موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين وتركيا.. تفاهمات اقتصادية وخلافات سياسية وأمنية

0

marwan-soudah-china-turkey

موقع الصين بعيون عربية ـ
مروان سوداح*
تركيا وشبه جزيرة القرم تشهدان حالياً أحداثاً جِسام، تدلّل على مدى رفض الارهاب من جهة، أو رعايته والحدب عليه من جهة اخرى.
ففي أنقرة يَعقد حزب مصطفى جميليف مؤتمراً له، يُنتظر ان يتخذ فيه قراراً يَحوّله بلا أسانيد على الارض الى ممثل لتتار القرم الذين انضموا لروسيا، وذاك الحزب يعتبر جهة تدخلية في شؤون دولة روسيا المستقلة ومؤيد لطروحات انقرة وكييف وملحق بهما. كما ويهدف جميلوف الى استخدام عناصر التتار القرميين في المخطط الدولي للنيل من الوحدة الاقليمية لروسيا، فمحاولة استكمال حصارها ومواصلة الضغوط الغربية عليها، ونيل رضى سلطات كييف النيوفاشية ومَن يقف وراء قيادات الانفصال الوطني والاقليمي مؤيداً ونافخاً.
وفي نشاط موازٍ، تشهد شبه جزيرة القرم مؤتمراً شعبياً للتتار القرميين، أعلن عن رفضه لحزب جميلوف وبأنه لا يمثل القرم ولا تتارها، سوى تميله لتركيا وسلطات اوكرانيا الحالية الانقلابية.
وفي المشهد نفسه، تشهد تركيا احتجاجات غير منطقية بحق الصين وتايلاند، لا تُعتبر الحكومة التركية الاخوانية بعيدة عنها بحسب المراقبين. ويَسعى المشهد الى توظيف قومية الإيغور ضد الصين التي ترى إن حركة “شرق تركستان الإسلامية”، تجنّد الايغور الذين سافروا إلى تركيا سراً وتدرّبهم مع جماعات متطرفة في سوريا والعراق – حيث تنشط المخابرات والاستخبارات العسكرية التركية بكل شساعة تدخلاتها – بهدف إعادتهم إلى شينجيانغ لشن أعمال عنف، فتقويض أركان السلام والوحدة الوطنية .
ويتضح من خلال متابعة الهجمة الدولية على الصين بما يتعلق بإقليم شينجيانغ، وهي جارة روسيا وحليفتها، ان هناك تركيزاً كبيراً إعلامياً وسياسياً، يجري على قدم وساق، وعلى مختلف الأصعدة الاخرى، وبخاصة من جانب جماعات التطرف الدولية المتآلفة والمنسجمة، بغض النظر عن مسمياتها، لجعل سكان الاقليم يتطلعون الى حماية قوة أجنبية، وتوحيد مشاعرهم مع المراكز الغربية من مؤسسات وإعلام وحكومات، لخلق هوّة ما بينهم وبين وطنهم الصيني، يمكن ان تؤسس الى حالة  مشابهة للحالة العراقية والسورية الراهنة، يكون فيها فصل الاقليم مَطلباً من جانب حلفاء الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وعملية سهلة من شأنها ان تُلحق الاقليم بتركيا الاخوانية الاردوغانية، التي طالما تطلعت الى ضمّه وتوسيع رقعة امبرطوريتها ودورها الآسيوي والعالمي، وفاعليتها ضمن حلف الاطلسي، الذي يتجه اليوم سياسياً وعسكرياً وارهابياً بصورة حثيثة ومحمومة نحو الشرق الاوروبي، نحو الحدود الروسية، بعد نجاحه في ضم اوكرانيا والإطباق عليها، والتطلع بعيون شرهة لوسط وشرق وغرب أسيا.
من الواضح ان مسألة الارهاب كان لها الأولوية في المباحثات الصينية التركية وعلى أعلى المستويات مؤخراً، وإن كانت قضايا التجارة والاستثمارات الكبيرة التي تربط الصين بتركيا بعرىً قوية يَصعب فكاكها، مسألة رئيسية وموضوعاً للنقاش المُعمّق بين الدولتين ومع الوفد التركي الذي زار بيجين مؤخراً برئاسة الاخواني رجب طيب اردوغان، إذ ان الطرفين اتفقا على زيادة حجم التبادل التجاري بينهما من 24  إلى 100 مليار دولار أميركي.
