موقع متخصص بالشؤون الصينية

القيادة الصينية وحكمة التأسيس الإعلامي بالعربية (العدد 49)

0

نشرة الصين بعيون عربية ـ
مروان سوداح:

تُعتبر جمهورية الصين الشعبية الأُولى في العالم من حيث توافر العدد الأكبر من المواقع الالكترونية والصحافة الورقية الناطقة باللغة العربية. كذلك، تتبوأ الصين مكانة قيادية أولى وهي الأرفع منزلة بين مثيلاتها الناطقات بالعربية، على مساحة الكون الشاسع.
يَفخر حُلفاء وأصدقاء جمهورية الصين الشعبية وحزبها القائد والباني، بأن قيادات هذا البلد الحليف تنبّهت قبل غيرها إلى أهمية الإعلام وأذرعه المختلفة الناطقة بالعربية وبمختلف لغات أمم العالم وشعوبه وقوميات الصين ذاتها.
كذلك، تنبّهت الصين بحكمتها الإعلامية الراسخة في نجيعها ومنذ أولى أيام استقلالها، لأهمية الإعلام والحرب الإعلامية على صعيد عالمي، سيّما تلك التي دأبت على شنّها المتربولية الاستعمارية العالمية، ومن بعدها الإمبريالية والميغا إمبريالية، بغية النيل من الشعوب وانتصاراتها في سوح المعارك.
ولهذا بالذات، خصّصت الصين ميزانيات كبيرة لدعم هذا الإعلام مادياً ومعنوياً داخل الصين وخارجها، فتمكّن بالتالي من نشر مراسليه ومكاتبه في دول الأرض، وحتى في جَزائر المحيطات، وربط أصدقاء وحلفاء الصين العرب والأجانب بأنشطته، بمختلف الصور، ومنها المراسلة المباشرة، وتأسيس منتديات ونوادٍ تُعنى بالمستمعين وعلاقاتهم بالقسم العربي، وتوجيه دعوات إليهم للقيام بزيارات مجانية الى الصين، تتسم بالكرم والإتّساع، للاطلاع على حقيقة البلد ونفي الصورة النمطية المَغلوطة التي يَنشرها إعلام الاستعمار عن الصين. وبذلك تحقق للصين هدم الإعلام الغربي والأعرابي الملحق به، وتشكيل إعلام صيني مُضاد، يَعتمد على المعلومات الموضوعية، وسرعة إيصالها للمستهدَف ومتابعة الإعلام الرجعي الخارجي والدحض الفوري لفبركاته.
أعتقد أن السبب الأهم الذي كَمَنَ وراء تركيز الصين على الإعلام الناطق بالعربية منذ تلك اللحظة، أن قيادتها السياسية الاولى، وقياداتها اللاحقة كذلك، أدركت ومنذ لحظات التحرير الأولى للوطن الصيني الكبير من القوى الاستعمارية الكثيرة، الأهمية الكونية الثابتة للعالم العربي المترامي الأطراف على قارتين هما آسيا وأفريقيا، وبأنه لا مندوحة للصين برمّتها من السير في سبيل يُعزّز العلاقات والصِّلات والثقافية الصينية – العربية، واجتراح صفحات جديدة في التاريخ الصيني – العربي، مهمتها تفعيل قدرات الجانبين بموازاة بعضهما البعض، سيّما وأنهما قد التقيا منذ غابر الأزمان بصورٍ غاية في السلمية والانسجام التامّين، بخاصة منذ ما قبل الدعوة الاسلامية وما بعدها، وفي عهود طريق الحرير القديم البري والبحري، لتشكلا عَبر الأزمان، جِسراً حقيقياً وصَلداً أسّس لتفاهم عميق وحضرنة ضمن عملية أنسنة تاريخية لازمت تلكم الأُمتين العربية والصينية.
وفي المجال الإعلامي لاحظتُ شخصياً، بأن الإعلام الصيني الناطق بالعربية قد تأسس بجُلّه في إطار مشروع حكومي متنامٍ، خلال نقلات مختلفة شهدها المجتمع الصيني، وتكاثرت عناوين هذه الوسائل الإعلامية بعد استكمال إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مختلف الدول العربية والصين، فكان لزاماً على الصين، وإتّساقاً مع العهد الجديد لعلاقاتها العربية، أن تؤسس وبتسارعٍ لتفاهم مُثمر من خلال اللغة العربية مع شتى المدارس والأنظمة السياسية العربية، كبادرة صينية نوعية مؤطرة ضمن المصالح الصينية، لضمان ديمومة العلاقات الثنائية والجمعية مع أصحاب الضاد.
