موقع متخصص بالشؤون الصينية

القيادة والقائد السياسي والتجربة الصينية الفذة

1

ali-mashaal-chinese-leadership

موقع الصين بعيون عربية ـ
علي مشعل*:

 

تتعدد الطرق في بناء الدولة، مقرونة بدور الطليعة القيادية السياسية في المجتمع لبناء الدولة ودورها السياسي والتنموي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي.. الخ بحكم أنها الناظمة والقائدة، التي تعمل بالوسائل الكفيلة والضامنة لتعزيز واستمرار الدولة وإرساء قواعد نهوضها وتطورها، ومواكبة المستجدات والمتغيرات الداخلية والخارجية، التي قد تؤثر على مسيرة أية دولة، والتي إن لم يتم البحث المستمر عن نقاط الضعف والقوة للدولة القائمة، قد تطيح بالدولة وتدمير أركانها.

 

هناك أمثلة كثيرة في التاريخ تشهد على سقوط امبرطوريات ودول كانت تتمتع بأشكال القوة المتعددة، إلا أنها سقطت وتلاشت نظراً لعدم تدارك التطور الذي شهده محيط هذه الدول، فأدى بالتالي الى سقوطها أو ضعفها أمام تنامي قوى أخرى عرفت كيف تعزز وتطور قدراتها المختلفة. فعلى سبيل المِثال لا الحصر، هناك نماذج ماثلة أمامنا ونعيشها في حاضرنا، ومنها كيف إنهار الاتحاد السوفيتي في فترة حكم ميخائيل غورباتشوف1991، وكيف تعاظم وتعززت قوة جمهورية الصين الشعبية، بفضل نباهة قيادتها السياسية، واختيارها لأفضل الطرق الناجعة في الحفاظ على الدولة، حتى أصبحت في أوائل الدول المتقدمة اقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً.

 

وفي المقابل، علينا أن نذكر في هذا السياق كيف عادت القيادة السياسية في روسيا في إعادة البناء لدور روسيا الذي بدا واضحاً يعود ليأخذ دوراً مميزاً في السياسة الدولية، كما أن هناك بعض الدول مثل “إيران” التي فرض عليها حصاراً اقتصادياً وعلمياً لسنوات عدة، إلا أنها تمكنت من الخروج من الحصار، بفضل إدارتها للصراع مع القوى الأخرى، فأخذ دورها يتعاظم شيئاً فشيئاً حتى أصبحت قوة يُحسب لها في منطقة الشرق الأوسط والمناطق المحيطة بها.

على أية حال ما سردناه ما هو إلا مدخل تمهيدي لما سنتحدث عنه حول اختيار الطرق وتفعيل دور القيادة السياسية في عملية البناء. وفي هذا العرض السريع سأتعرض لدور القيادة السياسية من خلال مفهوم  القائد الزعيم في القيادة، واختلافه عن مفهوم الرئيس، حيث أن القائد هو نقطة الارتكاز الأساسية في تفعيل دور القيادة السياسية في عملية البناء للدولة.

 

تعريف القيادة السياسية

 

يمكن تعريف القيادة السياسية بأنها قدرة عالية وبراعة القائد السياسي بمعاونة النخبة السياسية في تحديد أهداف المجتمع السياسي وترتيبها تصاعدياً حسب أولوياتها، واختيار الوسائل الملائمة لتحقيق هذه الأهداف، بما يتفق مع القدرات الحقيقية للمجتمع، وتقدير أبعاد المواقف التي تواجه المجتمع واتخاذ القرارات اللازمة لمواجهة المشكلات والأزمات التي تفرزها هذه المواقف، بحيث يتم كل ذلك في إطار تفاعل تحكمه القيم والمبادئ العليا للمجتمع. وبهذا المعنى فإن القيادة السياسية ليست في جوهرها ظاهرة فردية تتعلق بشخص واحد قائد، يمارس السلطة السياسية في المجتمع. فمن منطلق التعريف السابق يمكننا القول أن القيادة كطبقة حاكمة تتضمن عنصرين هما: 1/القائد و2/النخبة السياسية، وعلى الرغم من اختلاف تعريف القيادة السياسية والعناصر المكونة لها، إلا أننا ينبغي أن نركز على القائد السياسي باعتباره العنصر الأكثر أهمية في العملية القيادية والأيسر عملياً في تتبع خصائصه وتأثيره، دون أن يعني ذلك الخلط بين مفهومي القيادة السياسية والقائد السياسي، لأن الأخير عنصر القيادة التي هي كما ذكرنا ليست بالظاهرة الفردية.

