موقع متخصص بالشؤون الصينية

التعاون المغربي – الصيني على طريق الحرير الجديد

2

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
فاطمة لمحرحر

من المعروف أن طريق الحرير هو مجموعة من الطرق المترابطة، كانت تسلكها القوافل والسفن تمر عبر جنوب اسيا رابطة تشيان في الصين مع عدن في اليمن إلى مواقع اخرى. ففي القرن 15، قاد البحّار الصيني، السيد تشنغ خه، الأسطول البحري عدة مرات إلى عدن وأمكنة أخرى في العالم العربي، وحتى الآن لا يزال النصب التذكاري للبحار الصيني تشنغ خه موجوداً في عدن. فكان طريق الحرير القديم يربط الصين والعالم العربي اللذين يقع أحدهما في الطرف الشرقي، والآخر في الطرف الغربي للطريق. وبفضل طريق الحرير، انتشرت صناعة الورق وفن الطباعة والبارود والبوصلة من الصين إلى اوروبا عبر المنطقة العربية. بينما دخلت من خلال هذا الطريق إلى الصين علوم الفلك، والتقويم والطب، والأدوية العربية، الأمر الذي عزز الحضارة الإنسانية بإسهام الجانبين الصيني والعربي.

ومن أجل إحياء روح طريق الحرير القديم، وإثراء مقومات العصر الجديدة، طرح الرئيس الصيني “شي جين بينغ” مبادرة إنشاء ” الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” أثناء زيارته لكازاخستان في 2013، وإنشاء ” طريق الحرير البحري في القرن 21” خلال زيارته لاندونيسا في أكتوبر من العام نفسه.  ومن أجل سهولة التعبير سمى بعض الناس ذلك بـ” الحزام مع الطريق” أو ”الحزام و الطريق” وسمّاه بعضهم الآخر بـ ”حزام واحد وطريق واحد” ، أو ”طريق الحرير الجديد” وهو الاسم الذي اختارناه في هذه الورقة.

وعلى مر ألفي عام، كانت التجارة الثنائية الوحيدة البدائية بين الصين والبلدان العربية هي تجارة الأدوات الخزفية والحرير و البهارات وغيرها من الادوات اليومية، وتطورت هذه التجارة يومنا هذا لتتنوع بين صناعة الطاقة الكيميائية وتقنية الملاحة الجوية والاقتصاد المالي ومواد البناء والمعدات الكهربائية. وبعد دخول القرن الجديد، وتحت إطار المنتدى الصيني – العربي والمنتدى الصيني – الأفريقي تم تطوير علاقات التعاون الاستراتيجي بين الصين وشركائها في الشرق الأوسط وافريقيا.

ويظل تعزيز التعاون مع الدول الافريقية جزءاً هاماً من السياسة الخارجية الصينية، المتمثلة في الاستقلال والأخذ بزمام المبادرة. وانطلاقاً من المصالح الأساسية المشتركة للشعب الصيني والشعوب الافريقية، تقيم الصين وتطور نمطاً جديداً من الشراكة الاستراتيجية مع الدول الأفريقية قائماً على المساواة المتبادلة سياسياً، وتعاون الربح المشترك اقتصادياً. و يعتبر نمو أهمية المتغير الاقتصادي من أبرز ملامح التحولات الدولية المعاصرة، حيث يعار له الاعتبار الأول في السياسات الخارجية للدول، خاصة مع جمود  أغلب التكتلات السياسية الجهوية وانهيار بعضها، وتراجع أهمية الخلافات الإيديولوجية بين الدول، مما جعل الهم الاقتصادي يتصدر الانشغالات الخارجية الدول. كما أن تزايد أهمية العوامل الاقتصادية في العلاقات الدولية وارتباطها بأمن الدول ووحدتها، ما فتئ صناع السياسة الخارجية في كل من المغرب والصين يؤكدون أن السلام والتنمية في افريقيا من الاهداف الاساسية لهذه السياسة، ومع سياسة الانفتاح التي يتبعها البلدان شهدت سنوات تسعينات القرن 20 وما تلاها تحولا نوعيا في التفاعل المغربي الصيني مع افريقيا، بحيث خرجت العلاقات المغربية الصينية من إطارها الثنائي إلى الاطار الاقليمي، حيث توصلت الحكومة الصينية مع عدد من الدول الافريقية منها المغرب، في منتصف عام 2000 إلى اتفاق مشترك بشأن تشكيل وتأسيس منتدى لتعزيز التعاون الصيني الافريقي، كآلية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الصينية الأفريقية.

