موقع متخصص بالشؤون الصينية

تَأريخ مَسيرة عَائلية مع صَوت الصِّين العَربي

0

maria-soudah-cri

موقع الصين بعيون عربية ـ
ماريا سوداح*:
لماذا أحُب الصين والقسم العربي لإذاعة الصين الدولية؟! قد يبدو هذا السؤال غريباً بعض الشيء، لكنه شرعي ومشروع بكل المقاييس.
والإجابة على هذا السؤال هي إجابة كلاسيكية. فحب الصين في عائلتي هو حب كلاسيكي وتاريخي. فجدي المرحوم موسى سالم سوداح “صيدح”، كان هو الآخر مُحباً للصين ومتابعاُ لها، وكان يَقرأ الكثير عنها، ومُعجباً بها، وغالباً ما كان يَستمع سوياً مع والدي للقسم العربي للإذاعة الصينية، ويُطالع تاريخ الصين، ويقرأ عن مأثر القائد ماوتسي تونغ وقادة الصين الآخرين، وأفذاذ الصين وفلاسفتها، وقد ورث والدي عن جَدّي هذه الخِصال الثقافية.
بدأ والدي مروان موسى سالم سوداح”صيدح” الاستماع لبث القسم العربي للإذاعة والذي نحتفل بتأسيسه ال59 في الثالث من نوفمبر المُقبل2016، وصار يُراسله منذ أواخر ستينات القرن الماضي. وكان جدّي يدُرّب والدي ويُصحّح له رسائله الموجّهة للقسم العربي، لأن جدّي كان “فطحلاً” ونابغةً باللغة العربية وقوعدها وآدابها، ويَرفض الأخطاء المرتكبة بحقها ويَصفها بالخطايا، وكان خطّه العربي جميلاً ويُضرب به المَثل على أعلى المستويات في عمله كمدير رواتب في مؤسسة عالية للخطوط الجوية الملكية الاردنية.
وقد عرض علينا والدي مروان ذات مرة، وأكثر من مرة، عندما كنّا في المدرسة وبعدما كبرنا كذلك، بعضاً من الرسائل التي كان يتلقاها من القسم العربي للإذاعة في بكين، التي كانت تجيب على رسائله وتشرح له كتابةً عن أحوال الصين. كانت رسائل القسم العربي مطبوعة بالآلة الكاتبة على ورق أبيض خفيف الوزن، ومُدرجة في مغلفات جميلة ومُعنونة باللغتين العربية والصينية، وهي جميلة وذات تميّز، فلم يَكن أنذاك من حاسوب لتكون الرسائل ببنط متعدّد، لكن إرسالها للمستمعين شكّل وللآن ذكريات لا تنسى لمراسلي الإذاعة، وتأريخاً لعلاقاتهم وعلاقات بلدانهم مع الصين، والتي يحافظون عليها، إعلاماً وتوجهاتٍ وزياراتٍ، وحرصاً على التعريف بها وبِصِلات الصين ودعمها للقضايا العربية الاجتماعية والإستراتيجية عامة.
وكان والدي يُشارك بنشاطٍ كبير في مسابقات ثقافية بكتابة أجوبة على أسئلة مسابقات، تُعلن عنها الاذاعات الاشتراكية أساساً، وفي مقدمتها الصينية والسوفييتية، وكانت أجوبته كما يقول عبارة عن تأليفِ كتبٍ، فقد كان حجمها كبيراً، وكان إرسالها بالبريد مُكلفاً له مالياً كتلميذ مدرسة، لكنه عمل بجدٍ على ذلك لأهداف ثقافية وفكرية برغم صغر سِنّه.
وكانت والدي يُشارك في تلك المسابقات مُشاركين عرب آخرين من دولٍ متعددة، بينهم السيد مواهب دعبول، من سوريا، الذي يتعالج حالياً في المانيا، ونتمنى له الشفاء العاجل، وآخر جزائري، وغيرهما، وفاز كلهم بجوائز كثيرة وقيّمة، في مسابقات القسم العربي لإذاعة الصين وغيرها، منها رحلات مجانية لجمهوريات الاتحاد السوفييتي، لكن الصين لم تكن تمنح رحلات مثلها أنذاك للمُستمعين.
وقد أرسل والدي نسخاً لعددٍ من هذه الرسائل الصينية التي تلقاها من بكين، للمديرة السابقة للقسم العربي السيدة درية، وتناولتها الاذاعة في برامجها، وصارت جزءاً من عملية توثيق حقيقي لهذه العلاقات التي تستمر مع القسم العربي الى اللحظة، للتأكيد على ان العالم العربي يفاخر بأصدقاء قُدماء للصين، شبّوا على حُبّها واحترامها، وها قد أصبحوا مُخضرمين في شؤونها، وخُبراء بقضاياها، ومُتخصّصين بِملفاتها، وهو ما يُفيد العلاقات الاردنية والعربية الصينية وأبعادها الطيبة.
ولا بد هنا من كلمة حق بحق والدي مروان. فقد عشت أنا في بيت مُحب للصين، وأعرف بأن والدي من أعظم محبي الصين، والمدافعين عنها منذ أن كان شاباً وتلميذاً في المدرسة، وهو يزور الصين بصورة شبه سنوية منذ عهد بعيد برغم إعتلال صحته، وأحياناً يَضطر لزيارتها أكثر من مرة، وأحياناً يسافر سوياً مع والدتي يلينا نيدوغينا. ولا بد له في كل مرة يكون فيها في العاصمة الصينية أن يزور القسم العربي للاذاعة، ويلتقي مديرته وصحفييه، برغم أنه في حاجة ماسة الى راحة واستجمام حقيقيين، ولأن لا يَنهمك ليلاً و نهاراً في عمليات العمل المُضني في الفعاليات التي يترأسها، أو في إعداد الدراسات المتواصلة للدفاع عن القضايا التي يُؤمن بها، وبعضها يُعنى بالعلاقات التحالفية مع الصين، التي تحملّه أعباءً وأحمالاً وأثقالاً كُبرى، إجتماعية وإقتصادية وسياسية وغيرها الكثير، ناهيك عن وجهات نظر البعض المُعادي للصين وروسيا، وهم ليسوا قِلّة أو أقيلة بالمُطلق، بل على العكس من ذلك، للاسف. فهؤلاء لا يُدركون ضرورة العلاقات الطيبة مع الصين وروسيا، وهم يَكونُون لوالدي، بالتالي، بالمرصاد، ناقدين ومحاصرين له إقتصادياً وإجتماعياً ، وفي غير ذلك من المناحي وأحياناً بشكل لا يُطاق.
الصين في نظرنا هي مستقبل جميل للعالم، ذلك أنها تعمل لرفع سوية الاقتصاد العالمي ومستوى شعوب العالم، وتقدّم لنا مِثالاً يُحتذى، وعن كل ذلك وغيره يتحدث القسم العربي للإذاعة الصينية باللغة العربية الذي نحتفل منذ الآن بذكرى تأسيسه، ويتابعه عدد كبير من المستمعين العرب، في أكثر من عشرين بلداً عربياً، ويتفق ملايين العرب على حتمية العمل المشترك مع الصين، ويتابعون الاذاعة الصينية بالعربية يويماً، ليتعرّفوا منها بالذات وبصوتها الجهوري على مجريات العلاقات ذات النفع المتبادل والكسب المشترك، العربية والاردنية الصينية.

*مديرة في مؤسسة سياحية وعضوة في الاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتاب العرب أصدقاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.