موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين تتوسع بالاستثمار.. وأمريكا تغرق في الحروب

0

 

تتحرك الصين والولايات المتحدة في اتجاهين معاكسين؛ تتحول بكين بسرعة إلى مركز الاستثمارات الخارجية في صناعات التكنولوجيا الفائقة بما فيها الروبوتات والطاقة النووية والآلات المتطورة، بالتعاون مع مراكز التميز التكنولوجى مثل ألمانيا، وعلى النقيض، تتبع واشنطن محورا عسكريا مفترسا لأقل المناطق إنتاجية بالتعاون مع حلفائها الأكثر وحشية، مثل المملكة العربية السعودية.

الصين تتقدم نحو التفوق الاقتصادي العالمي من خلال الاقتراض وابتكار الأساليب الأكثر تقدما للإنتاج، في حين أن الولايات المتحدة تحط من إنجازاتها الإنتاجية الهائلة الماضية من أجل تعزيز حروب الدمار.

بروز الصين المتنامي نتيجة لعملية تراكمية تقدمت بطريقة منهجية، تجمع بين نمو الإنتاجية والابتكار خطوة بخطوة مع قفزات مفاجئة على سلم التكنولوجيا المتطورة.

الصين نحو النمو والنجاح

انتقلت الصين من بلد يعتمد اعتمادا كبيرا على الاستثمار الأجنبي في الصناعات الاستهلاكية من أجل الصادرات، إلى اقتصاد قائم على الاستثمارات المشتركة بين القطاعين العام والخاص في الصادرات ذات القيمة الأعلى.

واستند النمو المبكر للصين إلى العمالة الرخيصة، والضرائب المنخفضة، والقليل من اللوائح على رأس المال متعدد الجنسيات، وحفزت رؤوس الأموال الأجنبية والمليارات المحلية للنمو، استنادا إلى معدلات عالية من الربح، ومع نمو الاقتصاد، تحول اقتصاد الصين نحو زيادة خبرته التكنولوجية المحلية وطالب بمزيد من “المحتوى المحلي” للسلع المصنعة.

ومع بداية الألفية الجديدة، طورت الصين الصناعات الراقية، استنادا إلى براءات الاختراع المحلية والمهارات الهندسية، وتوجه نسبة عالية من الاستثمارات إلى الهياكل الأساسية المدنية والنقل والتعليم.

وأدت برامج التلمذة الصناعية الضخمة إلى إنشاء قوة عاملة ماهرة ترفع القدرة الإنتاجية، وأتاح الالتحاق الهائل بجامعات العلوم والرياضيات وعلوم الحاسوب والهندسة تدفقا كبيرا من المبتكرين المتطورين الذين اكتسب العديد منهم خبرة في التكنولوجيا المتقدمة للمنافسين في الخارج.

استندت استراتيجية الصين على ممارسة الاقتراض والتعلم والارتقاء والتنافس مع الاقتصاد الأكثر تقدما في أوروبا والولايات المتحدة.

وبحلول نهاية العقد الأخير من القرن العشرين، كانت الصين في وضع يمكنها من التحرك في الخارج، ووفرت عملية التراكم للصين الموارد المالية اللازمة للسيطرة على مؤسسات دينامية خارجية.

لم تعد استثمارات الصين تقتصر على المعادن والزراعة في بلدان العالم الثالث، حيث تطلعت بكين إلى احتلال قطاعات تكنولوجية متطورة في الاقتصاد المتقدم.

وبحلول العقد الثاني من القرن الـ21، انتقل المستثمرون الصينيون إلى ألمانيا، العملاق الصناعي الأكثر تقدما في أوروبا، وخلال الأشهر الستة الأولى من عام 2016، استحوذ المستثمرون الصينيون على 37 شركة ألمانية، مقارنة بـ39 في عام 2015، وتضاعف إجمالي استثمارات الصين في ألمانيا لعام 2016 إلى أكثر من 22 مليار دولار.

في عام 2016، فتحت الصين بنجاح “كوكا” الشركة الهندسية الأكثر ابتكارا في ألمانيا، آفاقا واسعة لكسب التفوق في المستقبل الرقمي للصناعة، وتتحرك بسرعة لتطوير صناعاتها، مع خطط لمضاعفة إنتاج الروبوت في الولايات المتحدة بحلول عام 2020.

ونجح العلماء الصينيون والنمساويون في إطلاق أول نظام اتصالات ساتلية مدمج كميا، يقال إنه “دليل الاختراق” يمنع الاختراق، ما يضمن أمن الاتصالات في الصين.

