موقع متخصص بالشؤون الصينية

مبادرة الحزام والطريق الصيني.. سلام وازدهار لعالم جديد

0

marwan-soudah-china-hizam

موقع الصين بعيون عربية ـ
مروان سوداح*:
عالم اليوم متداخلة ومتشابكة شعوبه وقومياته ولغاته وسيكولوجية ناسه، الذين يرتبطون ببعضهم البعض بشبكة واسعة وعميقة من المصالح، لم يَسبق لها مثيل خلال كامل التاريخ البشري.
الصين التي هي الدولة والأمة والسيكولوجية الأكثر توغلاً قِدماً في تاريخ الإنسان المكتوب وغير المكتوب، أدركت بعمق بصيرتها أن سعادة الشعوب، صغيرها قبل كبيرها، يَكمن في الشروع بمدِ جُسور الألفة الأصلب والتعاون الأعمق وتعزيز المصالح الشريفة قولاً وفعلاً بين بعضها بعضاً، وفهم قادتها أن تلكم التطلعات المشروعة لجميع الألسن والعقول لا يمكن إدراكها سوى بتلبية متطلبات الحياة اليومية والمستقبلية لكل مَن يرنو فيها إلى عالم سعيد لا مكان فيه للبؤس والفاقة والتجبّر والاستزلام والاستِضعافِ من جانب دولة على أخرى، أو من أمة على أمة، ولا من ثقافة على غيرها من الثقافات الإنسانية.
وفي ظروف العالم المُعَاصِر، واستناداً الى خبرات الصين المتراكمة على امتداد السنوات الخمسة الآف المنطوية، تأكّد ربّان السفينة الصينية، الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني الرئيس شي جين بينغ، أن السلام البشري والسلم الاجتماعي لا يمكن لهما أن يتحققا سوى بمشاركة الجميع للجميع، وبملامسة كل العالم لمصالح بعضه بعضاً بفعالية وميدانية، وفي فعلٍ جماعي، وبتكاتف شامل لتشييد مشاريع جماعية لا تستثني أحداً. فموارد الطاقة التقليدية لن تدوم، وهي في طريقها نحو النضوب، والصراع العالمي الراهن من جانب قوى الشد العكسي إلى الوراء على أشده، وإزهاق أرواح البشر وخنق مصائرهم بيد أنظمة المتربول الكلاسيكية يجري بلا رداع وخارج أُطر القوانين الوضعية والسماوية.
في التفكير الرصين للأمين العام الرئيس شي، وفي عقل مليارات الناس وبسطاء الأمم والمُتفكِّرين الأممين، أن ابتكار مشروع الطريق والحزام العالميين يتجاوب مع تطلعات البشرية ورؤآها الإنسانية. فالصراع الذي أدمى البشر وشوّه تاريخ الأمم وحوّل الأرض الوادعة إلى غابة شمطاء كارهة للنُضرةِ، في طريقه اليوم، مع مبادرة شي العظيم، الى الإضمحلال في القارة الآسيوية القديمة، والقارة العجوز أوروبا، وفي شرق أفريقيا وشمال شرقها.
لكن هذا الاضمحلال لكل ما ورثته البشرية من تعدّيات على مُكوِّناتها الأنسنية لن يتأتى لوحده ولن يَعلو شأن تلك المكونات بدون تدخّلِ القوة الشريفة الأعظم – الصين ورعايتها المميزة، وبدون تطبيقها السلمي لمبادئ ومشاريع سلامية جديدة في جوهرها وشكلها وخواتيمها، وهي الجديدة في آنٍ في العملية الاقتصادية الدولية وركائزها وقواعدها التي ستفرض بدورها وبالتدريج وحتماً بترحيب عالمي، مبادئ لم يَسبق لها وجود في فضاء أرضي، بشرط أن يتم تفعيل الابتكار الصيني بجهود عالمية حثيثة، يَكون البشر وأنظمتهم دافعيتها وآلياتها واستهدافاتها.
الابتكار الصيني وَجَدَ ترحيباً دولياً وتأييداً أممياً طاغياً من الشعوب والانظمة، حتى من جانب تلك التي لم تكن تقيم علاقات عميقة مع بيجين، سيّما لآليات تلكم الابتكارات التي تضع نصب أعينها استبدال طرائق الحياة القديمة والتالفة والمتآكلة والاستعدائية المقتبسة من الغاب، بسُبل جديدة نوعاً وشكلاً وجوهراً تُعلي قيمة الحياة وجوهر الإنسان للإنسان.