وفي سبيل ذلك كله، بادرت الدولة الصينية ومنذ السنوات الاولى لقيام السلطة الشعبية، إلى تأسيس معاهد وكليات ضمن جامعات البلاد وخارج أسوارها، لتعليم اللغة العربية في بيجين بالدرجة الأولى، وفي مناطق اخرى غيرها. وقد حقّقت هذه المؤسسات العلمية نجاحات مشهودة في تخريج عددٍ كبيرٍ من المُتخصّصين الصينيين باللغة العربية، ممن رفدوا وما يزالون يرفدون للآن وسائل الإعلام الصينية بمعارفهم، ويُساهمون بثرائهم اللغوي بتعريف الصين وحكوماتها على الوقائع والسياسات والهموم العربية.
إضافة إلى تكاثر عديد هؤلاء المُتخصّصين في مواقع العمل بقيادات الحزب الشيوعي الصيني ووزارة الخارجية الصينية منذ ما قبل السنوات الأولى لحركة الإصلاح والانفتاح الشهيرة، التي بدأت في عام 1978م وتعززت مع مرور السنوات وتكاثر خلالها عدد المُستعرِبين والمُستشرِقين الصينيين الذين اتّجه قسم منهم للانشغال بأعمال مُدرّة لدخلٍ مالي مُجزٍ في الشركات والمؤسسات الصينية الضخمة، التي تُعنى بالعلاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارية مع دول العالم العربي.
في أواخر العام2016م، إحتفلنا بالتتابع بالذكرى الـ59 لتأسيس القسم العربي لإذاعة الصين الشعبيةCRI، والذكرى 75 لتأسيس الإذاعة المركزية الصينية الحكومية نفسها، إذ كان تم استحداث القسم العربي بعد 16 سنة فقط من تأسيس الاذاعة الأُم.
ويتضح بأن سرعة تأسيس القسم العربي علامة تدل على اهتمام الصين المتميز بعلاقاتها العربية.
إضافة إلى أن ظهور “القسم” في عالم الإذاعات العالمية هو مظهر فارق في هذا المَجرى، كان أسس لنقلات ضخمة في العلاقات بين العالمين العربي والصيني، إذ حافظ هذا القسم على مكانته بكونه سفيراً مفوضاً وفوق العادة للدولة الصينية برّمتها، يُعلن بجرأة عن كل ما يَمت إليها بِصِلةٍ، بلسان جهوري ولا إعوجاج فيه
لقد نجح القسم العربي نجاحاً غير محدود، بِجمعِ كُثرة كَاثرة من أصدقاء الصين وتأطيرهم، وتأكيد علاقات موصولة معهم تخدم شعوبنا جميعاً. وفي هذا المجال، يعمل الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين على دعم توجّه القسم العربي إعلامياً وثقافياً، وتأطير أصدقاء الصين في صفوفه ودفعهم لتنشيط العلاقات الإعلامية والثقافية مع الصين، كمدخل مناسب لنشر الثقافتين والصداقتين العربية والصينية، ولتمكين التفاهم الإنساني بين العالمين الصيني والعربي.
شخصياً، أستمرُ بمراسلة القسم العربي منذ أواخر ستينات القرن الماضي، ولم تنقطع علاقاتي معه يوماً، وسوف تستمر وثيقةً، ذلك أنها تعكس حرصنا كعرب وصينيين على استمرارها وتوسيعها الى الفضاءات الوطنية والأُممية، وتجييشها بدون توقّف بكل المعاني السامية والإنسانية.
ولهذا الهدف وغيره، وبهذه المناسبة الاذاعية، استحدث الموقع الشقيق “للاتحاد الدولي”، “الصين بعيون عربية”، والذي يَبث من لبنان بجهود مديره العام الأخ المناضل والإعلامي المعروف محمود ريا، عنواناً خاصاً مكرّساً للقسم العربي والاذاعة، بغية مساندة جهود الامة العربية والإذاعة والحكومة والشعب الصيني لمزيد من تعميق العلاقات الثنائية بين بعضهم البعض.
ومنذ سنوات طويلة، يَنشر القسم العربي للاذاعة الصينية مجلة فصلية بعنوان “مرافئ الصداقة”، يتم توزيعها بالمجان على فروع “الاتحاد الدولي” ومنتديات وأصدقاء الاذاعة العرب، وهي تنشر مقالاتهم وأخبار العلاقات معهم، وتعرّف بالصين في مختلف المناحي، ولنا الفخر كقيادات وكوادر في “الاتحاد الدولي” بدعم القسم العربي الاذاعي ومجلته بكل إمكاناتنا المتاحة .
وفي جانب ورقي، كان للمجلات الصينية الناشرة بالعربية ومنذ عشرات السنين، دوراً كبيراً في تجسير العلاقات بين العالمين العربي والصيني. وبهذه المناسبة، أذكر مجلة “الصين اليوم”، ومجلة “الصين المصورة”، والثانية بدأت بالصدور في عام 1950م، كانت ملونة وذات قطع كبير ومصقول لذلك كانت جاذبة لجمهرة القراء والمهتمين، وقد أحرزت المجلتان نجاحات متواصلة وبارزة في الأوساط الشعبية والثقافية الأردنية والعربية في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وكنت أطالعها أيضاً في المركز الثقافي السوفييتي بعمّان.
