موقع متخصص بالشؤون الصينية

اليابان وإقليم العرب (1) أوراق مبعثرة.. اليابان بمواجهة أسيا

0

marwan-soudah-japan1

موقع الصين بعيون عربية ـ
مروان سوداح*:
لم تكن حرب اليابان الامبرطورية على الصين وروسيا منذ قرون، مروراً بالحربين العالميتين الاولى و الثانية على الجبهة الصينية – اليابانية وهي الجبهة الأكثر حمأة ودموية، سوى تواصلاً تاريخياً لمخططات طوكيو لإحتلال قارة آسيا بأكلمها.
في بدايات القرن الماضي، عانت أسيا من حرب عالمية أولى، كانت اليابان فيها على موعد مع هزيمة مُنكرة، إذ أن غالبية المحللين السياسيين العالميين، والمتابعين العسكريين، وذوي البصيرة، يتلمسون هزيمة يابانية، تفضي إليها كامل الجهود العسكرية الهستيرية للقيادات اليابانية التي لم تكن تحيد بنظرها عن التراب الآسيوي، الذي كان بالنسبة إليها وما يزال “مجالاً حيوياً” في القضية الجيوسياسية اليابانية، التي وما تزال ترى في ان خلاصها إنما يكمن في التخلّص من الحصار الطبيعي المفروض عليها في مجموعة جزائر متناثرة، على الطرف الآسيوي، والمهدّدة بالاندثار بمياه المحيط.
لم تتعظ اليابان أبداً، من هزائمها الآسيوية المتلاحقة، وبخاصة مع روسيا القيصرية، حيث لم تتمكن طوكيو العسكرية من احتلال سيبيريا وحقولها النفطية، برغم تمكّنها من بسط سيطرتها على الاراضي الروسية في جُزر الكوريل ونصف جزيرة سخالين تقريباً.
وفي كل حرب خارج أراضيها، كانت اليابان تتحد، في الغالب، مع انظمة اوروبا الغربية، وبالذات مع عواصم المتربول الاستعمارية الكلاسيكية فيها، برغم تناقضات اليابان مع تلك الدول، مؤكدة بذلك طبيعتها الامبريالية والتوسعية. والى جانب ذلك، كانت مساعيها الإحلالية والاستيطانية، التي تمثّلت على الدوام بإفراغ دول شرقي أسيا ووسطها من سكانها الأصليين، عبر الإبادات الجسدية الجماعية للسكان المسالمين، وإحلال اليابانيين محلهم، سوياً مع عائلات الجنود والضباط والتجار وقوى الخدمات المستقدمة من طوكيو.
وعلى سبيل المثال لا الحصر على تطلعات اليابان في الإقليم العربي، بلغت قوة الأسطول الياباني مبلغاً عالياً جعل الحلفاء الغربيين يستعينون به فى البحر الأبيض المتوسط، لمواجهة حملة الغواصات الخطرة التي بدأها الألمان في فبراير عام 1917، وهي السنة التي شهدت انقلاب اكتوبر في روسيا، ومحاولة المانيا تصدير حفنة من عملائها من الشيوعيين المزوّرين، الى روسيا، بغية السيطرة عليها. وفي عام 1931 ، بدأت اليابان مرحلة جديدة في توسعها الاستعماري على حساب الأراضي الصينية فاحتلت منشوريا.

