موقع متخصص بالشؤون الصينية

الحضارة الأيكولوجية والمؤتمر الـ19 “الصيني”

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
الشيخ محمد حسن التويمي*:
برزت في الخطاب الرئيس الافتتاحي للأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، في المؤتمر التاسع عشر الوطني الذي إفتتح قبل أيام، مصطلح “الحضارة الايكولوجية”، التي نادى بها الأمين العام والحزب، وتحول بسرعة إلى برنامج عمل لهذا الحزب وكذلك للدولة الصينية وشعبها.
تستند الحضارة الأيكولوجية الى حُكم القانون الصيني، وتراعي القوانين العالمية ذات الصّلة، وتأخذ بعين الاعتبار الاوضاع الدولية للأيكولوجيا ومهمة الحفاط على هِبة الحياة المقدسة، كذلك تأسيس مجتمع أيكولوجي صناعي وزراعي تسانده سلوكيات منظَّمة للصينيين، ملتزمة بإطار أيكولوجي، يكون نمط معيشة يومي وثابت للصينيين، بحيث يعيشون ضمن أسلوب صحي ومتناغم مع الطبيعة، مع الأخذ بعين الاعتبار كل ما وصلت اليه العلوم الصينية من تطور في هذا المجال، ولتغدو يوميات الشعب الصيني في مرحلة جديدة، وتـتخطى المشاكل والأمراض المزمنة للمجتمع ما قبل الأيكولوجيي.
الجميل واللافت في مجتمع الحضارة الأيكولوجية الذي طرحه الأمين العام والرئيس شي جين بينغ، أن الحزب، كما يبدو لي، هو أول حزب في العالم يَطرح بجدية ونباهة هذه القضية، التي تشغل الصين والبشرية، والتي صارت مع مرور الوقت واحدة من أهم بل وأعقد قضايا العصر مع تطور الصناعة وضخامة الانتاج الصناعي مع تزايد أعداد البشر، وحاجة الكرة الارضية لقسط من الراحة والتقاط أنفاسها، لتستطيع إطعام البشر منتجات صحية، تضمن نمو أجيال وشعوب صحيحة وناس أصحاء.
في المؤتمر المذكور، طُرحت قضايا كثير للمعالجة ولإقرارها من جانب أُلوف المندوبين الحزبيين، من جانب أكبر حزب عالمي قد يكون يُقرر في المستقبل مصير البشرية. لكنني أعتقد، ان الحضارة والمجتمع الأيكولوجي الصيني إذ أُحسن تطبيقه وترجمته على أرض الواقع، سيغدو مِثالاً للعالم، لكونه يَحتكم للقانون والعلوم والتكنولوجيا والثقافة والتربية والتعليم، ويأخذ بالاعتبار معيشة الشعب في ظروف صحية، وينعكس ذلك بالتالي على مختلف الشؤون ومنها القومية والشؤون الدينية، ويمتد الى أمن الدولة والدفاع الوطني وغيرها، فكل هذه المجتمعات والهيئات تريد العيش في سلام وبعيداً عن المشكلات البيئية التي تؤثر على كل فرد اجتماعي، كذلك تأثيرها على الدولة وميزانيها وطبيعتها الانسانية التي تلتزم بالاشتراكية على النمط الصيني، الذي يريد تطوير الذات الدولتية والانسانية والأنا المجتمعية على نحو أفضل.
المجتمع الأيكولوجي أو مجتمع الحضارة الأيكولوجية لا بد وأن یتمیز بالحیویة والنشاط العقلي والجسدي، ما يقود الى رؤیة واعية لعملیة تطور إیجابي في مسیرة الصين ونضارة لصورتها في العالم، بعدما جهدت أبواق غربية كثيرة جداً بانتقاد الصين والتلوث البيئي في بكين، وتخويف العالم من زيارة الصين حتى، والخشية من الأمراض فيها (!)، الى آخر القائمة التي تعتبر ذَخيرة تدميرية وظالمة تكتنز بها الأبواق المعادية للصين في كل مكان.
الحضارة والمجتمع الأيكولوجيين يجب أن يَغدوان عملیة إبداعیة وإنتاجیة وتراكمیة متكاملة تقودها قوى الشعب الصيني الأكثر وعياً، لتتمكن من تحقيق نقلة نوعیة وسريعة، وأكرر سريعة، في تاریخ الصين، التي ستهديها للبشرية ودولها. فقد بشّر القائد شي البشریة بها كمجتمع جديد يرث المجتمعات البشرية السابقة، إبتداءً من المشاعية البدائية و الرعویة، فالحضارة الزراعیة، والحضارة الصناعیة، وبعدها الحضارة الخدمیة، وفي أثرها الحضارة الفكریة والمعرفیة الرقمیة، وها قد آن أوان ظهور الحضارة الأیكولوجیة الأنفع الانسانية.
برأي الصين، أنها تسعى الى الحضارة الأيكولوجية للتغلّب على العناصر السلبیة للحضارات التي قبلھا؛ وتقوم على الاقتصاد التداولي و التناغم بین المخلوقات جمیعاً؛ والتناغم بین الإنسان والزمان والمكان؛ وترى الاستدامة الطبيعية؛ لأنها تحل محل المجتمعات التي سبقتها بصورة سلسة وتلبية لمطلب تطوري لا مخطط بصرامة، وإن تطلّب ترسيخها وضع لبنات ضامنة لأسسها ومستقبلها الآمن وديمومتها.
الحضارة والمجتمع الأيكولوجيين هما مستقبل البشرية، وللصين الفخر بالبدء بتطبيقها قبل المجتمعات الاخرى، لأسباب كامنة في المجتمع الصيني ذاته وفي عقل وقيادته التي تبحث عن الأحسن والأفضل للأُمة الصينية التي بدأت بتقبّل مفاهيم الأيكولوجيا وقِيمها الأخلاقية والإجتماعية، وها هو المجتمع الصيني والانسان الصيني يتحوّل من صناعي الى أيكولوجي، بمعنى أن الحضارة الأيكولوجية وعلى عكس الحضارات الاخرى، هي التي تتحكم بالانسان وتفرض ضرورتها وحتميتها، بدلاً من أن يكون “الإنساني” مُسيطراً بدكتاتوريته على الآخرين ومُسيّراً لهم وللطبيعة. لكن “في الأيكولوجي الطبيعي” يتم إنتصار المُثل “الإنسانية الطبيعية” التي تدمج الانسان العامل والمفكّر والواعي بالطبيعة على إتساعها، ويتساوى معها في كل شيىء، وهو لعمري مطلب معنوي سامٍ، وهو كذلك مطلب إيماني يوجد في صميم الديانة الإسلامية السّمحاء، حيث يكون الانسان صديقاً ورفيقاً لأخيه الإنسان وللطبيعة بأحَيائها جميعاً- “الفلورا والفاونا”.

*مسؤول ديوان متابعة الإعلام الصيني والإسلام والمسلمين بالصين في الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين – الاردن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.