موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين تونس وتآخٍ روحي وثقافي لفوز مشترك

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
سناء كليش*:

لا يَنسى كل مَن يزور الصين، أحد أعرق الحضارات الإنسانية، ما تتميز به الدولة من مَعالم تاريخية وسياحية مذهلة على غِرار سور الصين العظيم، وجيش الطين “جيش تيراكوتا”، بالإضافة إلى ما يتحلى به الشعب الصيني من الحرص على العمل الدؤوب والانضباط عالي المستوى، والتنوع الثقافي والبشاشة والانفتاح على الآخر.

كما يَرسّخ في الذاكرة تاريخ طريق الحرير الذي ربط الصين ببقية أنحاء العالم، وما انفك يتطوّر من سنة إلى أُخرى بما يعكس رغبة السلطات الصينية في تعزيز علاقاتها التجارية والانسانية، وكان آخرها مبادرة “الحزام والطريق”، التى أطلقها الرئيس الصيني فى سنة 2013 لتعزيز ربط بلاده بالفضاءين الأوروبي والأفريقي.

للمرة الثانية أزور الصين كصحافية، وعضو في “الاتحاد الدولي” بدعوة كريمة من القيادة الصينية، التي توفّر لي مشكورة مناسبة جديدة لمقارنة التطور والازدهار في الصين بعد نحو عقد من الزمن، حين خطوت خطواتي الأولى في بكين ومدن أخرى، حيث استمتعت بهذه البلاد النضرة، ولمست المشاعر الطيبة الحقيقية لشعبها البسيط برغم سُموّه وانطلاقاته العجائبية إلى سنائيات الأكوان، والذي ما فتئ يتطلع فعلاً إلى مواصلة تفعيلات رسالته التاريخية في التآخي مع غيره من الشعوب وتعظيم المشتركات السلمية، ضمن ثقافة تفيض بالمحبة نحو الإنسان، وتترسخ على تعاليم كونفوشيوس وعظماء الأمة الصينية، التي أنجبت الرئيس الحكيم شي جين بينغ، وريث هذه الحكمة وقبطان السفينة الصينية الأضخم عالمياً، والتي تمخر عِباب مياه العالم لتبث رسالة سلمية داعية إلى تبادلات هي الأنفع والأجدى في كل الحقول.

لقد خبرت الأمم والدول ثقافة وحضارة الصين من خلال التصاهر والتلاقي المتواصل ومن خلال طريق الحرير القديم، الذي قرّب المسافات بين الناس والعقول والأنفس ليُجسّر المشاعر، ومن تلك الأمم كانت الأمة العربية، إذ أن هذه الحضارة الصينية لم تنقطع طوال أُلوف السنين، فدفع ذلك إلى أن تتنادى عديد الدول وجماهيرها، ومن بينها تونس، إلى أن تأخذ لها مكاناً في طريق الحرير الجديد، الذي يُمثل الأمل بالعمل المتواصل لشق السلام الاقتصادي عالمياً، والقائم على بلورة إستراتيجيات واضحة لربط علاقات شراكة وتعاون مع الصين، التي تعد ثاني أكبر اقتصادات العالم، مع توقعات بأن تتقدم الى المرتبة الأولى، خلال الأعوام القادمة وتقود اقتصاد الأرض.

وفي هذا السياق تبذل السلطات التونسية جُلَّ جهودها للتمكّن من استقطاب السياح الصينيين الذين يصل عددهم الى 230 مليون سائح فى العالم، من خلال تشجيع وكالات الأسفار على مزيد من برمجة السوق التونسية، وحث المؤسسات الصّينية على الاستثمار في القطاع السياحي، والاستفادة من الحوافز والامتيازات التي توفّرها جملة الاستثمارات الجديدة في تونس، لاسيّما وأن تونس قرّرت مؤخراً إعفاء السياح الصينيين من التأشيرة، وفتحت المجال رسمياً أمامهم لتبديل العملة الصينية مباشرة في الأسواق التونسية، دون الحاجة لتغييرها في بلادهم، باعتبار أن كل ذلك وغيره من الإجراءات التونسية الفعّالة، تشكّل حافزاً هامّاً لتشجيع الإقبال السياحي بل والتجاري على السوق التونسية الواعدة، وتوفّر فرصاً حقيقية لدفع الاستثمارات الصينية في مجالي السياحة والفندقة وغيرها من تلك الاستثمارات التي تهتم الصين بتوليدها، كتوليد الطاقة الكهربائية، وإقامة المصانع المختلفة وتشغيل اليد العاملة التونسية فيها.

كما يتم التركيز تونسياً على جعل السياحة الثقافية مجالاً جديداً لاستقطاب السياح الصينيين، فتعزيز الروابط الإنسانية بين البلدين، وهي الأهم، حيث حلّ بتونس في أواخر شهر فيفري/ شباط/ فبراير 2018 وفد يَضم 160 سائحاً صينياً في أول رحلة سياحية مباشرة بين تونس والصين، لقضاء عطلتهم في أرجاء تونس وزيارة المعالم الأثرية بعديد الجهات، وهو ما يؤكد تواصل التلاقي الثقافي والروحي بين الشعبين الصديقين.

يُشار إلى أن 20 ألف سائح صيني توافدوا نحو تونس خلال سنة 2017. وتقدر وزارة السياحة التونسية بلوغ عديد السياح الصينيين 50 ألفاً بحلول سنة 2020، وشهد التعاون التونسي الصيني، بعد مرور أكثر من خمسين سنة على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في جانفي/ يناير/ كانون الثاني 1964، تطوراً ملحوظاً شمل جميع المجالات، وإرتكز على مبدأي الإحترام المتبادل والمصلحة المشتركة والكسب والفوز المشترك، وهي مبادئ للمساواة بين الدول، وتشكل قاعدة مناسبة لازدهار العلاقات في مختلف المناحي.

أنتظر هبوط طائرتي على الأرض الصينية العجائبية، ولقاء ممثلي القيادة الصينية الكرام لعقد صداقات معهم، ولمعايشة أهل تلك البلاد زمناً وإن قصر، لكنه سيكون “قبس جديد من العمر”، أستزيد من خلاله مزيداً من المعلومات والمشاهدات والملاحظات الدقيقة، التي تفي جوانب مهمة، في مسيرة تطوير علاقات الدبلوماسية الشعبية والرسمية بين شعبينا وبلدينا الكريمين.

*#سناء_كليش: #كاتبة وصحفية #تونسية ناشطة ومعروفة ومن المجموعة الاولى المؤسِّسة للعضوية الأُممية في ًالاتحاد_الدولي للصُحفيين والكتّاب العرب أصدقاء #الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.