة”.

كما أقر صندوق النقد الدولي بالأمر ذاته مؤخراً في استعراض متعمق للاقتصاد الصيني، حيث ذكر أن “الرنمينبي” “مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بشكل معتدل” بما يتراوح بين 5 و10%، وهذا يتناقض مع تقديراته السابقة بوجود خفض “كبير” في قيمته.

إن الهوس الأميركي “بالرنمينبي” يعكس حالة تقليدية من الإنكار السياسي. فمع بقاء العمال الأميركيين تحت ضغط هائل لما يتعلق بالأمن الوظيفي والأجور الحقيقية، كان طبيعياً أن تسلط الأضواء على الساسة. وبالتالي فقد ركزوا على المكون الصيني في فجوة العجز الكبير في الميزان التجاري، ليعلنوا أن التلاعب بالعملة هو السبب وراء المحن والمصائب التي تؤرق الطبقة المتوسطة في أميركا منذ زمن طويل.

قد يكون هذا الطرح مقبولاً سياسياً، لكنه في الحقيقة غير صحيح. فالعجز التجاري الأميركي هو خلل متعدد الأطراف في التوازن مع دول عديدة -يبلغ عددها 102 إجمالا- وليس مشكلة ثنائية تتعلق بالصين وحدها. والسبب في هذا العجز ليس التلاعب المزعوم “بالرنمينبي”، وإنما حقيقة واضحة تتلخص في أن أميركا لا تدخر.

ونظرا لحاجة الولايات المتحدة إلى المدخرات المحلية ورغبتها في النمو، يجب عليها جلب مدخرات فائضة من الخارج، وإدارة عجز ضخم في الحسابات الجارية لجذب رأسمال المال الأجنبي، وهذا يؤدي إلى خلل متعدد الأطراف في الميزان التجاري الأميركي. ولا شك أن التجارة مع الصين تمثل أكبر مكون لهذا الخلل، لكن ذلك يعكس بشكل كبير مدى تعقد سلاسل العرض متعددة الجنسيات والفوائد المترتبة على حلول الكفاءة الخارجية.

ويقودنا هذا إلى الحقيقة المزعجة حول تقريع أميركا للصين لدوافع سياسة، وهي أن مثل هذا النهج سيؤدي إلى نتائج عكسية.

فإذا فشلت أميركا في حل مشكلة الادخار التي تعاني منها -وهو سيناريو منطقي في ضوء الجمود المالي والادخار الشخصي متدني المستوى دوما- فسوف يستمر عجز الحسابات الجارية، وهذا يعني أن أي انخفاضات في حصة الصين من الخلل الأميركي الخارجي ستنتقل ببساطة إلى منتجين أجانب آخرين، وستكون لهذه الاستعانة البديلة بموردين خارجيين قاعدة تكلفة أعلى من الإنتاج الصيني على الأرجح، لتفرض بذلك المكافئ الوظيفي لزيادة كبيرة في الضرائب على الطبقة المتوسطة الأميركية المثقل كاهلها بالأعباء بالفعل.

ومع قيام الصين بعملية إعادة توازن نحو نموذج نمو يستمد قدراً أكبر من الدعم من الطلب المحلي، فينبغي لواشنطن أن تتوقف عن هذا الصخب الذي تثيره حول “الرنمينبي”، وتشرع في التركيز على الفرص التي سيخلقها هذا التحول السعيد المفاجئ. وأعني هنا التأكيد على دخول الشركات الأميركية إلى أسواق البضائع والخدمات المحلية الصينية، والإسراع بتوقيع معاهدة استثمار ثنائية تخفف قيود الملكية الأجنبية في كلتا الدولتين، مما يشكل خطوة مهمة في هذا الاتجاه.

كذلك، ينبغي للولايات المتحدة أن تنسب الفضل للصين في اتخاذ خطوات مؤثرة على طريق مواصلة إصلاح العملة.

فالقرار الذي اتخذته الصين في منتصف مارس/آذار بمضاعفة حجم التداول اليومي “للرنمينبي” مقابل الدولار إلى نحو 2% بالزيادة أو النقصان (بدلاً من 1% في السابق) يعد خطوة مهمة في تخفيف السيطرة على ما يسمى بـ”التعويم المحكوم”. إذا أضفنا إلى ذلك انخفاض قيمة العملة الصينية بمقدار 3% خلال الأشهر القليلة الماضية، فإن من شأن ذلك توجيه رسالة قوية للمضاربين مفادها أن المراهنات ذات الاتجاه الواحد على “الرنمينبي” خطرة، وهي إشارة قد تسهم في تقليل تدفقات الأموال الساخنة، التي عقّدت إدارة السيولة، وخلقت تقلباً في أسواق الأصول بالصين.

مستقبل العلاقات الأميركية الصينية
هناك وجهتا نظر حول مستقبل العلاقات الأميركية الصينية: واحدة لا ترى إلا المخاطر، وأخرى ترى الفرصة الكامنة. ويندرج الهوس “بالرنمينبي” تحت وجهة النظر الأولى، التي أخفقت في إدراك عملية إعادة التوازن والإصلاحات الجارية في الصين، بينما تقوم في الوقت ذاته بصرف التركيز الأميركي بعيداً عن معالجة أخطر مشكلة تعانيها أميركا في مجال الاقتصاد الكلي طويل الأجل، ألا وهي نقص الادخار.

في المقابل، فإن النظر إلى الصين على أنها فرصة يشدد على حاجة أميركا إلى إجراء عملية إعادة توازن هي الأخرى، بمعنى إعادة بناء القدرة التنافسية الأميركية والإسراع لاقتناص نصيب مؤثر من ازدهار الطلب المحلي المتوقع في الصين. لكن من المؤسف أن الصخب الشديد حول “الرنمينبي” يحجب ضرورة إنعاش الادخار الأميركي الذي يتطلبه تحقيق هذه الغاية.

ـــــــــــــــــــــ
عضو هيئة التدريس في جامعة ييل، ورئيس مورغان ستانلي في آسيا سابقا، ومؤلف الكتاب الجديد “العلاقة غير المتوازنة: الاعتماد المتبادل بين أميركا والصين”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.