موقع متخصص بالشؤون الصينية

السِيَــاسَـة الخَــارِجـيَّــــة الصِينــــيَّة تِجَـــاه إسـرائــيل وانعكَاسَاتِها على القَضِيَّة الفَلسطِينيَّة 1993 -2015 (القسم الثاني)

0

ahmad-nassar-study2

السِيَــاسَـة الخَــارِجـيَّــــة الصِينــــيَّة تِجَـــاه إسـرائــيل وانعكَاسَاتِها على القَضِيَّة الفَلسطِينيَّة 1993 -2015
China’s Foreign Policy toward Israel and its impact on the Palestinian Issue 1993 -2015

إعــــداد الباحـث
 أَحمَـــد مُــوسَــى نَصَّـــار

 

 

الفصل الثاني:

التَطَـوُّر التَارِيـــــــخـــــي للسِيَــــاسَـة الخَــارِجِــيَّة الصِينِيَّة تِجاه إسرائيل

تمهيد

تتربع الصين على مساحة 9.572.678 كم2، وتعد رابع أكبر دول العالم مساحة بعد كل من روسيا وكندا والولايات المتحدة، وتتميز بموقع ذي أهمية استراتيجية في منطقة شرق آسيا، إذ تجاور 14 دولة منها: روسيا والهند وباكستان وفيتنام وكوريا الشمالية، وللصين عمق استراتيجي كبير، وهو عامل مهم في تدعيم وزن الدولة الاستراتيجي الدفاعي، وبخاصة في حالة التعرض لهجوم نووي، إذ يبلغ أقصى اتساع لها من الشمال إلى الجنوب 4023 كم، ومن الشرق إلى الغرب 6468 كم، وتشرف الصين على طرق هامة للمواصلات والتجارة في العالم سواء البرية كطريق الحرير، أو البحرية بإطلالها على المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي والشرقي والبحر الأصفر ومضيق تايوان، ومن الجانب البشري تعد الصين أكثر بلدان العالم سكاناً بتعداد يفوق 1.3 مليار نسمة، وهذا العدد له أهمية كبيرة في البعد الأمني، ويترتب عليه التزامات كبيرة أيضاً. (الموسوعة العربية العالمية، 265:1999-266)

تأسست جمهورية الصين الشعبية في أول تشرين الأول/أكتوبر عام 1949. ومنذ ذلك الحين دخلت معاملات الصين مع البلدان الآسيوية والأفريقية إلى مرحلة جديدة، ويعتبر مؤتمر باندونغ لدول آسيا وأفريقيا الذي أقيم في عام 1955، مؤتمراً مهماً ذا مغزى تاريخي عظيم، وبعد وقت قليل من ذلك تمت إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الصين ومصر، وكانت مصر أول دولة أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين الجديدة في غربي آسيا وأفريقيا، ولحقت بها سوريا واليمن اللتان أقامتا علاقات دبلوماسية مع الصين في نفس العام، وحتى نهاية عام 1971 قد بلغ عدد الدول الشرق الأوسطية التي أقامت العلاقات الدبلوماسية مع الصين إلى 15 دولة. (تشونغ، 118:1999) وكذلك فإن الصين الشعبية تنتمي بحكم موقعها الجغرافي إلى العالم الثالث، وهي الدولة الآسيوية الوحيدة التي تتمتع بصفة العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي. (مراد، 67:1990)، وقد مثل إعلان جمهورية الصين الشعبية بداية تحول سياسي كبير بانسحابها من المعسكر الرأسمالي ودخولها المعسكر الاشتراكي، وكان هذا التحول ليس للشعب الصيني وحكومته فقط، بل للنظام الدولي بأكمله. (الهليس، 2015: 4)

حيث بدأت الدول العربية بعد مؤتمر باندونغ في 30 أيار/مايو عام 1956 الاعتراف بحكومة الصين الشعبية وسحب اعترافها بحكومة الصين الوطنية التي كان سفيرها عميداً للسلك الدبلوماسي الأجنبي بالقاهرة، وتوالى بعد ذلك اعتراف الدول العربية ببكين حتى أصبحت جميعها الآن تتبادل التمثيل الدبلوماسي مع جمهورية الصين الشعبية. (الساكت، 85:2001)

وقد مرت الصين بمحطات مفصلية لعبت دوراً أساسياً في تركيبة النظام السياسي والاجتماعي والثقافي، خصوصاً بعد أن وضعت الحرب الداخلية أوزارها، والاعتراف بالنظام الشيوعي كهيئة حاكمة في البلاد، وعقيدة أيديولوجية تنطلق منها كل القوانين والتشريعات، وتحكم سير العلاقات الخارجية مع العالم في أمداها القريب والبعيد. ومثل العالم العربي معبراً لدولة الصين الشعبية الفتية باتجاه الانفتاح على منطقة الشرق الأوسط، تحت عنوان القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر الصراع العربي-الإسرائيلي، فضلاً عن جوانب أخرى استراتيجية تتصل بجوانب اقتصادية تأخذ المصالح الصينية بعين الاعتبار، وهو ما أمّن للصين بوابة للانتقال إلى مرحلة جديدة من العلاقات الخارجية اتسمت بالحذر تجاه الانفتاح نحو الغرب. (سرور، 13:2006)

