موقع متخصص بالشؤون الصينية

الجنرال الشهيد رومانينكو: “أُكلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض!” (العدد 63)

0

نشرة الصين بعيون عربية ـ الأكادِيمي مروان سوداح*
ذات مرة، زرت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية عن طريق جمهورية الصين الشعبية، بدعوة رسمية، و”مرّات” زياراتي إليها كثيرة، وتحدّثت مع أحد المسؤولين البارزين فيها ضمن حديثي السياسي معهم، سيّما عن أممية العسكريين الكوريين، ومُساندتهم العسكرية والقتالية للقضايا العادلة للأُمة العربية والشعوب، إذ دافع الكوريون عن استقلالية ترابنا وسيادة كياناتنا وناسنا، فشغّلوا صواريخهم نحو العدو المشترك، وسالت دماؤهم الزكية على أرضنا في دمشق والقاهرة.
المسؤول الكوري استغرب بدايةً أقوالي(!)، وطلب معرفة من أين لي هذه المعلومات السرية، فقلت له لا تنسى أن عائلتي وأنسبائي وأصدقائي وحُلفائي الأُمميون كثيرون وهم منتشرون في كل مكان، والأسرار عندي “بالأكوام”!.. المسؤول أكد هذه المساهمات الكورية المتميّزة، التي لم يُشر إليها مرجع ورقي عام في بلاده والعالم، وتمنينا، أنا وهو، أن تبقى كوريا الكيمئيلسونغية سَنداً وذُخراً للشعوب مع بقية حُلفائنا في “المَشرق الآسيوي”.
نُدرة مَن هُمُ في العالم العربي يَعرفون عن هذه المساندات الكورية الأُممية لشعوبنا، بسبب خللٍ دماغيٍ لديهم، فهم لا يَسعون لمعرفتها إذ يستكثرون ويستصعبون البحث عنها كما يبحثون “بإجتهادٍ!” عن المُغنّيات والراقصات. أضف الى ذلك، حَجب الإعلام المعادي وهو الأقوى مالياً ومهنياً ولوجستياً، للحقائق الكورية والواقع الوضّاء لكوريا الديمقراطية وعلاقاتها العربية، وشيطنة الإمبريالية الإعلامية لبيونغيانع وقادتها الأحرار وحزب العمل الكوري الباني.
كوريا الديمقراطية بلد جَميلٌ جَمال الجَمال نفسه. إنها قطعة غنّاء من الجنة، وقَادتها وشَعبها ولأ أطيب ولا أحلى. ففيها يَأمن الإنسان على نفسه ومستقبله، ويَفيض قلمه بدُرَرِ وصفها ووصفَهمُ. الى ذلك هي بلد الزوتشيه وسونكون والاستقلالية، وكلها فلسفات لا مندوحة عنها هناك ولا ارتداد. وشعب كوريا كله جيشٌ ودفاعٌ وتحت السلاح، شبّاناً وشابَاتٍ، رِجالاً ونساءً، ويعيشون للآن على أهبّة الاستعداد للمعركة المصيرية والنِّزال الحاسم، فعلى صلابتهم تتحطم إرادات الأعداء. فهؤلاء الكوريون لا يوجد عندهمُ سوى العمل والعمل فقط، والإخلاص للوطن الصغير، وهي صورٌ لا يمكن لعربي أن يتخيّلها، لأن عربنا يَستحيل أن يتطوَروا إلى هذه الصورة الكورية النضالية، المُنظَّمة “بضبط وربط” عسكري فولاذي بكل ما في الكلمة من معنىً، فلا مَثيل لها في كل تاريخ البشرية.. إنه نظام ليس ككل نظام، فـ”الفرد للجماعة والجماعة للفرد” في السرّاء والضرّاء، فما نزال نذكر كيف كان جنود كوريا زوتشيه يَنتحرون عَوضاً على الاستسلام للأمريكان.
