موقع متخصص بالشؤون الصينية

“الحزام والطريق” مبادرة اقتصادية بنّاءة تواجه القوة العسكرية الأميركية

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
محمد زريق:

 

تندرج العلاقات الدولية في يومنا هذا تحت عنوان “القوي يأكل الضعيف”، وتسيطر على العالم اليوم مقولة “صاحب القوة هو صاحب القرار”. وبما أنَّ الولايات المتحدة الأميركية حالياً هي صاحبة “القوة” المشكك بها، فالقرار إلى حدٍ ما هو بحوزتها والعالم يلهث وراء إرضائها وتقديم الطاعة والولاء لها باعتبارها ال “Big Brother” أو الأخ الأكبر، ولكن هذه القوة ما كانت لتكون لولا الذراع الأميركية التي تُحكِم السيطرة على العالم بقبضة فولاذية.

إنَّ السبب الأول والأهم وراء تربع الولايات المتحدة الأميركية على عرش العالم دون منازع يكمن في الأزمات الاقتصادية الكبرى التي عانى منها الاتحاد السوفياتي وعدم تحمل البلاد أعباء القوة والسيطرة، الأمر الذي أدى إلى تفكك هذا الاتحاد في 25 كانون الأول 1991.

بعد هذا الحدث التاريخي أصبحت الولايات المتحدة الأميركية هي القوة الأولى عالمياً، وأصبحت دول العالم المنهكة اقتصادياً وعسكرياً تحت رحمة هذه الدولة التي لم تشهد حرباً على أراضيها.

ولكن مهلاً، إننا نتحدث عن ماضٍ غابر، فهل الولايات المتحدة اليوم هي نفسها القوة العظمى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟

مما لا شكَ فيه أنَّ الولايات المتحدة هي قوة عظمى وبارزة على الساحة الدولية، ولكنها منهكة عسكرياً بعد الحروب التي خاضتها في أفغانستان والعراق والحروب بالوكالة، وهي منهكة أيضاً اقتصادياً بسبب “فقاعة الاسكان الأميركية” عام 2006 والاثنين الأسود (19 تشرين أول 1987) وأزمة أسعار أوبك والأزمة المالية (2007 – 2008)، أضف إلى ذلك حادثة 11 سبتمبر التي غيرت موازين القوى وكانت أهم صفعة مباشرة تتلقاها أعظم قوة بشكل مباشر على أراضيها.

من الجدير ذكره أنَّ عالم الاجتماع النرويجي يوهان غالتونغ، المختص بعلوم السلام والذي ترشح لنيل جائزة نوبل، قد توقع انهيار الاتحاد السوفياتي وأصاب في توقعه، وفي كتابه “سقوط الامبراطورية الأميركية .. وماذا بعد ذلك؟” توقعَ أنَّ يسرّع تولي ترامب للرئاسة في عملية “الانهيار الأميركي”. فهل العالم أمام مرحلة جديدة في الحكم والعلاقات؟

الرد سريعاً جاء بلسان أميركي عن طريق زينيا ويكيت التي اعتبرت “أنَّ هذا الكلام غير واقعي كلياً والولايات المتحدة هي قوة عالمية عظمى لأسباب عديدة، فهي صاحبة أقوى جيش في العالم وتمتلك التكنولوجيا والاعلام”. هذا الرد الطبيعي قائم على منطلق القوة وفكرة أنَّ الأمريكان هم أسياد العالم.

ولكن إذا أمعنا النظر إلى الخارطة السياسية والاقتصادية نرى بأنَّ هناك دولة قد عجزت الولايات المتحدة عن تدميرها عسكرياً أو حتى اقتصادياً، دولة استطاعت أن تفرض نظاماً عالمياً جديداً وتكسب احترام العالم أجمع، هذه الدولة هي “جمهورية الصين الشعبية”.

يعتبر ونستون تشرشل أنَّ نفوذ الدول يقاس بمسافة نيران مدافعها، ولكن النار ليست دائماً ناتجة عن الآلة العسكرية، فالصين اليوم تطلق نيراناً اقتصادية لا تحرق بل تطيّب الجروح. هنا يكمن التباين ما بين السياسة الأميركية التي اعتمدت تاريخياً إلى حد اليوم على العنف والبطش والآلة العسكرية لتحقيق المصالح، والسياسة الصينية من جهة أخرى والتي اعتمدت تاريخياً على “طريق الحرير” الذي ساهم في نشر ثقافة الاقتصاد والتجارة والحوار والسلام للتكامل والتبادل الحضاري، وصولاً إلى مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقها الرئيس الصيني شي جينبنغ عام 2013 والتي تعتبر بمثابة قنبلة تدميرية بوجه كل مستكبر ومتغطرس.

لقد وصل العالم اليوم إلى مرحلة الرفض للحروب والأزمات، والمشاكل الاقتصادية التي تعصف بالعالم سوف تُسهل هذا الطريق الذي يربط الصين بالعالم، فهل يُعقل القبول بآلة عسكرية فتَّاكة ورفض مبادرة اقتصادية بنَّاءة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.