خلال تلك المحطات التاريخية، احتَّل الشرق الأوسط أهمية فائقة في سياسات الصين الخارجية منذ أربعينات القرن العشرين، وذلك في خضم تطورات وتحالفات الحرب العالمية الثانية، فقد كان تخوف الصين الأساسي في ذلك الحين أن يتم رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط من جديد مما يترتب عليه نشوء شبكة أحلاف جديدة من أبرزها انتصار محور ألمانيا – اليابان الذي سيلتف لتطويق الصين، لذلك أطلق الزعيم الصيني (ماو تسي تونغ) في عام 1946 على منطقة الشرق الأوسط نظرية (المنطقة الوسيطة) والتي اعتبر فيها أن التناقض الرئيس في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ليس بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وإنما بين المعسكر الإمبريالي بزعامة الولايات المتحدة من جهة وبين البلدان الأفريقية والآسيوية ودول أمريكا اللاتينية من جهة أخرى، (اللوح، 10-12-2012: نت)

لقد شهدت السياسة الخارجية الصينية تغيرات جذرية عدة، فقد جاء التغيير الأول في المدة من عام 1959 حتى عام 1966، إذ تغيرت من نمط الاعتماد على الاتحاد السوفييتي والتحالف معه إلى “نمط الاعتماد على الذات” بمعنى التركيز على تطوير نموذج صيني للتعامل الدولي يستند إلى الموارد الصينية. والثاني من عام 1966 وحتى العام 1969، حدث تغيير جذري من النمط الأول إلى نمط “العزلة “– سنوات الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى-الذي بموجبه قللت من ارتباطاتها الخارجية. بما في ذلك تخفيض حجم تمثيلها الدبلوماسي الخارجي والتركيز على الشؤون الداخلية. وفي عام 1970 حدث تغيير جذري ثالث قوامه التحول من نمط العزلة إلى نمط “التنويع” واعتماد الدور النشيط في السياسة الخارجية، وتنويع علاقاتها الخارجية، بما في ذلك الدخول في علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، اما فيما يخص موقفها من منطقة الشرق الأوسط، فمنذ السبعينيات من القرن العشرين اتجه إلى تأييد التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلي، واستمر موقفها المؤيد للتسوية السلمية في  ثمانينات القرن العشرين أيضا مدخلاً لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، على أن يتم من خلال مؤتمر دولي للسلام، وعلى الرغم من تطور العلاقات الصينية الإسرائيلية منذ أواخر السبعينيات من القرن العشرين، وصولاً إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية في 24 كانون الثاني/يناير عام 1992.(البدراني، 3:2006-4)

والمتتبع للسياسة الخارجية الصينية حول الصراع العربي الإسرائيلي يلحظ بوضوح أنها تقوم على أساس تبادل المصالح وليس على أساس الالتزام بالعقائد، وأن خط تلك السياسة متوازن، وهو في أغلب الأحيان يميل إلى التحفظ والهدوء وتحيُّن الفرصة وعدم الانجرار وراء المواقف البراقة والقفزات غير المحسوبة. (سلمان، 25:2006)

حيث كانت أولى المراحل في عملية تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين الشعبية وإسرائيل مرحلة ما عُرف ب”السبق الإسرائيلي” و “التراجع الصيني” في الخمسينات، والتي استغلتها إسرائيل عبر ديفيد بن غوريون رئيس وزرائها في حينه ووزير خارجيتها (موشيه شاريت)، والذين اعتبرا من متخصصي السياسة الخارجية في المرحلة التمهيدية لدولة إسرائيل، وجاء في رسالة بعث بها (موشيه شاريت)، أول وزير خارجية لإسرائيل، إلى نظيره الصيني، (شوارين لاي):”إن حكومة إسرائيل قررت الاعتراف رسمياً بحكومة الصين”، وقد كافأها الرئيس الصيني حينها (ماو تسي تونغ) بخطاب شكر على ذلك دونما الاعتراف بها. (لحام، 2007: 4)

 

 

المبحث الأول: السياسة الخارجية الصينية تجاه إسرائيل بين عامي 1948 -1967

تعتبر الصين في عهد (شان كاي تشيك) أول دولة آسيوية تعترف بقيام دولة إسرائيل عام 1948، إلا أن ذلك كان قبل انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية وإقامة جمهورية الصين الشعبية في الأول من تشرين الأول/أكتوبر عام 1949، وحينها غيّر الزعيم الصيني (ماو تسي تونغ) ملامح السياسة الخارجية الصينية بالمجمل، وعلى الرغم من رغبة إسرائيل بالتقرب من الصين أو “رد الجميل” لها بأن تكون أول دولة في الشرق الأوسط التي تعترف بجمهورية الصين الشعبية، إلا أن الصين رفضت مبادلتها الاعتراف واكتفى (ماو تسي تونغ) بخطاب شكر على ذلك، ولم تبادل الصين إسرائيل الاعتراف إلا بعد اثنين وأربعين عاماً.

