موقع متخصص بالشؤون الصينية

من وحي اللقاء مع أبو إلياس: أنا أعلنتُ عن الصين وسوّقت مطبوعاتها قبل نصف قرن!

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
مروان سوداح*:

لم يكن من السهل أن أعثر على الصديق “أبو إلياس”، السيد جورج عكاوي، بعد سنوات كثيرة لم أرَه خلالها، فقد اختفى أبو إلياس فجأة ولم يَعد يَظهر في المنطقة التي عمل فيها والتي تُسمّى (جبل عمّان)، حيث مكتبته (الرينبو)، التي اشتهرت ببيع الكتب والمجلات المحلية والأجنبية على اختلافها ومسمياتها، لكن الأهم أن هذه المكتبة كانت تجمع المثقفين والمتعلمين الاردنيين وصارت مقصداً لهم، ليغرفوا منها الثقافة والعلوم بتسهيلات متاحة كان يقدمها لهم الصديق أبو إلياس، الذي يتصف بالبساطة ومحبة الناس والترويج للثقافة والعلوم في مختلف الأوساط.

عمل أبو إلياس عشرات السنين في مكتبته (الرينبو) في العاصمة عمّان، فقد كان مؤسسها ومديرها وموظفها الهمام منذ نهاية ستينات القرن العشرين، ومروراً بسبعيناتها، وإلى سنوات القرن الحادي والعشرين. كانت مكتبة (الرينبو) جاذبة حينها، حيث لم يكن في عمّان الكثير من المكتبات المشابهة، ناهيك أن (الرينبو) كانت من أوائل المكتبات الأردنية، إن لم تكن المكتبة الاولى، التي كانت تستخدم آلات التصوير الضوئي للوثائق والكتب والجرائد وغيرها.

لقد ربطتني بأبو إلياس صداقة عميقة وإنسانية ووطنية، فلم أكن وقتها أبتاع القرطاسية والجرائد والكتب منه، أو أُصوّر بعضها لديه، بل وكانت كذلك الصحف والكتب التي تصدر في البلدان الاشتراكية مقصدي وهوايتي للقراءة والجَمع والشراء منه، فقد كانت هذه تصدر في عواصم تلك الدول، وفي بيروت والقاهرة بالدرجة الاولى.

 

خلال نحو نصف قرن متصلة أرتبطتُ شخصياً بصداقة متينة مع أبو إلياس، فقد عزّزتها مشتركاتنا الثقافية وقُرب مكتبته من موقع منزلي، الذي لا زال حتى اللحظة في مكانه المعهود، وها هي صداقتنا أنا وهو تتجدّد بفضل الاصدقاء الخُلص الذين إعادوا ربطي به ومنهم السيد نبيل دبو – أحد طلاب مدرستي “الكلية البطريركية الوطنية – المصدار”، الذي يعمل في ذات المنطقة ويَعرف أبو إلياس جيداً ويعرف مواقع تواجده وتحركاته، لأتمكن من أخذ هذه المقابلة السريعة معه، والمحافظة على الصِّلات والصداقة مع هذا الانسان الرائع، لا سيّما وأن سفارة جمهورية الصين الشعبية إهتمت بأبو إلياس ووجهت دعوة كريمة له ليحضر حفلاتها المختلفة سوياً مع كاتب هذه السطور، تكريماً له لدوره في تسويق المجلات الصينية أنذاك، وهي “الصين المصورة” و “الصين اليوم”، والأخيرة ما تزال تصدر للآن في القاهرة، ومقرها الرئيس في بيجين، إذ أن أبو إلياس أجرى هذا التسويق للمطبوعات الصينية في الاردن برغم أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تكن موجودة في تلك السنوات، فقد تم إقامتها في السابع من أبريل/ نيسان 1977م، وسنحتفل بتأسيسها ال41 في أبريل/ نيسان المقبل.

