موقع متخصص بالشؤون الصينية

الريّف الصّيني ومَلامِح التطوّر العجائبي

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
عبد القادر خليل*:

يَقول المَثل الصيني: “أن ترى بعينك مرة واحدة خير من أن تسمع من الآخرين مئة مرة”، ومثل آخر يؤكد: “ما نراه هو الحقيقة، وما نسمع عنه هو الخيال”. ومن هذا المنطلق، وبعد زيارتين نفّذتهما الى الصين، الأولى كانت ضمن وفد الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين، خلال الثلث الأخير من الشهر المنقضي مارس/آذار 2018، وذلك بدعوة من دائرة العلاقات الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، والتي سبقتها زيارة أخرى قبل تسعة أعوام بدعوة من القسم العربي لإذاعة الصين الدولية CRI، أستنتج من خلال مشاهداتي الواقعية ولقاءاتي ومعلوماتي الصينية، أن الدولة الصينية تسير في النهج الصحيح، وتتطور من الحسن إلى الأحسن.

الصين دولة كبرى ولها مكانة متميزة وخاصة في آسيا والعالم، ذلك أنها حققت إنجازات جبارة ونالت خبرات هامة في كل المناحي، ومن ضمنها تطوير تكنولوجيا الإعلام والإتّصال، وتقنيات البيانات الكبيرة، ونمو الاقتصاد بدفق “صاروخي”، وانتعاش التجارة الحرة بالتصدير والاستيراد، وتطور العلوم والثقافة، وانتعاش السياحة والزراعة، كذلك في انتهاج الحكمة في التسيير السياسي للبلاد والقضايا الدولية دبلوماسياً وسلمياً. وبالإضافة إلى هذا كله، وضعت البلاد مخططات طموحة للقضاء على الفقر وتطبيق سياسة حكيمة اتجاه الأقليات القومية.

 

الصور خاصة بـ “موقع الصين بعيون عربية” ـ بعدسة عبد القادر خليل

ومن خلال في الصين، بخاصة في زيارتي الأخيرة، تلبية لدعوة قيادية صينية مكتنزة بالمعلومات والمشاهدات، أرى أن من بين أهم التحديات التي تواجه الصين في الوقت الراهن، معالجة المشاكل البيئية و القضاء على الفقر لا سيّما في الأرياف، و ذلك من خلال تطبيق العديد من الإجراءات و التدابير الناجعة، التي من شأنها تحقيق الأهداف المنشودة، ومن بينها:

1/دراسة أسباب وأشكال حالات الفقر في الريف الصيني تمهيداً لتجفيف منابعه وحالاته ولتفادي توريثه إلى الأجيال القادمة؛

2/توفير التعليم الأنسب والأرقى للأطفال لتأسيس جيل واعٍ ومخلص لوطنه وتطوره؛

3/تغيير الخريطة الطبقية القديمة الى أخرى جديدة تماماً تتيح لأبناء المجتمع الصيني النهوض به؛

4/اعتبار الأطفال وكبار السن طبقة مُفضّلة للدولة والمجتمع، وتقديم كافة أشكال المساعدات إليهم، ومنها الصحية والرعائية والاجتماعية عموماً؛

5/تشجيع العمل الزراعي للسكان، وتنمية الزراعة والصناعة والسياحة في المناطق الفقيرة أو في تلك التي باشرت حركة الاصلاح والانفتاح العظيمة في إنهاضها؛

6/حل مشاكل الفلاحين، وتخليق فرص وعقود للشراكة بين أصحاب الشركات و الفلاحين؛

7/تعميم نظام الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والتعليم الدولة المجاني بجميع مراحله؛

8/تشغيل المواطنين في المدن والقرى والارياف كل وفقاً لمهنته وتخصصه لمنفعة الدولة وحسن تسييرها؛

9/وقف الهجرة الى المدن من خلال الإرتقاء بمختلف النقاط السكانية لتحاكي المدن في تطورها ما يقلّص من توجّهات النزوح والهجرة بل ويقضي عليها؛

ولقد ساهمت البرامج والخطط التنموية الصينية في تقليص نسبة الفقر الى جزئية يتم التخلص منها تدريجياً، والقضاء عليها مع حلول عام 2020، وهو هدف إستراتيجي يساهم في تقوية الصين إقتصادياً وسكانياً لا سيّما من خلال تحقيق التنمية المشتركة الشاملة.

وفي ظل تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح الصينية منذ أربعين عاماً، تلك السياسة الرشيدة التي بدأت ثمارها تبرز في الأُفق، بدأت الدولة بتوفير نسبة كبيرة من رغادة المعيشة ضمن واقع التنمية المستدامة، ليستفيد منها المواطن الصيني في كل أنحاء البلاد، ولأجل أن يستخلص منها العالم أجمع عبرة ثمينة.

ومن بين المناطق الريفية التي استفادت من تلك السياسة الناجعة ومخطط القضاء على الفقر، أشير هنا إلى مقاطعة “قويتشو” الواقعة جنوب غربي الصين، و التي كانت قبل 10 سنوات منطقة متخلفة وفقيرة، أما في الوقت الراهن فهي تعتبر نموذجاً حيّاً للنجاحات الكبرى الذي حققتها الصين خلال السنوات الأخيرة، ذلك أن نسبة الفقر فيها كانت في سنة 2014 تصل إلى 33 بالمائة، بينما في سنة 2017 إنخفض عدد الفقراء إلى 16.5 بالمائة، بينما بحلول 2020 سيتم القضاء على الفقر نهائياً، وستبرز الصين بالتالي كدولة أولى في العالم لا فقراء فيها ولا مُعدمين، بل مواطنين كرماء يَحيون حياة طبيعية، تمهيداً لتطبيق الاشتراكية المتطورة وتفعيل شعارات الحزب الشيوعي الصينية في ازدهار الصين الفلكي.