أولاً: السياسة الخارجية الصينية بعد الثورة الاشتراكية في الصين

بدأت أولى ملامح تغير السياسة الخارجية للصين الشعبية باعتراض مندوب الصين (تنجفو تسيانج) داخل مجلس الأمن في 19 آذار/مارس عام 1948 على تدخل الأمم المتحدة عسكرياً لفرض قرار التقسيم على العرب بالقوة، أو ان تعطى بعض الدول حق القيام بمثل هذا التدخل. وفي 15 أيار/مايو عام 1948 أعلن المندوب أسفه لاعتراف الولايات المتحدة بإسرائيل، لأن ذلك قد زاد من المصاعب التي يتعذر معها على مجلس الأمن إيقاف الصراع القائم في فلسطين، كما أن الاعتراف الأمريكي قد أفقد لجنة الهدنة حيادها الذي كان يعتبر الوسيلة الوحيدة للسيطرة على الصراع، واعتبرت الصين أنه لا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة ما يخولها حق تقسيم أي دولة، لذلك اعترضت على قرار التقسيم، وكانت ترى أن الولايات المتحدة منحازة لجانب إسرائيل. (الهليس، 14:2015)

منذ الأيام الأولى لانتصار الثورة الاشتراكية في الصين في 1 تشرين الأول/أكتوبر عام 1949، دشنت هذه الثورة وجمهوريتها الوليدة علاقتها القوية بالقضية الفلسطينية وبالصراع العربي-الإسرائيلي، على نحو مبدئي، إذ صفعت الصين الشعبية الباب في وجه إسرائيل، التي سارعت إلى الاعتراف بالصين الشعبية مقابل رفض الدول العربية مجتمعة الاعتراف بالصين الشعبية، وتعزز هذا الموقف الصيني من إسرائيل بعد تحيز الأخيرة المكشوف للولايات المتحدة في حربها العدوانية في كوريا 1950-1953. (ياسين، 54:1994)

وما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن إسرائيل في هذه الفترة لم تكن محلَّ اهتمام السياسة الصينية وعنايتها، ربما لأنها كانت تتلقى الدعم من عدو تقليدي للصين هو الولايات المتحدة الأمريكية، ومن بعض الدول الغربية ذات التاريخ الاستعماري علماً أن تأييدها لقبول الصِّين في الأمم المتحدة استمر حتى عام 1952، وكانت أول دولة في الشرق الأوسط تعترف بالصين الشعبية في 9 كانون الثاني/يناير عام 1950م، والدولة الثانية في العالم بترتيب اعترافها بها، ومع ذلك كان موقف الصِّين المستمر هو عدم الاعتراف بإسرائيل. (جبور، 32:1972)

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي (موشي شاريت) قد بعث إلى وزير خارجية الصين (شو ان لاي) بالرسالة التالية: “يشرفني أن أعلم سيادتكم بأن حكومة إسرائيل قد قررت الاعتراف بحكومتكم كحكومة قانونية للصين. ويسرني انتهاز هذه الفرصة للتعبير لسيادتكم عن الأماني المخلصة لحكومتي في ازدهار الأمة الصينية، وعن أفضل تمنياتي الشخصية”، ورد (شو ان لاي) بالرسالة التالية: “سيدي.. بالنيابة عن حكومة الشعب المركزية لجمهورية الصين الشعبية، فقد تسلمت برقية سيادتكم في التاسع من الشهر الحالي بشأن قرار حكومة إسرائيل حول حكومة الشعب المركزية لجمهورية الصين الشعبية، وتمنيات سيادتكم للشعب الصيني وتحياتكم الشخصية، أتقدم لسيادتكم بالنيابة عن حكومة الشعب المركزية لجمهورية الصين الشعبية بترحيبنا وشكرنا”، ويلاحظ أن الرسالتين لم تتضمنا أية إشارة لإقامة علاقات دبلوماسية. على الرغم من ذلك، يمكن القول بأن الصين قد قدرت اعتراف إسرائيل في وقت كانت الدول التي اعترفت بها قليلة جدا. (حجاوي، 3:1983)

ومن جهة أخرى، فقد تباينت رؤية الأحزاب الإسرائيلية حول الاعتراف بالصين الشعبية، حيث كانت الأحزاب اليسارية والاشتراكية من أقوى الأصوات المطالبة والمؤيدة للصين الشيوعية، وألح اليسار (مابام وماكي) وقتها على الحكومة الإسرائيلية للاعتراف بنظام الحكم في بكين من منطلق حاجة إسرائيل للاحتفاظ بمدخل للمعسكرين الشرقي والغربي (روسيا والولايات المتحدة) الذين ساهم زعماؤهما في تحقيق استقلال إسرائيل واستمرار بقاءها. (لحام، 3:2007)

وعندما سئل بن غوريون:” لماذا اعترفت إسرائيل بالصين الشعبية في عام 1950؟” أجاب بقوله: “لسبب بسيط، وهو: “لماذا لا نعترف؟” ثم أردف: “كذلك فإنك لا تستطيع اعتبار فرموزا (تايوان) مثل الصين الشعبية. فإن هناك 600 مليون شخص في الصين. وإن عدم الاعتراف بها يعتبر إهانة لهم”. وفي مناسبة أخرى، قال بن غوريون:” إن الحكومة الموجودة في بكين تسيطر على البلاد، وكان لا بد لنا أن نعترف بها كحقيقة قائمة وهامة. وأن الصين استحقت أن تأخذ مكانها الشرعي في العالم”. (بريتشر، 147:1973)

ويرى محمد خير الوادي (1) أن هذا الاعتراف الإسرائيلي المبكر بالصين الشعبية كان وراءه عدة أسباب أهمها (الوادي، 54:2012):

1-معظم الأحزاب الإسرائيلية آنذاك كانت تقدم نفسها على أنها أحزاب اشتراكية.