لقد غمرت الفرحة والشكر أبو إلياس عندما عَلِمَ بأن سفارة جمهورية الصين الشعبية لدى الاردن تدعوه لحضور فعالياتها واحتفالاتها، فهو وبرغم تسويقه للمطبوعات الصينية والسياسة الصينية وضرورة توثيق العلاقات العربية مع الصين منذ عهد بعيد، إلا أنه لم يحضر أي حفل صيني رسمي، إذ لم يتلقّ أية دعوة للمشاركة فيه، ويعود السبب في ذلك الى أن صديقنا أبو إلياس قام بعمله الثقافي بكثير من الصمت والعمل الجاد، إذ يقول أبو إلياس أنه مسرور بلقاء مباشر مع أي مواطن صيني والتعرف مباشرة على السفارة الصينية والصين، بعدما كان هو شخصياً المُعرّف الرئيس عنها في الاردن، من خلال الحرف المطبوع والمنشور في الورقيات الصينية المُباعة في الاردن.

كان هاجسي خلال السنوات الماضيات من أن محاولاتي قد باءت بالفشل في العثور على صديقي “المَكتبجي” أبو إلياس، وخشيت أكثر أن لا ألتقي أبداً بهذا الرجل الشهم وصاحب المبادئ والطاعن في السن، الذي كتبت عنه في الكتاب الصيني الذي صدر رسمياً في أواخر العام الماضي 2017م بعنوان: “نحن وأنتم – قصص الصين والاردن”، وتحدثت في مقالتي المطوّلة بالكتاب – كما تحدثت إبنتي مارينا سوداح في الكتاب أيضاً – عن ذكرياتنا عن الصين وعن أبو إلياس الذي كان الأول في بيع ومبيعات مجلات الصين الناطقة بالعربية من خلال مكتبته الشهيرة – “الرينبو”، وهو الإسم الذي لا يزال يُحافِظ عليه شارع معروف بهذا الاسم لكل الاردنيين حتى اللحظة.

وبرغم أن العديدين قالوا لي أن أبو إلياس لا زال يبيع المطبوعات في منطقة جبل عمّان العمّانية التاريخية العريقة، دون أن بيعها كعادته السابقة من خلال كشك خاص بالمثقفين المحليين، ذلك أنه صار “يدور” بنفسه معتمداً على عضلاته لتسويق هذه المطبوعات على المَحال، حيث يعرض الصحف على أصحابه الخُلص فيها، وليؤكد على أصدقائه ضرورة الإطلاع على مجريات الأحداث المحلية والعالمية، ونيل جزء ولو قليل من الثقافة من الكلمة المطبوعة على الورق بالذات، إذ يرى أبو إلياس أن “الورقيات” ستبقى على ألقها وأهميتها برغم انتشار الانترنت والإعلام الضوئي، فأبو إلياس يَحترم الورقيات ويُحبّها لأن أصابعه تلمسها وتعرف قيمتها الكبرى وأهميتها للنشىء والكبار على حد سواء، وبرغم أن أبو إلياس لا يتقن للآن التعامل مع الحواسيب والموبايلات وتطبيقاتها ومُتعة عالم الانترنت، إلا أن تلّمس الورقيات تعني إليه التوثيق والتاريخ وتعليم الأجيال محبة الثقافة والمعارف وإقامة صداقة ملموسة ما بينها وبين القراء والشعب عامة، وفي المحافظة على المطبوعات على أرفف وفي خزائن خشبية وذات جمالية خاصة يُكسِبها مغزىً تاريخي وحضاري عميق ينافس لغة الانترنت بكل صورها وأشكالها.

وليس ختاماً، فإن أبو إلياس هذا المارد المثقف والقابض على الجمر في حياة صعبة ومضنية، هو إبن القدس البار الذي أحبها وأحب عمّان الى جوارها، وهو الذي سيبقى يذكرها ويستذكر كل حجر تاريخي بُني فيها، وهناك حيث ولد في العام 1935 يعيش أقاربه وأقارب عقيلته المرحومة أُم إلياس، وبالرغم من أن أبو إلياس عاش سنوات غير قليلة في مدينة حيفا/ الكرمل الفلسطينية الشمّاء المُطلة على البحر الابيض المتوسط – وهو البحر الذي ربط فلسطين التاريخية بالعالم أجمع – إلا أن القدس هي عروس فلسطين بالنسبة إليه، وإلينا أيضاً، وهي الأعز في الوجود والأكوان، ولا بديل عنها لتحقيق العدالة التاريخية للعرب والعالم الحر وبضمنه جمهورية الصين الشعبية الصديقة.

*رئيس #الاتحاد_الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحلفاء) #الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.