وعلى مستوى رئيسيّ البلدين شي جين بينغ واردوغان، إتّفقت بيجين وانقرة على “تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب”، الذي يُعتبر وفقاً لتقييم ليو تشن مين، نائب وزير الخارجية الصيني، عدواً للبشرية برمتها، وهو ما أقرّ به الوفد التركي، إذ اتفق الطرفان ان الصين وتركيا يتعرضا لإعتداءات إرهابية، ولذلك “سيعمل الطرفان على تعزيز تعاونهما في مكافحة الإرهاب، وفي مجال الأمن وعلى مستوى الأجهزة الأمنية”. في المباحثات كان واضحاً خشية تركيا من الارهاب على اراضيها وعلى مصالحها، لذا أقرّت بضرورة مكافحة العمليات الانفصالية ذات الطابع الارهابي.
لكن خنادق الطرفين الصيني والتركي تتناقضان في الاستراتيجيا لكل منهما، وفي العديد من تفاصيل الإرهاب المُستشري وتقييمه على الارض، بخاصة تشجيع وتمكين الوضع المحلي التركي لجعل إنحدار ملف الايغور نحو الارهاب سِمة راهنة ومستقبلية، ويَلعب ترحيل الايغور من تايلاند للصين دوراً تعبوياً في كل ذلك المَسعى الاستراتيجي التركي. إذ قد رُحّل جزء منهم إلى وطنهم الصين، فيما رُحّل آخرون إلى تركيا، عقب إعلان السلطات التايلاندية أنه تم ترحيل مجموعة مؤلفة من أكثر من 170 من الأويغور إلى تركيا، بعد التحقّق من أنهم مواطنون أتراك، ومجموعة أخرى من قرابة 100 شخص تبين أنهم مواطنون صينيون تم ترحيلهم إلى الصين.
وبرغم الموقف التايلاندي الواقعي، إلا ان الارهاب ضرب تركيا مجدداً، احتجاجاً على ترحيل مجموعة من الايغور للصين. فقد ثار الغضب في تركيا، وتعرّضت قنصلية تايلاند في إسطنبول الى إعتداء ارهابي من جانب مُحتجين، ما يُشير الى ان الواقع التركي بات يرقص على صفيح ساخن، تشتد حرارته مع إحترار تطورات الاحداث، وبخاصة ما يتصل بالحرب الارهابية العالمية التي تشن على الدولتين السورية والعراقية، وما يتم التخطيط له من حرب توسعية على الصين في الغرب والشرق الصينيين، حيث تشجّع واشنطن حليفتها طوكيو للصِدام العسكري مع الصين، واحتلال مجموعات من الجُزر الصينية، والمطالبة بسيادة طوكيو على مجموعة من الجُزر الروسية أصلاً.
وفي مواجهة تلكم التطورات الجِسام، تواصل الصين نضالها حالياً لتعزيز سيادتها على أراضيها في الغرب والشرق، وضمان سلامة أراضيها ومصالحها الجوهرية، ولا تخلط هنا ما بين الملفين السياسي والاقتصادي، وتتخذ الحكومة الصينية الاجراءات الضرورية لمعاقبة المجرمين في شينجيانغ وفقاً لحرف القانون وروحه، وتؤكد حمايتها للمجتمع وتماسكه واستقرار شينجيانغ وازدهارها، من خلال تواصل التنمية فيها، وفقاً للخطط الاقتصادية الموضوعة لتطوير المناطق الغربية، بعد إرساء التطوّر والازدهار في المناطق الساحلية الشرقية، التي كانت حركة الانفتاح والاصلاح قد انبثقت فيها قبل أقل من اربعة عقود.

السياسات العِرقية التي تنتهجها الحكومة المركزية الصينية في شينجيانغ، تُناسب الوضع المحلي، ويدعمها الشعب هناك، وما مآل المحاولات التي تقوم بها مجموعة صغيرة من المواطنين بدعم خارجي لتدمير التماسك والأمن في شينجيانغ سوى الفشل، وهو فشل سيلحق بداعمي الارهاب الدوليين ومساندي العملية الانفصالية الدولية، الذين يهدفون الى إلحاق غربي آسيا وشمالها بأمريكا، وجعل القارة القديمة تابع لحلف الاطلسي الذي تلعب عضوية تركيا فيه دوراً استراتيجياً وفاعلاً فيه .
•    رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حلفاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.