موقع متخصص بالشؤون الصينية

التقارب الإسلامي الصيني مفتاح إعادة إحياء طريق الحرير (ح 2)

0

 

موقع مبادرة الحزام الطريق بعيون عربية ـ
د. يربان الحسين الخراشي(موريتانيا)*:

بعد معركة نهر طلاس (نهر يقع في قرغيزستان حاليا) التي غيرت مجرى تاريخ العالم سنة 751 م، وكان النصر فيها حليف الخلافة العباسية، والتي ذكرنا في مقالنا السابق أنها كانت السبب المباشر في بداية القلاقل التي أدت إلى أفول نجم أمبراطورية تانغ؛ مما أدى إلى انحسار كبير لدور طريق الحرير البري في التجارة العالمية آنذاك.
هذا الانحسار استمر حتى سيطرة المغول على نصف الكرة الأرضية تقريبا خلال القرن الثالث عشر، حيث عادت الحياة إلى طريق الحرير من جديد لكنها كانت قد بدأت تفقد مكانتها لصالح طريق الحرير البحري الذي كان قد بدأ يزدهر.

وطريق الحرير البحري هو طريق بحري يربط السواحل الجنوبية الشرقية للصين بشرق أفريقيا، وأوروبا مرورا ببحر الصين الجنوبي، والمحيط الهندي، والبحر الأحمر.
وقد بلغت التجارة عبر هذا الطريق البحري أوج ازدهارها خلال فترة مملكة مينغ الصينية (1368 -1644) خاصة خلال الفترة ما بين (1405- 1433) المصاحبة للرحلات السبعة للبحار المسلم الصيني تشنغ خه (Zheng He) التي قادته إلى جل الدول الإسلامية اندونيسيا، إيران، العراق، اليمن، السعودية، مصر، الصومال، وهذا ما مكن الصين في تلك الحقبة من السيطرة على حوالي ثلثي التجارة العالمية عبر البحار.

ومع مطلع القرن الرابع عشر وبعد تأسيس الخلافة العثمانية، وقيام الامبراطوريات الأوربية الاحتلالية التوسعية ابتداء بالبرتغاليين الذين أستخدموا الطرق الحديثة في الملاحة، والخرائط، وانتهاء بالبريطانيين عاش العالم ستة قرون تحت سيطرة بحرية للأوربيين تم خلالها تراجع التجارة عبر الطرق القارية تدريجيا لصالح التجارة عبر البحار،وتم تحويل مركز التجارة العالمية من الشرق إلى الغرب؛ مما أدى إلا أفول حضارات وبزوغ أخرى. وخلال القرن التاسع عشر وبالتحديد سنة 1877 تسمت “طريق الحرير” باسمها هذا على يد العالم الجغرافي الألماني فرديناند فون ريشتهوفن ( Ferdinand von Richthofen) الذي كانت بلاده تسعى إلى إنشاء سكة حديد تربط إقليم شاندونغ (Shandong) الصيني بها مروا بدول آسيا الوسطى، وذلك بعد ما ضيقت بريطانيا العظمى الخناق عليها في ظل التنافس الحاد بينهما على الموارد والأسواق العالمية.

ومع مطلع القرن العشرين بدأ نجم الولايات المتحدة الأمريكية في البزوغ خاصة بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية باقتصاد الوحيد السليم عالميا.
وقد استخدمت حاملات الطائرات وأكثر من 1000 قاعدة عسكرية حول العالم مدعومة بنظام مالي عالمي يجعل كل البلدان بل كل فرد على كوكب الأرض يستخدم الدولار يعتبر مشاركا بصفة مباشرة أو غير مباشرة في تحمل الإنفاق على هذه القواعد؛ مما مكنها من بسط سيطرتها ونفوذها على ممرات التجارة البحرية التي عبرها يتم نقل حوالي 90% من إجمالي حجم التجارة العالمية.
اليوم وبعد مرور أكثر من 2000 سنة على أول استراتيجية عسكرية صينية بالانفتاح على الغرب عبر طريق الحرير لإنقاذ مملكة هان الغربية (206 ق م- 25 م) من هجمات قبائل الهون، ها هي مملكة هان القرن 21 تتشبث بطريق الحرير مرة أخرى وكأن التاريخ يعيد نفسه، حيث تعلق الصين أمالا كبيرة على هذه المبادرة التي تسعى من ورائها إلى تحقيق أهداف إستراتيجية كثيرة نذكر منها:

