موقع متخصص بالشؤون الصينية

طريق الحرير وأثره الثقافي في تعزيز دور الشباب العربي والصيني لبناء مستقبل أفضل (العدد 70)

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
الدكتور مسعود ضاهر*:
تنبه الصينيون إلى أن العالم العربي يواجه تبدلات جذرية في زمن الإنتفاضات الشعبية الني تفجرت منذ العام 2011 . فالشعوب العربية ترفض مشاريع التدخل الخارجي التي تعمل على تغيير هوية المنطقة العربية أو دمجها في هويات أخرى لتبرير الهيمنة الأميركية – الإسرائيلية عليها في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد، وعارضت التدخل العسكري الخارجي، ودعت إلى إحترام ميثاق الامم المتحدة ومبادئ العلاقات الدولية. وتعمل على وقف الحرب في هذه المنطقة لكي تستعيد دورها الأساسي في الاستراتيجية التنموية التي اطلقها الرئيس الصيني الصيني (شي جين ببنغ) في أواخر العام 2013 وتحمل عنوان “طريق الحرير والحزام الاقتصادي”. وهي مبادرة إستراتيجية متكاملة لإحياء طريق الحرير في القرن الحادي والعشرين، واستجابت لها قرابة 60 دولة تستفيد منها في القارات الثلاث: آسيا وأوروبا وأفريقيا .
وبمناسبة الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية، ودعما لتعزيز أواصر الصداقة بين الشباب الصيني والعربي، شاركت وفود شبابية من جمعيات الصداقة العربية – الصيني في برنامج سفراء الشباب العرب الذي عقد في الصين في الفترة ما بين 19-26 تموز 2016، فحضر عن الجانب العربي شابات وشباب من عدة دول عربية، إضافة إلى شابات وشباب وباحثين صينيين، وسفراء عرب لدى الصين وممثلين لوسائل الإعلام فيها. وأشادت الكلمات بدور الشباب في تعزيز العلاقات العربية – الصينية على مختلف الصعد. فالشباب هم مستقبل الشعوب وأملها في التغيير الديموقراطي السلمي ومكافحة الحركات الإرهابية التي باتت تهدد الإستقرار الداخلي، والسلام العالمي. وتوافق الجميع على ضرورة عقد الملتقى الثاني للشباب العربي- الصيني في فضاء عربي خلال العام 2017.
تجدر الإشارة إلى وجود ترابط وثيق بين مبادرة الرئيس الصيني وملتقيات الشباب العربي والصيني التي ستتكرر في السنوات القادمة. فمبادرة الرئيس (شي جين بينغ) لإحياء “طريق الحرير والحزام الإقتصادي” تقدّم الدعم الكبير لمواصلة التبادل والتعاون بين القوى الشبابية الصينية والعربية بهدف بناء مستقبل أفضل للشباب بصفتهم قادة الغد من جهة، ولتعزيز العلاقات العربية – الصينية بصفتها القاعدة الصلبة للدبلوماسية الناعمة بين الشعبين العربي والصيني من جهة أخرى. لذلك تضمنت المبادرة خارطة طريق ذات أبعاد إستراتيجية. وهي تحمل دعوة إنسانية نبيلة للحفاظ على السلام والأمن في العالم من خلال برامج للحوار الثقافي بين الشعوب، وحماية المكتسبات الحضارية التي بناها الأقدمون بتضحيات بشرية ومادية كبيرة، وتدعو أيضاً إلى تنمية العلاقات الصينية- العربية وتطوير أهدافها وبرامجها على أسس سليمة تمنع انتشار الأفكار العنصرية والحركات الإرهابية بين الشباب العربي والصيني .
وعلى قاعدة تلك المبادئ الأخلاقية والإنسانية والثقافية ساهم برنامج سفراء الشباب للصداقة الصينية – العربية في تعزيز التفاعل المتبادل بين الثقافتين الصينية والعربية. فتعرّف وفد الشباب العربي الأول خلال إقامتهم القصيرة في الصين في الفترة ما بين 19-26 تموز 2016 إلى بعض عادات وتقاليد الصينيين في حياتهم اليومية، واكتسبوا أصدقاء صينيين متحمسين للحوار الثقافي مع الشباب العربي بهدف التعرف إلى عادات العرب وتقاليدهم في حياتهم اليومية. فكانت الحاجة ملحّة إلى عقد الملتقى الثاني للشباب العربي والصيني في فضاء عربي لتعزيز التواصل بين الجانبين وتطوير أساليب عمل الشباب وفق رؤية مستقبلية ذات أبعاد إستراتيجية طويلة الأمد. فلا يجوز أن تتوقف مسيرة التواصل بين الشباب العربي والصيني لأي سبب من الأسباب، بل علينا جميعاً أن ندعمها بقوة لكي تمضي قدماً وتزداد رسوخاً في السنوات القادمة، فتم الإعداد الجيد لبرنامج الملتقى الثاني للشباب العربي والصيني الذي عقد بالقاهرة في الفترة ما بين 17-21 أيار/ مايو 2017، ليكمل الوفد الصيني الضيف طريقه لزيارة الجزائر بدعوة من جمعية الصداقة الجزائرية – الصينية في الفترة بين 21-25 أيار 2017.