2-إدراك إسرائيل بمستقبل الصين وتأثيرها على مستوى العالم، وبذلك تكون قد نوعت علاقاتها الخارجية.

حيث أن السياسة الخارجية الصينية كانت تقوم في تلك الفترة على أساس العامل الأيديولوجي الذي كان ينادي بدحض الإمبريالية، ودعم الشعوب والحركات الثورية للتحرر والتخلص من الاستعمار، بحيث كانت تعتبر الصين إسرائيل أداة من أدوات الاستعمار الغربي، ويؤكد عبده الأسدي (2) على ذلك حيث وضح أنَّ السياسة الخارجية الصينية تميزت إبان مرحلة الزعيم الصيني (ماو تسي تونغ) بالتركيز على مكانة الصين في العالم الاشتراكي بغية جعلها مركزاً فكرياً وتنظيماً للحركة الاشتراكية في العالم، مما يعني أن سياسة الصين الداخلية انعكست على سياستها الخارجية التي أعطت أولوية خاصة لعلاقاتها مع حركات التحرر الوطني، ومن هنا برز موقف الصين من الصراع العربي-الإسرائيلي في شكل واضح، حيث أيدت الصين القضية الفلسطينية في مؤتمر باندونغ عام 1955. (الأسدي، 149:2000)

بالتالي، فإن الفترة الواقعة ما بين تأسيس جمهورية الصين الشعبية بقيادة (ماوتسي تونغ) وحتى وفاته كانت فترة تجاذب وتباعد بذات الوقت ما بين الصين وإسرائيل، بحيث كان العامل الأيديولوجي أساس رسم السياسة الخارجية الصينية، وهو الحاكم على تلك العلاقات من وجهة النظر الصينية، وهكذا فرغم المساعي الإسرائيلية الدؤوبة لإقامة علاقات مع الصين، إلا أنها جوبهت بالرفض حيناً وبالفتور حيناً آخر من الصين، نظراً للعديد من الأسباب أهمها ما يلي (لحام، 14:2007):

1-اعتبرت الصين إسرائيل أداة من أدوات الإمبريالية الغربية التي كانت تشكل المعسكر الآخر مقابل المعسكر الشيوعي التحرري الذي يناصر الحركات التحررية الثورية المعادية للاستعمار.

2-الموقف الصيني المؤيد للعرب والقضية الفلسطينية والذي يعتبر موافقاً لأيديولوجيتها.

3-المواقف الإسرائيلية الموالية للغرب.

وعلى الرغم من أن الموقف الصيني إزاء القضية الفلسطينية خاصة، والصراع العربي-الإسرائيلي عامة، قد اتسم بالتغير عبر التطور منذ الخمسينيات، إلا أنه يمكن القول إن الصين لم تتخل عن تأييدها للقضية الفلسطينية والعرب خلال تلك الفترة، ويؤكد ذلك موقفها إزاء إسرائيل ورفض الصين إقامة علاقات دبلوماسية معها حتى كانون الثاني/يناير عام 1992 فقط، حيث تم تأسيس هذه العلاقات في ضوء ظروف ومستجدات في النظام العالمي، ومن خلال استعراض المراحل التاريخية المختلفة. (السيد سليم، 69:1971)

خلاصة القول أن الصينيين قد اتبعوا سياسة خارجية مضمونها الحياد إزاء قضية الصراع في الشرق الأوسط، مع ميل بعض الشيء نحو إسرائيل، وهو ميل يبرره سرعة اعتراف إسرائيل بها، إلا أنه بعد وقوع الحرب الكورية ودخول الولايات المتحدة طرفاً فيها وتأييد إسرائيل للموقف الأمريكي ضد الصين عام 1951، جعلت الصين إسرائيل في كفة واحدة مع الولايات المتحدة، بل نظرت إليها باعتبارها أداة للإمبريالية لتمزيق الشرق الأوسط والمنطقة العربية خاصة، بل زاد الأمر حدة بالتعاطف الصيني مع العرب وضد إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، والذي شاركت فيها إسرائيل كل من إنجلترا وفرنسا. (زهران، 24:1993)

ثانياً: تبلور الرؤية الصينية للصراع العربي-الإسرائيلي

وحول رؤية الصين للعرب بشكل عام خلال تلك الفترة، تحدثت حنان قنديل (3) أنه ومنذ انتصار الثورة الشيوعية في الصين عام 1949 قد تحددت تلك الرؤية وفق عاملين رئيسين، أما العامل الأول فهو ما يمكن أن نطلق عليه “الإدراك الصيني لطبيعة الأوضاع العالمية المحيطة بالصين في مرحلة معينة”، والواقع أنه منذ عام 1949 وحتى الآن، قدمت القيادات الصينية تصورات مختلفة للبيئة الدولية، وبحيث اشتمل كل تصور على تحديد للطرق الأجدى في التعامل مع مقتضيات تلك البيئة، وأما العامل الثاني، فكانت الأوضاع القائمة في العالم العربي بذاته؛ فعندما كان الاهتمام الصيني بالعالم العربي يصادف قبولاً وترحيباً من دوله، كان هذا مدعاة لتأسيس قواعد للتفاهم والتعاون بين الطرفين. (قنديل، 126:2007)

