موقع متخصص بالشؤون الصينية

المنتدى الإعلامي:تمــازج وعمل مشترك وإنجازات كبرى (العدد 85)

0

نشرة الصين بعيون عربية ـ محمود ريا

تمثل المشاركة للمرة الثانية في المنتدى الإعلامي لمبادرة الحزام والطريق الذي تنظمه صحيفة الشعب الصينية فرصة مكوّنة من عدة فرص في وقت واحد.
ففي هذا المنتدى كنتُ جزءاً من عملية تفعيل دور وسائل الإعلام في الترويج لمبادرة الحزام والطريق، وربما يكون هذا الهدف الأساسي لتنظيم مؤتمر بهذا الحجم وبهذه الضخامة، لإعلاميين من حوالي 126 دولة من أنحاء الكرة الأرضية. فلو أن كل صحافي وإعلامي كتب مقالاً واحداً عن المبادرة وعن المؤتمر، لباتت سيرة الحزام والطريق منتشرة في مختلف أنحاء العالم، ولأصبح التساؤل عن المبادرة ودورها أهميتها على كل شفة ولسان.
وفي هذا المنتدى تعقد لقاءات هامة بين الإعلاميين باختلاف جنسياتهم وأعراقهم وألوانهم، ما يحقق تلاقحاً فكرياً وإعلامياً على أعلى المستويات، بحيث ينتج عن ذلك الكثير من المشاريع المشتركة على المستوى الإعلامي، بين المؤسسات الإعلامية الصينية والأجنبية من جهة، وبين المؤسسات الأجنبية نفسها.
وإذا كانت لغة الحديث بين الإعلاميين العالميين هي الإنكليزية، فأنا لا أستبعد أن يأتي الوقت الذي تصبح فيه اللغة الصينية لغة جامعة لزوار الصين، يتحدثون بها ويتناقشون من خلالها، ويتفاهمون على القضايا التي يناقشونها عبر كلماتها وتعابيرها.
وفي هذا المنتدى أيضاً يتعرف الصينيون على الصين في مختلف مناطقها وأقاليمها. صحيح أن الدورات الثلاث السابقة من المنتدى الإعلامي عُقدت في العاصمة بكين، ولكن دورة هذا العام عُقدت في أقصى الغرب الصيني، في مدينة دونهوانغ، نظراً للدور الأساسي الذي تلعبه هذه المدينة في بناء مفردات مبادة الحزام والطريق.
ولا يمكن إلا الحديث عن جمال هذه المدينة والكنوز الطبيعية والتاريخية التي تحتويها، ككهوف موغاو وبحيرة الهلال وجبال الرمال الرائعة التي تخترقها قوافل الِجمال في استعادة لطريق الحرير القديم، والسوق الشعبية الرائعة التي تحفل بالحياة والحيوية، وغيرها من المعالم البارزة. يضاف إلى ذلك النهضة الكبرى التي تشهدها في هذه المدينة، فالصحافيون الذين شاركوني زيارة المدينة العام الماضي، وعادوا إليها معي هذا العام، لاحظوا ـ كما لاحظت ـ التغيرات الهائلة التي شهدتها المدينة، والإنجازات المعمارية التي بُنيت فيها، بدءاً من المطار الحديث، وصولاً إلى قصر المؤتمرات الضخم، والمنشآت الأخرى التي تدل على مستقبل زاهر قادم على هذه المدينة القصيّة والبعيدة، وكل ذلك بفضل كونها نقطة انطلاق طريق الحرير من الصين إلى الغرب.
وكما كانت دونهوانغ محط رحال المشاركين في المنتدى، فإن السنة المقبلة سيكون المشاركون في الدورة الخامسة من المنتدى ضيوفاً على مدينة بوآو في مقاطعة هاينان في أقصى الجنوب الصيني. وهذه المقاطعة ـ الجزيرة لها أيضاً دور كبير كمحطة أساسية على طريق الصين البحري، الذي ينطلق من الصين إلى دول العالم المختلفة.
وفي هذا المنتدى أيضاً تم تسجيل إنشاء العديد من الهيكليات التي تخدم ترسيخ مبادرة الحزام والطريق، وقد شهدنا هذا العام إنشاء مؤسستين مهمتين جداً، وهما مركز الدراسات الدولية لصحيفة الشعب، ومركز للتبادل الإعلامي بين الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية على طول الحزام والطريق.
وأشار المسؤولون الصينيون إلى أن “هدف مركز الدراسات الدولية لصحيفة الشعب اليومية هو بذل جهود دؤوبة لإيصال صورة الصين الحقيقية للعالم، في الوقت الذي تحتاج الصين إلى معرفة العالم أيضاً، كما يسعى أيضاً إلى أن يصبح المقرِّر للمواضيع والمحلِّل للقضايا والمقترِح للسياسات والناقل للأفكار”.
