موقع متخصص بالشؤون الصينية

مصادر السلوك الصيني

0

صحيفة الخليج الإماراتية ـ
يان شيتونج ـ عميد معهد العلاقات الدولية الحديثة في جامعة تسينجوا، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”:

منذ عام ،2008 كانت المناقشات بين الباحثين والمنظرين الاستراتيجيين الصينيين حول طبيعة السياسة الخارجية التي تنتهجها بلادهم تتركز على قضيتين: الأسس الإيديولوجية، وجاذبية الصين ومكانتها على الصعيد الدولي  “قوتها الناعمة” .

إن الفكر السائد، والمعروف بالمدرسة الصينية، يصرّ ومعه الحكومة على “الماركسية ذات السمات الصينية” باعتبارها المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه السياسة الخارجية الصينية . ولكن مدرسة الأقلية تزعم أن الصين لابد وأن تعتمد بدلاً من ذلك على الفكر السياسي التقليدي للدولة، وتؤكد على القيمة العالمية للفلسفة الصينية التقليدية . وفي حين دأبت صحيفة “الشعب” اليومية، وهي الصحيفة الرسمية للحزب الشيوعي الصيني، على مهاجمة ذلك الموقف، فإن الحزب ذاته كان عاكفاً على إعادة تأهيل كونفوشيوس، أو الشخصية المركزية في الفكر التقليدي الصيني، حتى إنه ذهب إلى إقامة تمثال له في ساحة السلام السماوي .

إن المدرسة الصينية تصرّ على التمسك بمبدأ دنج شياو بينج القائم على الحفاظ على مظهر متواضع في الدبلوماسية الدولية، في حين يضطلع أنصار المذهب التقليدي قدراً أعظم من المسؤولية الدولية . وتدافع المدرسة السائدة عن الصين باعتبارها دولة نامية، فتشير إلى نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي، والذي يحتل المرتبة 104 على مستوى العالم . ويزعم أتباع المدرسة التقليدية أن الصين لابد وأن تضطلع بالمسؤولية في الشؤون العالمية بما يتفق مع مكانتها بوصفها الدولة صاحبة ثاني أضخم اقتصاد على مستوى العالم، بعد الولايات المتحدة فقط .

واليوم يبدو تأثير المدرسة الصينية محدوداً في أغلبه بالبيانات الرسمية، في حين يكتسب أتباع المدرسة التقليدية النفوذ السياسي بالتدريج . على سبيل المثال، أكدت الحكومة الصينية على مبدئها الدبلوماسي الرئيسي المتمثل في عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى أثناء الأزمة الليبية، ورغم ذلك فقد تقبلت الصين العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على حكومة معمر القذافي .

فضلاً عن ذلك، أرسلت الصين سفينة حربية وأربع طائرات عسكرية إلى البحر الأبيض المتوسط للمساعدة في إخلاء 35860 صينياً ونحو 2100 مواطن ليبي . والواقع أن هذا التدبير، الذي يشكل أول استعراض صيني للقوة البحرية على هذه المسافة البعيدة من الديار، يتفق مع الكونفوشيوسية، التي تنظر إلى الأخلاق باعتبارها عاملاً ذا أهمية قصوى في صناعة القرار السياسي، وليس الماركسية التي بموجبها تحرك المصالح الاقتصادية وحدها السياسة الخارجية .

كان المفكرون الأوائل من أتباع الكونفوشيوسية يكتبون في عالم يتألف من بلدان صغيرة تتنافس بلا هوادة للحصول على ميزات إقليمية . وبالنسبة لهم كانت القوة السياسة تشكل المفتاح إلى النفوذ الدولي، وكانت السمة المركزية للقوة السياسية تتلخص في الزعامة المطلعة أخلاقياً . وفي اعتقادهم كان على الحكام أن يعملوا بما يتفق مع القواعد الأخلاقية كلما كان ذلك في الإمكان . وكان نطاق اهتمام أي حاكم إنساني لابد وأن يشمل العالم أجمع، وليس شعب دولة بعينها فحسب .

في شهر فبراير/شباط من عام ،2010 وفي إطار “مهرجان الربيع”، الذي يُعَد أكبر أعياد الصين، والذي يتميز بلم شمل الأسرة، قال رئيس مجلس الدولية الصيني ون جيا باو إن الحكومات لابد وأن تعين الناس على الحياة الكريمة السعيدة . وفي مؤتمر صحافي هذا الشهر، قال إن الإصلاح الاقتصادي من غير الممكن أن ينجح من دون الإصلاح السياسي، وأن الفساد يفرض حالياً التهديد الأعظم الذي تواجهه الصين .

كانت مثل هذه التصريحات تحمل وقعاً جديداً على آذان الصينيين، وذلك لأنها أبرزت السياسة بدلاً من التركيز على تأكيدات الحزب المعتادة على الحتمية الاقتصادية .

واليوم، بات من المستحيل أن نجزم بمدى تأثير الفكر السياسي التقليدي الصيني  الاهتمام التقليدي بالواجب الأخلاقي، والسعادة، والشرف  على السياسة الخارجية الصينية . ولكن من المؤكد أن تأثير الأفكار التقليدية آخذ في التنامي في الحياة العامة الصينية . ولا يبدو لي أن أي قوة قادرة على عكس هذا الاتجاه في الأعوام المقبلة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.