موقع متخصص بالشؤون الصينية

لماذا تبني الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي؟

0

20160926111015

أظهرت الصين، في الآونة الأخيرة، اندفاعًا كبيرًا نحو تعزيز مكانتها كقوة عالمية، وذلك بعد تحقيقها نموًا اقتصاديًا متسارعًا خلال العقود الثلاثة الماضية، مكنها، أخيرًا، من احتلال المركز الثاني على مستوى العالم من حيث حجم الاقتصاد، بعد الولايات المتحدة الأميركية.

من أبرز معالم ذلك التوجه الصيني، عملها على إنشاء أول قاعدة عسكرية لها في الخارج، الأمر الذي سبقها إليه تسعة دول أخرى، أبرزها أميركا وبريطانيا، علاوة على روسيا والهند واليابان.

وقد وقع اختيار الصين على جيبوتي لتقيم على أراضيها القاعدة المرتقبة، الأمر الذي تكهنت به أوساط إعلامية عديدة بعد زيارة قام بها رئيس الأركان الصيني، الجنرال فانج فينج هوي، لجيبوتي في تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

ولم تلبث أن تأكدت التكهنات، فمنذ شباط/فبراير الماضي، أصبح بإمكان الجيبوتيين رؤية معدات ومركبات وجنود صينيين يعملون على مساحة تقدر بـ90 دونمًا على ساحل مدينة أوبوك، القريبة من مضيق باب المندب الإستراتيجي.

أثارت الخطوة، ولا تزال، اهتمام صحف ومجلات عالمية، أهمها ‘وول ستريت جورنال’ الأميركية، و’ذا ديبلومات’ (‘The Diplomat’) اليابانية، المختصة بالشؤون الآسيوية، وغيرها، حيث تساءلت بشكل أساسي عن خلفيات اختيار الموقع والتوقيت، لإنشاء أولى قواعد الصين العسكرية في الخارج.

ويمكن رصد أربعة دوافع رئيسية وراء قرار بكين إنشاء قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، على النحو التالي:

>> واردات النفط

يشكل مضيق باب المندب ممرًا لـ20% من حجم التجارة العالمية، وللصين النصيب الأكبر منها، إضافةً إلى أن 50% من واردات النفط إلى الصين تصلها من المملكة العربية السعودية والعراق وجنوب السودان، الأمر الذي يجعل للممر أهمية إستراتيجية مضاعفة بالنسبة لبكين.

وقد زاد من ضرورة توجه الصين نحو الضفة الأفريقية للمضيق، اضطراب الأوضاع في اليمن بعد الربيع العربي عام 2011، فقد أبدت الصين رغبة في الاستثمار لتوسيع ميناء عدن جنوبي اليمن، بأكثر من نصف مليار دولار، لضمان موطئ قدم لها، في أحد أكثر محطات بواخر تجارتها حساسية، غير أنها لم تتمكن بعد من ذلك نتيجة لاضطراب الأوضاع في اليمن.

لم تكن بكين الأولى في توجهها نحو إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي بحجة حماية المضيق الإستراتيجي وطرق التجارة، فقد سبقها كلٌّ من فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة واليابان، إضافة إلى وجود قوات من دول غربية أخرى جاءت لحماية سفن بلادها من أعمال القرصنة التي شهدها خليج عدن منذ عام 2005، وكلفت التجارة العالمية خسائر كبيرة، قدرت عام 2011 بـ6.6-6.9 مليار دولار سنويًا، بحسب وكالة OBP المختصة بمتابعة القرصنة.

>> المصالح الاقتصادية في أفريقيا

تشهد القارة السمراء سباقًا محمومًا بين الدول الكبرى للحصول على امتيازات للاستثمار في أسواقها الناشئة ولاستغلال ثرواتها الكبيرة، أهمها القوى الاستعمارية السابقة، كفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، إضافة إلى الولايات المتحدة.

ومنذ عام 2007، أخذ الاستثمار الخارجي المباشر للصين يتصاعد بشكل كبير، حيث لم يكن له وجود يذكر قبل ذلك مقارنة باستثمارات القوى الأخرى، بل إنه فاق عام 2008 استثمارات الولايات المتحدة الأميركية، فقد استثمرت الصين قرابة 5.7 ترليون دولار، بينما لم تتجاوز الاستثمارات الأميركية حاجز الـ4 ترليون دولار، بحسب مجلة الـ’إيكونوميست’ الأميركية.

وتصنف ستة دول من بين أكثر دول أفريقيا استقبالًا للاستثمارات والمشاريع الصينية في الجزء الشرقي والجنوبي الشرقي من القارة، هي زامبيا بواقع 273 مشروعًا، إثيوبيا (255)، زيمبابوي (167)، وتنزانيا (149)، إضافة إلى السودان (148) وكينيا (137)، بحسب دراسة نشرها معهد ‘بروكينغز’ الأميركي، في آب/أغسطس 2015.

