موقع متخصص بالشؤون الصينية

المؤتمر 19 للحزب والإعلام الصيني بمرحلة التعدّدية القطبية

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكاديمي مروان سوداح*:
وسائل الإعلام والصحافة في المجتمع الإشتراكي كانت وستبقى الأهم وعلى رأس الأولويات، لكن تلازمها ملازمة عضوية ويومية القضية الأيديولوجية والعناية الفائقة بالصناعة الثقيلة.
لقد حدّد المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الصيني، مكانة تاريخية أميز لأفكار الأمين العام شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، وأفرد الحزب مقولة ضرورة التمسك بهذه الأفكار لمدّة طويلة، وتطويرها بدون انقطاع، واعتبرها
جزء هام لا يتجزّأ من منظومة نظريات الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وبأنها دليل العمل لجميع أعضاء الحزب وأبناء الشعب الصيني، في كل البلاد، في كفاحهم من أجل تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية.

أفكار الأمين “شي” الذي يتحالف معه ومع حزبه إتحادنا الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين، هي دائماً في قلوب كوادر وأعضاء “الاتحاد الدولي”، فهي التي توجّه الإعلام والصحافة الصينيتين من أجل توحيد الجهود لتوثيق عمل المجتمع الصيني، ولتوحيدها لإنجاح المهام التاريخية المُلقاة على عاتق الصين والصينيين.

قرأت كل ما يتّصل بالصحافة والإعلام في أدبيات المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، الذي أنهى أعماله مؤخراً. ويتضح لي في مقرراته ورؤاه ونهج الأمين العام شي جين بينغ، الذي أنتخبه ممثلو مؤتمر الحزب بالاجماع أميناً عاماً للمرة الثانية، أن الصين ستواصل بدون أدنى شك تطورّها الفكري والإعلامي، وتوجيهها الصحافة وجهة وطنية، بغية تحقيق تحولات إيجابية شاملة، بعيداً عن النفعية والشخصنة والسطحية، وبهدف تعبئة الجماهير لدعم قضايا الحزب وخطته الإستراتيجية.

وفي المجال الإعلامي، لا بد من التأكيد على أن الإعلام الداخلي والخارجي الصيني يعمل في جسم واحد، ويتناول مهام رسمية واحدة لدعم مسيرة الحزب في المجتمع، نحو تحقيق رؤاه. وفي هذا السبيل، يؤكد الحزب ضرورة مضاعفة تفاعل الإعلام والصحافة الصينيتين مع مثيلاتهما في العالم، لتحقيق الأهداف المشتركة، وللإعلان عن الصورة الحقيقية للصين وإستراتيجياتها الشفّافة، ما يُخفّف من الجهد المبذول لتفعيل ونشر المبادرات الاقتصادية والمساهمات الاستثمارية الصينية في الدول الاجنبية، سيّما وأن الأمين العالم “شي” رجل إقتصادي حقيقي، ويُعطي أولوية التطبيق للبنود الأهم والعاجلة، وأولها تلك التي ترتقي بمستوى معيشة الشعب الصيني، وتفتح كوى جديدة للأشغال والأعمال في دول العالم، وتعمل على تعظيم التبادلات الحرة والعولمة بالإتجاهين وفي إطار كوني عادل.

إن نجاح المِثال الاقتصادي الصيني يرتبط بنجاح سريع ليوميات الإعلام الصيني الداخلي والخارجي. ومن الضروري هنا التأكيد على أن النجاح في هذا الحقل سيكون حليف الصين، حين تعطي الصين الأولوية للكوادر المهنية الرفيعة ذات الخبرات الإعلامية والفكرية الطويلة واللغوية المتقدمة. وهنا لا بد من أن يَنال الإعلام الصيني الموجّه بالعربية – المقروء منه والمسموع والمُشاهد عبر شاشات المُبَاصَرة – العناية اللازمة مِن قِبل القيادة الحزبية، بالذات منعاً للتسيّب المهني وضياع البوصلة.

