موقع متخصص بالشؤون الصينية

مَذبحة نانجينغ فِي ذِكراها ال80.. دروس المَاضي ترشدنا لمُستقبل آمن

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
بقلم: صَالح عَيدروس عَلي*:

تُعتبر الحرب الصينية – اليابانية التي دارت رحاها ما بين عامي 1937-1945، المرحلة الأكثر تجاهلاً في الحرب العالمية الثانية، حيث اجتاحت القوات اليابانية الغازية شمال الصين في عام 1931، لكن الحرب الضروس كانت اندلعت في عام 1937 ما بين قوات الامبراطورية اليابانية وحركة الشيوعيين الصينيين وحزب الكومينتاغ، الذين تهادنوا من أجل مواجهة العدو الياباني المشترك، الذي كان هدفه احتلال العالم وبضمنه الصين، تطلعاً لاستغلال مواردها الضخمة وثرواتها الهائلة وارضها الزراعية الخصبة، وقد تذرعت اليابان بالكثير من الحجج الواهية مُستغلة حالة الضعف والانقسام والتخلف التي تعيشها الصين آنذاك، جرّاء الثورات والمجاعات والحروب المستمرة، وزاد الوضع سوآ الحرب الاهلية القائمة ما بين الشيوعيين وحزب الكومينتاغ، فكانت كل تلك الأسباب سبباً مُساعداً للجار الياباني للانقضاض بكامل قواه على الصين والصينيين .

ارتكب الجيش الياباني في الصين جرائم كبيرة وكثيرة منها سياسة “الفظائع الثلاث’”، أي: (الحرق الشامل والقتل الشامل والنهب الشامل)، وأدت هذه السياسة الى قتل أكثر من 35 مليون مواطن صيني، وجرح والتسبب بإعاقات جسدية لملايين اخرى، وتشريد ونزوح أكثر من 100مليون صيني.

في الطريق الى نانجينغ عاصمة الصين حينها، ارتكب الجيش الياباني أول جرائمه حيث كانوا يحرقون كل قرية يصادفونها،

وبسقوط مدينة نانجينغ في 13 ديسمبر 1937، ارتكب الجيش الياباني وعلى مدى ستة اسابيع الى شهرين، أفظع الجرائم حيث قتل أكثر من 300ألف مواطن صيني بدم بارد، ما بين مدني وعسكري، واغتصب أفراد هذا الجيش 20ألف امرأة، ويعتبر الشعب الصيني ان هذه المذبحة هي من أفظع جرائم الجيش الياباني الغازي في الحرب العالمية الثانية.

في 27 فبراير 2014 وافقت الدورة السابعة للمجلس الوطني الثاني عشر لنواب الشعب الصيني، على قرار تحديد يوم وطني لإحياء ذكرى ضحايا مذبحة نانجينغ، وتم تحديد يوم 13 ديسمبر من كل عام، وكان هذا القرار قراراً غير مسبوق في تاريخ الصين برغم أنه قد جاء متأخراً الى حد ما، الى أنه ينزع الى حفظ التاريخ والاستفادة من دروسه، من اجل مستقبل ينعم أبناؤه بالسلام والامان والاستقرار.

وبمناسبة الذكرى الثمانين لمذبحة نانجينغ التي صادفت 13 كانون الأول/ ديسمبر الحالي2017م، أحيت الصين هذه المناسبة التي حضرها الزعيم الصيني شي جين بينغ، وشخصيات صينية كبيرة. وفي كلمته قال “يو تشنغ شنغ” كبير المستشارين السياسيين الصينيين، “إن على شعبي الصين واليابان تقدير السلام الذي تحقق بشق الأنفس”.

ووصف “يو” الجرائم التي ارتكبها الغزاة اليابانيون في المذبحة بغير الإنسانية و”المروعة” و”الصفحة السوداء في تاريخ البشرية.”

وقال يو: “الحرب مرآة، تمكّن الناس من تشكيل فهم أفضل أكثر من أي شيء آخر”. وتابع، “لتجنب تكرار المأساة التاريخية، يتوجب علينا بذل الجهود بشكل متواصل من أجل إرساء أسس السلام الدائم والأبدي للبشرية جمعاء”، و “يلزم على الصين واليابان أن تضعا في اعتبارهما المصالح الجوهرية لشعبيهما وتقديم إسهامات للسلام الإنساني”، بينما “على العالم أن يعمل معا للحفاظ على النظام الدولي وفي القلب منه أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وبغض النظر عن مرحلة التنمية التي وصلت إليها، لن تسعى الصين أبدا للسيطرة أو التوسع ولن تذيق أية دولة أخرى مرارة عانت منها من قبل”.