 

ولابد لنا في هذا السياق أن نميز بين القيادة والرئاسة، أو بمعنى آخر بين القائد والرئيس. فالقيادة السياسية جانب متميز لممارسة السلطة السياسية، حيث أن القائد الحقيقي في ممارسته للسلطة السياسية يأخذ بعين الاعتبار دائما دوافع وحاجات أعضاء النخبة السياسية والجماهير كبشر ويعتمد في تعامله معهم بالأساس على الإقناع والاقتناع، ويستهدف بلوغ الأهداف العامة للمجتمع، بينما مَن يمارس السلطة دون أن تنطبق عليه حقيقة صفة القائد، أي من يوصف بالرئيس، فإنه عادة ما يتجاهل هذه الدوافع ويُعامل الآخرين، النخبة والجماهير، باعتبارهم أشياء من منطلق سلطته القمعية، وعادة ما لا يعنيه من ممارسة السلطة المرتبطة بمنصبه الرئاسي سوى تحقيق أهدافه الخاصة.

 

يُمثّل القائد السياسي محور العملية السياسية والظاهرة القيادية لأنه من ناحية، يَشغل قمة النظام السياسي، وعليه من ناحية ثانية، أن يؤدي عدة وظائف لها آثار هامة في حياة وتطور النظام والمجتمع السياسي. ومن أهم هذه الوظائف وهي في ذات الوقت الطرق المُثلى في تعزيز وتطوير وتفعيل دور القيادة السياسية:

 

وظائف القائد السياسي

 