حيث اعتبرت القيادة الماوية أن “الحرب الشعبية” التي تخوضها الشعوب في أوطانها ضد عملاء الاستعمار وأنصاره، هي الوسيلة المثلى لمواجهة خطر الإمبريالية الأمريكية والتهديد السوفيتي (Behbehani, 1981:3)

إلا أنَّ الوضع بين إسرائيل والصين تطور ابتداءً من 1953 بعد أن تمت هدنة باتمونجون، حيث جرت اتصالات في رانجون بين ممثلي إسرائيل والصين انتهت بالسير تدريجياً في موضوع إقامة علاقات دبلوماسية مع البدء بتبادل بعثات تجارية وبعثات صداقة، فتوجهت إلى الصين في شباط/فبراير 1953 بعثة اقتصادية إسرائيلية برئاسة (دافيد هاكوهين)، وقوبلت بكل ضروب المجاملة مما شجع إسرائيل في نيسان/أبريل 1953 لمفاتحة الصين لإقامة علاقات دبلوماسية ولكنها لقت رداً صينيناً يتصف بالمراوغة ومؤداه:” أن الوقت لم يحن بعد”. (Brechar, 1974:112)

مع ذلك، فإن العلاقات بين الصين الشعبية وإسرائيل سرعان ما تدهورت، ففي 21 أيلول/سبتمبر 1954 صوتت إسرائيل إلى جانب القرار الأمريكي الذي ينص على عدم تمثيل نظام الحكم في الصين في الدورة التاسعة لانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذكرت مصادر إسرائيلية في ذلك الوقت أن التعليمات صدرت إلى (أبا أبيان) الممثل الإسرائيلي في الأمم المتحدة بألا يعارض، ولكن تعرض لضغط أمريكي جسيم، مما أجبره على تغيير موقف إسرائيل. وكانت إسرائيل صوتت على هذا القرار في العامين 1950 و1951 مما أدى إلى استياء الصينيين ولكنهم كانوا مصممين على ألا يحيدوا عن طريقهم، فبعد يومين من التصويت الإسرائيلي في الأمم المتحدة أبلغ (شو إن لاي) الحاضرين بالجلسة الأولى للمؤتمر الشعبي الوطني في خطاب له عن السياسة الخارجية الصينية العليا أنه:” تجري اتصالات بغية إقامة علاقات طبيعية بين الصين وأفغانستان، وكذلك الصين وإسرائيل”. (وثائق المؤتمر الشعبي الأول، 1954)

كذلك أصيبت المحاولات الإسرائيلية للانفتاح على الصين بنكسة جديدة عقب مؤتمر باندونغ الذي عقد في اندونيسيا في نيسان/أبريل عام 1955، فقد أعلن (شو إن لاي) (4) رئيس وزراء الصين ورئيس الوفد الصيني إلى المؤتمر التزام بلاده بمناصرة الحقوق العربية، وطرح الزعيم الصيني على المؤتمر قراراً يساند حقوق الشعب الفلسطيني، كما أصيبت العلاقات الإسرائيلية مع الصين بنكسة أخرى إثر قيام إسرائيل بالمشاركة في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. (الوادي، 127:2005)

ومنذ ذلك التاريخ (أي منتصف خمسينات القرن الماضي) لم تنقطع المحاولات الإسرائيلية لكسب تأييد الصِّين ولإقناع المسؤولين الصينيين بتنمية العلاقات المتبادلة بين الطرفين، ففي كانون الثاني/يناير من عام 1955 قامت بعثة تجارية إسرائيلية بزيارة الصِّين تلبية لدعوة من (شو إن لاي) رئيس وزراء الصِّين آنذاك، وقد ترأس البعثة الوزير الإسرائيلي (دافيد كوهين)، ولكن هذه الزيارة لم تتمخض عن أية نتائج سياسية تذكر، وهناك من يعزو ذلك إلى “أن الصِّين كانت قد بدأت تدريجياً في تطوير مصالحها العربية، ورفضت العروض الإسرائيلية، خاصةً بعد مؤتمر باندونغ”. (ييغار وحزان، 13:1981)

تغير الموقف الصيني من الصراع العربي الإسرائيلي بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ووقفت الصين إلى جانب مصر، ففي الستينات أعلنت الصين تأييدها للعرب واتخذت موقفاً معادياً من إسرائيل، وقد أكد رئيس الوزراء الصيني (شو ان لاي) أثناء زيارته للقاهرة عام 1964 على خمسة مبادئ تحكم العلاقة بين الدول العربية والصين (الساكت، 86:2001):

1-تأييد الصين لنضال الدول العربية في مكافحة الامبريالية ومحاربة الاستعماريين من أجل الاستقلال الوطني.

2-تأييد الصين لسياسة الحياد وعدم الانحياز التي تتبعها الدول العربية.

3-تأييد الطريق الذي تختاره الشعوب العربية لتحقيق الوحدة.

4-تأييد الحلول التي تتفق عليها الدول العربية لحل الخلافات بينها بالطرق السلمية.

5-احترام كافة الدول لاستقلال وسيادة الدول العربية وعدم التدخل في شؤونها.

