موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين وتحديات العولمة (العدد 52)

0

صحيفة تشاينا دايلي الصينية
  18-1-2017 ـ
روبرت لورنس كوهن (مفكر ومعلق سياسي واقتصادي واستراتيجي دولي) ـ
تعريب خاص بـ “نشرة الصين بعيون عربية”:

في صدفة غريبة، جاء انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يتمسك بالفوائد العالمية للعولمة، في الوقت نفسه الذي كانت تجري فيه عملية تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يروّج للمنافع الداخلية لمعاداة العولمة. وبينما كان الأولون مجتمعون في دافوس، والأخير في واشنطن، ظهر كأن هاتين المدينتين غير المتكافأتين مربوطتان بمحور أثيري غير متوازن ومتذبذب، فيما يجب على العالم كله أن يدور حوله الآن.
القادة الحاضرون يعملون من أجل بلادهم ما يعتقدون أنه الأفضل والأكثر فائدة لمواطنيهم. القناعات تختلف بلا شك، وهي تتبدل كما تتبدل الظروف، وكما يتبدل القادة. هناك مبادئ أساسية، ولكن لا يوجد تطبيقات مثالية.
اليوم، زمام العولمة بات بيد الرئيس الصيني شي جينبينغ. في خطاب أمام الأمم المتحدة عام 2015، دعا شي إلى وحدة دولية مستدامة في مواجهة وحل المشاكل الاقتصادية العالمية. كما أكد على التزام الصين بأن تكون شريكاً يمكن الاعتماد عليه في تحقيق عالم أكثر سلاماً وتقدماً من خلال العولمة بجميع أشكالها، مؤكداً على التنمية المشتركة من خلال الانفتاح الاقتصادي والازدهار المشترك.
وقال شي: “العولمة الاقتصادية في عصر المعلومات أطلقت العنان بشكل كبير للقوى الاجتماعية المنتجة وعزّزتها. لقد خلقت، على حد سواء، تنمية اقتصادية غير مسبوقة وأدت إلى وجود تهديدات وتحديات جديدة يجب أن نواجهها بشكل مباشر”.
هذا الأسبوع، وفي ظاهرة تكتسب صفة تاريخية، فإن الرئيس شي (سيكون) أول رئيس دولة صيني يشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي.
وقال مدير مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني جيانغ جيان قوه إن مهمة شي في دافوس هي تعزيز التنمية، التعاون والعولمة الاقتصادية من أجل بناء “مجتمع بشري بمصير مشترك”. أضاف جيانغ: “مع ظهور الشعوبية والحمائية والعداء للمهاجرين، وصل العالم إلى مفترق تاريخي حيث يؤدي طريق إلى الحرب والفقر والمواجهة والهيمنة، فيما يؤدي الطريق الآخر إلى السلام والتنمية والتعاون والحلول المتكافئة”.
الأدوار القيادية انعكست بشكل ملحوظ. لعقود كانت الولايات المتحدة هي المروّج الأكبر للعولمة، فيما كانت الصين لا تزال مغلقة أمام العالم الخارجي. بدأت الصين تتغير وتنفتح على العالم في أواخر السبعينات. وخلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً بعد الأزمة المالية عامي 2008 ـ 2009، شهدت الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا تركيزاً للثروة بشكل متزايد، ما جعل الأسر العاملة المنتمية إلى الطبقة الوسطى تشعر بأنها أُهملت وتُركت لمصيرها، وحتى أنها أهينت، وهذا ما أدى إلى تنامي الشعور بالغضب لديها.
في حين أن الحمائية التي تأتي على شكل رسوم جمركية أو غيرها من العراقيل أمام التصنيع في الخارج يمكن أن تبدو كحماية للوضائف المحلية (وبشكل اعتيادي وظائف التصنيع في المستوى المتوسط)، إلا أنها في أحسن الأحوال ليست أكثر من إصلاح على المدى القصير.
لأن أسعار السلع المحمية لا بد أن ترتفع بشكل حتمي، فإن الحمائية هي في الواقع بمثابة “ضريبة” يجب أن يدفعها كل المواطنين بما يتناسب مع مشترياتهم للسلع المحمية.  وعلاوة على ذلك، هذه الضريبة هي تنازلية لأنها تستهدف أصحاب الدخل المحدود (الذين يشكل شراؤهم للسلع المحمية النسبة الأعلى من صرف دخلهم). وبالتالي فإن الغالبية تقدم الدعم للأقلية.
بالظاهر، قد تبدو هذه المقايضة خياراً عقلانياً من أجل سياسة وطنية. فلا حرج في الجوهر أن تدعم الأكثرية الأقلية. وحتى يمكن أن يكون هناك ثناء على الشعور بالإنسانية الجمعية والعائلة الوطنية. المشكلة هي أنه مع مرور الوقت، وفي عالم مترابط، فإن الحمائية تثبّط النمو الاقتصادي وتقوّض قدرة البلاد النسبية على بناء الثروة الوطنية.
العولمة تسهّل تطوير البلدان التي لديها عمّال يرغبون بالعمل بأجور منخفضة. هذا أحد الأسباب التي جعلت الصين المستفيد الأكبر من العولمة. بينما أصبحت الصين أقل اعتماداً على التجارة العالمية ـ حيث نما الاقتصاد، وارتفعت أجور العمّال وتوسعت الأسواق المحلية ـ فإن الصين ما تزال تمجّد العولمة من أجل تحقيق تنميتها المستمرة الخاصة بها. من الناحية المثالية، هذا يفيد العالم النامي، كما العالم كله.
ولكن هناك، على كل حال، تحديات خطيرة. من خلال أخذ العالم كله ككتلة واحدة، فإن العولمة تحسّن النمو الاقتصادي والتنمية. (وهذا من بديهيات الاقتصاد 101: قانون الميزة النسبية). مع ذلك، ولأن الإنسانية منظّمة على أساس دول مستقلة بشكل شرس، وإلى أمم متنوعة بشكل كبير(حوالي 200 دولة) ـ على الأغلب مقسّمة عرقياً ودينياً ـ فإن فوائد العولمة لا يمكن توزيعها بشكل متساوٍ على كل البلدان. ففي حين أن بعض الأسواق تتسم بالكفاءة والعقلانية، فإنها فد تكون متصلبة عن غير قصد. عدم المساواة بين الأمم تنمو بدهاء.
هذا الاحتقان يولّد عدم الاستقرار، وحتى العنف. وفي النهاية، لا أحد في مأمن.
وعلاوة على ذلك، فالشركات متعددة الجنسيات والمستثمرون الدوليون سيطروا على حصة ضخمة جداً وغير متوازنة من مردود العولمة، الأمر الذي وسّع الفجوة في الثروة بين الأغنياء والفقراء في العالم.  هذا المسار يمكن أن يؤدي إلى مأساة، ويجب تغييره.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.