موقع متخصص بالشؤون الصينية

#هونغ_كونغ.. أُعيدت لتحتمي بأهلها (العدد 75)

0

نشرة الصين بعيون عربية – الأكاديمي مروان سوداح*

قبل عشرين سنة بالضبط، أُعيدت مُستعمرة (هونغ كونغ) البريطانية إلى الوطن الأُم ـ جمهورية الصين الشعبية – لتحتمي بها وتزهو.
لم تكن عودة الأرض الصينية المُغتصبة إلى أهلها وناسها وحكومتها الوطنية سوى بداية لإستكمال إندماج الأرض بالأرض والشعب بالشعب وتجذير وحدته الوطنية إثر شُتات طويل بعد تكنيس الاستعمار عن التراب الصيني، إذ كان الاجنبي يهدف الى التوسّع انطلاقاً من الجزيرة المسلوبة، وللعودة إلى حرب الأفيون فتقتيل الصينيين بالجملة، ولِلَجمِ الإندفاعة الاقتصادية الصينية التي لم يَسبق لها مَثيل في كل البشرية وعبر التاريخ الإنساني!
أذكر قبل عشرين سنة تنظيم سفارة جمهورية الصين الشعبية لدى الأردن لحفل استقبال احتفالي واحتفائي خاص وكبير بعودة المُستعمرة السابقة للبرّ الصيني الشاسع، دعت إليه أعداداً كبيرة من الأردنيين، وسفراء الدول المُعتمدة في البلاد، والمُلحقين العسكريين وجَمعاً كبيراً من الدبلوماسيين.
آنذاك كان الفرح عاماً، بخاصة لدى الاردنيين والعرب وسفراء ودبلوماسيي الدول النامية والثالثية، أما “مجموعة الغربيين” فقد كانت وجوههم مُكفهرة للغاية ومُصفرّة ومتوترة بوضوح، وعيونهم حَمراء ودامعة، وانهمرت النقاط من مآقيها عندهم، بخاصةٍ لدى عددٍ من الملحقين العسكريين الغربيين، وأولهم الأمريكي وصَحبه الأقربون. فقد كان رد الفِعل صَاعقاً وعَميقاً في لحظة عرض السفارة لفيلم عن تسليم الجزيرة إلى أصحابها التاريخيين، حتى أن بعض هؤلاء الرسميين الأجانب قالوا مُستكبِرين ومُستهزِئين بالصين – وللأسف – بأنهم سوف “يَعودون” إلى هونغ كونغ وماكاو! فقد كان هذا يعني بمعنىً آخر، أن الاستعمار والإحلالية والاستيطانية الغربية لم تكن ترغب ترك تلك البقعة الصينية الصغيرة لشأنها وأهلها، ذلك أن “الغربيين” على أجناسهم، حاولوا خلال مئات السنين جعلها غربية ومُستغرِبة، ورأس جسر طاعن بعمق في خاصرة الصين وقلبها النابض، وصولاً إلى إعادة تصدير الأنماط الغربية على اختلافها للبر الصيني الاستراتيجي، فالحفاظ على الاقتصاد الرأسمالي قدوةً في مواجهة الاقتصاد الاشتراكي الصيني، وللحفاظ على “حيوية” و”تتابع” “مشروع مارشال” العدواني عَبر السنين وتلاحق العقود، فتوتير الوضع الداخلي الصيني من خلال تصدير الثورات المضادّة، وهو ما شهدناه بعد سنوات من تحرّر هونغ كونغ من قيود لندن. لكن الانقلابية الإمبريالية فشلت وانقلبت على مدبريها شر انقلاب!
آنذاك أذكر جيداً كيف تفحّصتُ أنا عيون الدبلوماسيين الغربيين والأمريكيين. لقد كانوا جدّ متوترين وصامتين، ولم يُفارقهم الغضب والوجوم، فقد كانوا في حضرة سفارة الصين العظيمة التي قلعتهم من ترابها الطهور، وأقسمت على تطهيره من دنس الدخيل وتجّار الحشيش والموت.
