موقع متخصص بالشؤون الصينية

(أوراسيا) والمؤتمر الـ19 للحزب الشيوعي الصيني

1

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
يلينا نيدوغينا*:

المؤتمر ال19 الحالي للحزب الشيوعي الصيني الصديق، الذي يُعقد في العاصمة بكين، ويَستمر أيام قليلة، يُولي مسألة العلاقات الدولية والثنائية جُل إهتمامه وعنايته، بخاصة مسألة العلاقات مع حُلفاء الصين وجيرانها وأصدقائها ضمن دكتاتورية الجيوبوليتيكا والتحالفات والتفاهمات السياسية، وفي إطار الإرتباطات الصينية المُتميزة تاريخياً بدولٍ أُخرى.

في القضايا الرئيسية التي يُعتمد عليها لتفعيل توجيهات الحزب، الاستناد الى الوحدة الداخلية له، فالتعميق اللاحق للحياة الفكرية والسياسية والتنظيمية الداخلية فيه، مُرفقة بالعملية الديمقراطية الأكمل في بُنيته، وبالتالي  سيُفضي ذلك الى تعزيز الوحدة الوطنية للقوميات الصينية و (الوطنية الصينية) المُبدعة ذاتها، التي تشكّل النسيج الاجتماعي المُنسجم في البلاد، والإسراع  تالياً في استكمال وتحسين “نظام اقتصاد السوق الاشتراكي” لتحسين مُضطّرد لحياة المواطنين.

تحتاج جمهورية الصين الشعبية المزدهرة والراقية وتتطلع بثقة هذه الايام بالذات إلى تفعيل علاقات أكثر شفافية وثباتاً وتميزاً مع مختلف دول وشعوب وأُمم (أوراسيا)، ليس في سبيل “علاقات لأجل العلاقات”، بل رغبةً بتنفيذ الأهداف الأكثر إنسانية وتلك الطليعية والواقعية للحزب والدولة الصينية، وتلبيةً للطموحات المشروعة والإنسانية للغير، ومنها ضرورة ترجمة الأهداف الصينية العريضة لتبريد الصراعات وووقف الاحتقانات الدولية، ولأجل مزيدٍ من التنمية والتفاهم والتعاون والكسب المشترك والجماعي، ولضمان تواصل النمو في قارة (أورآسيوية) آمنة وسلمية ومتطورة بنسق مأمون، وبنمطية واضحة وتعاونية جماعية شاملة لا ردّة عنها، ويتم كل ذلك مؤتمرياً وبوعي عميق في بكين هذه الأيام، برغم التباينات الثقافية والمصالح الاقتصادية والسياسية الطبيعية للدول الاخرى، إذ عملت الصين وها هي تعمل وستعمل بعد إنجاز مؤتمرها العتيد ال19  وقراراته – التي ستؤكد بالتأكيد على الواقعية المعهودة للحزب – في صورة أعمق على أن تبقى تلك التباينات والاختلافات سلمية بحت ومتمسكة بالقانون الدولي والسلوك الانساني الطبيعي السّوي، ولأجل أن تتقاطع مع بعضها بعضاً وتتآخي أو تتصادق بفعالية، فهذا الأمر هو الاصل في ضمانة الاستقرار الشامل في (أوراسيا) القديمة والحضرنية حقاً، وبالتالي في مختلف بقاع العالم القريبة من الصين والبعيدة عنها.

يُعقد المؤتمر ال19 للحزب الشيوعي الصيني في أجواء إنتقال دوائر الإمبريالية الإمريكية المتأبطة شراً، إلى رسم مستقبل حربي لشرق أسيا وضرب “طوق حار” حول الحدود الدولية للصين من البر والبحر. لكن المؤتمر يتحلّى بنظرة إستراتيجية إيجابية ومتفائلة، تتحلى بتعظيم الايجابيات والعملانية  وهي كثيرة، منها إرتداد أخطار النزاعات مع بعض دول (آسيان) الجارة للصين، والارتقاء بها الى ناحية الايجابيات فقط، لذا ها هي الصراعات التي تم التخطيط إليها ورسمها وراء المحيط، تذبل وتتلاشى ويتم إحباطها تدريجياً، وكذلك الأمر مع الهند الجارة للصين، حيث تتنامي روابط الصين بالهند، والصين مع دول (بريكس) عموماً، إذ تُعتبر الصين واحدة من الأعمدة الرئيسة ل(بريكس) العتيد الى جانب روسيا.

