موقع متخصص بالشؤون الصينية

المؤتمر 19 للحزب.. الصين ومواقفها تجاه اليمن

0

موقع الصين بعيون عربية:
عبد الحميد الكبي
*

  برغم الأوضاع المأساوية في بعض الدول العربية، وغياب الرأي العام في أخرى، وإنشغال أخرين من العرب في قضاياهم المعيشية اليومية، ومعالجة أوضاعهم المصيرية كما في فلسطين المحتلة وسورية والعراق، إلا أن الصحافة العربية لم تتوقف للآن عن تناول قرارات ونتائج المؤتمر ال19 للحزب الشيوعي الصيني، وتحليله والتأكيد على الصداقة العربية الحقيقة مع الصين. ويمكن الجزم، أن غالبية هذه الصحافات والإعلام العربي قد تناولت المؤتمر التاسع عشر بمزيد من الإشادة والاعجاب، والتركيز على أهم مفاصله التي تخدم الشعب الصيني وتحسين حياة الصينيين بمختلف أوجهها، وشعارات المؤتمر للتعايش السلمي والاخوّة الدولية للشعب الصيني مع الشعوب الاخرى، ورغبته بتعبيد مستقبل سلمي للعالم، يقوم على أساس العمل المشترك والمنافع الجماعية.

 قرارات ورؤى المؤتمر الذي أنهى أعماله مؤخراً شدّد على أهمية العلاقات الطيبة مع دول وشعوب العالم، ومنها العربية التي تحتفظ في وجدان أبنائها للصين والصينيين محبة غامرة ورغبة بتواصل التعاون بخاصة لتذليل العقبات المختلفة، والعودة بهذه الشعوب الى الالفيات السابقة حين كانت العرب والصينيين متجاورين بالمحبة والتعاون وتبادل المنافع والعواطف على تعدّدها.

 لكن وقبل حدث المؤتمر التاسع عشر، ألقى الأمين العام والرئيس “شي جين بينغ”  خطاباً تاريخياً في جامعة الدول العربية، أكد فيه ثوابت الحزب والصين تجاه العرب وقضاياهم المصيرية، وضرورة ترسيخ الاخوة والتضامن بيننا جميعاً.

 أذكر حينها أن الأمين العام الرئيس “شي” بدأ خطابه بقول صيني مأثور هو: إن الصديق العزيز هو الذي يتطلع إليه قبل الزيارة، ويشتاق إليه بعد الزيارة”. وقال، على الأراضي العربية، أحس أنا وزملائي نوعاً من التقارب والمحبة، وهو جاء متراكماً بعد تبادلات تجاوزت حواجز المكان والزمان، بين الأمتين الصينية والعربية، خلال المعاملات الأمينة والمصاحبة المخلصة على طريق الحرير القديم، والمشاركة في السراء والضراء، في النضال من أجل الاستقلال الوطني، والتضامن والتساند في مسيرة بناء الوطن، وهو ثقة ثابتة لا تنكسر ولا تُكسب بالمال.

وعرج “شي” على منطقتنا “الشرق الأوسط التي وصفها بأنها أرض خصبة، لكنها لم تتخلص من ويلات الحرب والصراع حتى اليوم، وهذا يؤلمنا بل ويجعلنا أن نتساءل: إلى أين تتجه هذه المنطقة؟ هذا هو “السؤال عن الشرق الأوسط” الذي يفرض نفسه أمام العالم بين الحين والآخر، وينتظر جوابه في ظل تطلعات شعوب المنطقة إلى تقليل الصراعات والمعاناة وتعزيز الأمان والكرامة. وأورد “شي” قول شاعر عربي بالتالي: “عندما تواجه الشمس، سترى الأمل بالتأكيد.” مؤكداً أن الأمل موجود في الشرق الأوسط،  فقط يتطلب الجهود من مختلف الأطراف لبحثه وتجسيده في طريق الحوار والتنمية، وتعتبر “شي” أن المفتاح لتسوية الخلافات يكمن في تعزيز الحوار, فلا تُحل المشاكل بلغة القوة، ولا يدوم الأمن بعقلية المحصلة الصفرية. رغم أن طريق الحوار قد يكون طويلاً وحتى يشوبه التراجع، غير أن تداعياته أقل ونتيجته أكثر ديمومة. وأكد أنه يجب على مختلف الأطراف المتنازعة إطلاق الحوار لإيجاد القاسم المشترك الأكبر وتركيز الجهود على دفع الحل السياسي. ويجب على المجتمع الدولي احترام الإرادة والدور لأصحاب الشأن والدول المجاورة والمنظمات الإقليمية، بدلا من فرض حلول من الخارج، بل ويتحلى بأكبر قدر من الصبر ويفسح أكبر قدر من المجال للحوار.

واستطرد الأمين العام الحكيم، أن المفتاح ل “فك المعضلة” يكمن في تسريع عجلة التنمية. إن جميع الأسباب التي أدت إلى الاضطرابات والتوترات الحالية في الشرق الأوسط ترتبط في الأساس بالتنمية، فلا مفر من احتوائها إلا من باب التنمية في نهاية المطاف. إن التنمية قضية الحياة وكرامة الشعوب، وهي سباق مع الزمان وصراع بين الأمل واليأس. وإن تحقيق كرامة الحياة للشباب من خلال تطويرهم وتنميتهم هو الطريق الوحيد لأن ينتصر الأمل على اليأس في عقولهم، وأن يستبعدوا طوعاً عن أعمال العنف وموجات التطرف والإرهاب في سلوكهم.

