موقع متخصص بالشؤون الصينية

مِن وَحي المُؤتَمر 19: (شِي) قَلَبَ الإنقلابِيين!

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكادِيمي مَروان سُوداح*:

قصّة الفساد في الصين لا تقف عن حدِ فَسَاد الفَاسِدين والمُفسدين، أو فَسَاد ما قد يَكبر أو ما قد يَصغر، بل أن “القضية” أعمق وأكبر بكثير وأوسع من مُجرّدِ فساد مُجرّد وتافه، فهي قصة لا تتوقف عند حدود فساد ما يُبَاع وما قد يُشرى من سلعٍ وبضائع ما، من أراضٍ ما وماءٍ، أو تسويق تسهيلات أو تعيين غير مُستحقٍ بوظيفة، إنه في الأساس فساد الوطنية في نفوس مسؤولين، يؤدي بهم فساد المال والأطيان “الملاح”، إلى فساد العقل، فبيع الإنسان والوطن.

الفساد في الصين وغير الصين، هو الوسيلة التي درجت على تغذيتها القوى العدوة للصين والتحرّر الوطني والاستقلالية، فبالفساد يتم تشكيل طبقة إجتماعية من الفاسدين الذين يأتلفون حول بعضهم البعض، ويتحدون على الشر الاجتماعي لمضاعفة منسوب الفساد، وبمضاعفته محلياً يتمكنون من المجتمع بأكمله ويقوّضونه، فيسيطرون عليه ويُخضعوه، وهو لعمري إنقلاب مضاد على كل معلمٍ وأسس وطنية وشعبية، ومحاولة لتغيير النظام السياسي الاشتراكي في الصين، والانقلاب على الحزب القائد ومِثاله وعقيدته.

والفساد هو طبقة وحُكّام  وتنفيعات وأصحاب نفوذ في مناطق الإفساد ومنظماته السرية، التي قد لا تكون تأطيرات واضحة المَعَالِم أو علنية، بل قد تكون هُلامية التنظيم ومشتّتة، لكنها متحدة بأشكال شتى، وتعتمد على تحركات لا يَحكمها تنظيم هرمي أو خيطي في ظروف الصين وغيرها من الدول، لذلك يُعدُ هذا “النوع” من الفساد الأخطر والأكثر استشراء ضد المجتمع والنيل من قيادته السياسية والحزبية، لأنه يعرقل التنمية، ويقتل في البشر روح المبادرة والاخلاص للوطن ومستقبله، ويستسهل بيعه بأبخس الاثمان للعدو الخارجي ناهيك عن العدو الداخلي الأخطر – الذي اصطلح على تسميته بالطابور الخامس، وغالباً ما يكون تابعاً للخارج الاستعماري وقوى الصراع الدولي الخارجية.

لهذا كله ولغيره من الأسباب، التي منها أن الفساد بات يَستهدف التطور الصيني الاستراتيجي، داخلياً وخارجياً، لم يكن أمام الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني – الرئيس شي جين بينغ، سوى مَخرج واحد من هذه المخاطر – المَعاصي الكافرة بالوطنية، والتي باتت تهدّد النظام السياسي والبناء الاجتماعي و البُنية الاقتصادية القائمة بالصين، بالتحالف مع القوى الخارجية للامبريالية و الصهيونية والرجعية، والأخيرة هي ساعد ويمين الإمبريالية الناشبة مخالبها في دول العالم، وهي طابورها السادس لتفتيت البلدان بالمال والرشى، وبكل سلع الإفساد الأخلاقي والعقلي والسياسي والإجتماعي والمالي – الاقتصادي.

وهنا، ومنذ تسنّم القائد شي جين بينغ مقاليد الحكم والسلطة والأمانة العامة للدولة والحزب ليستمسك بنهج الأمانة عليهما، شرّع ببعُدِ بصيرته وحِكمته بتنظيف وتكنيس الدولة والحزب من الفاسدين والإفساديين، وأعاد الصينيين الى البساطة السلوكية الاجتماعية، وتَجلّى ذلك في مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الـ19، وأرجعهم الى نمط التفكير الثوري لمسيرة الألف ميل الأُولى التأسيسية لماو تسي تونغ، فضرورة خدمة المجتمع والالتصاق بالشعب وأريافه للتعلّم منه صحيح الإخلاص، والارتقاء بالفكر والعقيدة لتكون هادية للجميع في مسيرة الألف ميل الجديدة والدولية.

أربع سنين ونيّف قضاها (شي) في قصم يومي لظهر الانقلابيين المُفسدين للدولة والحزب، وطالب بالتعاون الأوسع مع المنظمات الدولية لإعادة المفسدين الهاربين من الصين ومحاكمتهم، فأعاد أموالهم للدولة، وقام بتعويض من لحقهم جور المفسدين، وارتقى بمكانة المُحَاربين القانونيين والحزبيين والاجتماعيين ضد المفسدين، فهؤلاء الأخيرين هم والحزب عِماد الدولة والحزب، وساعدها لتحقيق المزيد من العدالة والحوكمة الرشيدة والرشاد العام، فأفضت حملة التطهير من الفاسدين المحليين، إلى إسقاط عدد منهم في مواقعهم المهنية والمفتاحية الخطيرة، ويطلق عليهم إسم “النمور”، علاوة على الإيقاع السريع بعددٍ كثير من “الذباب”، وهو اللقب الذي يُطلق على الفاسدين من صغار المسؤولين، وهؤلاء وأولئك يُكمّلون بعضهم بعضاً في عملية بيع الوطن للخارج وإرزهاق روح الصين وأرواح الصينيين.