تُظهر مبادرة “الحزام والطريق”، أن طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين يبدأ من الموانئ الساحلية في جنوب شرق الصين، ويَمر عبر بحر الصين الجنوبي إلى المحيط الهندي ثم يصل إلى أوروبا، في حين يَمتد خط الجنوب من طريق الحرير البحري شرقاً إلى جنوب المحيط الهادئ.
وفي إطار المشروع الصيني العِملاق، وبهدف ترتيب وضعيته وتسهيل انسيابيته، نشط الرئيس شي جين بينغ في ترتيب زيارات الى مختلف الدول، بخاصة الى تلك التي ستشارك الصين في تفعيل مشروع الحزام والطريق.
واتساقاً مع هذا التطلع، زار الرئيس مؤخراً روسيا وبيلوروسيا، وسبق ذلك مشاركته في القمة السادسة والعشرين لرابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) التي جرت في ماليزيا، حيث شهدت القمة تأييداً طاغياً “للحزام والطريق” من طرف الخبراء والعلماء الذين أعربوا عن توقعات كبيرة لمبادرة الصين، ورأيهم بأن هذا المشروع الجديد سيَجلب زخماُ جديداً لتنمية دول الآسيان في المستقبل، وهو ما رشح عن تأييد وسائل الاعلام والخبراء السياسيين والاقتصاديين ومجموعات الابحاث والدراسات والتجارة في موسكو ومينسك للمشروع، ولدى زملائهم في وسط وغرب أوروبا التي ستستفيد هي الأخرى من الأوضاع الجديدة التي سوف يَخلِّقُها المشروع للجميع.
ومعظم دول الآسيان تقع في المناطق الساحلية لجنوب شرق آسيا، وهذه المناطق ستصبح أكبر المستفيدين من خطة التنمية لبناء طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين.
وفي عبور الاستراتيجية نحو بعض التفاصيل، فإن الابتكار الصيني للحزام الطريق يعني خياراً إضافياً في تعزيز البُنية المالية والصناعية والزراعية وغيرها من البُنى في دول المشروع، من خلال البنك الآسيوي للاستثمار في البُنية التحتية، وهذا البنك الجديد سيوفّر الاستثمار في البُنية التحتية للبلدان النامية بأكملها، ومن شأنه إراحة عملياتية التنمية في دول المشروع ومشاريع السكك الحديدية عالية السرعة والأمان والطرق السريعة لبلدان أقصى شرق آسيا وجنوبها وجنوب شرقها، كذلك الأمر موصول لوسط وغرب آسيا واوروبا، حيث سترتقي جودة البضائع، وتغدو أسعارها أكثر انخفاضاً.
ومن المؤمل أن يكون توسيع مبادرة الصين للحزام والطريق واستجابة دول الجِوار للمشروع، تعزيزاً لحِراك إقامة بُنية تحتية أصلب وأكثر إتساعاً وجذباً وفعالية في تلك الدول، وبمشاركة زمالة صينية متدنية الربحية، لتحسين البُنى التحتية في مختلف دول آسيا، وفق الاقتراح الصيني البنّاء.
الاقتراح – المبادرة – المشروع الصيني ليس سوى عملية دولية للتكاملية الاقتصادية والانتعاش الاقتصادي العالمي وإشراك كل الناس فيها، ليغرفوا منها ثماراً يانعة، ولتحقيق سلام العالم ورخائه من خلال الانتاج والسلع والتجارة التي تفضي إلى تعزيز الأنسنة الدولية وتقارب الثقافات، ونشر السلام العالمي والسلم الاجتماعي، ووقف الحروب ووأد النزاعات والأحقاد.
ومُلخّص القول، والقول كثير هنا عن المبادرة الصينية الشريفة التي يتقدم بها الرئيس شي جين بينغ للعالم أجمع والتي يَستحيل اختصارها في مقالة، أنها فكرة خلاّقة فعلاً وهادفة، وقد تم دمجها في الاستراتيجية الصينية العميقة لبناء عالم أفضل وسلام شمولي مَكين، من خلال عملية حَيوية جديدة ناضحة بالتكامل الإقليمي والعالمي لشعوب ودول الارض، فمن شأن فهم المبادرتين المساعدة في خَلق موقف مربح لجميع الشعوب والدول، وإرساء مستقبل جديد للقارات، والانطلاق بها نحو “مجتمعات مصير مشترك”.
•    باحث اردني في الشؤون الصينية والآسيوية ورئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حلفاء الصين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.