قويتشو – منطقة ريفية زراعية وسياحية، وهي تعتمد على المراعي وزراعة الموز وقصب السكر والشاي، وإنتاج الزيت النباتي، وتشتهر بالخمر الأبيض المصنوع من القمح، وبالمنتجات القماشية المصنوعة يدوياً من الأعشاب حتى والمصبوغة بالألوان الطبيعية، إلى جانب كونها منطقة ذات جذب سياحي بخاصة السياحة الجبلية، حيث أنها تتميز بسلسلة من الجبال الصغيرة الخضراء الرائعة ، والموسيقى الفلكلورية الجميلة، والأزياء التقليدية الفاتنة، والشلالات الساحرة، وعديد الجسور والأنفاق والسكك الحديدية التي عزّزت شبكة الطرقات، وساهمت في ربطها بالعديد من المدن الصينية في المناطق الأخرى.

وفي رؤيتها لنقل قويتشو إلى مراتب التطور العجائبي وجعلها مِثالاً للحكم العادل والرشيد والشعبي، ركزت قيادة الحزب الشيوعي الصينية على أعمال متابعة المنطقة من كافة المناحي، وكان للأمين العام الرفيق شي جين بينغ دور رئيسي في هذه المتابعة الى اليوم، والتي أفضت الى التسريع في تطبيق مهمة تطوير هذه المنطقة وغيرها من المناطق المجاورة، حيث يتجلى ذلك ما في ما وصلت إليه مدنها و قراها من رقي أُسطوري، وأذكر على سبيل المِثال، مدينة غوييانغ، عاصمة المقاطعة، التي سوف تستضيف في مايو/ أيار القادم 2018 معرض الصين الدولي للبيانات الضخمة، والذي سيعرض   ما وصلت إليه الصين (بالإضافة إلى الدول المشاركة) من تقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، وأمن البيانات، وإنترنت الأشياء، والاقتصاد المشترك، والتخفيف من حدة الفقر.

لقد بذل الأمين الحكيم “شي” جهوداً جبارة لنقل قويتشو الى مرحلة التطور، وفي مناسبة مشهودة هي حلقة نقاشية مع مندوبين من المنطقة حضروا المؤتمر الوطني الـ19 الاخير للحزب الشيوعي الصيني، دعاهم “شي” الى ضرورة “بذل الجهود لمعالجة التنمية غير المتوازنة وغير الكافية، وتلبية احتياجات الشعب المتزايدة إلى حياة جميلة”. واستطرد “شي” مؤكداً ضرورات “الحوكمة الصارمة للحزب”، وموضحاً أنها “الضامن الأساسي للإحياء العظيم للأمة الصينية”، وأهمية نشاط منظمات الحزب على المستويات المختلفة وكافة الأعضاء ومسؤولي الحزب الشيوعي الصيني “للتمسك بسلطة اللجنة المركزية وقيادتها المركزية الموحدة”، في سبيل إحراز التطور المنشود بتجسيدات عجائبية، ووجّه الزعيم “شي” تعليماته إلى السلطات بتنظيم برامج تعليم وتدريب حول “المبادئ الإرشادية للمؤتمر الوطني ال19 للحزب الشيوعي الصيني”، ما يُساعد في النهضة الشاملة للامة الصينية، وبضمنها منطقة قويتشو وغيرها من المناطق.

كما سيتم الإعلان عن دخول الصين خدمة الجيل الخامس في مجال الاتصالات الهاتفية، وأيضاً مدينة “شينغ يي” التي تعيش فيها قومية “بويي” و قومية “مياو”، ومنطقة “تشو نغنغ” الساحرة الجمال وغيرها، وما زالت الصين تسعى إلى تحقيق المزيد من الانجازات والابتكارات، وعازمة على مواصلة مخططاتها الحيوية وتطبيق سياسة تطوير ورغادة الأقليات التي يصوغها الحزب الشيوعي الصيني، من أجل تحقيق المعجزة الصينية في القضاء الفقر ومخلفات الماضي، وللمُضِي إلى الأمام في سياسة الإصلاح الداخلي الأوسع والأشمل، والانفتاح وتعزيز التواصل مع العالم، وبلوغ مستوى راقٍ ومناسب للحياة المتناغمة والرغيدة في دولة جديدة تطبّق نمطاً جديداً لأشتراكية ذات خصائص صينية جاذباً للعالم ولأصحاب مختلف الأفكار والعقائد الوضعية.

#عبد_القادر_خليل: كاتب وعضو ناشط في هيئة الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين، وخريج الاتحاد السوفييتي، وممثل “الاتحاد الدولي” بولاية ورقلة في الجزائر، ورئيس رابطة أصدقاء الصين في الجزائر، ورئيس منتديات أصدقاء ومستمعي الاذاعة الصينيةCRI/ ومجلة الصين اليوم، والقناة الفضائية العربية لتلفزيون الصين المركزيCGTN.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.