الحرب ضد روسيا
أدركت اليابان، في الوقت المناسب، أن نظامها الإقطاعي المهترئ، الذي استمر سبعمائة عام، ليس أمثل النظم التي تتيح لها نهضة سريعة، ويحقق لها القوة التي تستطيع أن تتوجه بها نحو أسيا. وشهد عام 1868 خلال حكم الإمبراطور مييجي، سقوط النظام الإقطاعي، وانتهاء حكم شوجونات أسرة توكو جاوا التي ظلت تتوارث السلطة الحقيقية في البلاد لمدة 265سنة.
و باستعادة الإمبراطور للسلطة المركزية بدأت عملية تحديث مخططة ما لبثت أن آتت ثمارها في سنوات قليلة. وانتعش اقتصاد اليابان وصار لها جيش وأسطول قويان. وبدأت تتطلع إلى أمرين: الأول هو التخلص من قيود المعاهدات المجحفة التي فرضتها عليها الدول الغربية الاستعمارية، والثاني هو السيطرة على المناطق المتاخمة للطرق البحرية المفضية إلى موانئها. وقد تحقق لها الأمر الأول بسهولة منذ أن استشعرت هذه الدول قوة اليابان الجديدة. ثم بدأ يتحقق لها المطلب الثاني. وكانت البداية هي عقد معاهدة عام1875 مع روسيا، والتي تنازلت اليابان بموجبها عن مطالبها في جنوب جزيرة سخالين.
عن بدايات الغزو الياباني.. كوريا ومنشوريا
كما أسلفت، كانت لليابان وما تزال مطامع في اسيا وكوريا ومنشوريا، وفي الصين أساساً كمدخل لها نحو كل تلك الدول، شرعت في تحقيقها، بداية، بإرغام كوريا على توقيع معاهدة تنص على أن كوريا مستقلة عن الصين استقلالاً تاماً، ثم افتعلت أسبابا لغزو كوريا عام 1894 وهزمت القوات الصينية فيها ، ثم عبور نهر بالو وغزو منشوريا. وقد اعترفت الصين مرغمة في هذه المعاهدة باستقلال كوريا، وأقرت بالقوة العسكرية الباطشة لليابان، بتنازلها عن فورموزا وبيسكادوس وشبه جزيرة لياو تونغ في منشوريا، كما حصلت اليابان، بموجب نفس المعاهدة، على تعويضات مالية وحقوق امتيازات لرعاياها في الأراضي الصينية. غير أن روسيا وفرنسا وألمانيا تدخلت فيما بعد، وقدمت طلباً جماعياً بضرورة رد شبه جزيرة لياو تونغ إلى الصين، فخضعت اليابان لهذا الطلب مرغمة.
وحتى نهاية القرن التاسع عشر لم تكن اليابان قد بلغت من القوة حداً تستشعر الدول الغربية إزاءه خطراً حقيقياً على مصالحها في الصين، بل على العكس من ذلك، رأت بريطانيا في اليابان حليفاً توازن به قوة روسيا في الشرق الأقصى، فعقدت معها تحالفاً في عام 1902 ، شجّع اليابان على الدخول في حرب مع روسيا عام 1904 ، هزمت فيها القوات الروسية، فخرجت من كوريا وميناء بورت آرثر.
وانتهزت اليابان فرصة نشوب الحرب العالمية الأولى لتعلب في الملعب الاسيوي كما يحلو لها واعتقدت مخطئة ان ذلك متاح للابد، فأعلنت الحرب على ألمانيا، واستولت على ميناء كياوتشو ومقاطعة شانتونغ الذي كان الألمان يسيطرون عليهما داخل أرض الصين ذاتها، كما احتلت طوكيو مجموعة الجُزر التي كانت ألمانيا قد احتلتها في جنوب المحيط الهادي، شمالي خط الاستواء. وهنا بالذات يتبدى القفز الاستعماري الدولي لليابان نحو أسيا، وإرساء فلسفتها في التوسّع المتواصل.

فرض مطالب الإمبراطورية اليابانية على الصين
و في 18 يناير عام 1915 تقدمت اليابان إلى الصين بمطالبها ال21 المشهورة والتي تتضمن الآتي: أن توافق الصين دون تحفظ على أي اتفاق قد تعقده اليابان مع ألمانيا بخصوص حقوقها في ميناء كياوتشو ومقاطعة شانتونغ، وأن يسمح لليابان ببناء خط حديدي في شانتونغ، وألا تعطى أية امتيازات فيها لأية دولة أخرى، ومد امتياز اليابان في مينائي بور آرثر ورايرن لتسعة وتسعين عام، وأن تقتح مدن معينة أمام التجارة الأجنبية، وأن تعترف الصين بحقوق اليابان في جنوب منشوريا وشرق منغوليا الداخلية، وألا تؤجر الصين أي ميناء أو خليج أو أرض تقع على ساحلها لأية دولة عدا اليابان. ورضخت الصين لمطالب اليابان ووقعت معها معاهدة بشأنها في مايو عام 1915. غير أن الصين عادت بعد الحرب فطعنت في شرعية المعاهدة التي وقعتها تحت ضغط القوة وذلك بإيعاز من الولايات المتحدة التي بدأت تشعر خطر تعاظم قوة اليابان وما تشكله من تهديد للمستعمرات الأمريكية في المحيط الهادي. وكانت قوة اليابان، وخاصة الأسطول، قد بلغت حدا جعل الحلفاء يستعينون به في البحر الأبيض المتوسط لمواجهة حملة الغواصات الخطرة التي بدأها الألمان في فبراير عام 1917.
و في عام 1931 بدأت اليابان مرحلة جديدة في توسعها الاستعماري على حساب الأراضي الصينية فاحتلت منشوريا. ولكي تضفي على هذا العمل صفة الشرعية إدّعت بأنها “حررت” منشوريا من سيادة الصين، وجاءت بآخر سلالة أسرة المانشو- التي أسقطتها عن العرش ثورة الصين عام 1911- فنصبته إمبراطوراً على منشوريا.
و هبّت القوى الوطنية في الصين تقاوم الغزو الياباني، وأرغمت تشين كاي تشيك على تغيير موقفه المتخاذل إزاء الغزو الياباني، كما وافق كارها على إقامة جبهة وطنية موحدة في وجه اليابان تضم الشيوعيين، وقد كان يحاربهم أكثر من اهتمامه بصد الغزو الياباني.