لهذا كله وغيره، اتضح قبيل إنعقاد مؤتمر الحزب ال19، ان الصين تجهد في نقلة وطنية عسكرية إستراتيجية، إذ أسندت للقوات المسلحة مهمة ثنائية هي “حماية الحدود والمصالح”، ومهمة ثلاثية جمعت “الوطنية والحدود والمصالح”  في وحدة محلية واحدة، ضمن الأهداف الرئيسة والعريضة. فلم تعد الحدود الدولية للصين هي الهدف الوحيد للدولة الأكثر سكاناً وإقتصاداً في العالم.. وهي، أي الصين، الدولة المتوسطة لقارة آسيا والاستراتيجية والمحورية في (أوراسيا)، وتقع في قلبها وفي نبض (أوراسيا)، بل تعدّت الاهداف الى الدفاع عن المصالح المشروعة للصين، وهي أهداف لا تتعارض مع مصالح الدول الاخرى القريبة والبعيدة عنها، وصار الجيش الذي سبق للرفيق الأمين العام الرئيس (شي) أن قلّص عدد عسكرييه، أكثر قوة وميدانية وحركة وحراكية وقدرة على خوض الحرب، متسلحاً بقوى تقنية ونارية لم يسبق لها مَثيل في تاريخ الصين، فأصبح الجيش وصنوف الاسلحة الاخرى قيادية في الدولة الصينية، ويستطيع مواجهة الاخطار المُحدقة بالبلاد من جانب القوى المتربصة، وإن كانت تلك القوى بعيدة جغرافياً عن أراضيها.. وإن كانت تتمكن بين حين وآخر ولفترة قصيرة من تأليب بعض الجهات على بكين لأسباب مفبركة.

وضمن هذه الجزئية بالذات، يتضح أن وسائل الإعلام الاستعمارية والرجعية التي تتكتل في كتلة واحدة ضد الصين، من خلال بث مختلف التشويهات والابتزازات الخبيثة، بتوظيف نمطيات إعلامية خادعة جداً، إلا أن الصين لا تأبه بذلك، وهي تدرك خطر هذه الوسائل وأهدافها غير المقدسة، وتعلم بأية ألسنة تنطق، لذا تعمل الصين على مهام عليا قافزة على الصغائر التي لا مكان لها في عالم الغد.

أما بشأن علاقات الصين مع روسيا “فحدّث ولا حرج”، فهي لن تتأثر بجبال الاكاذيب وأطنان الحبر والأوراق الامريكية والغرب اوروبية التي تكال يومياً ضد علاقاتها مع الصين، فصِلات موسكو وبكين متميزة ومتفردة على وجه الخصوص، إذ تتنامي علاقاتهما وتتعاظم الى درجات (أعلى من إستراتيجية)، وأعمق من عميقة. ونظرة واحدة على مختلف التطورات تؤكد ذلك. ناهيكم أيها القراء الاعزاء بشوارع وطرقات موسكو والمدن الروسية الاخرى، التي تعج بالسياح الصينيين، وجامعات روسيا التي تطفح بطالبات وطلاب صينيين. فقد تم ويتم وسيتم إحراز تفاهمات صينية روسية متجددة لا حصر لها، وتتصلب هذه العلاقات وتكتسب درجة مُثلى في الفكر وعلى الأرض وبين الشعبين الصديقين الروسي والصيني. فروسيا والصين هما (الأمل والعمل) لصياغة تعدّدية قطبية وعالم جديد بملامحه ونوازعه وحيثياته، تكون فيه الغلبة للواقعية والعَقلانية السياسية والاقتصادية والاهداف العملية، ذات الملامح الطوباوية السامية، التي طالما سعت إليها غالبية البشرية وحَلُمت بألوان قوس قزحها الجميلة.

نتمنى للصين قرارات أفعل على مختلف الأصعدة خلال مؤتمرها التاريخي العتيد، تحاكي المصالح الكونية للشعوب – تماماً كما عوّدتنا الصين على قراراتها التي تقرن مصالحها الوطنية بمصالح الامم الاخرى، ذلك ان طموحات الصين وأعمالها إنما تتداخل وطموحات شعوب العالم ودوله في عالمٍ متعدّد الأقطاب، وكرة أرضية بلا حروب وويلات، ومن أجل إقتصاد وإنتاج أكثر بلا حروب ونزاعات وخلافات مميتة.

///

*كاتبة ورئيسة تحرير جريدة “الملحق الروسي”، ورئيسة الفرع الاردني للإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.

تعليق 1
  1. سامى مسعد يقول

    شكرا على هذا الموقع القيم الذى يسلط الضوء على الصين واخبارها فى مختلف المجالات فقد تابعت
    من خلاله احداث وترتيبات المؤتمر الوطنى ال 19 للحزب الشيوعى الصينى
    فتحية شكر لكل القائمين عليه

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.