وبينما تسيطر الاستثمارات العالمية للصين على الأسواق العالمية، تحاول الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا فرض عقبات استثمارية، من خلال الاعتماد على “التهديدات الأمنية” الزائفة، حيث منعت تيريز ماي، رئيسة الوزراء البريطانية، الصين من إنشاء محطة نووية ثقيلة قيمتها مليار دولار أمريكي، والحجة، الادعاء الزائف بأن الصين ستستخدم حصتها في “الانخراط في ابتزاز الطاقة، والتهديد باستخدام قوتها في الأزمات الدولية”.

وعرقلت اللجنة الأمريكية للاستثمار الأجنبي استثمارات صينية متعددة بمليارات الدولارات في صناعات التكنولوجيا الفائقة، وفي أغسطس 2016، منعت أستراليا شراء حصة مسيطرة في أكبر شبكة لتوزيع الكهرباء بقيمة 8 مليارات دولار على ادعاءات خادعة تتعلق بالأمن القومي.

الصين وأمريكا اللاتينية

بعد حوالي عقد من النمو والاستقرار، تراجعت الأنظمة التقدمية لأمريكا اللاتينية، وسط استمرار الصين على طريق الاستقرار والنمو.

وكانت البرازيل، والأرجنتين، وفنزويلا، وأوروجواي، وباراجواي، وبوليفيا، وإكوادور، لأكثر من عقد، بمثابة قصة نجاح يسار الوسط في أمريكا اللاتينية، وازدادت اقتصاداتها، وزاد الإنفاق الاجتماعي، وتقلص الفقر والبطالة، وزادت دخول العمال، لكن في وقت لاحق، واجهت اقتصاداتها أزمة، وزاد السخط الاجتماعي، وتراجعت نظم يسار الوسط.

وعلى النقيض من الصين، فإن الأنظمة اليسارية الوسطية في أمريكا اللاتينية لم تنوع اقتصاداتها، فظلت تعتمد اعتمادا كبيرا على ازدهار السلع الأساسية من أجل النمو والاستقرار.

واقترضت نخب أمريكا اللاتينية واعتمدت على الاستثمار الأجنبي، ورأس المال المالي، في حين أن الصين تشارك في الاستثمارات العامة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا والتعليم.

في حين استوردت أمريكا اللاتينية الآلات من الغرب، اشترت الصين الشركات الغربية بأكملها المنتجة للآلات وتكنولوجياتها، ومن ثم نفذت التحسينات التكنولوجية الصينية.

ونجحت الصين في الخروج من الأزمة، وهزمت خصومها، وشرعت في توسيع الاستهلاك المحلي واستقرار الحكم، بينما عانى وسط يسار أمريكا اللاتينية من الهزائم السياسية في البرازيل والأرجنتين وباراجواي، وخسر الانتخابات في فنزويلا وبوليفيا وتراجع في أوروجواي.

تفوق النموذج الاقتصادي السياسي في الصين على الإمبريالية الغربية وكذلك اليسارية في أمريكا اللاتينية، في حين أن الولايات المتحدة أنفقت مليارات في الشرق الأوسط للحروب نيابة عن إسرائيل، بينما استثمرت الصين مبالغ مماثلة في ألمانيا في مجال التكنولوجيا المتقدمة، والروبوتات والابتكارات الرقمية.

حاولت الولايات المتحدة تخويف الصين عسكريا، لكن الأخيرة نجحت في تعزيز قدراتها التنافسية الاقتصادية، ونتيجة ذلك ارتفع معدل النمو في الصين إلى ثلاثة أضعاف النمو في واشنطن.

أولا وقبل كل شيء، تشدد الصين على ضرورة تحقيق نمو اقتصادي متوازن، علاوة على الفوائد القصيرة الأجل الناجمة عن الازدهار السلعي والاستراتيجيات الاستهلاكية.

ثانيا، تظهر الصين أهمية التعليم الفني والمهني التقني للابتكار التكنولوجي، بالإضافة إلى كلية الإدارة، ثالثا، توازن الصين بين الإنفاق الاجتماعي مع الاستثمار في النشاط الإنتاجي الأساسي، والقدرة التنافسية، والخدمات الاجتماعية مجتمعة.

رغم القيود الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الصين، إلا أنها قاومت بنجاح الضغوط العسكرية الأمريكية، وتقدمت نحو الغرب.

نموذج النمو والاستقرار في الصين، يقدم بالتأكيد نهجا أعلى بكثير من الانهيار الأخير لليسار في أمريكا اللاتينية والفوضى السياسية الناجمة عن سعي واشنطن لتحقيق التفوق العسكري العالمي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.