وبالنسية للمغرب يمزج بتوازن بين كونه منبراً للحوار السياسي في إطار تعزيز التعاون جنوب- جنوب، وبين اعتماده كآلية للتعاون الثنائي بين الصين وافريقيا، إذ حرص المغرب دوماً على أن تقوم شراكته مع الصين على أساس حوار سياسي منتظم، يهم مختلف المبادرات الثنائية على المستوى الإقليمي والدولي حوار يمكن من إقامة تنسيق جيد لتحرك البلدين ولمواقفها في المحافل والمنتديات الدولية. كما يعمل المغرب على أن تقوم هذه الشراكة على دعامة اقتصادية. حيث وقع المغرب فعلا شراكة استراتيجية مع جمهورية الصين الشعبية في ختام زيارة العاهل المغربي لهذا البلد يومي 10-11 ماي/ مايو/ أيار 2016، شملت 16 اتفاقية غطت القطاعات المفصلية في البلدين، من قبيل الاقتصاد، التجارة ، البيئة، الطاقات المتجددة، السياحة، الثقافة، التعاون العسكري والامني، والاستثمار في القطاع الخاص. والواقع أن العلاقات المغربية الصينية، التي تجاوزت نصف قرن شهدت توقيع أكثر من 250 اتفاقية ثنائية على امتداد هذا التاريخ، كما تميزت بزيارات رسمية بين الطرفين غير أنها ظلت محكومة بسياقات لم ترقَ إلى السياق الذي تعرفه اليوم، من حيث النضج والجاهزية للإنجاز.

إن ما يميز الاعلان المغربي الصيني والتوقيع على الشراكة الاستراتيجية لسنة 2016 تحديد المغرب والصين القطاعات الاكثر استراتيجية وحيوية وربحا بالنسبة لهما معا. فلو أخذنا بعضا منها على سبيل المثال، وتساءلنا عن الاسقاطات والنتائج الناجمة عنها، لأدركنا أهمية أن ترتبط مع العملاق الصيني بمصالح متبادلة مبنية على الاحترام والاستفادة المتبادلة. ففي مجال السياحة وهو من القطاعات الاستراتيجية بالنسبة لبلدنا، عرفت الصين طفرة نوعية في إقدام مواطنيها على السفر خارج قارتهم، إذ قارب عددهم عام 2010 الستين مليوناً وينتظر أن يصل هذا الرقم إلى المائة مليون سنة 2020. لذلك جدير بالمغرب الذي يروم الوصول إلى جلب عشرين مليون سائح إلى بلده، أن يشتغل على هذه الامكانية التي تفتحها الشراكة المغربية الصينية. إلى جانب ذلك هناك قطاعات ريادية مثل الطاقات المتجددة والصناعات الإلكترونية، البنيات التحتية، مجال البناء، المصارف، المؤسسات الصغرى والمتوسطة.

وفي الإجمال ثمة آفاق كثيرة تخدم البلدين وتجعل علاقتهما خيارا استراتيجيا، فموقع المغرب بالنسبة للصين أكثر من مهم، لا سيما إذا استحضرنا الحضور الصيني الكثيف في افريقيا، والمكانة التي يحظى بها المغرب في دول غرب افريقيا. وهذا الآمر ينقلنا  إلى مستوى آخر من التحليل ويتعلق الأمر بالجهود التي يبذلها الطرفين لتدعيم علاقاتهما الاقتصادية، بالرغم من الصعوبات الكبيرة التي تواجهها التجارة المغربية الصينية خاصة ما يرتبط بالصادرات المغربية نحو الصين، فإن الواقع يكشف أن هناك إمكانيات كبيرة لتطويرها بحيث أن المستوى الحالي للعلاقات التجارية لم يصل بعد إلى المستوى السياسي والدبلوماسي المتميز بين البلدين.

باحثة في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية المعاصرة

كلية الحقوق فاس –المغرب

2 تعليقات
  1. مروان سوداح يقول

    نأمل من الاستاذة الكريمة فاطمة المحرحر دراسة مسألة الانضمام لاتحادنا الدولي وسيكون لنا الشرف بهذا انضمام مع الشكر.. الاكاديمي مروان سوداح رئيس الاتحاد الدولي

  2. طارق الطاهري يقول

    مقال جد مفيد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.