موقع متخصص بالشؤون الصينية

الذكرى الـ60 لبدء العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وبكين..مصر والصين.. من «لقاء باندونج» إلى الشراكة الإستراتيجية

0

2016-636001502891354680-135
سـامى القمحـاوى – صحيفة الأهرام المصرية:
تحل غدا الذكرى الـ60 لبدء العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين، وهى العلاقات التى تميزت بالاستمرارية والدفء على مدى هذه السنوات .
وشهدت محطات مهمة يتوقف التاريخ أمامها وتجسد التضامن بين البلدين، ومازالت هذه العلاقات فى تطور ونمو دائمين، خصوصا بعد توقيع اتفاقية رفعها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى الصين فى ديسمبر 2014، والتى تتم ترجمتها إلى اتفاقيات تعاون ومشاريع مشتركة، بالإضافة إلى تنسيق المواقف حول القضايا الدولية والإقليمية.

ويظهر هذا التقارب بين القاهرة وبكين على الصعيد السياسى فى تنسيق المواقف بينهما، واتفاقهما حول عدد من القضايا الدولية، مثل ضرورة إصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ومحاربة الإرهاب بكل صوره وأشكاله دون ازدواجية فى المعايير، وفى القضايا الإقليمية التى تشهدها المنطقة مثل الأوضاع فى سوريا وليبيا واليمن، وضرورة البحث عن حلول سياسية لهذه المشكلات دون التدخل فى الشئون الداخلية لهذه الدول، وقد حرصت الصين على أن تكون مصر أحد ضيفى شرف يحق لها دعوتهما، بصفتها الدولة المنظمة، لحضور القمة الـ11 لمجموعة العشرين، المقرر انعقادها خلال شهر سبتمبر المقبل فى مدينة هانجو الصينية، حيث وجه الرئيس الصينى الدعوة للرئيس عبد الفتاح السيسى لزيارة الصين وحضور هذه القمة، وأكد تشانج مينج، نائب وزير الخارجية الصينى، أن هذه الدعوة تعبر عن مدى تقدير الدبلوماسية الصينية لمصر ودورها المحورى فى المنطقة، وتأتى بعد تلبية الرئيس السيسى لدعوة الرئيس الصينى السابقة لحضور احتفالات الصين بالذكرى الـ70 لانتصارها فى الحرب العالمية الثانية، وحضور العرض العسكرى فى الميدان السماوى «تيانآنمن» بوسط بكين فى الثالث من سبتمبر 2015.

2016-636001503111313270-131

عبدالناصر- شواين لاى

أولى خطوات إقامة العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وبكين، انطلقت فى ابريل 1955، حينما التقى الزعيم الراحل جمال عبدالناصر مع رئيس مجلس الدولة الصينى الراحل شواين لاى، على هامش المؤتمر الأفروآسيوى فى باندونج بإندونيسيا، حيث بحثا إقامة علاقات دبلوماسية بين مصر والصين، وتوالت لقاءات المسئولين من الجانبين فيما بعد حتى تم تبادل السفراء فى 31 من مايو 1956.

وقد كان للقاء عبدالناصر- شواين لاى فى باندونج بعد رمزى مازال يمثل أساسا قويا للعلاقات بين القاهرة وبكين، حيث عقد خلال حضورهما المؤتمر الآفروآسيوى، الذى حضرته وفود 29 دولة إفريقية وآسيوية وكان نواة لحركة عدم الانحياز، حينما اتفقت تلك الدول على أن الوقوف على الحياد وعدم الانضمام لأحد المعسكرين السوفيتى أو الأمريكى فعل إيجابى بحد ذاته، ليخرج المؤتمر بمبادئه الـ10 وفى مقدمتها سيادة جميع الدول ووحدتها، وعدم التدخل فى شئونها، وتنمية التعاون والمصالح المتبادلة بينها، وقد مثلت هذه المبادئ دستورا للعلاقات المتميزة بين مصر والصين، على مدى تاريخها، وأثبتت الدولتان بالأفعال تمسكهما بهذه المبادئ، فبعد ثورتى يناير ويونيو أعلنت بكين مساندتها الكاملة لخيارات الشعب المصرى، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية لمصر، والتعاون مع أى حكومة يختارها المصريون.