لقد شَرّح الأمين العام “شي” الاوضاع العربية في خطاباته كما لا يُشرّحها غيره. ولكأنه موجود بيننا ويعيش بين ظهرانينا. الأمين العام يعلم تمام العلم التاريخ العربي الصيني المشترك، الذي يعود الى  عدة ألفيات ارتبطت بالعرب وباليمن بعلاقات متشعّبة وصِلات تاريخية وثقافية وحضارية وتجارية عميقة، وفي مجالات أخرى لا حصر لها..

كان اليمنيون أوائل من وصل الى الصين عبر البحر، ويحفل التاريخ بصفحات مجيدة عن علاقاتنا اليمنية الصينية الوثيقة.وبعد بروز اليمن في العصر الحديث، واصل وطننا الارتباط  بجمهورية الصين الشعبية والى اللحظة، برغم المنعطف الصعب الذي يمر به اليمن من أحداث وصراعات وأزمات، والذي يعصف بالشعب اليمني الصديق للصين.

واليمن يتعرض اليوم الى حالة من الاستنزاف غير المسبوق، ويعاني من مزيد من التقهقر في مختلف الحقول. لذا، فقد بات من الأهمية بمكان ان تنظر الصين في مسألة إعفاء اليمن من المديونية الخاصة به للصين، وفي هذا الإطار لا يمكن لليمنيين أن ينسوا أو يتناسوا الدعم الكبير والثمين الذي قدمته لهم جمهورية الصين الشعبية، ومنها المساعدات الإنسانية والاجتماعية والتجارية والاقتصادية، سيّما في الظروف الحالية الصعبة التي يَمر بها اليمن.

نقرأ في صفحات التاريخين القديم والحديث عن علاقات عميقة وتراث غير مادي ربط ما بين شعبينا وبلدينا اليمين والصيني، وما بين اليمن عموماً وجمهورية الصين الشعبية الصديقة بعد تأسيسها، التي لم تتوقف عن تقديم المساندة والدعم لليمن، وأبرزها المجال التنموي والبُنية التحتية ومشروعات حيوية وتطويرية، منها طريق صنعاء الحديدة، وهو شريان الوصول النقل البري الرابط الدائم بين العاصمة صنعاء ومحافظة الحديدة، حيث يعتبر مشروع حيوي هام، وكذلك خط النقل البري الرابط بين محافظة حضرموت وعدن، لِما مَثـّل من سرعة ارتبط المحافظات الداخلية ببعضها البعض.

ناهيك عن المواقف المبدئية لجمهورية الصين الشعبية الصديقة تجاه الشعب اليمني عموماً، وتشييد الصين لليمنيين العديد من المشاريع التنموية والخدمية، ومد يد العون لنا بخاصةً الوقوف الى جانب الشعب اليمني في العديد من الأزمات التي عصفت وتعصف به، وآخرها الأزمة الحالية التي يمر بها اليمن، وضرورة التخفيف منها بإرسال المزيد من المساعدة الإنسانية الطارئة لبلادنا عبر الأمم المتحدة.

في جانب موازٍ، فإن الأزمة الإنسانية والاقتصادية الكبيرة التي يتعرّض إليها اليمن، والكارثة الصحية التي يُعانيها، وبخاصة وباء الكوليرا الذي يُشكّل معاناة شديدة لليمنيين، كل ذلك وغيره يُبرِز مأساة وكارثة تضرب باليمن، وهو ما يتطلب إيقاف فوري للحرب الدائرة على أراضيه، وتحقيق السلام المنشود، وإيقاف الكارثة الإنسانية والصحية والاقتصادية على أراضيه، قبل فناء شعبه.

البُنية التحتية في اليمن تعرضت لدمار شامل، ناهيك عن التخريب الذي يُلمُ بالبلاد، ومقتل أعداد ضخمة من اليمنيين، في ظل حصار مفروض على اليمن، وتقنين إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المناطق المتضررة، وإيقاف صرف مرتبات موظفي الدولة الذين يطالبون بتسلمها بشكل عاجل، كون ايقاف صرف رواتب الموظفين زاد من معاناتهم.

إننا في اليمن الصديق للصين، نأمل من جمهورية الصين الشعبية بذل المزيد من الجهود لتقديم الدعم والمساعدة لإنقاذ اليمن واليمنيين، وتفعيل سياسة الامين العام شي جين بينغ على مِثال اليمن، والعمل لإيقاف الحرب في البلاد، والإدلاء بدلوها الحاسم لتدعيم مباحثات السلام الشامل، وإعادة الأمن والاستقرار وتسييد السلام والتنمية..

 أتقدم بخالص الشكر وعميق التقدير وبالغ الاحترام لجمهورية الصين الشعبية الصديقة، قيادةً وحكومةً وشعباً، متطلعاً الى فخامة الأمين العام العظيم للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ، على أفطاره النيرة والواقعية وتحليلاته الموضوعية والعميقة حول الاوضاع العربية، وعلى ما بذله ويبذله من دعم ومساعدة ومساهمة من أجل سلام واستقرار وآمان اليمنيين واليمن الصديق للصين وشعبه.

*عبد الحميد الكبي: عضو عامل في الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين في عدنوالهيئة الشعبية الجنوبية (الائتلاف الوطني الجنوبي)، وباحث في العلاقات اليمنية الصينية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.