موقع متخصص بالشؤون الصينية

المؤتمر الـ19 واجتثَاث الفَقر بالصِّين

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
مَارينا مَروان سُوداح*:

 تُقاس إنسانية القادة والحكومات والأحزاب الحَاكمة بمقدار ما توفّره من حقوق فعلية وخدمات أساسية لأبناء أوطانها، بغض النظر عَمن هم، وبدون تفضيل بينهم طبقياً وفئوياً ودينياً وقومياً وأممياً.

 في الصين تعمل حكومة الرئيس شي جين بينغ وإلى جانبه قيادة الحزب، على مواصلة أنسنة المجتمع الصيني، وإكسابه قسمات متناغمة، تجمع التراث والثقافة الصينية الماضية والسحيقة في تاريخ البلاد، والمتراكمة في الوعي المحلي والأهلي، والتحديثات الثقافية والحَضرنية الجديدة، والاشتراكية الصينية المنفتحة على مختلف أشكال الإشتراكيات البشرية والأنظمة الاقتصادية – السياسية، وقد أوصل كل ذلك الصين الى مجتمع يَصبو الى العدالة الأمثل بين مشارب شعوبه وطبقاتها, وفي خِضم هذا التوجّه يعمل الحزب وقائده بشعار علني ورئيسي للقضاء على الفقر وانقاذ الفقراء، وتوفير مَدد حقيقي لهم، وأكرر مَدد حقيقي، وهو عمل شاق لكنه إنساني، ولكنه لا يتوفّر لهذه الفئة الاجتماعية الفقيرة في غالبية دول العالم.

 إن كل الشعارات والأفكار والاستراتيجيات والتكتيكات والحسابات التي يَنتهجها الحزب الشيوعي الصيني، إنما تدخل الى قضية أساسية هي اجتثاث الفَقر بأسرع وقت ممكن. لذا، نرى كيف تُعالج قيادة الأمين العام شي جين بينغ قضية الفقر من خلال إستراتيجيات ترفع شعارات سياسية وإقتصادية تترجم فوراً على الارض، لتصل الصّين وشعبها بالتالي الى مجتمع الكفاية والرغادة لجميعهم، ولنيل المجتمع الأكثر تطوراً، ثم الأكثر إزدهاراً فالناضج، وما فوق الصناعي والأيكولوجي، حيث تَعمد الصين لترسيخ مفهوم ترافق القضاء على الفقر بتوفير العمل المهني للفقراء، وترفع شعار عَلّمهم صيد السمك أولاً وثانياً وعاشراً، وهو يعني أن الحزب وشعاراته المرفوعة تؤكد على أنه حزب “من الشعب وإلى الشعب”، وبأنه يُثبت، بالتالي، أن الشعار الحقيقي هو ترافق الأقوال بالأفعال، والعمل الطوعي المحض لتنفيذ المقررات دون مكاسب ذاتية، ولذا فإن حُكم الشعب على الحزب – الذي يعمل طواعية لصيانة المجتمع وتطويره – هو الحكم الأهم والشرعي.

 الصين إجترحت أعجوبة التطور في مختلف المناحي بزمن قياسي، وهي تجربة فريدة وغير مسبوقة في التاريخ، فكل البلدان كانت تتطور خلال مئات السنين، لكن الصين نالت ناصية المجد خلال ثلاثة عقود بعد 1978م، وهي أعجوبة حقاً تؤكد حِكمة قياداتها الحزبية والدولتية، والتفاف الشعب حول رئيسه وقياداته كالسّوار حول المِعصم.