وليس هذا فقط فحسب، بل وتم في عهد (شي) الذي نلتف من حوله كالسوار حول المعصم، تسليط الاضواء على جهات لتعريتها بسبب تلقيها مساعدات مُفسدة وانقلابية من خارج الصين، وهي تستسهل للآخرين شراء ذممها، فالانقلاب على الحزب والدولة والشعب، وهو تطور نوعي يجري كذلك في وقت واحد وفي الدولة المجاورة للصين – روسيا بوتين.

“أمريكا” – هي الدولة الاكثر تضرراً من حملة مكافحة الفساد والفاسدين بالصين. ولهذا نرى كيف تهتم وكالات المخابرات وأجهزة الاستخبارات والتحليل الأمني والاستراتيجي بما جرى ويجري في الصين في هذا المجال. وفي هذا السياق، رأينا كيف تابعت “وكالة ستراتفور الأمريكية الخاصة للاستخبارات والتحليل الاستراتيجي” بما يجري في الصين في هذا المنحى، الذي أشبعته تحليللاً ودراسة.

من جانبه يرى ألكسي ماسلوف، الخبير الروسي بالشؤون الآسيوية، أن تعزيز موقع الرئيس (شي جين بينغ)، “يَعني ترسيخ قدرات الجيش الصيني والقوات المسلحة الصينية، ومواصلة تواجد الصين في المناطق ذات الأهمية الخاصة لبكين، وتحديد دورها كمنافس رئيسي للولايات المتحدة في العالم”.

بينما ذكر الخبير ألكسندر لارين، أن الصين غيّرت استراتيجيتها الخارجية جذرياً خلال الأعوام الأخيرة، وأن سياستها الخارجية السابقة كانت عبارة عن “عدم إظهار قوتها وعدم الخروج من الظل”، إلا أن بكين تسعى الآن إلى “توسيع مناطق تواجدها في جميع أنحاء العالم، في محاولة منها لمواجهة الولايات المتحدة”.

لقد فشلت “أمريكا” فشلاً ذريعاً في نشر “حرب الفساد والإفساد” في الصين ضد الصين، وهذا الفشل يعني بداية موتها كنظام سياسي واقتصادي، ذلك ان الصين الضخمة – المارد، تمكنت من ووقف الفساد واجتثاث معظم جذوره وأزلامه، لأنه كان يعني لها مسألة حياة أو موت، فانتصرت الحياة وصينية الصينيين في الصين بموت الفساد وذبول رُعاته الخارجيين وتكسير حِرابهم. ولذلك، بدأت واشنطن تقرع أجراس الإنذار من مستقبل قاتم ينتظرها بتزايد قوة الصين، وبتحالفها الاستراتيجي النوعي مع روسيا بوتين، ووجود (بريكس) الذي بات يستقطب العالم وشعوبه تدريجياً.

تؤكد شبكة الصين، العربية، أن الصين أطلقت عمليات مثل “شبكة السماء” و”صيد الثعالب” في الخارج لتعقب المسؤولين الهاربين. وحتى نهاية مايو 2017، تمكنت السلطات الصينية المختصة، من اعتقال 3051 هارباً وأعادت أكثر من 100 هارب من 90 دولة ومنطقة في العالم. وحتى نهاية يوليو 2017، اعتقلت الصين 43 شخصاً مدرجين على “النشرة الحمراءط للإنتربول الدولي.

وتستطرد شبكة الصين: واستضافت لجنة فحص الانضباط في الصين، ندوة بالتعاون مع البنك الدولي لبحث التعاون الدولي في مكافحة الفساد، يوم 19 سبتمبر الماضي، في بكين لمدة يومين، تضمنت دور الحكومة الصينية في خلق بيئة أعمال نظيفة، والعمليات التجارية القانونية للشركات والتعاون في مكافحة الكسب غير المشروع بين المشاركين في مبادرة الحزام والطريق.

 ومن جانبه، قال محمود ريا مدير عام موقع “الصين بعيون عربية” في لبنان، “إن الفساد يُعتبر من أسوأ العقبات التي تعترض عملية التنمية التي تقوم بها أية دولة في العالم، ويمكن أن يؤثر على عملية التنمية المستدامة التي تقودها الصين إذا لم يتم وقفه”.

  وشبّه محمود ريا وهو خبير بشؤون الصين وآسيا الفساد بالسوس الذي ينخر الأساس الذي تقوم عليه عملية التنمية، قائلاً: “الفاسدون هم حجر عثرة في طريق أي تقدم، وهم طُفيليون يمصّون دم الشعب، ويسرقون قُوتَه، ويدمرون طموحاته ويقتلون آماله”.

 

  وفي قمة تحالف (بريكس) الأخيرة التي عُقدت في مدينة شيامن، تحت قيادة الرئيس (شي)، في مطلع سبتمبر المنصرم، أكد زعماء الكتلة المؤسسين والتي تضم الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا في بيانهم الختامي: “مساندتهم للجهود الرامية الى تعزيز التعاون في مكافحة الفساد، نظرا لتأثيره على التنمية المستدامة”، وبذلك شرّع حُلفاء الصين حرب الصين وحزبها القائد على الفساد الإنقلابي، بتوليد إنقلاب مضاد مشروع لإنقاذ الدولة الصينية وكل دول تحالف (بريكس) من هذه الآفة السرطانية الخطيرة ذات الامتدادات الخارجية.

*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحلفاء الصين. 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.