ما بعد باندونج

كانت الخطوة الأخيرة قبل إعلان إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين، إصدار مجلس الوزراء المصرى فى 16 من مايو 1956 قرارا بسحب اعترافه بـ«حكومة تايوان»، والاعتراف بجمهورية الصين الشعبية، وهو ما جعل رئيس مجلس الدولة الصينى شواين لاى يبعث رسالة للرئيس جمال عبدالناصر فى 18 من مايو، أعرب فيها عن ترحيبه الحار بـ«قرار مصر الودى»، وتمنياته بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتبادل المبعوثين الدبلوماسيين فى أسرع وقت، وفى 24 من الشهر نفسه، استقبل الرئيس عبدالناصر الممثل التجارى الصينى فى مصر لمناقشة المسائل المتعلقة بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وفى الثلاثين من مايو، أصدرت حكومتا الصين ومصر بيانا مشتركا بإقامة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء بشكل رسمى، ووصل إلى القاهرة تشن جيا كانج، أول سفير للصين لدى مصر لمباشرة مهام منصبه فى شهر يوليو 1956، وفى 17 من سبتمبر وصل إلى بكين السفير حسن رجب، أول سفير لمصر لدى الصين، وقدم أوراق اعتماده إلى الرئيس الصينى ماو تسى تونج، فى حضور رئيس مجلس الدولة ووزير الخارجية شواين لاى.

الاعتراف المصرى

اهتم رئيس مجلس الدولة الصينى الراحل شواين لاى، الذى كان يتولى أيضا منصب وزير الخارجية منذ إعلان جمهورية الصين الشعبية واشتهر بـ «مهندس الدبلوماسية الصينية»، بإقامة علاقات دبلوماسية مع مصر، حيث إنه عندما تأسست جمهورية الصين الشعبية عام 1949 واختارت الاشتراكية نظاما للحكم رفضت الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بها، وأعاقت مساعيها لاسترداد مقعد الصين فى الأمم المتحدة، وفرضت عليها عزلة سياسية وحصارا اقتصاديا وطوقتها عسكريا، وبعد 6 سنوات من إعلان جمهورية الصين الشعبية لم يتجاوز عدد الدول التى كانت تعترف بها وتقيم معها علاقات دبلوماسية 23 دولة، معظمها دول اشتراكية وآسيوية مجاورة لها، ومن هنا كانت إقامة علاقات دبلوماسية مع مصر أمرا مهما بالنسبة لبكين، حيث إن مصر دولة قائدة فى المنطقة، وحينما تكون أول دولة عربية وإفريقية تقيم علاقات مع الصين سيتبعها عدد كبير من الدول فى محيطيها العربى والإفريقى، وبالفعل بعد مصر، أقامت كل من سوريا واليمن علاقاتهما الدبلوماسية مع الصين فى العام نفسه الذى بدأت القاهرة فيه علاقاتها الدبلوماسية مع بكين، وتوالت الدول العربية والإفريقية بعد ذلك.

إعلان القاهرة

هناك محطات رئيسية فى مسيرة العلاقات المصرية – الصينية، وأحداث تاريخية سبق بعضها إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية، تؤكد أن القاهرة وبكين تمسكتا منذ البداية بمساندة كل منهما الآخر، فإضافة إلى العلاقات التاريخية، التى كان «طريق الحرير» أحد عوامل قوتها، حيث كانت تجارة الحرير الصينى تمر إلى أوروبا عبر مصر، فقد تواصلت الروابط بين البلدين، والمواقف القائمة على المبادئ فى العصر الحديث، ففى 27 من نوفمبر 1943 شهدت القاهرة توقيع وثيقة تعتبرها الصين إحدى أهم وثائق فترة الحرب العالمية الثانية، حينما وقع كل من رئيس الوزراء البريطانى فى ذلك الوقت ونستون تشرشل، والرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت، وقائد الجيوش الصينية تشان كاى شيك، على «إعلان القاهرة» للضغط على اليابان حتى تعيد الأراضى الصينية التى احتلتها، ولإجبارها على الاستسلام فى الحرب العالمية الثانية، وبثت الإذاعة المصرية هذا البيان فى الأول من ديسمبر عام 1943، وأعلنت الحكومة المصرية مساندتها المطالب الصينية، ونظرا لأهميته أنتجت الصين فيلما تسجيليا عن هذا الإعلان تم عرضه بالتزامن مع احتفالاتها بالذكرى الـ70 لانتهاء الحرب العالمية الثانية العام الماضى.

كما يذكر المسئولون الصينيون دائما كيف أن مصر ومعها السعودية وسوريا واليمن ساندوا الصين حتى قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية، حينما امتنعوا فى الأول من فبراير 1951 عن التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترغب فى استصداره باعتبار الصين دولة «معتدية»، وذلك خلال الحرب الكورية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.