موقع متخصص بالشؤون الصينية

“شي” نجم دافوس (العدد 52)

0

نشرة الصين بعيون عربية
الأكادِيمي مروان سوداح*:

من المؤكد أن الرئيس شي جين بينغ كان وبإجماع عالمي، النجم الوحيد والشخصية الألمع في مؤتمر دافوس الأخير.
فالرئيس “شي” شارك في أعمال المؤتمر حين تبوّأت الدولة الصينية أولاً مكانة الدولة الأُولى في العالم بنسبة التصدير البضائعي، وحين غدت الأولى كذلك إقتصادياً وباعتراف الكل، وحين تجاوزت الصين أمريكا بحَجم التصنيع والتصدير الداخلي لشعبها وشعوب الأرض قاطبة، فبرز “شي” شخصية هي الأعظم في دافوس، وغدا قيادياً لهذا المؤتمر الرأسمالي، الذي لا مكانة أولى الآن لرئيس رأسمالي فيه، فقد حل محلهم “شي” الاشتراكي والشّعبي والصين الطليعية والأولى في الكون، والتي قهرت الرأسمالية الجشعة والعدوانية التي اضطرت للتضاؤل والتصاغر أمام “شي” والصين، فانتصرت إرادة الصين الاشتراكية وحزبها القيادي الشيوعي.
وتأكيداً على ريادية وزعامة الاقتصاد الصيني للعالم، أورد مثالاً واحداً فقط، أقتبسه عن “يورونيوز” التي اعترفت في عام2014، بأن “الصين تطيح بأمريكا لتصبح أكبر اقتصاد في العالم، وفقاً لأرقام صادرة عن صندوق النقد الدولي”. واستطرت يورونيوز: “الخبراء وصفوا الإطاحة بأمريكا بعدما يقرب من مئة وخمسين عاماً من قبل الصين، بأنه لحظة رمزية بالنسبة للاقتصاد العالمي”، ومنوّهةً الى أن “أحدث أرقام صندوق النقد الدولي تُشير، إلى أن حجم الاقتصاد الصيني يُعادل 17.6 تريليون دولار، مقارنة بـ 17.4 تريليون دولار للولايات المتحدة”.
مشاركة الرئيس “شي” كانت الأُولى كمُمَثِّلٍ لجمهورية الصين الشعبية، وتزامنت مع فوز دونالد ترامب بمنصب رئيس الولايات المتحدة الامريكية، ومع إطلاق ترامب تصريحات فجّة وغير لائقة وليست حاذقة مُنَاهِضة للدولة الصينية، منها:
ـ التهديد بتطبيق الحِمائية التجارية؛
ـ وفرض رسوم عالية على الواردات السلعية من الصين؛
ـ وتبنّيه جزيرة تايوان الصغيرة كمُمَثِّل عن الصين والصينيين..
وهي سياسات عارضها الرئيس “شي” بكل وضوح وحَزم في كلمته من على منصة المؤتمر، مؤكداً أن لا مُستقبل لها، لكونها تصب بالإتجاه المعاكس للمصالح الدولية، ولتلك الأمريكية في المَقام الأول.
لكن الرئيس “شي” كان أعلن عن سياسة ذكية ومعاكسة لنهج ترامب الامريكي جُلّها التّجسير، والصداقة، والتعاون، والعمل في إطار كسب مشترك إيجابي مُعبّراً عن ذلك بقوله إن “الصين ستُبقي بابها مفتوحاً ولن تُغلقه”، وهو ما يُشير إلى تمسّك “شي” بالسبيل السلمي المعاكس تماماً للعنجهية الترامبية. وأجُزم أنا شخصياً، أن نهج “شي” القائم على قاعدة مؤسسية، يعمل على تفريغ مُقوّمات الاستعلائية الأمريكية، ونزع قرونها، وتقليم أظافرها، تمهيداً لإعادتها لوضعها ومكانتها الأولى، القديمة.
مشاركة الرئيس “شي” في مؤتمر دافوس في الفترة من 17 إلى 20 يناير/ كانون الثاني، في منطقة الألب السويسرية الخلاّبة، حدث يتّسم بدون أدنى شك بأهمية عالمية أولى. فالصين هي الدولة الصناعية الأكبر والأعظم، وهي الأكثر تكديساً للفوركس “إحتياطي العملات الصعبة”، وممارسة التفعيل الاقتصادي غير المنقطع، وكذلك الأكثر استثماراً في الخرينة الأمريكية.
أضف لهذه التميزات، أن البضائع الصينية هي الأوسع إنتشاراً في العالم، ناهيك عن أن الصين هي الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان ودوراً اقتصادياً وتجارياً على صعيد الكون، وهو ما يُشير، وكما أجزم، إلى رغبة صينية تستند إلى قرار رسمي صيني تم اتخاذه بهدوءٍ وتأنٍّ ودراسات عميقة – كعادة الصين – لممارسة تأثير سياسي إيجابي لصالحها يَصبُ في خانة شعوب العالم، من خلال “مَجمع دافوس” الذي ستسخدمه الصين كما أرى لتغيير العالم من خلال الاقتصاد، وعلى هَدي سبيلها السلامي.
مشاركة الصين بمؤتمر دافوس، الذي يُعَبّر عن العالم الذي يُكدس الثروات بطرائق عديدة بينها طرق لاشرعية ولاإنسانية، – كونها تعبير عن السلوك الرأسمالي والميغا إمبريالية بامتياز، وانعكاس لسياسات الدول الغربية وتلك البلدان الدائرة في فلكها والخاضعة لها والمُنحنية أمامها – هو دخول متميز إلى هذه الحلبة الفاعلة دولياً والتي يُقرر الكبار في دهاليزها مستقبل العالم.
كذلك، تُعتبر المشاركة الصينية مؤشراً هاماً لم يتنبّه إلى أبعاده كثيرون من المتابعين والمراقبين والمحللين، وأولها رغبة الصين بدور عالمي نوعي جديد، يكون إتساعه شساعة الكون الفسيح، وفي سبيل تأكيد مكانتها الحاسمة في المنظمات الاقتصادية الدولية، التي تمارس سلطات نقدية وسياسية.
في “دافوس” يتكشّف اليوم، عن أن الصين قد وصلت إلى درجة تجعلها قادرة على “صياغة الاقتصاد العالمي” على سبيلها المتناغم ومصالح البشرية، حتى أنني أرى أن بيجين قد وضعت وعلى الأغلب تصوّرات “عميقة” عن كيفية الانتقال التدريجي بالاقتصاد العالمي إلى اقتصاد اللاحرب واللاعنف واللاصراع، وإلى إقتصاد منافس سلعياً وتنموياً للدول الغربية، وخالٍ من الحِمائية التجارية التي حذّرت الصين من تطبيقها، وهو ما يؤكد قوّة الصين وثقة واعتداد قيادتها بنفسها، وبمكانتها وقدراتها ونجاعة نهجها، فكان أن خطت خطوتها المفصلية من خلال “دافوس”.
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين – الاردن.
** المقال خاص بنشرة ”الصين بعيون عربية“

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.