وقد تمثلت السياسة الخارجية الصينية تجاه إسرائيل إبان تلك الفترة بما يلي (إسماعيل، 179:1974):

1-أن السبب الرئيسي لخلق إسرائيل هو إفساح المجال للإمبريالية للتدخل في الشؤون الداخلية للعالم العربي.

2-إن بناء الكيان الإسرائيلي سببه الحفاظ على المصالح الإمبريالية الغربية بصورة خاصة.

3-إن إسرائيل هي قاعدة لتهديد آسيا وأفريقيا والتغلغل فيها.

4-شددت الصين على دور الإمبريالية الأمريكية، ووصفت إسرائيل بأنها “آلة في يد الإمبريالية الأمريكية”.

ومن خلال ما سبق، يمكن الحديث بأن عقد الخمسينات كانت فترة من “الكر والفر” أو “الإقدام والإحجام” في سياسة الصين الخارجية تجاه إسرائيل، وأن الأسوأ في تاريخ العلاقات الثنائية كان عقد الستينات، حيث كان من أكثر الفترات سوءاً واضطراباً بين البلدين، وترجمته الصين بسياسة خارجية متشددة تجاه إسرائيل.

أما في مرحلة الستينيات، فإن الصين بدأت ترى التناقض ببين العرب من ناحية وإسرائيل والامبريالية الأمريكية من ناحية أخرى، وليس بين العرب وإسرائيل فحسب كما كان في إدراكها من قبل، ومن ثم فإن النظرية التي حكمت التعامل الصيني مع القضية الفلسطينية، هي نظرية (ماو تسي تونغ) “بالثورة إلى الأمام”، أي أصبحت حرب الشعب طويلة الأمد هي طريق العرب الحتمي لتحرير فلسطين، ومن ثم لا يمكن حل الصراع العربي-الإسرائيلي سلمياً، ولأول مرة يمكن ملاحظة أن الصين أصبحت تنادي علانية بالقضاء التام على إسرائيل. (Kooley, 1979:24-25)

حيث انتهجت السياسة الخارجية الصينية، حتى النصف الأول من عقد الستينات، نهجاً يفيد أنها تؤيد حق الشعوب العربية في التحرر من الاستعمار والتبعية، وذلك من خلال دعم التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين الدول العربية والصين. (الأنباري، 5:2011)

في عام 1963 جرى تبادل بعض الرسائل بين (شو إن لاي) و(ليفي أشكول) رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، وحصلت بعض المحاولات الإسرائيلية عبر جهات أوروبية مقبولة لدى بكين لإجراء اتصالات مع الصِّين، لكنها لم تثمر جميعها، حيث أن تجميد العلاقات بين الطرفين أثر في قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (شاريت)، وشعر صانعو السياسة الخارجية في إسرائيل بالأسف ووصفوا قرار (شاريت) بأنه قرار غير منطقي وقال (بن غوريون* في مقابلة أجريت معه في عام 1966 “كان قراراً خاطئاً وغلطة رهيبة” وقال مسؤول إسرائيلي آخر “إذا عدنا إلى تاريخ الأحداث الماضية نجد أن نكوصنا عن إقامة علاقات مع الصين كان غلطة كبيرة وخطيرة، ولو كنا قد أقمنا تلك العلاقات لكان هذا عملاً ممتازاً جديراً بأن يغير مركز إسرائيل في آسيا وفي العالم الثالث بصفة عامة. (سلمان، 31:2006)

ويتضح مما سبق أنه كان هناك فرصتان لتبادل العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإسرائيل عام 1950 وعام 1955، ولكن الأولى ضاعت بسبب الضغط الأمريكي على إسرائيل، والثانية ضاعت بعد أن غيرت الصين توجهاتها بعد مؤتمر باندونغ. (Pan, 1997:35-40)

ثالثاً: بداية العلاقات الصينية-الفلسطينية

خلال هذه الفترة، بدأت العلاقات الصينية الفلسطينية المباشرة من خلال خطين: الأول كان من خلال حركة فتح، حيث وصل أول وفد فلسطيني فتحاوي إلى بكين في 17 آذار/مارس عام 1964، أما الخط الثاني فقد كان من خلال منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري في 17 آذار/مارس عام 1965، وبين وفد فتح ووفد منظمة التحرير الفلسطينية كان هناك زيارة لوفد من الاتحاد العام لطلبة فلسطين برئاسة تيسير قبعة في آب/أغسطس عام 1964. (بهبهاني، 45:1984)

وفي شهر آذار/مارس عام 1964، عقد اجتماع جماهيري في بكين ليؤكد تأييد الصين ومساندتها للشعب الفلسطيني وكفاحه من أجل نيل حقوقه المشروعة في العودة إلى وطنهم، وفي نفس الوقت قررت الحكومة الصينية تطبيق مقررات مكتب مقاطعة إسرائيل التابع للجامعة العربية ومنع أي سفينة تتعامل مع إسرائيل والتي هي في القائمة السوداء العربية من الدخول الى المياه الصينية. (إسماعيل، 180:1974)

وقد أكد أحمد الشقيري، في مناسبات عديدة، تدريب الفدائيين الفلسطينيين في جمهورية الصين الشعبية، وأن جيش التحرير الفلسطيني يحصل على مساعدات عسكرية من الصين (مؤسسة الدراسات الفلسطينية،1968: 102-119). ومن جانبه، أكد خليل الوزير أيضاً، في حديث له عام 1975، أنه خلال زيارته الأخيرة لبكين جرى تقييم عميق لتطور الطلاب الفلسطينيين الذين يتدربون في الأكاديمية العسكرية في الصين، وقد اعتبرت الصين الخامس عشر من أيار/مايو من كل عام يوماً للتضامن مع فلسطين. (مسلم، 88:2011)