   وفي هذا التطور اللافت أحرزت الصين نجاحات هائلة في محاربة الفقر وتجفيف منابعه الاجتماعية والطبقية، وبرغم المهام الداخلية والعالمية الفلكية التي تبقى في جعبة الصين وغيرها تلك التي تنتظر الحل والحل العاجل، إلا أن الدولة والحزب والشعب يعملون بوتائر عالية للتقليل من عدد الفقراء، بتوفير مساكن مجانية لهم، ومجمعات سكنية وتقليدية وخدمات مرافقة متكاملة ومجانية لهم – وتقدم لهم من الدولة أخذاً بالاعتبار مصالحهم وأوضاعهم المختلفة، وبحسب مواقعهم في المدن والقرى والبلدات -، ويتم توظيفهم في أعمال مناسبة لهم، كما وتعتبر الدراسة المدرسية والجامعية لأبناء الفقراء ولغيرهم بالصين مجانية، وعلاجهم وطبابتهم مجتانية أيضاً، وتوفير خدمات إجتماعية كثيرة جداً هي مجانية لهم، وغيرها الكثير من الخدمات الاساسية المجانية. لكن كل هذا وغيره لم يَمنع الدولة ولم يشكّل حجرة عثرة أمامها لتخصيص جزء كبير من ميزانيتها السنوية بهدف التقليص المستمر لعدد الفقراء الذين سوف ينتهي وجودهم قريباً في الصين، قبل عام 2020م..

 

القُدرات الصينية..

 أوردت فضائية “الجزيرة” في نهاية مارس/أذار العام الحالي 2017م تصريحات هامة للسيدة “هانا رايدر” رئيسة السياسات والشراكات في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الصين، أكدت فيها أنه “لعل أحد أهم الإحصاءات المُستشهد بها فيما يتصل بالصين هي تلك التي تتناول عدد الصينيين الذين انتُشِلوا من براثن الفقر على مدى السنوات الخمس والثلاثين الماضية. فهو عدد هائل يتجاوز 800 مليون مواطن ــ وهو إنجاز غير عادي. الواقع أن أية دولة أخرى لم تتمكن من تحقيق مثل هذا المستوى من الحد من الفقر في مثل هذه الفترة القصيرة”، و ” تحاول الحكومة الصينية الوصول إلى الصِفر من الفقر في المناطق الريفية ــ من خلال تحريك كل الناس إلى ما فوق خط الفقر الريفي الوطني”

بينما ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، نقلاَ عن إحصاءات رسمية، أن نحو 12.4 مليون شخص في الصين تجاوزوا خط الفقر في عام 2016، وهو ما يرجع في جانب منه إلى تخصيص أكثر من 230 مليار يوان (33.5 مليون دولار) للمساعدة في مكافحة الفاقة.

 الصين هي الاقتصاد الاول في العالم من حيث الانتاج السلعي والتصدير، والدولة الاولى من حيث تراكمات الذهب والاحجار والمعادن الثمينة التي لدى الدولة وفي خزائن مواطنيها، وتوظيفاتها المالية والصناعية والاستثمارية الدولية، لذلك نرى كيف كانت الصين الدولة الوحيدة التي تجاوزت الأزمة المالية العالمية،  التي لا تزال آثارها ماثلة حتى الآن، بل عملت الصين منذ الازمة على ضخ الحيوية في الاقتصاد العالمي الذي غدا يتعافى وإن ببطء.

 نرى كيف تعمل الصين على مختلف الجبهات الداخلية والدولية دون ضجيج، بل نلمس التوازن والحكمة في تصريحات قادتها وسياستها. فخلال الخمس سنوات الاخيرة من عمر القيادة الحزبية وبحسب الاحصاءات الصينية الرسمية، واعتقد بأنها مُخفضة قياساً بإحصاءات أجنبية، “نما إجمالي الناتج المحلي للصين بمعدل سنوي يقترب من 7.2%خلال الفترة 2013-2016، مقارنة مع2.6% لمعدل النمو العالمي، و4% للاقتصادات النامية.. وفي عام2016، بلغت قيمة إجمالي الناتج المحلي للصين 11.2تريليون دولار أمريكي، بما يُشكّل14.8% من الاقتصاد العالمي، بزيادة بلغت3.4% عن عام2012. أما معدل مساهمة الصين للاقتصاد العالمي خلال الفترة من2013- 2016 فقد بلغت نحو30%، وهي الأكبر بين كل دول العالم، وأكبر من مجمل مساهمات كل من الولايات المتحدة الامريكية و “منطقة اليورو”، واليابان مجتمعة. وفيما يتعلق بفرص العمل، نجحت الحكومة الصينية في توفير فرص عمل جديدة بالمناطق الحضرية، بواقع 13مليون فرصة سنوياً، خلال4 سنوات متتالية2013-2016. وخلال 8أشهر الأولى من هذا العام 2017، وفرت الحكومة9.74 مليون فرصة عمل جديدة. وارتفع عدد العمالة الريفية المتجهة الى المدن، بمعدل سنوي بلغ1.8% خلال أربع سنوات2013-2016”.