آنذاك كذلك، حَقّقت الدبلوماسية الصينية العَميقة والتدرّجية والهادئة نصراً مؤزراً، فقد أبلت بلاءً حَسناً للغاية خلال سنوات طويلة جُلّها مباحثات دبلوماسية وسياسية مُعقّدة مع الغربيين، لكنها كانت كما أذكر مُجيّشة لدى الصينيين بأيديولوجية ثابتة وقواعد صَلدة وهدف واحد أحد لا حِياد فيه، وهو لا مندوحة عن إعادة ما اقتطعه العدو عُنوةً من جسد الصين الجريح، فصارت هذه الدبلوماسية مِثالاً يُحتذى على تجريد الاستعمار من مكاسبه اللاقانونية بدون حروب ولا نزاعات حادة وحارة، وللتدريس في معاهد الدبلوماسية الدولية وللتدوين في مناهجها.
أيامها، انتصرت الدبلوماسية والنهج الصيني لارتكازه على الجبهة الصينية الداخلية الموحَّدة في مختلف المناحي، وهو ما أهّل الدولة ومكّنها بالتالي من إجبار الأجنبي للتسليم بحقوق صاحب الأرض وحامي العرض، وإلزامه بالجلاء عنها، فحوّلت الحكومة الصينية بذكائها وبُعد بَصيرتها “شروط” الاستعمار الى عوامل ضاغطة عليه هو نفسه، وجرّدته في نهاية النهايات من كل ما تطلّع إليه مِن تميّز استعماري على الأرض وفي الفضاء، فغدت الأرض المُغتصبة سابقاً، عَاملاً مُساعِداً للدولة الصينية على تعزيز قُدراتها الاقتصادية، وجِسراً لسلعِها وعَملياتها المالية والاستثمارية الى العالم أجمع وفيه، وموقعاً لتعزيز مكانة العِملة
الصينية، ومَنبتاً لتأكيد التطلعات السلمية للصين على صعيد البسيطة، وللحفاظ على “ذاتية” المنطقة المُحررة، وإدارتهما الخاصة ضمن الدستور والقوانين الصينية والسياسة الخارجية للصين، وفي حِماية جيش التحرير الشعبي الصيني، ولِجذب العالم نحو الصين ومُبادرَاتها الاقتصادية والانسانية السلمية، التي تتمثّل اليوم ومنذ العام 2013م، بنجاحات متلاحقات وبتفعيلات مُتعمّقات لمُبادرة الحرير الجديدة الموسومة “الحزام والطريق الصينية”، التي بادر للإعلان عنها الزعيم النابه وصاحب العقل الراجح (شي جين بينغ).
في الحقيقة والواقع، تُعتبر جميع احتفالات الدولة الصينية مشهودة وذات عناوين لافتة، بخاصة الوطنية منها، وتلك المخصصة لإحياء مناسبات مشهودة مع الدول والشعوب الأجنبية، إلا أن مناسبات الحرية والاستقلالية هي أميز وذات معنى أعمق ليس للصين وحدها فحسب، بل ولكل العالم الحر أيضاً، الذي يَعتبر احتفاءات الدولة الصينية القُدوة باستقلاليتها وحريتها الكاملة احتفالات بحريته هو نفسه ورغباته بالاستقلالية الناجزة من رجس الأجنبي الإحلالي، وفي هذه التطلعات والمشاعر الصادقة تكاتفاً نضالياً أممياً مشهوداً ما بين العالم والصين ووحدة في المبادئ والمصالح والشعارات والتطبيقات، وفي تحرير هونغ كونغ وماكاو نصراً لجميع العقائد التحرريةً في العالم على اختلافها، ذلك أنها تلتقي على هدف واحد نبيل تتطلع إليه الأمم والشعوب والأقوام المُضّطهَدة)، والتي يُعاني العديد منها للآن من عُسف وإملاء الأجنبي وقِواه العسكرية وتحكّمِه الاقتصادي والإعلامي.

