موقع متخصص بالشؤون الصينية

لماذا لا ينهار الحزب الشيوعي الصيني؟

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ بكين ـ
بقلم / الدكتورة فايزة سعيد كاب، خبيرة في الشؤون الصينية، مترجمة وكاتبة:

 

صورة من المؤتمر الوطني ال 19 للحزب الشيوعي الصيني تبين اخر ثلاث رؤساء الصين، جيانغ تسه مين، هو جين تاو وشي جين بينغ في الصف الأول للنواب المشاركين

 

 

طالما تساءلت الدول الغربية وغيرها من الدول الأخرى في العالم عن سر تمسك الصين بالحزب الشيوعي وتحقيق طفرة في التقدم الاقتصادي ونجاحه بشكل فعال وملموس في تجنب انهياره رغم تفكك المعسكر الاشتراكي وتراجع النظرية الماركسية في العالم. وازدادت هذه التساؤلات مع انعقاد المؤتمر الوطني الـ 19 للحزب الأسبوع الماضي، والذي شهد انتخاب الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي، وكذا المكتب السياسي للحزب واللجنة الدائمة للمكتب السياسي فضلا عن اللجنة المركزية لفحص الانضباط التابعة للحزب والتي تعد اعلى سلطة لمكافحة الفساد في الصين، وتعديل الدستور الذي أدرج فيه أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد.

لقد ارجع البعض تمسك الصين بالحزب الشيوعي للمعجزة الاقتصادية التي حققتها الصين في فترة قصيرة بالمقارنة مع الدول الأخرى في العالم، ويرى البعض أن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية حققت نجاحا كبيرا.

لكن، متابعتي لأكثر من20عاماً هي مدة وجودي في جمهورية الصين الشعبية بحكم تخصصي في الدراسات الصينية للتغيرات الداخلية والخارجية في السياسة الصينية، يمكن القول إن الحزب الشيوعي الصيني لم يحقق جميع أهدافه بعد، وإنما يواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة، منها شينجيانغ والتبت وتايوان والفجوة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء التي باتت واضحة جدا، بالإضافة الى قضية بحر الصين الجنوبي وكوريا الشمالية والحرب الاقتصادية مع الولايات المتحدة الامريكية، لكن شعور قيادة الحزب بالمنحدر قبل وصوله، جنّبهم السقوط والانهيار. وهنا يتساءل البعض عن سبب تحقيق الحزب الشيوعي الصيني الهدف ولم يحققه الاتحاد السوفيتي؟ لأجيب:” العقلية الصينية المتأثرة بالفكر الكونفوشيوسي”، “فليقم الامير بدوره كأمير، والتابع كتابع، وليقم الاب بدوره كأب، والابن كإبن.” ـ كونفوشيوس، ويعني أن يؤدي كل فرد عمله بجدية وإخلاص. ووصف السياسة بالقول: ” إنها الإصلاح، فإذا جعل الحاكم نفسه أسوة حسنة لرعيته، فلن يجرؤ أحد على الفساد.” كما ساعد تأثير الفكر الكونفوشي على العقلية الصينية اللينة كثيرا في الحفاظ على الاستقرار السياسي في الصين: ـ

 

سياسة المراحل والاصلاح

“لا يهم السير ببطؤ طالما أنك لا تتوقف عن السير” – كونفوشيوس

“العاقل لا يخجل من اصلاح عيوبه”-كونفوشيوس

 

اعتمد الحزب الشيوعي الصيني عند تأسيسه في عام 1921 بقيادة ماو تسي تونغ على العمال وتغير تفكيره في عام 1925 بعد تغير ظروف الصين ليعتمد على الفلاحين موجها تركيزه على التنمية الزراعية. وبعد انتهاء الثورة الثقافية سنة 1978 تسلم دنغ شياو بينغ السلطة معلنا عن سياسة جديدة، سياسة الإصلاح والانفتاح، الإصلاح الاقتصادي، والانفتاح على العالم (الغربي)، ومنذ ذلك، شهدت التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية منجزات هائلة جذبت انتباه العالم، وطرأت على الصين تغيرات أبهرت العالم، ومع هذا لم يتوقف القطار نحو تحقيق مجتمع رغيد الحياة، وذكر جيانغ تسه مين في تقرير قدمه خلال المؤتمر الوطني ال16 للحزب الشيوعي الصيني:” ” بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل وخلق وضع جديد للقضية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية “، كما طرح جيانغ تسه مين ، أفكار “التمثيلات الثلاثة” التي تعكس المطالبات الجديدة الناتجة عن التطورات والتغييرات التي يشهدها العالم والصين في الوقت الحاضر على أعمال الحزب والدولة، كما أنها أساس بناء الحزب، وقاعدة لإدارة الحكم، ومنبع للقوة، مؤكداً أن الماركسية اللينينية وأفكار ماو تسي تونغ ونظرية دنغ شياو بينغ الأفكار المرشدة للحزب. ومن جانبه، تعهد هو جين تاو بعد انتخابه أمينا عاما للجنة المركزية للحزب بأعادة بعض الضوابط الاقتصادية، والتي كانت الإدارة السابقة قد خففت منها. كما طالب هو أن تكون أجهزة الحزب على كافة المستويات مثالاً للالتزام بالدستور والقوانين، وأن تدعم جهود تطبيق القانون”. كما تشمل مرحلة حكم شي جين بينغ التوازن في التنمية بين المدن والأرياف، ومحاربة الفجوة بين الأغنياء والفقراء التي باتت عبئاً كبيراً على الحزب، بالإضافة الى محاربة الفساد الذي نخر جسد الحزب ويهدد سقوطه. كما أكد شي السير قدما في إدارة البلاد وفقاً للقانون على نحو شامل والاعتماد على حكم القانون لحماية حقوق الشعب والعدالة الاجتماعية وتعزيز تنمية البلاد.