لكن ليس هذا كل شيء. فالأهم أيضاً هنا، هو أن يتم توظيف أصدقاء وحُلفاء الصين أولاً في وسائل الإعلام الصينية الناشرة والناطقة بالعربية، من أجل الترافق المخلص للكادر العضوي المهني مع الكادر السياسي ووالآخر الفكري، وهو بالذات عنوان العَطاء المهني والنجاح وطغيان وجهة النظر الصينية وسهولة ترويجها، إذ أن هذه الحالة ستكون نابعة من قلوب وعقول العاملين الإعلاميين العرب في وسائل الإعلام والصحافة الصينية، وستتسم بالقوّة والنفاذ في أفئدة مَن يتلقها من العرب في أسيا وأفريقيا، إذ يتطلع هؤلاء أولاً – بعدما سيطرت على العرب وسائل الإعلام والصحافة الغربية وأساليبهما وطبائع الترويج لديهما لمدة طويلة – الى فهم فكرة الصين وهدفها و “مسألة تعريفها” الواقعي الأنسب، وتحبيب العرب بها بذكاء وحِكمة وعلمية وقالب لغوي وأسلوبي عربي قادر على الانتاج الفوري والكسب السريع للعقول والأفكار والأصدقاء ضمن “تخليق منهاج إعلامي وصحفي جديد غير الحالي”، يُركّز على المصالح الحقيقية العربية الصينية، التي تصيب سواد المجتمع العربي، وليس المختارين فيه أو الفئة الاقل منه فحسب.

لكن الإعلام والصحافة الصينية لا يجب ان يُفهما العرب بحصر العلاقات مع الصين في إطار النفع والكسب المالي والمادي و “الهدايا” فقط. وهذه كلها والأخيرة أيضاً، هي الهدف الأوحد لغالبية العاملين الإعلاميين العرب الحاليين في وسائل الإعلام والصحافة الصينية، التي يجب أن ترتقي – قبل فوات الآوان – بشخصيات قلمية مُتجددة ليبلغ الإعلام الصيني مراده في العصر الصيني الجديد وفي والنموذج الصيني العالمي الجديد للتحالف والصداقة، وللتعاون الأشمل والاستراتيجي ضمن شراكة المساواة ما بين العرب والصين، نحو تحقيق تغيير العالم الى صروح الإيجابية، وإعادة تشكيله وتحويله إقتصادياً وعقلياً وفكرياً وسلوكياً كما لم يكن مِن قَبل في التاريخ البشري.. ولا يمكن أن تصل رسالة الصين العالمية الشريفة هذه للعرب كما هي ودون رتوش، إلا من خلال قلميين وإعلاميين وصحفيين عرب أصدقاء وحُلفاء للصين، يعملون في وسائل إعلامها بإخلاص مبدئي، ولي مِن خلال مأجورين ونفعيين وانتهازيين.
هؤلاء القلميين العرب “الجُدد” الذين يضعون عقولهم الى جانب العقول الصينية على نمط عقل الأمين “شي” ونهجه ومؤسسته الحزبية والسياسية الكبيرة والحكيمة على مِثال الحزب الشيوعي الصيني، هم الوحيدون – وليس غيرهم أبداً – المؤهلون والقادرون الحقيقيون على قيادة العرب ودفّـتهم نحو التضامن مع الصين وحُلمها العالمي ومِثالها ومؤسستها الإنسانية، التي تأخذ بعين الاعتبار والإحترام والتطبيق المُبدع الخصائص القومية والثقافية والحضارية لمختلف الشعوب.

وليس ختاماً أبداً، أن الأهمية الحالية هي في أن تأخذ الصين بالاعتبار العلمي العميق تلك التغييرات التي بدأ العالم العربي يتعرّض إليها منذ سنوات عديدة وتعصف به بعنف، وكذلك تلك التغيرات التي صارت منذ الآن تعصف بالعالم غير العربي، على إتّساعه، إنطلاقاً بالذات من العالم العربي، وتحديداً مِن شقّه الآسيوي بالذات، حيث تنحى العمليات السياسية في المَعمورة نحو التبّدل، وتستعد عواصم الدول الكبرى والصُغرى لتأكيد تعدّدية الأقطاب.. هذه التعدّدية التي إفرزتها القضية السورية، والى جانبها العراقية، وانتصار الدولتين وقوى المقاومة وحِلفها ومحورها العربي والدولي على الارهاب المدعوم أمريكياً وإسرائيلياً ومن بعض العرب المتحالفين مع هاتين الجهتين، وتأثيرات هذا كله وارتداداته على وسائل الصحافة والإعلام الصينية التي عليها أخذ تلكم الحقائق بعين الاهتمام والمتابعة والإدراك، ولزوم أن توفّر كيفيات إعلامية وموضوعية للتعامل معها.