ما معنى النصر الصيني في هونغ كونغ عربياً؟
أخشى أن أُمتنا العربية “المَاجدة!” لن تدرك قريباً مَعنى ودروس النصر الصيني بتحرير التراب المغتصب ولو بعد دهورٍ، بل ربما تحتاج الأُمة إلى عقود طويلة لفهم وهضم المعنى، لأنها أمة النوائب المُشتغلة و”الملتقية” في غالبها على أمراض قتّالة كثيرة، ولاستعذابها شتى أشكال الصراعات والاقتتال والنزاعات المذهبية الدينية، والجهوية، والمواجهات ما بين الدول والشعوب لأسباب تافهة، وأُخرى يُرتّبها لها الأجنبي ومؤسـساته العميقة، وها هي تنتصر للأجنبي والمُحتل، بدل الانتصار لنفسها وحقوقها، بل أن الامة صارت خارج الواقع والزمن والتاريخ، فقد أَعمتها الأميّة السياسية والاجتماعية، وتخندق التخلف الفكري بأدمغتها، وشَرَدَت العقول إلى التّفاهات، وتجذّرت أمية الحرف في نواحيها الكثيرة، وتعمّقت الانتهازية فيها على كل صعيد إلخ
ولمن لا يَعلم، فقد وقعت جزيرة – مدينة هونغ كونغ تحت سيطرة بريطانيا في أعقاب حرب الأفيون الأولى1839-1842، وتوسَّعت حدودها من جزيرة هونغ كونغ إلى أقاليم جديدة بحِراب الأجنبي. وفي منتصف القرن العشرين تعرَّضت للاحتلال الياباني أثناء حرب المحيط الهادئ، لكنَّ لندن استعادتها بعد الحرب، وبقيت مُستعمرةً للتاج الأنجلوسكسوني حتى عام 1997، عندما أُرغمت الامبرطورية التي غابت عنها الشمس على إعادتها لأهلها البررة.
في الحقيقة الجيوسياسية والعقائدية، أن الدولة الصينية التي تعتز بسيادتها وأحقّيتها بأرضها، لم تتخلَ للحظة لا عن هونغ كونغ ولا عن ماكاو، ولم تساوم حتى على متر واحد من أرضها، برغم المساحة الصغيرة جداً للمنطقتين، وبقي العقل التحرري الصيني يَستذكر يومياً أرضه ويُصر على إستعادتها، وهو درس سياسي ودرس كرامة يجب ان يُدركه كل العرب من الماء الى الماء. فبرغم الإستعمار الاستيطاني والإحلالي لمنطقة هونغ كونغ لمدة نحو 178 سنة، ألا أن حقوق الصين لم تتقادم فيها، وبقيت صينية بعقول وقلوب وإرادات أهلها والتفافهم حولها، ومِن حولهم التفّت تساندهم الحكومات الصينية المُتعاقبة، والدولة الصينية العميقة والحكيم ماوتسي تونغ، ومروراً بكل قادة الصين الأفذاذ، فمتى نعي هذا الدرس البليغ ونعمل لتوظيفه لإعادة فلسطين وتحريرها (27000 كم2)، وهي الأكبر مساحة من هونغ كونغ (1,104 كم2)، والأهم مَعنىً للعرب والمسلمين والمسيحيين والإنسانية قاطبة في المجالين الروحي والحضاري. فشكراً للصين الحليفة التي تلقننا دروساً في الوطنية والحرية والاستقلالية في عيد إستعادتها لجزيرتها الصغيرة المُغتصبة والمُدنّسة سابقاُ بالدخلاء، لنستعيد فلسطين التي تتطلع دامعةً للاحتمـاء بأهلها وتدثّـرها بقلوبهـم.

*رئيس الإتحاد الدولي للصَّحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصّين.
*المَقال خاص بالنشرة الاسبوعية لموقع الصين بعيون عربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.