الحرب العالمية الثانية.. هيروهيتو و هتلر
في الحرب الكونية الثانية، وتحت قيادة الدكتاتور النازي الصهيوني التوجه، أدولف هتلر، سعت ألمانيا النازية على المدى البعيد إلى إنشاء أرضية جديدة Lebensraum ملائمة في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي، لتحقيق سيطرة الفيرماخت في أوروبا من خلال الحرب بالذات، كحل وحيد لتفريغ الارض، وإحلال الالمان مكان الاصليين، وهو حل كان مطابقا تماماً للحل الياباني في أسيا، إذ لم تجد النازية الالمانية والعسكرية الامبرطورية اليابانية حلاً آخر غير الحرب والقتل والتوسع وحرق المدن والبلدات والناس في اراضي الدول التي دخلتها. وبذلك، بدأ النازيون بالتخطيط للحرب الأوروبية إبتداءً من اليوم الذي تسلم فيه النازيون السلطة نهاية يناير 1933، فعقدوا تحالفاً مع اليابان بهدف تطويق آسيا من الشرق يابانياً، ومن الغرب المانياً وإيطالياً.
وبهذا، تشكلت غيوم سوداء مخيفة فوق العالم العربي وبالذات في فلسطين، التي تطلّع إليها هتلر بشغف كأرض تمنحه شرعية الاحتلال على العالمين بخاصة المسيحي والاسلامي، رغبة منه بسحب البساط من تحت أقدام الغرب السياسي برمته في الاقليم العربي الكبير، إذ كان الغرب في الحقبات التاريخية المختلفة، قد سبق هتلر الى تلك “الشرعية” الدينية في فلسطين.
وفي المخط الياباني، إتّبعت اليابان سياسة إمبريالية عسكرية واستعمارية بقيادة إمبراطورها هيروهيتو ، الا وهي إنشاء نظام عسكري ضارب، وتشكيل العديد من النخب السياسية والعسكرية المحلية التي سعت إلى قيادة تأثير اليابان في قلب شرقي آسيا والمحيط الهادئ. فكوّنت اليابان وألمانيا جبهة عالمية ضد الشيوعية السوفييتية في سنة 1936. وفي نفس السنة بالذات، وقّعت إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية (معاهدة المحور)، مباشرة بعد أن أنهت إيطاليا غزوها الوحشي لأثيوبيا الفقيرة والاستراتيجية بموقعها الجيوسياسي في افريقيا، وتحكّمها في الطرق البحرية الى الشمال نحو المتوسط فاوروبا وأسيا .
وبهذه الترتيبات على الارض، بدأت اليابان الامبرطورية إستعمارها العسكري الكوني، واحتلت منشوريا الصينية، في سبتمبر1931. وبعد ست سنوات فقط، في يوليو1937، احتلت اليابان الصين، واندلعت بذلك الحرب العالمية الثانية في آسيا، واعقبتها اليابان بمجازر بحق شعب الصين يَندى لها للآن جبين الانسانية، وافتعلت قواتها “مذبحة نانيجن”، وقتلت فيها عدداً ضخماً من المسالمين الصينيين، وبضمنهم الجنود الصينيين الذين لم يردّوا على الهجوم الياباني، فقد كان هؤلاء في حالة ذهول وترقّب، فتم قتلهم بفصل رؤوسهم بالسكاكين اليابانية ورفعها على أسنّة الرماح اليابانية، على الملأ، تماماً كما تفعل داعش اليوم بالعرب، في محاولة لتخويف السكان الصينيين وارغامهم على الهرب في كل الاتجاهات التي لم تحتلها، بعد، القوات اليابانية.
الصين تفشّل التقدم النازي نحو شرق أُوروبا وموسكو
