موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين بين ’احتمالات’ ترامب و’يقينية’ كلينتون العدائية

0

china-usa1

موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:

جاءت الكلمات التي تضمنتها برقية التهنئة التي وجّهها الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب كاشفة عن حجم الضبابية التي ينظر من خلالها الصينيون إلى العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في عهد الرئيس الجديد الذي يبدأ في العشرين من كانون الثاني/ يناير المقبل.

فالرئيس شي جينبينغ ضمّن البرقية الكثير من التمنيات بعلاقات جيدة بين البلدين، ولكنه لم يُهمل الإشارة إلى التحديات التي تكتنف هذه العلاقة المستقبلية، بل هو لم يتردد في الحديث عن احتمالات المواجهة والاختلاف في الكثير من المجالات.

لقد كان الرئيس شي واضحاً في رؤيته لمسار العلاقات من خلال قوله في البرقية: “إنني أقدّر بشدّة العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، وأتطلع إلى العمل سوياً معكم لتوسيع التعاون بين الصين والولايات المتحدة في كل مجال على المستوى الثنائي والإقليمي والعالمي على أساس مبدأ عدم الصراع وعدم المواجهة والاحترام المتبادل والتعاون المربح للجانبين مع السيطرة على الخلافات بطريقة بناءة من أجل دفع العلاقات الصينية الأمريكية إلى الأمام من نقطة بداية جديدة وتحقيق منفعة أفضل لشعبي البلدين والدول الأخرى أيضاً “.

إذاً، فالمسؤول الصيني الأرفع يدعو المسؤول الأميركي القادم إلى السلطة في البلاد ذات الاقتصاد الأكبر في العالم إلى التعاون، ولكنه يشير إلى محددات لا بد من أن تحكم هذا التعاون، وهي: عدم الصراع وعدم المواجهة من ناحية، والاحترام المتبادل والتعاون المربح للجانبين من ناحية أخرى. والأهم هو السيطرة على الخلافات بطريقة بناءة، أي بما يؤدي إلى خلق أجواء اتفاق وتفاهم، لا على أساس التهديدات والتصريحات العنترية التي لا توصل إلى نتيجة، بل تعمل على توتير العلاقات وتصعيد الخلافات.

 

إن كلام المسؤول الصيني هو رجع صدى لما أطلقه “المرشح دونالد ترامب” خلال حملته الانتخابية من تصريحات حول الصين اعتبرها الكثيرون من المحللين استفزازية وعنيفة ومثيرة للمشكلات في المقبل من الأيام.

فترامب لم يترك تهمة على المستوى الاقتصادي ولم يوجهها إلى الصين خلال حملته الانتخابية، حتى وصل به الأمر إلى حد اعتبار أن الصين “تغتصب” بلاده، ولا بد من إيقاف هذا الاغتصاب، مهدداً بفرض رسوم جمركية عالية جداً تصل إلى خمسة وأربعين بالمئة على المنتجات الصينية التي تدخل إلى الولايات المتحدة.

هذه التصريحات تركت أثراً سلبياً بلا شك لدى المسؤولين الصينيين، ولدى الرأي العام الصيني، على حدّ سواء، وفتحت المجال للسؤال عن الطريق الوعر الذي يمكن أن تسلكه العلاقات الصينية الأميركية بوحي هذه التصريحات.

ولكن المتابع لتعليقات المحللين الصينيين بعد نجاح ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض يلاحظ نوعاً من الهدوء والكثير من الانتظار لما يقوله “ترامب الرئيس”، الذي يُفترض أن ينطلق من خلفيته كرجل أعمال للتعامل مع قضايا العالم، ومن بينها العلاقات مع الصين، بمعنى التعامل ببراغماتية وانطلاقاً من المنفعة المشتركة، بعيداً عن الديماغوجية والشعاراتية التي لا تقدّم ولا تؤخر في العلاقات الدولية.

من هنا تشير العديد من التحليلات التي وردت في الصحف الصينية الرسمية والخاصة خلال اليومين الماضيين إلى ان ترامب يشكل تهديداً وفرصة للصين في الوقت عينه، وبقدر ما يجب أن تكون القياة الصينية حذرة من سلوكه، عليها أن تكون أيضاً متفائلة في أن يكون أفضل من سابقيه.

يقول شو يين، الأستاذ في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين، في مقال نشر الجمعة 11/11/2016 في صحيفة تشاينا دايلي: “رئاسة ترامب قد تكون نعمة للعلاقات الصينية الأميركية، فالرئيس المنتخب هو رجل أعمال نموذجي يضع دائماً المكاسب الملموسة في مرتبة أعلى من الوعود الجوفاء.”

إذا كان هذا هو الوضع فيما يتعلق بالاقتصاد، فإن التفاؤل بالسياسة أكبر بكثير، وهذا ما يعبر عنه شو نفسه حين يرى في المقال نفسه أن ترامب قد يُفرمل “استراتيجية آسيا ـ المحيط الهادئ” التي وضعها سلفه باراك أوباما، هذه الاستراتيجية التي شكلت ضغطاً كبيراً على الصين، وكان متوقعاً أن تفرز ضغوطاً أكبر لو أن هيلاري كلينتون ـ اللاعب الأساسي في وضع الاستراتيجية ـ فازت في الانتخابات.

يحدد شين دنغ لي عميد معهد الدراسات الدولية في جامعة فودان الصينية ثلاث قضايا تسبب الاحتكاكات في العلاقات الصينية الأميركية، هي حقوق الإنسان والتجارة والأمن. ويقول في مقال آخر نشرته تشاينا دايلي أيضاً: “مرة أخرى، باعتباره رجل أعمال، قد يتخذ ترامب نهجاً أكثر واقعية، لا يقوم على الأيديولوجيا، في حين أنه لا يزال يحترم القيم الأمريكية”.

لقد علا صوت ترامب أكثر بمواجهة الصين خلال الحملة الانتخابية، ولكن هيلاري كلينتون كانت مخيفة بشكل أكبر للصين في الواقع. وبانتظار السبيل الذي سيسلكه ترامب في تعاطيه سياسياً واقتصادياً مع بكين، فإن القيادة الصينية تبدو أكثر راحة وهي تجد نفسها أمام “الاحتمالات”، بعد أن كانت مع كلينتون مضطرة لمواجهة “يقين” أيديولوجي واستراتيجي يهدد الأمن الصيني في الصميم، من خلال حشد القوات في الخارج و”اللعب” بموضوع حقوق الإنسان في الداخل.

أما في الاقتصاد، فإن “التجار” و”رجال الأعمال” قادرون على إيجاد تسويات وحلول وسط لكل المشاكل التي تنشأ فيما بينهم، وهذا ما يجعل شخصاً مثل ترامب قابلاً للترحيب به أكثر بكثير من قبل الدوائر المؤثرة في العاصمة الصينية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.