موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصّين وسِحر الأقلّيات

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
طارق قديس*:

الحديث عن الأقليات في جمهورية الصين الشعبية حديثٌ أجمل ما فيه أنه يختصر عبارة (وحدة الشعب)، وهو حديث شيق على عكس ما يمكن أن يتصوره البعض على اعتبار أن الأقليات موضوع شائك إسقاطاً على واقع الأقليات الصعب في الوطن العربي خصوصاً، والعالم عموماً.

تتعدد القوميات العرقية والأقوام في بلد المليار وأربعمائة مليون و.. نيف، وتصل بحسب الإحصاءات المتوفرة إلى 56 قومية كبيرة ومتوسطة وصغيرة، منها: هان ، داي ، مياو ، بويي، ويغور. وتشكل قومية هان الغالبية ما بينها. أما باقي الأقليات القومية فهي تنتشر في أنحاء البلاد، وتعيش في ظل تعايش مشترك يكفله الدستور الصيني، وتشرف عليه القيادة الصينية من خلال الحزب الشيوعي الصيني، حيث عملت القيادة منذ إطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978على توفير الحياة الرغيدة لكافة المواطنين بلا استثناء.

وقد عمل الأمين العام للحزب “شي جين بينغ” وهو يشغل في الوقت نفسه منصب رئيس الدولة، بكل طاقته على تثبيت دعائم الحفاظ على الأقليات من خلال تأكيد الهوية الخاصة في الأقليات، حفاظاً على حقها في البقاء والظهور والنمو والتقدم في المجتمع الصيني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليماً.

واللافت جداً، أن الأمين العام للحزب الرفيق شي جين بينغ، يولي إهتماماً كبيراً للغاية ورئيسياً بمسألة الفقر والقضاء عليه قضاءً مُبرماً في الصين، منذ تسنّمه مهامه الدستورية، وله تصريحات كثيرة حول هذه الآفة، أعقبها أعمال وإنجازات مذهلة لتقليص حدة الفقر إلى أدنى درجة وخلال سنوات قليلة قياسية، ومن هذه التصريحات: “إذا لم يستطع مجتمع الحياة الرغيدة حل مشكلات المناطق الريفية، وخاصة الفقيرة منها، فإنه ليس مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل” – من كلمة الأمين العام شي جين بينغ خلال جولة تفقدية في محافظة فوبينغ في التاسع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2012.

وفي أخرى يقول الرفيق “شي”: “يجب الاهتمام بقضية القضاء على الفقر واتخاذ الإجراءات الدقيقة للقضاء على الفقر، والتمسك بالبرنامج الدقيق لمساعدة مَن يعانون من الفقر، ووضع جدول زمني للعد التنازلي للمشروع، وإتمام كل الأعمال التفصيلية، وأن لا تستثني جهود التخلص من الفقر أية أقلية قومية أو أية منطقة” – من كلمة للأمين العام شي جين بينغ خلال اجتماع  مع وفد منطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ على هامش الدورة الثالثة للمؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، في الثامن من آذار/ مارس عام 2015.

وفي هذه أيضاً: “يجب توفير التعليم الجيد للأطفال في المناطق الفقيرة للقضاء على الفقر. هذه مهمة هامة للتنمية والقضاء على الفقر وأسلوب هام لتجنب نقل الفقر إلى الجيل القادم” – من رسالة بعث بها الأمين العام شي جين بينغ ردا على المعلمين المشاركين في حلقة التدريب لجامعة المعلمين ببكين ضمن خطة “تدريب المعلمين في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية” (2014) في التاسع من أيلول/ سبتمبر 2015.

وليس أخيراً أبداً تصريحه: “لقد وصلت قضية التخلص من الفقر إلى مرحلة حاسمة، يجب أن نحقق هدفنا في القضاء على الفقر بعزم أشد وفكر أوضح وإجراءات أدق وقوة أكبر وعزيمة جماعية قوية. ولا نترك أي منطقة فقيرة وأي فرد فقير” – من كلمة للأمين العام شي جين بينغ في مؤتمر العمل  للتنمية والقضاء على الفقر في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، يومي السابع والعشرين والثامن والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.

 

وفي “الدستور” الصيني نقرأ ما يعزّز كل ما تقدّم حين يُورد: “يتمتع سائر مواطني الصين بحرية الاعتقاد. ليس ثمة هيئة وطنية ، أو منظمة عمومية أو فرد يمكنه إلزام الصينيين بالاعتقاد أو عدم الاعتقاد. كما ليس بوسع أحد التمييز بين المواطنين على أساس الاعتقاد أو عدم الاعتقاد بأي دين..”.