في صباح 22 يونيو 1941 ، هاجمت برلين الاتحاد السوقييتي، واحتلت ألمانيا وحلفاؤها ما عدا بلغاريا، جزءاً من المنطقة الغربية للاتحاد السوفييتي، رغم وجود اتفاقية هدنة بين موسكو وبرلين كانت ابرمت في أغسطس 1939. أرادت فنلندا استعادة قواها بعد هزيمتها في حرب شتاء 1939ـ1940, وبذلك انضمت إلى (المحور) إيّاه، وإلى الحلف الألماني – الهتلري. وفي أواخر أكتوبر 1941 اقتربت الجيوش الألمانية من الاتحاد السوفييتي، وتجاوزت بلدان البلطيق، وحاصرت مدينة لينينغراد في الشمال الروسي، واحتلت مدينتي كييف وسمولينسك، وتقدمت نحو العاصمة الاممية موسكو، واقتربت من روستوف على نهر دون في الجنوب. واستقرت مقاومة الجيش الأحمر في أغسطس ، وفي نوفمبر 1941, لكن مقاومة الالمان بدأت تضعف وتتعمق يوماً بعد يوم، وشهراً في إثر شهر، بسبب المقاومة السوفييتية الشرسة، وهو العامل الذي منع الألمان من احتلال المدن الرئيسية لينينغراد وموسكو. وفي 6 ديسمبر/كانون الاول 1941 قام الجيش السوفييتي بهجوم معاكس، أرجع الألمان إلى ضواحي موسكو إلى الأبد.
ومع توقف التقدم الالماني نحو موسكو ولينينغراد ومدن روسيا والاتحاد السوفييتي الاخرى، كانت اليابان في 7 ديسمبر 1941 لا تزال منغمسة حتى اذنيها في لهيب المعارك الحربية الدامية على الأراضي الصينية، وبرغم ذلك شنّت طوكيو هجوماً جوياً مفاجئاً على “بيرل هاربر” في هاواي. فردت الولايات المتحدة بسرعة بإعلانها الحرب على اليابان، فتبعتها بريطانيا. وفي 11 ديسمبر أعلنت كل من إيطاليا وألمانيا الحرب على الولايات المتحدة الامريكية. وخلال شتاء 1941/1942 هاجمت اليابان الفيلبين واحتلتها، وتلى ذلك مهاجمتها إقليم الهند الصينية الفرنسية (الفييتنام ولاوس وكمبوديا) وجزيرة سنغافورة البريطانية سعياً لاسترقاق هذه كلها وفقاً للمشروع التوسعي الكوني الياباني.
وبسبب قوة المقاومة الشعبية الصينية بقيادة الشيوعيين الصينيين وخبراتهم الحربية المتراكمة وإشغالهم العدو الياباني على أرض الصين وتشتيته، وإنزال خسائر هائلة به يومياً في العتاد والارواح، وقطع طرق مواصلاته، والاستيلاء على المواد الغذائية التي امتلكها، وجعل القوات اليابانية تعارك في ظروف غير مواتية لها، جُلّها عدم الاستقرار، والتعب المتصل الذي لحق بقوات الامبرطور، تمكنت بريطانيا الاستعمارية في أواخر ربيع وبداية شتاء 1942 بإيقاف تقدم القوات اليابانية في بورما، وهزمت القوات الأمريكية القوات الجوية اليابانية وسط المحيط الهادئ، وبالتالي بدأت القوات السوفييتية بالتقدم لتحرير أراضيها المحتلة نازياً وفاشياً. وفي أغسطس 1942 أوقفت القوات الأمريكية تقدم اليابان بجزر المحيط الهادئ المقابلة لأستراليا، بغواتلكنال، بجزر سولومون، وشكل ذلك انتصاراً بالدرجة الاولى للمقاومة الصينية، التي فقدت في الحرب العالمية الثانية 35مليون شهيد، وعشرات ملايين الجرحى والمشوّهين والمفقودين، وقد انقذت العالم وبضمنه العالم العربي من استرقاق ياباني امبرطوري طويل الامد.
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتاب العرب حلفاء الصين..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.