لم يتوقف الحزب الشيوعي الصيني عن التطور وفقاً لمتطلبات العصر ومتغيرات المستقبل إيماناً من أعضائه بضرورة تماشي الحزب مع متغيرات الدولة وأن يكون الحزب مناسباً للمجتمع وذا خصائص صينية، ولا يبقى جامداً إلى الأبد. وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ في الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية ال 18 للحزب الشيوعي الصيني التي عقدت عام 2013: “ينبغي أن يستجيب قرار الإصلاحات لآمال المواطنين وشكواهم، وينبغي أن تكون واضحة في الذهن وثابتة في الخطوات”. وقال شي في تقرير قدمه خلال افتتاح أعمال المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب أن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية دخلت العصر الجديد. كما ذهب شي بعيداً قبيل انعقاد المؤتمر الوطني الـ 19 للحزب داعياً أعضاء الحزب الشيوعي إلى دراسة الرأسمالية المعاصرة دون الانحراف عن الماركسية. وقال إنه يجب على الحزب أن يحسن دمج المبادئ الأساسية للماركسية في” واقع الصين المعاصر والتعلم من إنجازات الحضارات الأخرى لخلق وتطوير الماركسية. “وقال البروفيسور تشن شو قوانغ بجامعة الحزب التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في تصريح لوكالة الانباء الصينية:” أن الحزب الشيوعي الصيني قادر على التكيف والتعامل مع الظروف المتغيرة على الصعيدين الداخلي والدولي. لقد نجح الحزب الشيوعي الصيني بشكل فعال وملموس في تجنب سلوكيات وممارسات الفيتوقراطية قصيرة المدى خلال فترة حكمه، وبهذا ضمن تحقيق وإرساء تناسق واستقرار السياسات والاستراتيجيات الوطنية”.

 

إشراك الاحزاب الاخرى غير الشيوعية في الانشطة السياسية في الصين

“إذا كان هناك مركب من ثلاثة أشخاص، فمن المؤكد أن واحداً منهم جديراً بأن يكون أستاذا لي، حتى أستفيد من مزاياه، وأتنزه من خطاياه.” ــ كونفوشيوس

 

قال وو بانغ قوه رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني في تقرير عمل قدمه الى الدورة السنوية للمجلس، عام2009: “إن الصين تتبنى نظاما يقوم على التعاون والتشاور السياسي بين الأحزاب تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، وليس نظاما متعدد الاحزاب على الطراز الغربي، والذي بدوره يمكن للأحزاب المختلفة الوصول للسلطة من خلال الانتخابات.”

ومنذ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، أولت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بالغ الاهتمام لأعمال المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، حيث أكدت على ضرورة الإمساك الدقيق لطبيعة المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني  إلى حد أكبر وإطلاق العنان لدور المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني كقناة هامة للتشاورات الديمقراطية على نحو مستفيض، ودفع بناء نظام  التشاورات السياسية والمراقبة الديمقراطية والمشاركة في النشاطات السياسية ومناقشتها بالتمحور حول الموضوعين الكبيرين للتضامن والديمقراطية. ويتضمن المجلس الاستشاري اللجنة الثورية لحزب الكومينتانغ، الرابطة الديمقراطية الصينية، الجمعية الديمقراطية الصينية لبناء الوطن، الجمعية الصينية لتنمية الديمقراطية، الحزب الديمقراطي الصيني للفلاحين والعمال، حزب “تشي قونغ دانغ” السياسي، جمعية جيو سان، رابطة الحكم الذاتي الديمقراطي في تايوان، التي يطلق عليها أحزاب ديمقراطية، وهي تلك الأحزاب السياسية التي تأسست قبل عام 1949، ودعمت بصورة واضحة الحزب الشيوعي الصيني أثناء إطاحة الحزب الشيوعي الصيني بحكم حزب الكومينتانغ، وتعترف بقيادة الحزب الشيوعي وعارضت حزب الكومينتانغ، واستمر وجودها باستمرار بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية.