منح هذا الوجود الاستثماري الكبير للصين في المنطقة المفتاح لدخول جيبوتي من بوابة الاقتصاد، قبل الإقدام على خطوة إنشاء القاعدة العسكرية، حيث اتفق الجانبان عام 2014 على استثمار الصين 590 مليون دولار في إنشاء ميناء في جيبوتي، سيكون الأكبر في البلاد، إلا أنها، بحسب الـ’وول ستريت جورنال’، كانت تعمل على ذلك منذ عام 2010، عندما أقرت عددًا من المشاريع الكبيرة، من بينها مشاريع لربط جيبوتي بإثيوبيا، التي توليها بكين اهتمامًا كبيرًا، بسكك حديد وأنابيب ماء وغاز طبيعي.

>> إستراتيجية ‘طريق الحرير البحري’

أعلن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عام 2013، عن إستراتيجيتين جديدتين للتجارة الخارجية: ‘حزام طريق الحرير الاقتصادي’، وأعلن عنها في أيلول 2013، وإستراتيجية ‘طريق الحرير البحري’، التي أعلن عنها في تشرين الأول من العام نفسه.

تستهدف الصين من خلال إستراتيجية ‘الحزام’ الانتشار بقوة في دول محددة في وسط آسيا وأوروبا، أما ‘الطريق البحري’ فيستهدف، أيضًا، دولًا في جنوب وجنوب شرق آسيا، وصولًا إلى الشرق الأوسط، إضافة إلى كينيا وجيبوتي على الساحل الشرقي لأفريقيا.

ترمي بكين من خلال الإستراتيجيتين إلى ضمان أسواق كبيرة لمنتجاتها، وخلق تحالفات اقتصادية تلعب أدوارًا في استقرار الصين واستمرار نموها، إضافةً إلى تأمين احتياجاتها من الموارد الطبيعية، التي تزخر بها مناطق وسط آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا.

وقد توقع محللون بأن يصاحب الإستراتيجية الاقتصادية الصينية، إستراتيجية سياسية وأخرى عسكرية، وإن شابها شيء من الحذر لتجنيب الإستراتيجية الاقتصادية مخاطر الانهيار، حيث ستعمل الصين على إنشاء المزيد من القواعد العسكرية في السنوات المقبلة، خصوصًا في دول ‘الطريق البحري’ التي لدى الصين استثمارات في موانئها.

فإلى جانب الأسباب الأخرى لاختيار جيبوتي أولًا، فإن موقعها على خريطة الموانئ التي قامت الصين بالاستثمار فيها يبدو مركزيًا إلى حد كبير، حيث تمتد سلسلة من الموانئ في كل من تركيا شمالًا، مرورًا باليونان وإسرائيل ومصر وإريتريا، وصولًا إلى كينيا وتنزانيا وموزمبيق في جنوب القارة الأفريقية، إضافة إلى موانئ أخرى في كل من باكستان وسريلانكا وبنغلادش وميانمار.

وقد نقل تقرير الـ’وول ستريت جورنال’ توقعات لوزارة الدفاع الأميركية بأن تسعى الصين في العقد المقبل إلى إنشاء نقطة ارتكاز لها في ميناء صلالة في عمان، أو في ميناء كراتشي في باكستان، اللذين يطلان على بحر العرب، بحيث يكون لها قاعدة بالقرب من مضيق هرمز الإستراتيجي، بعد تمكنها من ضمان قاعدة محاذية لباب المندب، في جيبوتي.

>> منافسة القوى الكبرى

تظهر الصين منذ عام 2014 رغبة حثيثة بمنافسة الدولة الكبرى على مستوى العالم، فقد اعتبرت بكين توجه الولايات المتحدة نحو تعزيز وجودها العسكري في شرق وجنوب شرق آسيا تهديدًا لها، الأمر الذي اتخذته ذريعة لتتحرك عسكريًا في منطقتي بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي.

لم تتوقف الصين عند تحد الولايات المتحدة في بحري الصين الشرق والجنوبي، حيث أعلنت عن إستراتيجية بعيدة المدى لمزاحمة واشنطن وموسكو في مجال الفضاء، علاوة على سعيها للعب أدوار مهمة في ملفات دولية، خصوصًا في الشرق الأوسط.

ولم يخل اختيار بكين لموقع قاعدتها العسكرية في جيبوتي من ذلك التحدي، حيث توجد بالفعل في ذلك البلد الصغير قواعد عسكرية كبيرة لكل من أميركا وفرنسا، علاوة على وجود مركز عسكري لليابان، الغريم التقليدي للصين.

وقد أثار قرب موقع القاعدة الصينية من القاعدة الأميركية في جيبوتي، الأكبر في أفريقيا، حفيظة أوساط أميركية، حيث لا تتجاوز المسافة بين الموقعين 8 أميال (12.9 كيلومتر).
وحتى الانتهاء من أعمال إنشاء القاعدة في 2017، سيكون على الرئيس الأميركي الجديد الإجابة على سؤال كيفية التعاطي مع الخطوة الصينية، ومع أبعادها وخلفياتها، وما سيتلوها من خطوات، تسعى بكين من خلالها لتعزيز موقعها كقوة كبرى، على حساب قوى تقليدية، أهمها الولايات المتحدة الأميركية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.