موقع متخصص بالشؤون الصينية

من بكين إلى شنغهاي

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
طارق قديس*:

لم تكن مجرد رحلة، تلك التي نزلت بها مع أعضاء الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب أصدقاء (وحُلفاء) الصين ضيفاً على شعب الصين المسالم وقيادته الحكيمة. بل كانت فيلماً تسجيلياً واقعياً حيَّاً شاهدت من خلاله الصين بين الأمس واليوم والغد، ولمست تقدمها وعَظمَة حضارتها ورقي معمارها وحب الأفراد للعمل، ولمست طبيعتها الخلابة واللوحات الفنية للطبيعة بين وديان الجبال وسفوحها في مشاهد منقطعة النظير.

لم تكن انطباعاتي قبيل السفرعن زيارة الصين متضحة المعالم، ولم أحمل في ذهني أكثر مما يمكن أن نقرأه في الكتب أو نسمعه في نشرات الأخبار أو نشاهده في برنامج وثائقي هنا وهناك. ولم أكن أعلم أن زياتنا ستمر عبر ثلاثة مدن (بكين – قويتشو – شنغهاي).غير أن ما كان يجعلني مطمئناً هو حبي المسبق لتلك البلاد، والتي كنت أنظر لها نظرة مختلفة واعتبرها مِثالاً يُحتذى به للثورة الاقتصادية في المرتبة الأولى.

الكلام جميل، لكن الواقع أجمل. تلك هي الصدمة التي أصابتني فور أن احتضتني بكين، وتجولت في شوارعها، وشاهدت مسرحها الأحمر، وهي لم تفارقني حتى اللحظات الأخيرة من مُقامي في مدينة شنغهاي.

فالصدمة هي أن الواقع الصيني كان أكثر جمالاً مما تخيلت! والكلمات التي اعتدنا أن نصف بها التنين الصيني الاقتصادي ليست سوى عبارات منمقة فارغة من الروح، عباراتٍ ينقصها عنصر المشاهدة والتجربة.  وهنا أتت الزيارة بثمارها، فكانت الزيارات واللقاءات المتنوعة مع القياديين والمثقفين قد أجابت على أسئلة كثيرة حول مكانة الصين في العالم والدور الذي تلعبه في المحاور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي تقودنا دوماً لسؤال واحد: (ما سر تقدم الصين بهذا الشكل العجيب؟).  وقد أفرزت الزيارة ثلاثة محاور – من وجهة نظري – أدت لأن تصبح الصين المنافس الأول للولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً، يقف خلفها شيء واحد هو قيادة الحزب الشيوعي الصيني الذي يقود البلاد بحكمة وشجاعة ، وقد وضعت نصب عينيها في المؤتمر الوطني التاسع عشر المنعقد في عام 2017 أن المزيد من التركيز على التنمية الاقتصادية سيقود البلاد إلى مزيدٍ من التقدم في ظل الانفتاح على العالم، من خلال التركيز على إحياء طريق الحرير الجديد (الحزام والطريق) في المنطقة، في معادلة يكون الأطراف المشاركة فيها كافة رابحين، فليس هناك ضرورة لوجود رابح وخاسر بالوقت نفسه.

ـ المحور الأول: وجود رؤية واضحة للسياسة الداخلية والخارجية للبلاد، وهو النأي بالبلاد عن أية حروب في العالم يمكن أن تضر بمصلحة الشعب الصيني، انطلاقاً من تأكيد الأمين العام للحزب ورئيس الجمهورية السيد شي جين بينغ على أن الشعب هو سيّد البلاد. وذلك دون إهمال تقديم المساعدات الدولية بهدف تحقيق السلام العالمي، وهذا ما تم التأكيد عليه غير مرة في اللقاءات الرسمية والثقافية كافة في بكين.

ـ المحور الثاني: أهمية الفرد في المجتمع. فالفرد في المجتمع الصيني هو حجر الأساس، أينما كان ، ومن أي أقلية كانت ، ففي الزيارة إلى مقاطعة قويتشو، والتي تحوي أكثر من 35 أقلية عرقية، شاهدت في مركز صناعة المنسوجات كيف يتم تأمين فرص العمل للسيدات كبيرات السن، وتتم رعايتهن، والاهتمام بتأمين لقمة العيش لهنّ بناءً على سياسة الدولة في محاربة الفقر من أقصاها إلى أقصاها، الأمر الذي جعل الفرد الصيني يُقبل على العمل بمحبة ولمدة تصل إلى 15 ساعة يومياً، وهو يعلم أن مصيره في النهاية لن يكون في قارعة الطريق.

ـ المحور الثالث: التنظيم، وهو يتجلّى في لؤلؤة البلاد (شنغهاي) حيث تكمن ناطحات السحب والمباني المتناهية في العلو. فهناك ستدرك حقيقة مكانة المدينة في عجلة الاقتصاد الصيني. ففي متحف التخطيط العمراني للمدينة سيدهشك العرض الخاص بمراحل تطور شبكة المواصلات في البلاد منذ عام 1992 والمجسم الخاص بوسط المدينة في الطابق الأسفل حيث يضم كافة المباني بأحجام صغيرة متراصة، ولكن سيدهشك أكثر التنظيم المخطط لمستقبل المدينة التي يبلغ عدد سكانها 24180000 نسمة ومتوسط أعمار سكانها 81 سنة، والذي يجعلك تتصور كيف سيكون شكل المدينة عام 2050، استناداً إلى ما تم تحقيقه بعد إطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح في عام 1978.

لقد أصبحت أعلم الآن ما هي الصين، وما هو ذلك البلد الجميل في الشرق الأقصى من العالم. أصبحت أعرف ما هو سوره العظيم وما هو شكل شلالاته الخلابة. أصبحت متحداً به إلى درجة الانصهار. والشكر كل الشكر للقائمين على هذه الزيارة وهم قيادة الحزب الشيوعي الصيني الصديق بكوادره الحزبية الرئاسية والتقنية والإدارية وغيرها، فقد عملوا جميعاً كرجل واحد لإنجاح الزيارة ولتغدو تاريخية بحق، وهم الذين أبدوا تعاوناً منقطع النظير لا يمكن لأحد آخر تصوّر مَداه، ومهّدوا لنا الطريق لمعرفة الصين عن قرب، بعيون عربية تحلم بالسلم والسلام والأمن والآمان والتقدم والازدهار، والتعاون بكسب مشترك وجماعي ضمن معادلة رابح – رابح التي ترفعها الصين وزعيمها العظيم شي جين بينغ.

*#طارق_قديس: #شاعر وكاتب أردني معروف، وعضو قيادي متقدّم في الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب #العرب #أصدقاء (وحلفاء) #الصين – #الاردن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.