  • دور القائد كأداة للتغيير المجتمعي بمعناه الواسع للتنمية الشاملة، ويرتبط ذلك الدور بوظيفة القائد في تحديد أهداف المجتمع وصنع القرارات، وهنا تبرز أهمية إنصاف القائد بالبراعة في تقويم المواقف، وحسن التوقيت عند اتخاذ القرارات وإجادة اختيار الأعوان.
  • دور القائد كأداة للتخطيط وهذا يعني أن أي تغيير يستهدف تحقيق الأهداف والقيم العليا للمجتمع لابد وأن يستند إلى التخطيط بمعنى تحديد الأهداف وترتيبها وتقدير المواقف وأبعادها وعناصرها، وتحديد عناصر القوة والضعف في المجتمع المسائل الملائمة للتحرك. ويجب على القائد في هذا الصدد أن يستعين بأهل العلم والخبرة والاختصاص وذوي الكفاءة، وأن يأخذ بعين الاعتبار ردود أفعال الجماهير إزاء الخطط والسياسات وما سوف تؤدي إليه الأخيرة من توقعات ومطالب جديدة، وأن يهتم بخلق التفاعل والتجاوب مع الجماهير لضمان مشاركتها والتزامها بمساندة وتنفيذ هذه الخطط والسياسات.
  • دور القائد كأداة لتسوية الخلافات بين القوى والجماعات المختلفة في المجتمع، وهنا يجب على القائد أن ينظر إلى نفسه على أنه يعلو الجميع، وحتى إذا وصل إلى السلطة اعتماداً على فئة أو طبقة أو طائفة أو حزب معين كان عليه بمجرد توليه السلطة وأعباء القيادة أن يتخذ موقف الحياد والتوفيق بين الجماعات المختلفة دون انحياز أو محاباة للجماعة التي ينتمي إليها، بمعنى أن ينظر لجميع فئات الشعب بمنظار واحد.
  • دور القائد كنموذج للمثاليات الاجتماعية ويرتبط هذا الدور بالقيم، فعلى القائد أن يمثل بالنسبة للنخبة السياسية وللمجتمع المحكوم نموذجاً وقدوة سلوكية، وبحيث يُعبر في سلوكه العام والخاص عن القيم والمبادئ الأخلاقية التي يتمناها المجتمع .
  • دور القائد كرمز للمجتمع وآماله وشرفه وكرامته: هذا الدور عادة ما يرتبط بنمط القائد البطل الزعيم الجماهيري، وربما نجد أمثلة على ذلك عبر تاريخنا العربي والعالمي، فما حصل من مظاهرات عام1967 في مصر عندما التفت الجماهير حول قائدها جمال عبد الناصر رغم مرارة الشعور بالهزيمة، واعتبار الجماهير الصينية ماو تسي تونغ زعيماً وقائداً خالداً، وياسر عرفات باعتباره صاحب الفكرة في تحويل الشعب الفلسطيني من شعب لاجئ الى شعب ينشد الحرية والكرامة، والتفاف الجماهير الفلسطينية والاجماع عليه لدى استشهاده، وتشي غيفارا وفيدل كاسترو في كوبا باعتبارهم مخلصي الشعب الكوبي من الظلم والقهر.
  • دور القائد في خلق الشعور بالثقة والاطمئنان والكرامة وتقدير الذات في نفس الفرد العادي في مواجهة ما يعاني منه لذلك الفرد من توتر وإحباط وخوف نتيجة للصراعات والمواقف الاجتماعية، وبهذا المعنى يصبح القائد أحد آليات الدفاع سواء بطريق الإسقاط أو بطريق الإحلال. والإسقاط يعني سعي الفرد لتخطي حلة التوتر والإحباطمن خلال النظر إلى ذاته كامتداد للقائد السياسي موضع الإعجاب والتقدير، بينما يقصد بالإحلال محاولة الفرد التخلص من شعوره بالإحباط الناشئ عن فشله في تحقيق أهدافه الخاصة من خلال إحلال الأهداف العامة التي تبناها القائد السياسي ونجح في تحقيقها محل هذه الأهداف الخاصة.
  • دور القائد في الجمع بين خصائص وقدرات ذاتية معبرة عن النبوغ السياسي من قبيل الحساسية والذكاء والفطنة والتدبر وسعة الأفق، وبين قدرته على تطويع خصائصه الذاتية وأساليبه في الحركة والتعامل بما يتفق مع خصائص ومقتضيات مواجهة كل موقف من المواقف التي تواجه المجتمع.
  • دور القائد إدراك أن القيادة هي عملية اتصال أساسه الإقناع والثقة وليس القهر أو المناورة وأنها عملية تفاعل ومشاركة.
  • دور القائد أن يخلق الترابط بين قراراته وسياساته وبين قيم ومثاليات المجتمع حتى يصبح أداة التعبير عن هذه القيم التي يشكل الانتماء إليها جوهر الضمير التاريخي والوعي الجماعي.

وأكاد أجزم أن هذه المواصفات التي ذكرناها تنطبق على القليل من القيادات السياسية وزعمائها في العالم، إلا أن القيادة السياسية الصينية وزعيمها تشي جين بينغ مِثال حي كنموذج للقيادة التي تحمل المواصفات التي تؤهلها من أجل أن تكون في مقدمة القيادات السياسية التي تعمل على تفعيل دورها في عملية البناء.

 

نموذج تجربة الحزب الشيوعي الصيني

إن الحزب الشيوعي الصيني هو النواة القيادية لقضية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، والتي تلعب دوراً هاماً في ضمان الإنصاف والعدالة الاجتماعيين، على أساس جهود كل الشعب المشتركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وصولا للرخاء المشترك، والتي تلعب دورا مهما في دفع بناء عالم متناغم يسوده السلم الدائم والازدهار المشترك.

إن مكافحة الفساد وبناء السياسة النزيهة هما الموقف السياسي الواضح الذي يتمسك به الحزب الشيوعي الصيني، والتركيز على أسلوب الحزب والحكومة النزيهة هي ايضا من المسائل السياسية الهامة التي تهتم يها الكوادر والجماهير.