 وجاء في بقية كلمته المهمة ما هو تالياً:

 أن الصين تريد العمل مع العالم من اجل بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وستواصل حماية السلام العالمي والإسهام في التنمية العالمية ودعم النظام الدولي، كما وأن الصين تجري حفلا تذكاريا لضحايا مذبحة نانجينغ من المواطنين الذين قتلوا على يد الغزاة اليابانيين والأبطال الوطنيين الذين ضحوا بحياتهم من أجل الانتصار وكذلك الجنود والأصدقاء الدوليين الذين انضموا للصينيين في حربهم.

إن الهدف من الاحتفال بالذكرى هو إظهار موقف الشعب الصيني الثابت في الحفاظ على السلام ومطمحهم الرفيع للتنمية السلمية. والشعب الصيني سيذكر دائما المساعدة الإنسانية التي قدمها الأصدقاء الأجانب مثل رجل الأعمال الألماني جون رابي وبرنهارد ارب سيندبرج من الدنمارك والقس الأمريكي جون ماجي الذي تحدى عمليات القتل الوحشية للغزاة اليابانيين وحمى المدنيين الصينيين وسجل الأعمال الوحشية.

من ناحيتها قالت وكالة انباء الصين الجديدة(شينخوا)، ان الرئيس الصيني شي جين بينغ التقى بعد الحفل بناجين من المذبحة وقال لهم: “الدروس التي نتعلمها من الماضي يمكنها أن ترشدنا في المستقبل ’’

وفي مجال مجاور، ففي إطار سياستها الخارجية تتمسك الصين بمبدأ “حسن معاملة الدول المجاورة باعتبارها شريكا” وتتخذ “حسن الجوار وتهدئة وإغناء الحوار” كالسياسة الخارجية مع الدول المجاورة و”السلم والأمن والتعاون والازدهار” هدفاً لسياستها لآسيا، وتنشط في تحفيز علاقات حسن الجوار والتعاون الاقليمي.

ومن هذا المنطلق لسياسة الصين مع جيرانها ومنها اليابان، وعلى هامش قمة المنتدى الاقتصادي لدول اسيا والمحيط الهادي(ابك)، في مدينة دانانغ الفيتنامية، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، التقى الزعيم الصيني شي جين بينغ مع رئيس وزراء اليابان شينزو آبي، حيث اعتبر هذا اللقاء بداية جديدة للعلاقات بين البلدين.

وفي بيان مهم للصين عن الاجتماع، نقلته وكالة (شينخوا) على لسان الرئيس الصيني قوله: “إن العلاقات المُستقرة في صالح كلا الجانبين، وإن عليها بذل كل ما في وسعها لمواصلة تحسين العلاقات بينهما.” وأضاف شي “ان على البلدين اتخاذ خطوات بنّاءة حتى يتمكنا من ادارة الخلافات الحالية بينهما واحتوائها على نحو ملائم.

الصين ومن على أعلى المنابر بلسان قائدها “شي” تعلن بأن سياستها سلمية بغض النظر عمن حاربها وقتّل شعبها المسالم لأهداف استعمارية وتوسعية، شريطة التمسك بالعدالة والاخلاق، والاحتكام للعقل والمنطق في العلاقات الدولية، ونزع فتيل الحروب والمواجهات والنزاعات، وفي هذا التوجه لعمري تأييد عالمي طاغٍ للصين من جماهير وشعوب العالم قاطبة، معزّين الصين وزعيمها العظيم “شي” وشعبها الصديق بكل مَن سقطوا صرعى القضية التحررية، دفاعاً عن ترابها الطهور الذي شهد آلاماً مُبرحة لا تنسى ولا تُمحى، ونحن نتضامن معها كل التضامن لتعالج جراحها التاريخية الكبيرة بمبضعها الحكيم، ونعزّيها بحسن العزاء بضحاياها، ومتمنين ألاّ ترى في حياتها الحالية المُنتجة والمُزدهرة والسلمية شيئاً من حروب الماضي، بل تقدّماً لا يتوقف وسلاماً لا يَنقطع، وما مذابح الماضي سوى دروسٌ لمستقبل يُرشد الصين وشعب الصين وشعوبنا العربية وأمم العالم قاطبة لسَبرِ طـُرق السلام والأمان التي ولا أحسن منها ولا أطيب أبداً.

*كاتب يمني متخصص بالقضايا الصينية، وممثل رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين في اليمن، ورئيس منتدى قراء مجلة “الصين اليوم” في اليمن، ورئيس منتدى مستمعي القسم العربي لإذاعة الصين الدوليةCRI  ومنتدى أصدقاء مجلتها “مرافىء الصداقة” باليمن، ورئيس نادي مشاهدي القسم العربي للفضائية الصينيةCCTV في اليمن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.