موقع متخصص بالشؤون الصينية

#الأزمة_الخليجية.. #الصين دولة وحزباً (العدد 71)

0

الأكادِيمي مروان سوداح*

في الموقف الصيني من الأزمة الخليجية الرّاهنة، تتمسّك الصّين بنهجها السياسي التقليدي بشكل صارم، وقاعدته هي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وصِلاتها، والعمل على رأب الصّدع في العلاقات بين الدول وعلى صعيد دولي، وتبريد الأزمات، ووقف المواجهات الدبلوماسية والسياسية، ووأد الحروب والمعارك، لأن هذه كلها إنما تعمل ضد مصلحة الإنسان والأمم والقوانين الوضعية والدينية والأخلاقية والقيم والمفاهيم البشرية بوحدة الجماعة البشرية بغض النظر عن اختلافاتها القومية والدينية ومصالحها وانتماءاتها القارية والإقليمية.
وفي الملاحظات الدقيقة، أن الحزب الشيوعي الصيني يتمسّك هو الآخر بهذا النهج الذي تختطّه الدولة الصينية التي يترأسها الحزب ويقودها. فرؤى الحزب لا تتعارض مع توجّهات الدولة، وهو نهج طالما كان وسيبقى مدار نقاش حاد وصراع في الاوساط الحزبية للدول والأحزاب المختلفة، ذلك أن التجارب العالمية حتى اللحظة تعرض إلى صراع ونزاع ومواجهة بين أيديولوجية الحزب ومبادئ وتوجهات دولة الحزب. لكن في الصين يختلف الأمر، حيث يَنسجم الحزب مع الدولة ويتناغمان في تنفيذ المشاريع والمبادرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويسيران في طريق واحد، فيتحوّل الحزب القائد وهذه الحالة الفريدة الى مَعينٍ لدولة الحزب الأكبر ذات التعدّدية الحزبية، ويَحوز هذا الحزب بالتالي على ثقة مختلف طبقات وشرائح المجتمع الصيني، التي ترى في هذا النهج إعلاءً لمكانة الصين في العالم وتمتعها باحترام الشعوب لهذه الأيديويولجية المُبدِعة والجديرة بالتدريس في مناهج العلوم السياسية والعلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في جامعات العالم.
وتسترشد دولة الحزب الصينية المتعدّدة الاحزاب، بمبادئ التعايش السلمي عالمياً، وتطبيق الشّرعة الدولية فِعلاً لا قولاً في مسلكيتها الخارجية.
وفي الأزمة الخليجية تحاول الصين أن لا تؤثر هذه الأزمة على علاقاتها مع مختلف دول الخليج العربية وغير العربية، لذلك نراها تعمل من أجل تبريد الأزمة والوصول إلى حل وسط، يكون في مصلحة الجميع، وهذه هي بالذات تفعِيلات الصين على صعيد دولي وعربي، حيث تهتم الصين، كما مختلف الدول المتنازعة، للإبقاء على علاقات ودّية وذات نفع متبادل مع الصين التي تجهد لنشر طريق حرير جديد هي “الحزام والطريق”، لتجد سُبلاً سَهلة في دول آسيا العربية والأفريقية. فالمبادرة والعلاقات العربية الصينية مهمة جداً لكل الدول والشعوب العربية بغض النظر عن سياساتها وعدائها لبعضها بعضاً، ذلك أنه يمكن لهذه الدول أن تجد في المبادرة قاسماً مشتركاً لوقف أزماتها ولنفعِها بتطوير الفِعل الاقتصادي والاستثماري من خلال روافع صينية، تتسارع يوماً بعد يوم لإيجاد الجديد والجديد من مواقع الاستثمار التريليوني الدولي، ولضخ قوىً عاملة جديدة في هذه العملية الاقتصادية التي لم يَشهد العَالم مَثيلاً مَثمراً لها، والتي من شأنها جَعل الحروب في أعين الامم فِعلاً مَكروهاً ومُدمّراً.
في الأزمة الخليجية التي تتعمّق وتتشعّب وتتعقّد عشيّة تراجع “داعش” وقُرب انهياره وذوبان تنظيمات إرهابية أخرى، تُستحدث أزمة خليجية – خليجية جديدة، لتصبح “في سرعة البرق” أزمةً إقليمية ودولية تشمل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي ومنظمة عدم الانحياز، وتتدخل فيها دول من خارج الإقليم. لذا، من الضروري أن تعمل الصين ذات الحِياد الايجابي للتوسّط بين أطراف الأزمة، للحفاظ على سلام الإقليم واستقراره وعلاقات دوله مع بيجين وعواصم العالم. فالانقسام العربي هو في غير صالح العَالم والعرب أنفسهم ومستقبلهم الذي تعمل قوىً دولية على تهمِيشه وتفتيته من خلال متواليات تقسيمية لا تنتهي، ولجر العرب لمواقع العداء للصين وكراهيتها ورفض مبادراتها، فتخسر القوى العربية الكبيرة في هذا النزاع قبل الصّغيرة، لتغدو الهشاشة السياسية والاقتصادية والحروب العربية سِمة دائمة لمنطقتنا والأقاليم المحيطة بها، ويَصب ذلك في صالح قوّة كبرى واحدة أحد، تعتمد في ازدهارها وقُدراتها و “تأّلق” نَجمها على تواصل حروب “داحس والغبراء” والفتوحات الوهمية لـِ”دون كيشوت”…
*رئيس الإتحاد الدولي للصَّحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصّين.
*المَقال خاص بالنشرة الاسبوعية لموقع الصين بعيون عربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.