كانت بداية الاتصالات في علاقة الصين مع حركة فتح من خلال خليل الوزير (أبو جهاد) عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في الجزائر مع البعثة الدبلوماسية لجمهورية الصين الشعبية، حيث طلب استقبال وفد من حركة فتح في الصين، ووصل خليل الوزير وياسر عرفات (بأسماء مستعارة) إلى بكين في 17 آذار/مارس 1964، وكان الوفد يهدف إلى الدعم المعنوي والسياسي والمادي من الصين الشعبية، فطرحوا فكرة قيام حركة فتح بحرب شعبية ضد إسرائيل على غرار الحرب الصينية كما وردت في كتابات (ماو تسي تونغ)، ولكن الصينيين لم يكونوا مقتنعين بإمكانية فتح للقيام بمثل هذه الحرب، أو حتى إمكانيتها في الاستمرار والحفاظ على بقائها في منطقة بها أنظمة عربية متناقضة. (مسلم، 85:2011)

على أن النقلة النوعية في هذه المرحلة التاريخية التي بدأت عام 1964 كانت في الزيارة التي قام بها أحمد الشقيري رئيس منطقة التحرير الفلسطينية إلى بكين بتاريخ 17 آذار/مارس 1965 بناءً على دعوةٍ رسميةٍ من الحكومة الصينية، وقد صدر عقب الزيارة بيانٌ مشترك أكدت فيه الصِّين دعمها المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي لأراضيه. (عبد المحسن، 24-5-2010: نت)

وقد روى أحمد الشقيري على لسان (ماو تسي تونغ) عام 1965 قوله: “في عام 1949 وبعد انتصار ثورتنا مباشرة، أرسلت إلينا إسرائيل تعرض علينا الاعتراف بها، ولكننا رفضنا هذا العرض لأننا نعلم أن الأمة العربية كلها ضد إسرائيل، ونحن من جانبنا لا يمكن أن نعترف بإسرائيل لأنها قاعدة للإمبريالية الأمريكية والفرنسية والألمانية الغربية”. (ضاهر 63:1999)

وهكذا تطورت العلاقات الصينية الفلسطينية المباشرة، وبدأت تتوطد العلاقات الثنائية بشكل قوي، ما انعكس على إسرائيل في عدة اتجاهات (السيد سليم، 74:1971):

1-سياسياً: أصبح لمنظمة التحرير الفلسطينية بعداً دولياً، واكتسبت تأييد الدول التي تدور في فلك الصين الشعبية، وتطور مفهوم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني من العودة إلى وطنه إلى درجة الدعوة الصينية إلى إزالة دولة إسرائيل، إضافة الى اعتماد الصين للتعرف الذي طرحته منظمة التحرير الفلسطينية للصهيونية والذي نص على أنها حركة استعمارية بطبيعتها وهويتها، عدوانيه توسعية بأهدافها، عنصرية في تركيبها، وفاشية في أساليبها، هذا بالإضافة إلى تصويت الصين في الأمم المتحدة إلى جانب الفلسطينيين في القرارات ذات الخصوص.

2-اقتصادياً: بسبب الموقف المبدئي الصيني المنطلق من أيديولوجية الصين في دعم حركة التحرر الفلسطيني والمناهض لإسرائيل واعتبارها ذراع الامبريالية في الشرق الأوسط، لم تكن هناك أي علاقات اقتصادية بين الصين الشعبية وإسرائيل (على الأقل بشكل علني).

3-عسكرياً: شكّل الدعم العسكري الصيني لمنظمة التحرير الذي شمل التدريب للأفراد والمعدات العسكرية عنصراً أساسياً في العمليات العسكرية الفلسطينية ضد إسرائيل.

واستمرت سياسة الصين الخارجية بنهج مؤيد ثابت للحقوق العربية، فقد جاء الموقف الصيني من حرب حزيران/يونيو عام 1967 على المستوى الرسمي مؤيداً سياسياً كاملاً للقضية العربية، وقد ترجم هذا التأييد جماهيرياً بتظاهرات انطلقت في بكين لثلاثة أيام متتالية من 7-9 حزيران/يونيو، ضمت حوالي مليون ومئتي ألف صيني تضامناً مع الشعب العربي وتنديداً بالعدوان الإسرائيلي على الدول العربية. (مركز دراسات الشرق الأوسط، 2008)

وخلال الفترة التي تلت حرب حزيران/يونيو عام 1967، بدأت مجالات التعاون الصيني الإسرائيلي في مجال التسليح، حيث يعود التعاون الثنائي بين الصين وإسرائيل في المجال العسكري إلى ما بعد حرب حزيران/يونيو عام 1967، حيث اشترى الصينيون كميات كبيرة من غنائم الجيش الإسرائيلي من أسلحة الجيوش العربية سوفياتية الصنع. (حيدر، 3:2007)