(1):- إنقاذ الصين من الكماشة الأمريكية التي بدأت تضيق الخناق عليها خاصة بعد تقوية أمريكا لعلاقاتها مع دول منطقة المواجهة الجيوسياسية معها كأستراليا، اليابان، الفيتنام، ماليزيا، بروناي، بنغلاديش، كوريا الجنوبية وإندونيسيا وغيرهم؛ مما مكن أمريكا من إحكام سيطرتها على الممرات البحرية المؤدية إلى الصين، خاصة مضيق ملقا الذي يفصل بين ماليزيا وإندونيسيا، والذي تمر منه حوالي %75 من واردات الصين النفطية، و حوالي 23% من وارداتها الغازية.
(2):- إخراج الاقتصاد الصيني من تباطئه، حيث أنه اليوم وبعد حوالي 40 سنة من تنفيذ سياسية الانفتاح أصبحت عرباته الثلاثة الرئيسة ( التصدير،الاستثمار الداخلي ،الاستهلاك الداخلي) تقترب من محطتها النهائية مخلفة ورائها حجما هائلا للاحتياطي لديها من العملات الأجنبية على رأسها الدولار، وفائض في الإنتاج أدى إلى تخمة في المعروض طالت جميع أنواع الصناعة الصينية، من الصلب والحديد، الأسمنت، المعدات، إلى الأجهزة المنزلية؛ وهذا ما جعل الصين تعلق أمالا كبيرة على هذه المبادرة في التخلص من الفائض في الإنتاج لديها من المواد، و التخلص أيضا من الفائض الاحتياطي الضخم من العملة الصعبة عن طريق استثمارات خارجية في الدول نطاق الطريق، وذلك عن طريق خلق أسواق جديد، والرفع من القوة الشرائية لساكنة هذه الدول بدل خسارته في حروب العملات مع أمريكا .نذكر أن الصين باعت خلال 4 سنوات الأخيرة فقط حوالي واحد تريليون دولار من احتياطياتها من العملة الأجنبية للحفاظ على استقرار صرف عملتها.
(3): – الهدف الثالث الرئيسي الغير معلن لهذه المبادرة، والأهم حسب اعتقادي هو تحويل شرعية النظام السياسي الشيوعي الحاكم من الاعتماد على الأيديولوجيا التي فقدت بريقها إلى الاعتماد على النمو الاقتصادي السريع.
فليس هناك شرعية لنظام الحكم الصيني أعظم من تحقيق حلم أكثر من 50 % من سكان الصين البالغ عددهم 1.37 مليار نسمة في التمدن، والحياة الكريمة، وتمكين الأمة الصينية من استعادة مكانتها الريادية بين الأمم.

لكن ماهي هذه المبادرة السحرية التي قد تحقق شرعية جديدة للحزب الشيوعي الصيني الحاكم؟ وتمكن الصين من الإفلات من الكماشة الأمريكية؟ وتحل مشاكل إعادة هيكلة اقتصادها ؟ وتتيح فرصة للبلدان الإسلامية لركوب قطار التنمية الصيني فائق السرعة؟
يتواصل إن شاء الله
*

Dr. Yarbane El Houssein El Karachi

Jilin University – China

Department of Exploration and Drilling Engineering

E-mail: yarbalanacn@yahoo.com

yarbanacn@163.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.