لقد دخلت المنطقة العربية الأوسطية، والدول التي تجاور آسيا العربية، الى مرحلة جديدة إعلامياً وإقتصادياً وسياسياً وفكرياً، قُبيل وبعد التصريحات الاخيرة الزلزالية لحمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، وزير خارجية ورئيس وزراء قطر السابق. فقد بدأت المنطقة بالابتعاد تدريجياً عن واشنطن التي اتضح بأنها تستعبد حلفائها حتى من العديد من مخططاتها ونقلاتها السياسية والعسكرية. وبرغم تحالف عدد من الدول مع الولايات المتحدة بصورة عميقة، إلا أن رؤساء وقادة دول في المنطقة يشعرون بأن كراسيهم قد تهتز لأسباب أمريكية، ولإعتقادهم بعدم ثبات وديمومة التحالف الأمريكي معهم. فصورة وأوضاع ومواقع أمريكا تتراجع في المنطقة العربية وفي تفكير العرب، وها هي المنطقة قد بدأت تدخل عصراً جديداً تتفتح فيه أعين العرب وعقولهم على حقيقة ما جرى ويجري في بلدانهم من مآسي منذ السنوات الماضية، وبالتالي إعمالهم التفكير في مَن هي تلك البلدان العدوّة لهم، ومَن هي تلك البلدان الصديقة لهم.. لكراسيهم وأشغالهم ومصالحهم وشعوبهم ومستقبلهم.
يَطل اليوم علينا في ما يُسمّى بمنطقة “منطقة الشرق الأوسط”، عهد جديد تتسم خلاله السياسة الأمريكية بالتناقض اليومي الحاد، ويُلاحظ فيه بداية تشكّل سياسات عربية جديدة، يتم صياغتها دون التنسيق العميق مع واشنطن، سيّما بعد الصدمة الحادة والذهول العميق والرجفان المتواصل الذي أصاب الانظمة العربية “المُعتدلة” من الوقفة الروسية المبدئية والاستراتيجية الى جانب سورية، ومن الوقفة الصينية المبدئية الى جانبها أيضاً في مجلس الأمن الدولي للأُمم المتحدة، وهو ما لم تتوقعه هذه الانظمة أبداً ولا حتى في أحلامها، وصار يَعني لها بداية تغيير جذري وقسري رغماً عنها في السياسة العالمية، وتبعاً في مسار السياسة العربية – الدولية.
قد يتمرد العربي “تماماً” على “العم سام”، وقد ينتقل بتحالفاته الاستراتيجية الى الصين وروسيا، وهي احتمالات واردة جداً من الضعف المتواصل للامريكان، بخاصةٍ إذا ما ضمنت موسكو وبيجين هذا التحالف وأمن هذه الدول واستقلالها، وحينها سيكون هناك “شرق أوسط بلا أمريكا”، وبلا أصحاب وحلفاء أمريكا بمختلف تسمياتهم. فالوجود العسكري الروسي في سورية هذه الأثناء، إنما يعني ويؤكد الاحتمالية الكبيرة بل والأكيدة، لدخول الصين الى سورية وحضورها الفاعل في الاوضاع العربية، وبالتالي بروز إمكانية تتزايد أهميتها للتعامل والتعاون مع العربي الصين. وفي إطار هذه الصورة الكبيرة، على الصين أن تدرك أهمية الإعلام والصحافة الواعية والمهنية والحِرفية والإبداعية التي تنشر وتبث باللغة العربية، فبها يمكن الحوز على ثقة المواطن العربي والعودة به الى عصر طريق الحرير القديم حين كان العربي يتصادقان بعفوية وضمن تبادلات طبيعية فرضها الأمر السلمي الواقع، فحينها كانت ثقافتهما العربية والصينية لصيقة.
وأرى أنه من واجبي التأكيد على ضرورات الحِرفية وتوافر وجه إعلامي صيني وعربي مناسب في الإعلام والصحافة الصينية، فبدون ذلك لن تتمكن الصين من تأكيد صورتها في رياح العالم العربي الكبير، الذي يَتحفّز اليوم للقفز بخطوات واسعة الى الأمام، ترافقه قافلة من أصدقائه وحُلفائه.

*رئيس الاتحاد الدولي للصَّحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين – الاردن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.