تجدر الإشارة هنا إلى أن تصويت إسرائيل ضد انضمام الصين الشعبية للأمم المتحدة عام 1965 مع أنها صوتت لصالحها عام 1950، وأن التحسن في العلاقات الصينية الأمريكية في بداية السبعينات، كان له أثر إيجابي على تحسن العلاقات الصينية الإسرائيلية وتغير السياسية الخارجية الصينية تجاه إسرائيل، حيث صوتت إسرائيل في الأمم المتحدة إلى صالح قرار انضمام الصين الشعبية عام 1971، وأيدت الصين عملية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1978. (الوادي، 2012: 69-76)

ويمكن القول إن السياسة الخارجية الصينية في هذه الفترة تبلورت في خطين: الأول يهدف إلى تحسين علاقات الصين الشعبية بدول الشرق الأوسط، والثاني يهدف الى إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط دون أي تدخل خارجي، والمقصود هنا هو التدخل الأمريكي. (السيد سليم، 41:1971)

يتضح من ذلك أن الصين التزمت بمحدد الأيديولوجية وتطبعت به خلال الفترة الواقعة بين عامي 1948 و1967، ولم تبتعد عن الفكر الماوي الذي وضعه (ماو تسي تونغ) إزاء القضية المركزية للشرق الأوسط، والتزاماً منها بتلك السياسة فإن إسرائيل تعرضت خلال تلك الفترة إلى قطيعة صينية وتعامل صارم من القيادة الصينية، تمثل في عدم اعتراف الصين بإسرائيل وعدم إقامة علاقات دبلوماسية معها، ومن خلال تحليل تلك السياسة يظهر لدينا أن الصين لم ترغب في التصادم المباشر مع الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي، ولكن وبنفس الوقت كانت تخشى من انفرادهما بمنطقة الشرق الأوسط مما يضر بمصالحها الاستراتيجية كدولة ناشئة تحاول أن تبلور سياستها الخارجية بما يخدم مسيرة تطورها.

بناءً على ما سبق، فإن انعكاسات سياسة الصين تجاه إسرائيل على القضية الفلسطينية خلال الفترة بين عامي 1948 و1967 تظهر في النقاط التالية:

1-رفض الصين الشعبية بعد انتصار ثورتها الاشتراكية تبادل الاعتراف مع إسرائيل أعطى فرصة للقيادة الصينية للتقرب من العرب بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص، حيث أن رؤيتها لإسرائيل بأنها أداة للإمبريالية في الشرق الأوسط جعلها تقترب سياسياً من الطرف الآخر للصراع ألا وهو الفلسطينيين.

2-ترجمت الصين سياستها المناوئة لإسرائيل خلال تلك المرحلة بقرارات صبت في مصلحة القضية الفلسطينية، حيث أن اعتراض مندوب الصين في مجلس الأمن على تدخل الأمم المتحدة عسكرياً لفرض قرار التقسيم على العرب بالقوة، وإعلانه أسفه لاعتراف الولايات المتحدة بإسرائيل، أعطى للقضية الفلسطينية زخماً سياسياً وشعبياً في الأوساط الدولية.

3-سياسة الحياد التي اتبعتها الصين لم تمنعها من تأييد القرارات العربية تجاه القضية الفلسطينية، فعلى الرغم من نظرة الصين للأوضاع العالمية الجديدة والبيئة الدولية، فإنها اقتربت من الدول العربية وقدمت العديد من المواقف الدولية التي شُكلت سياسياً كخدمة للقضية الفلسطينية.

4-في الوقت الذي أغلقت الصين الباب أمام محاولات إسرائيل للتقرب منها، استقبلت القيادات الفلسطينية على أرضها، ودعمتها سياسياً وعسكرياً، مما كان له أثر إيجابي في دعم القضية الفلسطينية.

5-السياسة الماوية التي رسمها (ماو تسي تونغ) جعلت الشعب الصيني يرسم تصوره للصراع العربي-الإسرائيلي بشكل داعم للقضية الفلسطينية، وهو ما نستطيع لمسه شعبياً في الصين حتى الآن، حيث أن الشعب الصيني يرى في الاحتلال الإسرائيلي نسخة مشابهة للاحتلال الياباني لأرضه.

هوامش:

1ـ كاتب سوري، شغل منصب سفيراً مفوضاً وفوق العادة لسورية في الصين منذ نهاية عام 2000 وحتى نهاية 2008.

2ـ كاتب سوري من أصل فلسطيني،  كتب دراسات كثيرة نشرت في الصحف والمجلات العربية، يعمل في مجال الصحافة.

3ـ خبيرة في الشؤون الصينية، أستاذة العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.

4ـ أول رئيس لأول وزارة شيوعية بالصين، ووزير الخارجية فيها بين 1949-1958، كان لشخصيته وثقافته الواسعة وصداقاته، أكبر الأثر في نجاح الدبلوماسية الصينية، وقد نادى في مؤتمر باندونغ بإندونيسية (18-24 نيسان/أبريل 1955)، هذا المؤتمر الذي كان أوّل اجتماع للدول المؤسّسة لحركة عدم الانحياز، بتأييد حقوق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين ، وحصل القرار على إجماع الدول الحاضرة لهذا المؤتمر. (يعقوب، 13-2-2013: نت)

في الحلقة االمقبلة (الثالثة) نتناول المبحث الثاني من الفصل الثاني بعنوان: السياسة الخارجية الصينية تجاه إسرائيل بين عامي 1968 -1982

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.