غني عن التأكيد أن لدى الشباب العربي والصيني رغبة صادقة في التواصل الثقافي والحوار الدائم لتنفيذ مشاريع مستقبلية تعزز دور الشباب على مختلف الصعد. وينظر المثقفون العرب والصينيون بتفاؤل كبير إلى أهمية النشاطات الشبابية المشتركة في تطوير التفاعل الثقافي بين العرب والصينيين. وشكّل مشروع الرئيس الصيني” طريق الحرير والحزام الإقتصادي” مدخلاً هاماً للتفاعل الثقافي الإيجابي بين الصين والمنطقة العربية بكامل دولها. وتشهد المنطقة العربية تبدلات مصيرية غير مسبوقة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر. لذا يولي الجانبان العربي والصيني أهمية خاصة لدور الثقافة العقلانية ولدور الشباب في مواجهة إرهاب تكفيري يهدد الإستقرار في الشرق الأوسط والسلام العالمي. وتطرح اليوم تساؤلات عدة أبرزها: هل ينجح الشباب العربي في الوقوف بوجه تيارات إرهابية مدعومة من دول إقليمية وعالمية كبيرة؟ وهل يستطيع ملتقى الشباب العربي- الصيني تطوير أواليات عمله لكي يلعب دوراً فاعلاً في تعزيز العلاقات المتبادلة بين الصين والدول العربية، منفردة ومجتمعة؟

لعل من أولى المهمات الملحة أمام الملتقى اليوم أن يأخذ الشباب العربي والصيني بزمام المبادرة بنفسه لتعزيز التواصل الثقافي، والإعلامي، والسياحي، وتبادل الوفود الشبابية، وإقامة المهرجانات الفنية والترفيهية، في مختلف المناطق الصينية والعربية، وعليه تجاوز المعوقات البيروقراطية التي تكبّل أحياناً حركة التواصل الإنساني والتفاعل الثقافي بين الشباب العربي والصيني.علماً أن الكثير من أحلام الشباب العربي تبددت في زمن الإنتفاضات العربية وما رافقها من قتل وتهجير ودمار مادي، فأصيب بعضهم بالإحباط واليأس من التغيير الشامل، ومن تحقيق حلم الديموقراطية، وبناء دولة المؤسسات، وإيجاد فرص عمل للشباب، وتحسين أوضاع المرأة، وتحقيق التنمية البشرية والاقتصادية والمستدامة. كما أن نسبة كبيرة من الذين حملوا السلاح، من مختلف الجنسيات، تحولت إلى قوى تمارس الإرهاب الدموي المعولم.
لذلك نشدد في هذا الملتقى الشبابي المشترك على ضرورة استعادة الدور الثقافي والتنموي والحضاري للشباب العربي والصيني، لأنه يرتدي أهمية إستثنائية في المرحلة الراهنة،على مختلف الصعد وفي جميع المجالات. فالثقة بين الشباب والأنظمة السائدة تكاد تكون معدومة في الدول العربية التي تعاني حروباً ونزاعات داخلية مستمرة منذ سنوات عدة وقادت إلى التهجير الجماعي القسري، أو هجرة الشباب الطوعية إلى الخارج هرباً من الفقروالبطالة والأمية، وبحثاً عن العمل والعلم والاستقرار النفسي والتضامن العائلي .
نحن اليوم أمام مرحلة جديدة من العلاقات العربية – الصينية بعد أن أمّنت إستراتيجية “طريق الحرير والحزام الإقتصادي” ظروفاً ملائمة جداً للجانب الصيني كما تجلّت في الأشهر المتمدة ما بين إنعقاد الملتقى الأول وهذا الملتقى الثاني للشباب العربي الصيني. ونظرا لكثرة النشاطات العربية والصينية خلال تلك الفترة نشير فقط إلى بعض النشاطات التي ساهمت أو شاركت رابطتنا في نشاطاتها. فأقيم معرض الكتاب الصيني في قصر الأونيسكو في بيروت، وشاركت الصين في معرض الكتاب العربي في بيروت، وكان للصين حضور كبير جداً في معرض أبو ظبي للكتاب بصفتها ضيف الشرف للعام 2017 . ورافق المعرض توقيع اتفاقيات كثيرة لترجمة عشرات الكتب التي ستترجم مباشرة بين الصينية والعربية. وعقدت الرابطة الملتقى الأول للترجمة بين العربية والصينية في بكين وشانغهاي عام 2016، وسيعقد الملتقى الثاني بالجامعة اللبنانية في بيروت في تشرين الأول/ أكتوبر 2017. واستقبلت الجامعة اللبنانية أعداداً متزايدة من الباحثات والباحثين الصينيين الشباب في المرحلة الأخيرة من إعداد الدكتوراه، وتم تحويل موقع “الصين بعيون عربية “الذي تأسس بدعم من رابطتنا منذ عدة سنوات إلى مجلة أسبوعية تصدر بانتظام منذ أكثرمن عام، وكثير غيرها.