الصورة النمطية للأقليات في العالم هي صورة الفئة المضطهدة التي تعمل الأكثرية على طمس وجودها والحد من نموها، وهي صورة مغايرة تماماً عن حال الأقليات في الصين برغم مساحة البلاد المترامية وعدد السكان الكبير.

ففي “قويتشو” كمثال – وهي مقاطعة تقع في جنوب غرب الصين – تستطيع أن تشاهد جاذبية الوجود لهذه الأقليات، فالمقاطعة تعتبر من أكثر المقاطعات تعددأً للأقليات حيث تتوزع فيها 17 أقلية، وتبرز فيها ملامح الشعور بالاعتزاز بشكل ملفت. فإلى جانب سحر الطبيعة المتجذر في شلالاتها الجميلة وجبالها الخضراء المتجاورة، يسكن سحر آخر هو سحر العيش المشترك. هناك يمكننا أن نتعلم عشق الطبيعة، والاندماج في ألقها إلى حد الذوبان.

ففي ريف مدينة “سهينغ” سيأخذك اللون الأخضر الساكن في أوراق الأشجار على جنبات الطريق، وفي بطون الجبال، وما بين الطرقات الفرعية وبيوت القرى الريفية الهادئة، وكأنه يضع بصمته على المكان ليثبت أن الطبيعة هي هِبة الحياة للإنسان مهما تقدَّم في العلم والثقافة. المشهد لا يختلف كثيراً في مدينة “شينغ يي” حينما نمشي في الممر المؤدي إلى شلالات هوانغوشو، فالمناظر تحبس الأنفاس، الأشجار الباسقة في كل مكان، والأغصان تتدلى من الأعلى على الصخر الأصفر كأنها تريد معانقة زوار المكان والحديث معهم ممهدة لهم الطريق إلى الشلالات الهادرة من وسط الصخور متمردة على صلابتها وعنادها.

أما على مستوى الطابع السكني، فالمقاطعة هي لوحة فسيفسائية خلاّبة من الأقليات العرقية، أغلب سكانها من عرق مياو وبويي، ودونغ. هناك يمكن أن تشتمّ عبق التاريخ في الطبيعة وساكنيها، كما ويمكن أن نلاحظ بدقة علو قيمة الإنسان ومعنى وجوده. فحينما نزور المركز التراثي للمنسوجات نرى بوضوح كيف تعمل القيادة المركزية (اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني) على توفير فرص العمل لكبيرات السن في مواقع العمل بالذات خلف المَناوِل الخشبية، وكيف توفر لهن الظروف المريحة لأداء العمل في قطاع النسيج. هناك في “قويتشو” يوجد معهد “شينغ يي” للأقليات. كانت نواته في عام 1813. المعهد هو في جوهره جامعة حديثة للأقليات في المقاطعة، تقسم إلى عدد من الأقسام، على رأسها قسم السياسة والتاريخ، ومنها : قسم اللغات الأجنبية، الفيزياء والهندسة، العلوم الحياتية، التعليم، الفنون، وكلية الاقتصاد والإدارة.

المعهد هو أيقونة المقاطعة وصرح متميز فيها بدأ يضع بصمته على مستوى البلاد منذ عام 2009، وهو العام الذي بدأت فيه قويتشو تتطور تطوراً سريعاً على المستويات كافة، رغم ما فيها من تعددّ للأعراق. الأقليات العرقية في قويتشو هي الركيزة الأساسية في تشكل المقاطعة، ونقطة الارتكاز في دفعها نحو التطور الدائم على مختلف الأصعدة. حيث عملت قيادة الحزب الشيوعي الصيني من خلال خطط وبرامج علمية واقتصادية مرحلية على دعم هذا التنوع ومنحه مزيداً من القوة والألق، فكان التنوع العرقي نقطة قوة بالنهوض في المجتمع نحو التقدم العلمي والعمراني، ونموذجاً حيَّاً على أن اختلاف الأعراق في المجتمعات المدنية لا يقودنا بالضرورة إلى العداء والتناحر.

هذا هو الحال في قويتشو، وهذا هو الحال نفسه حيثما توجد الأقليات في الصين. هناك في بكين، شنغهاي، وفي غيرها للأقليات سحر خاص، ورونق خاص نلمسه في الوجوه، نلمسه في الحس الإنساني، نلمسه في اللباس التراثي الأنيق، نلمسه في الموسيقى الفلكلورية المتنوعة، وكأنه سيمفونية ملحمية مثيرة تجعل من الإنسان حين يعيشها وكأنه يعيش خارج حدود الزمن. هذه هي الصين، وهذا هو سحر الأقليات.

*#طارق_قديس: شاعر وكاتب #أردني معروف، وعضو قيادي متقدّم في #الاتحاد_الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء #الصين – #الأردن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.