موقع متخصص بالشؤون الصينية

#كوريا للكوريين وليست لـ #الأميركيين (العدد 70)

0

الأكادِيمي مروان سوداح*

بالرغم من إبداء الرئيس الجديد لجنوب كوريا، “مون جاي إن”، استعداده لزيارة جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، والتوجّه إلى بيجين وواشنطن للتفاوض وتطبيع الأوضاع في شبه الجزيرة المُعذّبة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إلا إن السيطرة الأمريكية على الجنوب لن تتراجع لمجرد رغبة رئيس جديد. فأمريكا لن تخضع لرئيس الجنوب، ولن تفلح سيؤول في تجريد أمريكا من سلاحها الإستراتيجي لأي سبب كان، وهو ما يَشي بانهيار سريع للتقارب المحتمل بين الكوريين حتى قبل بدئه.
واشنطن ترامب لن تُقدم على خطوة واحدة من شأنها تخفيض مستوى التوتر في كوريا برمّتها، إذ أن نشر بطاريات “ثاد” الصاروخية في الجنوب، وفي عدة بلدان آسيوية أخرى، وأوروبية، على حدود الصين وروسيا، يَعني أننا نشهد عملية تحضير لحرب حارة، وأن ما يجري منذ سنوات مُخطّط لتسريع سباق التسلح، والتمهيد لمواجهة شاملة بين معسكرين.
ما يجري حالياً هو سعي عنيد لتطبيق الإستراتيجية الأمريكية لإطباق الخناق على الصين، من خلال إغلاق البحرين الشرقي والجنوبي بوجه السفن الصينية، وكذلك مضيق مَلقا، وهنا لا بد أن نستذكر تحذيرات الرئيس بوتين قبل أيام، من أن صدر الغرب يَضيق من تعدّد الأقطاب في العالم، لذا نشهد انفلاتات أمريكية عسكرية وسياسية.
الجديد في الإستراتيجية الأمريكية هو، فرض الحماية على الدول الأُخرى رغماً عنها، حتى في حالة انتفاء أي تهديد لأمنها، وإجبارها على دفع مستحقات هذه الحماية بقدر ما تحدده أمريكا دون غيرها، وفي هذا التوجّه، تعمل واشنطن على تسعير المواجهات بين الدول وتوليد توترات في العلاقات الدولية، لتبرير نهجها العسكري، الذي يتوافق مع متطلبات المَجمع الصناعي العسكري الأمريكي الذي يتوسّل المزيد والمزيد من طلبيات السلاح من الدول الاخرى.
أمريكا لن تسحب عشرات الأُلوف من عسكرييها من جنوب كوريا، فشبه الجزيرة موقع إسترتيجي بامتياز على كل الصُعد، وهي تضمن إخضاع دول شرق وجنوب شرق أسيا والمحيط الكبير للإرادة الأمريكية، لذلك تمت فبركة مَقتل “الأخ الكوري غير الشقيق” على يد “عَملاء كوريين شماليين” مزعومين، رغبة بمزيد من توتير الأوضاع في شبه الجزيرة وحولها، وهو الذي من شأنه خدمة مصالح بقاء قواعد أمريكا العسكرية في مواجهة ما يُسمّى بـ “العدوان الشمالي”، ولاستكمال مُحاصرة الصين وروسيا.
من ناحية أخرى، تدعو الصين وكوريا الديمقراطية وروسيا وتعمل جميعها بإخلاص لتبريد الأزمة وتسويتها، وانسحاب القوات الامريكية وتفكيك القواعد العسكرية الأمريكية في تلك المنطقة، لتجنيب شعب جنوب كوريا أولاً ويلات حرب حارقة، وشعوب كل المنطقة ثانياً، والعالم ثالثاً. كما تدعو هذه الدول مُخلصة لتصفية كل أشكال السلاح الضارب والنووي والهيدروجيني وغيره. لكن الإدارة الأمريكية تضرب عرض الحائط بكل تلك الدعوات، ولا تُعير أهمية لسحب قواتها النووية والتقليدية من جنوب كوريا، بل تدعو لتجريد الشمال الكوري حصراً من قدرته النووية للدفاع الذاتي، لتعريته وجعله لقمة سائغة في حَلقها فاحتلاله، وللشروع بنقل قواعدها إلى الحدود البرية الشمالية مع روسيا والصين، فتصبح روسيا مُحَاصرة من شرقها وغربها (دول البلطيق؛ بولندا؛ أوكرانيا وغيرها)، وأما الصين فتسعى لتطبيق “مبادرة الحزام والطريق” نحو العالم، كردٍ سريع لتفشيل محاولات فرض الحصار عليها!
أيّدت الصين الشعبية ونجحت قيادة كوريا الديمقراطية سابقاً بالتفاهم مع جنوب كوريا ضمن سياسة كوريا للكوريين، بتوقيع إتفاقيات في كل فضاءات التعاون بدون استثناء وصولاً الى إتفاقية سلام، لكن سرعان من تم وأد اتحاد الامة الكورية أمريكياً، فهل ينجح الرئيس “مون” ويستطيع الآن تفعيل إعلانه بالمصالحة، ليتلاقى بالتالي مع الدعوات السلمية المتواصلة للرؤساء “شي جين بينغ” و”كيم جونغ أون” و”فلاديمير بوتين”، لتجنيب العَالم حرباً أمريكية في الطرف الشرقي من آسيا، بعد إشعال أمريكا لحرب مُستعرة بطرفها الغربي، في سورية والعراق و”الشرق الأوسط” بأكمله(؟)، تجنّباً لإسقاط ملايين القتلى في “حرب كورية” جديدة، كما كان الحال في الحرب الكورية الأخيرة بين عامي 1950 و1953)؟!
*رئيس الإتحاد الدولي للصَّحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصّين.
*المَقال خاص بالنشرة الاسبوعية لموقع الصين بعيون عربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.