 

اشراك الشعب في الحكم وتقاسم الثمار

إذا قدت الناس وفق قوانين إجبارية وهددتهم بالعقاب فإنهم سيحاولون اتقاء العقاب، ولكن إذا نظمت شؤونهم فإن علاقتهم ستقوم على أساس من الشرف.” ــ كونفوشيوس

أعلنت إدارة التنظيم في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني مؤخرا أن عدد اعضاء الحزب الشيوعي الصيني بلغ 89.447 مليون عضو بنهاية 2016. ويركز الحزب الشيوعي الصيني على عامة الشعب، باعتباره أهم عنصر في الاشتراكية، كما أنه لطالما حرص على تمثيل مصالح الأغلبية الساحقة لأبناء الشعب الصيني. كما يحاول الحزب اشراك عدد أكبر من الناس في صنع القرار من خلال الاجتماعات المتكررة لأعضاء الحزب، بالإضافة الى وسائل الاعلام الصينية التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تلعب دوراً هاماً في إشراك الشعب الصيني في صناعة القرار، كما طرحت صحيفة الشعب الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني خلال انعقاد الدورتين لعام 2015، عموداً خاصاً بعنوان “أريد طرح سؤال على رئيس الوزراء” لفتح طريق جديد أمام مستخدمي الانترنيت لطرح أسئلتهم وانشغالاتهم مباشرة إلى المسؤولين في الدولة، وكنوع من إشراك الشعب في صنع القرار.

وتعهد الحزب الشيوعي الصيني بالدخول إلى مجتمع أكثر ازدهاراً في الصين بحلول عام 2021 عندما يبلغ الحزب 100 سنة من عمره، وأن التخلص من الفقر لا مفر منه لاستكمال بناء مجتمع رغيد الحياة. لذا، يتخذ شي جين بينغ هدف “القضاء على الفقر في جميع البلديات الفقيرة، وتخلص جميع الفقراء من الفقر الى غاية عام 2020”. وقد استطاعت الصين اخراج ما مجموعه 550 مليون نسمة في المناطق الريفية في الصين من الفقر في فترة 2013 -2016، وتم تخفيض عدد الفقراء لـ 10 ملايين شخص سنويا في أربع سنوات متتالية، حسب الاحصاءات المنشورة على وسائل الاعلام الصينية المحلية.

محاربة الفساد

” لا أحد يجرؤ على الفساد إذا صلح القائد”-كونفوشيوس

طلب أحد الأمراء من كونفوشيوس النصيحة للحكم الصالح، قائلا: “هل ترى أن أقتل الفاسدين فيلتزم غيرهم الصلاح؟”. فأجابه كونفوشيوس: ” ما الذي يدفع سياسـتك إلى القتل؟ إذا شئت الصلاح أصبح الناس صالحين، لأن أخلاق الرؤساء كالريــح وأخلاق المرؤوسين كالعشب، وإلى أي جهة هبّت الريح مال العشب إلى تلـك الجهة.”

تمسكت الصين بسياسة صارمة في مقاومة مختلف أشكال الفساد منذ انعقاد المؤتمر الـ 18 للحزب الشيوعي الصيني. وبدأ حزب الشيوعي الصيني بمحاربة الفساد من بيته، في عام 2010، أصدر الحزب الشيوعي الصيني 52 معياراً أخلاقياً جديداً لأعضائه تهدف إلى مكافحة الفساد بين مسؤولي الحزب الحاكم. وبات موضوع الفساد يتصدر قائمة القضايا الساخنة لدى الشعب الصيني خلال الفترة الماضية، والمقبلة، وفي 2017، ذكرت اللجنة المركزية لفحص الانضباط للحزب الشيوعي الصيني أنه في نهاية 2016، أجرت اللجنة المركزية لفحص الانضباط تحقيقاً مع 240 من المسؤولين على المستوى المركزي وعاقبت 223، وسجلت إدارة التفتيش والرقابة التأديبية 1.162 مليون حالة فساد وعاقبت 1.199 مليون شخص. وتم القبض على 2566 مسؤولا من الذين هربوا إلى الخارج بنهاية 2016، وتمت استعادة 8.64 مليار يوان (حوالي 1.3 مليار دولار أمريكي)، ومن بين قائمة الـ 100 الهاربين والمدرجين على قائمة الانتربول الحمراء اعتقل 43 شخصا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.