  زد على ذلك وبحسب الصين نفسها: “كل هذه المنجزات لها علاقة وثيقة بحياة المواطنين الصينيين إقتصاديا، حيث شهدت حياتهم زيادة في عوائدهم المادية والمعنوية. فقد سعت الصين خلال السنوات الخمس الماضية إلى تحسين رفاهية المواطنين من خلال تطوير سياسات متعلقة بحياتهم اليومية وضمان مستقبلهم الحياتي، ومنها المساعدة في تقليل الفقر، وتحسين سوية الضمان الاجتماعي وتقدمية ورقي التعليم، وتوفير فرص العمل الجاد والنوعي، وتحسين الرعاية الطبية والصحية النوعيتين، وتطوير إدارة وعمل المستشفيات والمرافق الصحية وتنظيم الاسرة والأجهزة والتقنيات العاملة فيها، وتكثيف العمل لتحسين نوعية الهواء وزيادة الخُضرة البيئية والإخضرار البيئي، بحيث يشعر المواطنون فعلا بأن الحزب يضع مصالحهم في قمة اعتباراته، وأن فوائد التنمية تشمل الجميع”.

 

 مُكافحة الفَقر.. التزام حزبي عَملي

 يبلغ عدد المواطنين الصينيين بحسب الاحصاءات الرسمية مليار و300مليون نسمة، بينما أوردت إحصاءات أجنبية قبل سنوات قليلة، أن العدد يَصل الى 2مليار نسمة، وسيزيد عدد مواطني الصين بعد السماح بخاصة لقومية “هان” الأكثر عدداً وقوميات أُخرى إنجاب طفل ثانٍ، عِلماً أن عشر قوميات تدين بالاسلام في الصين لا ينطبق عليها قانون تحديد النسل وملحقاته المَعمول بها في الدولة الصينية، وذلك خشية من إندثار هذه القوميات. فالصين تعتبر هذه القوميات ثمينة إذ أنها تُغنِي التنوع الصيني الثقافي والقومي واللغوي، وهي حريصة على استمرار وجودها ووجود لغاتها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها وديانتها وغيرها.

 وعلى الصعيد المحلي أيضاً، أنجزت الصين عملية باهرة وعلمية لتخليص الملايين من الصينيين من الفقر، وكانت تجربتها هذه الاكثر لفتاً للانظار في العالم بشهادات عالمية وشهادة منظمة الامم المتحدة وهي متوافرة على الشبكية العنكبوتية.

  فخلال الفترة الماضية من تسلّم الأمين العام شي جين بينغ مهامه الحزبية والرئاسية، تمكّنت الصين من وضع خطط للقضاء على الفقر والعوز النسبيين، ونجحت في تخليص 65 مليون مواطن من هذا الداء التاريخي، وهذا الرقم مساوٍ لعموم سكان بريطانيا. وفي العموم، فإن الفقراء بالمعادلة الصينية وعددهم اليوم نحو40 مليوناً، يعيشون في مكانة أفضل بكثير من “أقرانهم” في الدول الاخرى ومنها الرأسمالية والرأسمالية الأكثر تطوراً، ناهيك عنهم في الدولة النامية ودول العالم الثالث. لكن الصين تعتبرهم فقراء، وترى بأن تصنيفهم هذا “بالفقراء”، سوف ينتهي مع حلول العام 2020م. (حيث ان لسنة 2020م مغزىً خاص، إذ إنه يَسبق بسنة واحدة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، ويَسبق بـ29 سنة الذكرى المئوية لتأسيس الدولة الصينية الجديدة(1949- 2049).