كوريا.. إنها بلاد من نوعٍ آخر، لا تأبه بشيطنة الشياطين لها، وتستمر بإنتاج وسائل الدفاع و”الدفاع الهجومي” من كلِّ نوعٍ وشكل. وهذه الدولة الصّغيرة تتخذ قرارها السياسي بنفسها، دون انتظار مرجعٍ ومصدرٍ أو أبويةٍ خارجيةٍ، وهو سبب نقمة الغرب عليها منذ أن أقسم بالانتقام من الكوريين بعد الحرب الكورية (1950-1953)، حيث قاتل هؤلاء الكوريون مع حُلفائهم الصينيين والروس كتفاً الى كتف، لدحر جيوش أمريكا والدويلة الصهيوإسرائيلية التي شاركت بأسراب طائراتها وطيارها الحربيين بقصف كوريا الشعب والدولة، وتسويتها بالأرض، وقتل الملايين منهم، في أكبر مجزرة تاريخية لبشر يتواصل التعتيم عليها إلى اليوم، رغبة بتحصيل الإمبرياليين والصهاينة آنذاك “خبرات” عَملانية لتوظيفها في حروب تل أبيب وواشنطن لقهر العرب واحتلالهم.
رفيقي ومُعَلمي وقائدي ونسيبي الجنرال الروسي الشهيد والباحث في الشأن العربي والصيهوني، ومؤسس الجبهة العالمية لمكافحة الصهيونية وعدة منظمات وأحزاب روسية، ألكسندر زخاروفيتش رومانينكو، الذي حارب في الحرب الكونية الثانية دفاعاً عن روسيا وأوروبا والعالم، حارب أيضاً في الصين وكوريا ضمن قوات النجدة الأُممية السوفييتية، كـ”مقاتل صيني”(!) برغم سحنته الروسية، وقد حدّثني بالكثير عن ذلك التحالف الأُممي المُنتصر، وسرد لي قصصاً مؤلمة عن أهوال حرب الإبادة تلك، حيث كان الأمريكان والصهاينة وحِلفهم يقذفون للكوريين الجَوعى الأسماك والطعام المَسموم لقتل أكبر عدد منهم!
رومانينكو تصدّى بمدفعهِ لطائرات (إسرائيل) في سماء كوريا، وكان يَستمع لأتصالات طياري الصهيونية بين بعضهم البعض باللغة العبرية، وتكتيكاتهم المُجرمة أنذاك، وشدّد بأن عَليَّ العمل ما وسعني الجهد والحياة لتعزيز التحالف الاممي بين روسيا والصين وكوريا، ومهما تغيّرت أهداف السياسة والأيديولوجيا بين تلك الدول، فمصيرها واحد أحد لا محالة، وفي حالة إبتعادها عن بعضها وتفرّقها وتناقضها يَنطبق عليها المَثل القائل:”أُكلتُ يَومَ أُكِلَ الثّورُ الأَبيض!”. فالقائد رومانينكو الحامل لأوسمة حربية أُممية كثيرة ومؤلف الكتب المُدهشة المُعرِّية للصهيونية، قَبَضَ على نظرة تحالفية إستراتيجية ثاقبة وتمتّع بِبُعدِ بَصيرة سياسية، فقد ناضل لأجل أن لا يَذهب نضاله سدىً بأية عداوة طارئة تقوم بين هذه الدول الآسيوية الثلاث، فلهُ الرّحمة والمَجد وجِنان الخُلد.
الغرب لم يتمكن من إرجاع كوريا زوتشيه إلى العصور الحجرية بفضل صلابة التحالف الأُممي بمواجهته. فكوريا هي التي أفشلت سوياً مع بيجين وموسكو تمدّد وتوسّع مشروع مارشال، وبرز مِثالها ومِثال تلك العواصم في العالم سبيلاً جديداً للبشرية، لا مكان فيه للبَطريركية والعُسف والجُور والقيود الدهرية.
في الأوضاع الحالية قد أُخطىء في تحليلي أن واشنطن ترامب لن تَشن حرباً شاملة أو تكتيكية ومحدودة على كوريا، لأن بيونغيانغ بطبيعتها وطبعِها ودِماغها العسكري، ستستخدم “فوراً” كامل ترسانتها لقصف حُلفاء أمريكا في سيئول وطوكيو وتايبيه، وأساطيلهم وقواعدهم النووية وأسلحتهم الكيمائية – المنتشرة منذ (67) سنة في اليابان وجنوب كوريا (الواقعة فعلياً تحت احتلال أمريكا منذ ما بعد 1945).