وأذكر بأنني وحين كنت طالباً في المدرسة، كنت أبتاع هاتين المجلتين من مصروفي اليومي بقروشي القليلة المُخصّصة لطعامي وللوصول للمدرسة والبيت بحافلات النقل العام!. وأحياناً، كان القسم العربي لإذاعة الصين الدولية CRI يزودني بالمجلتين بريدياً وبالكتب الصينية المُعرّبة، والمجلدات الأنيقة وشبه الكاملة لأعمال الرئيس ماوتسي تونغ المنشورة في بيجين بالعربية. وما أزال أحتفظ للآن بأعداد من هذه المجلات الصينية والمجلدات، بخاصة تلك التي نشرت صوراً وتحقيقات عن وفاة الزعيم الاستقلالي المحرّر ماوتسي تونغ.
وخلال السنوات الأخيرة، التي شهدت تأسيس “الاتحاد الدولي” ومنتدياته الإذاعية وصُروحه التي تُعنى بالعلاقات مع مجلة “الصين اليوم” ووسائل الاعلام الصينية، عادت “الصين اليوم” لإرسال نسخها بريدياً إليّ بالاردن، وتزويد القيادات العربية لـ “الاتحاد الدولي” بها، لتوزيعها على المهتمين، ونشر مقالاتهم بين حين وآخر على صفحاتها.
ولا يَفوتني هنا الإشارة، إلى وجود مطبوعات خاصة بالجمعية الإسلامية الصينية، ناطقة هي الأخرى بالعربية، وبلغات أخرى للقوميات الصينية، وهي بذلك ترفد الجهد الصيني العام لتعزيز العلاقات بين الأمتين الصينية والعربية، بينما لا توجد للآن أية مطبوعة عربية تنشر باللغة الصينية!
ويَجدر التنويه، إلى أنه ومنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام1949، إستمسك الحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية بنهج حرية الاعتناق والاعتقاد الديني، وتمخّض عن ذلك رعاية الحكومة المركزية الصينية لعقد المؤتمر الوطني الأول لممثلي المسلمين الصينيين في 11 أيار/ مايو عام 1953 في بيجين، الذي أعلن في خضم أعماله عن التأسيس الرسمي للجمعية الإسلامية الصينية. وورثت هذه الجمعية مختلف المنظمات الاسلامية التي تأسست قبل ذلك التاريخ في الصين إبان الاحتلال الياباني وفي جزيرة تايوان، وأعلنت الجمعية بعد تأسيسها عن الشروع بتشكيل إدارات للمطبوعات الاسلامية، منها ما هو ناطق بالعربية، بخاصة مجلة “المسلم الصيني”.
وخلال خمسين عاماً عايَشت المجلة ثلاث مراحل هامة، أولها مرحلة الانطلاق، في الفترة ما بين 1957- 1960، إلى مرحلة التوقف في الفترة من 1960- 1980، وصولاً إلى مرحلة إعادة الصدور والتطوير منذ عام 1981، حيث شهدت المجلة خلالها تغيرات من مجلة شهرية إلى مجلة موسمية، ومن مجلة موسمية إلى مجلة تصدر كل شهرين “حالياً”. (المرجع: http://www.chinatoday.com.cn/Arabic/2007n/0712/p11.htm).
إن الحديث عن المواقع والمطبوعات الصينية الناشرة بالعربية طويل ومُمتع حقاً، ومن الضروري الإشادة هنا بقيادة الحزب الشيوعي الصيني والدولة الصينية لجهودهما الموصولة برعايتها ورفد هذه الوسائل بالكوادر والأموال وما إليها.
أُدرك بأن الإعلام الصيني يَحتاج مني إلى دراسات خاصة ومُطوّلة، وإن توقفتُ هنا عن الحديث عنه في مقالة قصيرة كهذه، سأتابع ذلك في مقالات ودراسات لاحقة، وأكتفي الآن بذكر بعض عناوين هذه الوسائل الإعلامية الرسمية الأقدم والأشهر، غير المذكورة في السياقات إعلاه:
ـ  صحيفة الشعب اليومية أونلاين/ وكالة أنباء شينخوا/ التلفزيون المركزي الصينيCCTV/ شبكة الصين (العربية)/ وزارة الخارجية الصينية/ منتدى التعاون الصيني العربي/ الصين النظرية/ الذكرى ال60 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية/ تشاينا دوت كوم باللغة العربية/ الصين المصورة (الالكترونية)..
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.
*المقالة خاصة بـ ”نشرة الصين بعيون عربية“.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.