 أعود لأقول، أن إنسانية الصين ومصداقيتها تكمن في مساواتها الفعلية والقانونية بين أبنائها الكُثر، فهي لا تفضّل بينهم طبقياً وفئوياً ودينياً وقومياً وأممياً ونلمس ذلك في مؤتمرات الحزب على مِثال المؤتمر الحالي الـ19 الذي يُمثل مختلف قوميات وأقوام وشرائح ومَشارب المجتمع الصيني. لذلك ها هي الصين تعمل ضمن نقلات مخططة وبرامج مادية لاستكمال مشاريعها الاقتصادية والحضارية والسكانية.. فبحلول عام 2021 سيكون قد ساد في الصين “مجتمع الرغادة” أو “مجتمع رغيد الحياة” كما يُطلقون عليه جهاراً، وهذا يَعني القضاء على الفقر في بلد “يضم خُمس سكان العالم رسميا”، ويترافق ذلك مع “تحقيق بناء بلد اشتراكي متحضر، غني وقوي وديمقراطي ومتقدم ثقافياً ومتناغم مجتمعياً بحلول عام 2049، وتحقيق هذين الهدفين يُمهّد الطريق إلى تحقيق حُلم الصين بالنهضة العظيمة للأمة الصينية”، المترافقة بتحقيق سلام العالم وأمنه واستقراره من خلال مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الدولي، وطريق الحرير البحري للقرن الـ21، والمعروفة اختصاراً بـ(الحزام والطريق)، وقد وصف الأمين العام والرئيس الصيني شي جين بينغ هذه المبادرة منذ 2013م بأنها “تجسد روح السلام والتعاون، والانفتاح والشمولية، والتعلم والمنافع المتبادلة بين أُمم الارض”، وبفضل حكمة الرئيس شي وشخصيته الذكية ونشاطه الدولي الدقيق وسياسته الشفافة ودبلوماسيته ذات المنهج الثابت وكلها تتسم بحسن الجوار مع جيران الصين والصداقة العالمية، صارت المبادرة تحظى باهتمام ودعم ومشاركة واسعة من دول العالم، حيث أعربت نحو 70 دولة حتى الآن عن رغبتها للمشاركة فيها، وهو بحد ذاته انتصار لسياسة الرئيس شي بالتعاون ذا المنفعة المشتركة وبناء رابطة المصير والمستقبل السلمي والمزدهر المشترك للبشرية جمعاء، التي تعمل الصين على رفع مستواها الاقتصادي وتنمية بلدانها، وتعليم شعوبها صيد المزيد ليس من الأسماك الزوامير فحسب، بل والهوامير والحيتان أيضاً!

 

ولعل خاتمة مقالتي تكون مناسبة لجهة إيراد تصريحات رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم، الذي أشاد بتاريخ 13 أُكتوبر/تشرين الأول 2017م، بجهود الصين لمساعدة 800 مليون شخص على التخلص من الفقر، واصفاً ما أنجزته الصين بأنه “أحد أعظم القصص في تاريخ البشرية”، مؤكداً إن “الصين قامت بجهود تاريخية لانتشال أكثر من 800 مليون شخص من الفقر بفضل تطور نظامها الاقتصادي وانفتاحها على السوق العالمية، وبفضل مساهمة الصين الكبيرة في الجهود العالمية للحد من الفقر، تراجع عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع في العالم من 40 في المائة إلى أقل من 10 في المائة، وفقا لكيم، مضيفاً أن الدرس الذي نتعلم منه هو أن ما قامت

به الصين كان مفيداً جداً للدول الأخرى متوسطة الدخل”. (المرجع: وكالة ـنباء شينخوا الصينية وموقع “مصراوي”).

  •  مديرة تسويق سياحي وكاتبة وقيادية ناشطة في كادر الفرع الاردني للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين، ومنتدى أصدقاء القسم العربي لإذاعة الصين الدوليةCRI بالاردن.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.