إن مؤسسة كهذه يمكنها أن تلعب دوراً أساسياً في رسم سياسة صحيفة الشعب الصينية ومجال تغطيتها وكيفية تناولها للقضايا، ومعها كل وسائل الإعلام الصينية الأخرى، ولا سيما فيما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق.
وقد كان للمشاركين العرب بشكل خاص ملاحظة على عملية التأسيس، تمثّلت بخلو اللجنة الاستشارية للمركز من أي عضو عربي، مقابل اشتمالها على عضو إسرائيلي، ما يُخشى معه أن تتأثر عملية رسم سياسة العمل في المركز بهذا الخلل في التوازن فيما يتعلق بالمنطقة العربية ومنطقة غرب آسيا بشكل عام.
أما مركز التبادل الإعلامي فسيكون بلا شك بؤرة للحوار والعمل الإعلامي الجماعي للترويج للنجاحات الهائلة التي تحققها مبادرة الحزام والطريق، وستشكل حافزاً لمزيد من التلاقي بين وسائل الإعلام المختلفة، لما فيه مصلحة الشعوب المشاركة في المبادرة، وشعوب العالم ككل.
وفي هذا المنتدى يمكن ملاحظة أن الصين تلعب دائماً على وتر تعزيز قوتها الناعمة من خلال إظهار أجمل الجوانب في هذه البلاد الجميلة أصلاً. وإذا كان المنتدى هذا العام مزدحماً ومختصراً وقليل المحطات التعريفية، نظراً لظروف تنظيمية مختلفة، فإن منتدى العام الماضي كان فرصة للتعرف على الكثير من المؤسسات الصينية الضخمة، من خلال زيارة مقراتها الرئيسية، كمعهد كونفوشيوس وشركة تينسنت ـ صاحبة موقع التواصل الاجتماعي العالمي ويتشات ـ والمؤسسات الصناعية الكبرى في مدينة لانشو عاصمة مقاطعة غانسو، بالإضافة طبعاً إلى زيارة مباني صحيفة الشعب الضخمة، والمركز الإعلامي الرقمي، الشاهق والحديث جداً، والذي خطف أبصار معظم المشاركين في المنتدى، ومن بينهم أولئك القادمون من دول متطورة جداً.
ومن أوجه إظهار القوة الناعمة العملية التنظيمية الهائلة للمنتدى، حيث قامت إدارة صحيفة الشعب بتنظيم تفاصيل المؤتمر بشكل دقيق، وأدار الفريق المنظّم والمرافق للضيوف عمليات الانتقال من الصين وإليها وداخل المدن الصينية بشكل لافت، وبأقل التعب المفروض على وافدين من مختلف الدول والثقافات والأعراق، وهو الأمر الذي ينبغي تسجيله بكل إعجاب لهذه الصحيفة العريقة والضخمة، وكذلك لحكومة مقاطعة غانسو التي شاركت في تنظيـم هذا الحـدث الكبير.
وأيضاً وأيضاً، كانت المشاركة في المنتدى فرصة مهمة للتعرف على تطلعات القيادة الصينية والأفكار التي تحملها للمستقبل والمشاكل التي تعمل على حلّها، وكل ذلك تم من خلال لقاء جامع استمر أكثر من ساعتين مع نائب رئيس مجلس الدولة الصيني تشانغ غاو لي، وهو الذي تحدث أمام المشاركين في المنتدى بالأرقام عن كل القضايا التي تشغل بال الصين، مشدداً على أهمية مبادرة الحزام والطريق بالنسبة للصينيين وللعالم ككل.
إنها المشاركة الثانية في المنتدى بالنسبة لي، والفارق بين المشاركتين يتمثل في أنني في المشاركة الثانية تعرفت على وجوه كثيرة رأيتها في المشاركة التي سبقت، ومنهم شخصيات كبرى في عالم الإعلام العالمي، وفاعلون كبار في عالم مراكز الدراسات والأبحاث من الكثير من دول العالم. وهذا يعني أن المنتدى أسس لنفسه مكاناً بارزاً في الخارطة الإعلامية العالمية، وبات محطة مهمة جداً يقصدها الإعلاميون من مختلف الدول للإفادة والاستفادة، في عملية تمازج أفكار عالمية، هي تجسيد حقيقي للأهداف التي وضعتها الصين لمبـادرة الحـزام والطريق.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.