كما ستدمر كوريا الديمقراطية القوى البحرية للخصوم، وهو في صالح الصين، حيث تحاصر هذه القوى الغربية وتابعوها الصين وروسيا وتحيط بالدولتين كـ “السوار حول المِعصم”، مُنتظِرةً ساعة الصفر ليُعِيدوا موسكو وبيحين كما يَحلمون للعصر الاستعماري ، إستعادة من أمريكا لعصر البيريسترويكا البائد، الذي أفشله فلاديمير بوتين، وقَصَمَ ظهر صهاينته وغربييه وتجّاره وكومبرادورييه بكل سِحنهم.
خلال إعداد هذه المَقالة، طالعتُ في مواقع إخبارية للمعسكر المعادي، أنباءً عن “تَحذير وتهدِيدٍ” صيني شديد اللهجة للدول التي تستعد لشن عدوان على كوريا، وبأن تلك الدول “ستدفع الثمن”، ما يُشير وعلى الأغلب إلى أن الصين ستتدخل (بأساليبها) في الحرب، وقد تكون قد أرسلت قواتها الى كوريا في وقت سابق لردع الأمريكان.. فخسارة الصين لكوريا ستكون كارثية ولا تُعوّض. فدولة سونكون العسكرية، هي: 1/الحد التاريخي الفاصل والرادع للقوات الغربية والمانع لتقدمها نحو الصين منذ الحرب الباردة.. و2/كوريا هي شعب شقيق لشعب الصين وأخ تاريخي له، وعاداتهم وتقاليدهم في كل مجال هي واحدة، و3/كانت الصين وما تزال تستمر وتساهم بمد يد المساعدة للكوريين في مواجهة الحَظر الدولي المَفروض عليهم ظُلماً.
وفي الربح والخسارة، فإن حرباً أمريكية، كإحتمال، بدون ردع صيني في المنطقة الآسيوية الحيوية للصين وفي خاصرتها الشرقية، هو خسارة فادحة للصين على الصُعد كافةً، فسيَحل محل دولة سونكون دولة أخرى تابعة تماماً لأمريكا ومستفزة للصين، تَنصب صواريخ تدميرية موجهة لقصف المواقع الصناعية والحيوية في شرقي الصين وللتوسع في بحري الصين الشرقي والجنوبي، حيث بدأت حركة الإصلاح والانفتاح الصينية الشهيرة..
ترامب وعسكريوه الكبار، يُدركون أن حرب كوريا ستكون مَوتاً وإبادةً لغير الدول المُتحاربة أيضاً، ذلك أن السّلاح الذي سيُستخدم من الجانبين الكوري والأمريكي، هو “ما فوق نووي” غير مُعلن عنه للآن، إذ أن الحرب الأمريكية تهدف لإبادة الشمال الكوري، عودةً على بدء إلى الحرب الأخيرة بين الطرفين، حين أرسلت أمريكا البعيدة أساطيلها الى كوريا الفقيرة لإلغاء الوجود الفيزيائي للكوريين، في استنساخ للتوسّع الإحلالي والاقتلاعي والاستيطاني الياباني في الصين وكوريا.
وبرغم أنه لا يمكن التنبؤ بقرارات ترامب الفالتة مِن عقالها، وعيشه أزمةً عميقة ومواجتهه ومُشاكسته شعبه والإعلاميين والإقتصاديين وحتى العَسكر، إلا أنه قد يَأمر في لحظة غضب بشن حرب على كوريا، لكن عسكره الكِبار يُدركون نتائجها، إذ سيكون العدوان مُعاكساً لرغباته في رصيده الأمريكي الشعبي والدولي. وبغض النظر عن ضغط ترامب على الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في فلوريدا، للاصطفاف الى جانبه ضد كوريا، إعتقاداً بسهولة تحصيله “كارت بلانش” صيني له، إلا أن بيجين لن ترضى خسارة حَليفها الكوري التاريخي في الحرب العالمية الأخيرة مقابل ثلاثين من الفضة الأمريكية السريعة الزوال، فالحرب في كوريا ستَهزم ترامب وتُقلِعَهُ عن كُرسي الرئاسة!
*رئيس الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين – الاردن.
*المقال خاص بنشرة “الصين بعيون عربية”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.