فقد شهدت بعض البلدان في السنوات الأخيرة انتشار الشكاوي من الظلم والقهر وعدم وجود العدالة الاجتماعية، وانتشار الاضطرابات الاجتماعية مما أدى إلى سقوط السلطة بسبب التناقضات المتراكمة لمدة طويلة. وكان اختلاس الأموال والفساد سبب هام لذلك، وفي هذا السياق نستشهد بما قاله قائد الحزب الشيوعي الصيني الرفيق بينغ… “إن مشكلة الفساد تشتد دائما أكثر فأكثر في ظل غياب الرقابة والمحاسبة، وإذا لم نحلها نهائيا فستؤدي إلى هلاك الحزب والدولة في نهاية المطاف… علينا أن نكون في حالة حذر ويقظة دائمتين… حدثت في السنوات الأخيرة بعض القضايا التي تنتهك الانضباط والقانون وبصورة خطيرة داخل الحزب طبيعتها سيئة جدا وتأثيرها السياسي سيئ جدا… يجب على لجان الحزب وعلى مختلف المستويات أن تقاوم الفساد بموقف واضح وعليها أن تعمل على الوقاية من الفساد بالأساليب الأكثر علمية وفعالية لتحقيق أن تكون الكوادر نزيهة والحكومة نزيهة والسياسة نزيهة… والحفاظ الدائم على طبيعة النزاهة والاستقامة السياسية للحزب الشيوعي… ينبغي على الكوادر القيادية على مختلف المستويات والكوادر القيادية على المستوى الرفيع خاصة أن تلتزم بوعي مبادئ الحكومة النزيهة ” .

إن الحزب الشيوعي الصيني قائد الدولة يرفع عاليا راية السلم والتنمية والتعاون والفوز المشترك والتعايش مع مختلف الدول على أساس المبادئ الخمسة التي يؤمن بها الحزب الشيوعي الصيني. هذه المبادئ التي تعتمد على الاحترام المتبادل لسيادة الدول ووحدة أراضيها، وعدم الاعتداء المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية بصورة متبادلة، والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي .

وأخيرا فإن النمط السياسي أو طريق التنمية السياسية الذي تختاره  أي دولة يعتمد على إرادة الأغلبية الساحقة للشعب، وعلى الظروف الوطنية الخاصة بكل دولة، وكذلك على خلقيتها التاريخية والثقافية، فطريق التنمية السياسية والاقتصادية التي اتبعتها الصين جعلت وتيرة صعودها مذهلة جداً.

فمنذ عام 1979 حققت الصين زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة18 مرة ، وأصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي. لذلك فإن النموذج الصيني هو الأكثر نجاحا بلا شك، إذ أن النموذج الصيني جنب الصين الاضطرابات المجتمعية الكبيرة، وحقق التنمية الاقتصادية السريعة وتحسين مستوى معيشة الشعب إلى مستوى غير مسبوق.

لذلك، يعتبر نهج الإصلاح السياسي في الصين فريد من نوعه، وعلى الرغم من أن الكثير من العيون الأجنبية تحاول أن تغمض بصرها لكي لا تراه. فالعديد من القوى الغربية لا تريد الاعتراف بالإصلاحات السياسية الصينية، بسبب الفضاء الضيق الذي يرون الصين منه. إن هؤلاء لا يؤمنون إلا بالنموذج الغربي، وما دام النظام السياسي في أي دولة بعيد عن النموذج الغربي المسمى” بالنظام الديمقراطي ” فإنهم لا يعترفون بأي إصلاح سياسي تقوم به هذه الدول. لكن لو فتح هؤلاء أعينهم قليلا ولم يحصروا الأنظمة السياسية فقط في النظام الديمقراطي على الطريقة الغربية، والاطلاع ودراسة أشكال الأنظمة المختلفة، بما يتفق مع خصائص البلدان نفسها، والتي حققت السلام والتسامح والاستقرار والتنمية، بالتأكيد يستطيعون رؤية الإصلاح السياسي في الصين كنموذج فريد ينبغي أن يُحتذى به.

  • مختصر من تقرير مطوّل ألقاه في مؤتمر الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية – في نينغشيا وبكين، نيسان/ أبريل2016م.

 

 

*رئيس المجموعة (1) للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حُلفاء الصين في فلسطين، ومدير عام الدوائر العربية والصين الشعبية في مفوضية العلاقات العربية والصين الشعبية – فلسطين

تعليق 1
  1. مروان سوداح يقول

    مقالة مهمة جدا لسليل عائلة مناضلة في فلسطين.. تحياتي الاطيب للاخ علي ووالده الاستاذ عباس زكي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.