لذلك أدعو إلى إطلاق برنامج عمل طويل الأمد للتفاعل الإيجابي بين الشباب العربي والصيني وفق رؤية مستقبلية تكون من نتاج حوار الشباب أنفسهم .ولعل أبرز نقاط البرنامج المقترح:
1- تحويل هذا الملتقى الشبابي إلى “المنتدى الدائم للشباب العربي والصيني“. فتبادر الوفود الصينية والعربية المشاركة على الفور إلى إختيار هيئة تأسيسية في لقاء مشترك بين جميع أعضاء الوفود من الشباب فقط . فالشباب العربي والصيني قادرون على إعداد برنامج متكامل لعملهم، وتشكيل لجان شبابية تضم أفضل النخب القادرة على تعزيز العلاقات وبناء مستقبل أفضل للشباب العربي والصيني.
2- تعزيز الحوار والتبادل الثقافي بين الشباب العربي والصيني من خلال تنظيم برامج شبابية خاصة في مجال والتواصل الإيجابي وتطوير آليات العمل المباشر بين الجانبين بالاستناد إلى وسائل التكنولوجيا الحديثة التي يتقنها الشباب بكفاءة عالية.
3- إطلاق الحرية لممثلي الشباب، داخل جمعيات الصداقة العربية والصينية وخارجها، لكي يتحملوا المسؤولية الكاملة الملقاة على عاتقهم تجاه شعوبهم. وهذا يتطلب الحوار الدائم بين الشباب العربي في مختلف دولهم، ومع الشباب الصيني وفق إستراتيجية العمل الجماعي المشترك بآفاق مستقبلية.
4- تشكيل قنوات للتواصل الثقافي، والسياحي، والفني، والترفيهي وفق رؤية خاصة من إنتاج الشباب العربي والصيني.على أن تتعهد جمعيات الصداقة العربية والصينية بدعم تلك النشاطات ضمن إمكانياتها،وتقديم التسهيلات الممكنة لانعقاد إجتماعاتها الدورية في أكثر من مدينة صينية أو عربية.
5- الاستفادة القصوى من خبرات الشابات والشباب الذين أتيحت لهم الفرصة لزيارة الصين والدول العربية من أجل تنظيم ندوات شبابية في مراكز عملهم الأكاديمية، أو السياحية، أو الإدارية وغيرها.
6- تشكيل صندوق مالي لجمع التبرعات، من الجهات الرسمية والشركات التجارية التي تتعامل مع الصين، لمساعدة الشباب العربي والصيني على تنفيذ برامجهم بشكل منتظم.
7- فتح قنوات للتواصل السريع بين المنظمات الشبابية العربية والصينية من طريق الأنترنيت وغيرها من أدوات التواصل الحديثة لإطلاق هذا المنتدى عبر وسائل الإعلام العربية والصينية، وتنظيم ندوات مشتركة بين الجانبين العربي والصيني لشرح أهداف المنتدى والتأكيد على إستقلاليته، وحرصه الدائم على تنفيذ أهدافه المستقبلية.
أخيرا، يأمل شباب العالم العربي بتعزيز التبادل الثقافي، والأكاديمي، والفني، والسياحي، والترفيهي مع الشباب الصيني، وتنفيذ مشاريع مشتركة بين الجانبين على مختلف الصعد. فالنشاطات المشتركة تشكل قاعدة صلبة لتوليد نخب فاعلة وقادرة على تعزيز العلاقات العربية والصينية وفتح آفاق مستقبلية لتطويرها وتنمية قدراتها البشرية والمالية المستدامة.
ختاما، تحية حارة إلى رابطة جمعيات الصداقة العربية الصينية التي نظمت هذا الملتقى بالتعاون مع جمعية الصداقة الصينية – العربية، وجمعية صداقة الشعب الصيني مع شعوب العالم، وبحضور عدد من ممثلي الجمعيات العربية – الصينية.
تحية حارة إلى أمين عام رابطة جمعيات الصداقة العربية- الصينية الدكتور أحمد عبد الرحمن محمد، ومديرها التنفيذي النشيط السفير الدكتورعلي يوسف.
تحية حارة إلى القاهرة العزيزة الجامعة لشباب العرب، ولجمعية الصداقة المصرية – الصينية التي تشرع دوما أبوابها لإستضافة الوفود الصينية والعربية. وتحية حارة إلى شباب هذا الملتقى – المنتدى لاحقا- العامل على تعزيز التعاون العربي – الصيني. لكم جميعا جزيل الشكر من الرابطة اللبنانية – الصينية للصداقة والتعاون، بجميع أعضائها وشبابها.
*رئيس الرابطة اللبنانية – الصينية للصداقة والتعاون .
**كلمة ألقيت في جلسة ملتقى الشباب الصيني – العربي الذي عقد بالقاهرة في الفترة ما بين 17 – 21 أيار 2017 .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.