موقع متخصص بالشؤون الصينية

في إستراتِيجية الحَربِ الأمرِيكيّة!

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكاديِمي مَروان سُوداَح*:

إن توسّع وتعمّق حمأة المواجهة ألتي يَفتعلها الرئيس دونالد ترامب مع الصين، سوياً مَع مَن يقبعون وراءه أو يتدثرون بأرديته، تؤدي إلى عواقب وخيمة، أولها إدخال العَالم عنوةً إلى حَيّز صِّراع عنيف وإستراتيجي أمريكي وطويل الأمد مع الآخر الناهض دولياً، والمُتحرِّر مِن قيود الغرب السياسي برمّته. إذ يرى ترامب والمَجمع الصناعي – العسكري وأمريكا العَميقة، أن بيجين سوف تَحل مَحل واشنطن كعاصمة للعالم لعقود طويلة طويلة مُقبلة، بكل ما تعنيه هذه الكلمة مِن معانٍ وأبعادٍ في مختلف الإتجاهات، وفي الوقائع والأبحاث الجيوبوليتيكية والإستراتيجيات العالمية ومن بينها الأمريكية.

وفي هذا السياق، أرى أن دولة المؤسسات في واشنطن استشرفت تطوّرات الأحداث العالمية، والتي هي تطورات متسارعة جداً بمُحرّكين صيني وآخر روسي، وكان والحالة هذه أن دقت تلك المؤسسات ناقوس الخطر، فباشرت بعملية صُنع رئيس أمريكي لا يأبه لا للقوانين الدولية ولا لسيادة الدول، ولا لاستقلالها أو الصداقة حتى معها، فكان أن تم على عجل تصنيع رئيس بهذه المواصفات، ومساندته ليفوز، ليتمكن بالتالي مَن هم خَلفَهُ من العمل بدفقٍ كبير في إطار مُخطّطٍّ متكامل ومكتمل، تم رسمه والانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة عليه قبل فترة قصيرة، وتنقيحه وتعديله ليوفق مزاج وحركيّة الساكن الجديد للبيت الأبيض، والذي لم يكن لغير الرئيس الحالي إمكانيات وآليات فعلية وشخصية لتـنفيذه بالعصا الغليظة و الجزرة الهَرمة حتى في آن واحد!

وتدليلاً جديداً على ما ذهبت إليه، فقد أعلن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، في سنغافورة بداية  حزيران/ يونيو العام الحالي2018، ما يُسمّى بِ”الإستراتيجية الكاملة الولايات المتحدة الجديدة، في منطقة المحيط الهندي والهادئ”، حيث وردت الصين بمثابة “العدو الأوحد للولايات المتحدة الأمريكية” في منطقة الصين الجيوإستراتيجية بالذات!، حيث إتّهمها الوزير الأمريكي جهلاً وتجنّياً بممارسة “سياسة الترهيب والعَسكرة”، وزاد على ذلك بكل صلافة أن “واشنطن تنتقل إلى “سياسة ردع الصين في المنطقة”، وستساعد الحُلفاء على “بناء أساطيلهم”، حتى يتمكنوا من “مواجهة الصين” “بشكل أفضل”.. إنها الحرب العسكرية إذن!

ويَتبيّن من مختلف المَصادر الأمريكية بالذات، والتي نقلتها وساط إعلامية روسية منها فضائية “روسيا اليوم” وغيرها، أن التوسّع الأمريكي عَسكرياً وإستراتيجياً يَستند إلى أربعة “مبادئ” “في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ”، وهي:

1/ “مساعدة” حُلفاء أمريكا في بناء قواتهم البحرية، حتى يتمكنوا من “الدفاع عن حدودهم البحرية”!؛

2/ سيزيد الأسطول الأمريكي من “التنسيق العملاني” مع أساطيل الحُلفاء، كما ستزداد مبيعات الأسلحة!!!؛

3/ “ستساعد” واشنطن في تعزيز “سيادة القانون والمجتمع المدني والشفافية في الحُكم” لدى حلفائها، من أجل “إظهار التأثير الشرير” للدول الأجنبية!؛

4/ “ستقوم” الولايات المتحدة الأمريكية بتعزيز “التنمية الاقتصادية، التي يُشكّل القطاع الخاص مُحرّكها” في المنطقة!.

وتَخلص جيوش الدارسين والسياسيين والأكاديميين، وأتّفق معهم تماماً، إلى أن هذه المبادئ ال4  مُصمّمة بدقّة، وقد وُضعت بعناية وبعد أبحاث مُستفيضة “في أمريكا العميقة” ضد الصّين، للهيمنة أمريكياً على المنطقة الصينية بالذات، والتي تشكّل صمّام أمان الدولة الصينية، ذلك أن المطلوب أمريكياً سوياً بعد هذه الخطوة الأولى، والتي هي الاستمرار بالحرب التجارية والإقتصادية على الصين، تكبيل جمهورية الصين الشعبية في منطقتها الجغرافية بالذات، وإغلاق منافذها البحرية والبرية وبخاصة من خلال بورما، والعودة ألى “تنشيط !” التحالف الدولي السابق الذي اعتدى في حرب دموية على شبه جزيرة كوريا، وعلى جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وشعبها فيما بعد تأسيسها وعلى مدار عدة سنوات.

ويتضح من الحِراكية الأمريكية النشطة في منطقة الباسيفيكي، أن دولاً عديدة بقياداتها السياسية والعسكرية – عدا روسيا وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية بالدرجة الأولى –  تساند التوجّه الامريكي ضد الصين، طَمعاً بالاستيلاء على الأراضي الصينية، وعودة على بدء تاريخ الاستعمار العالمي للصين، ومِن ثم استعمار الاراضي الروسية فالكورية.. ومن الأراضي الصينية المُستهدفة مجموعات الجُزر المتناثرة التي تتحكّم في عمليات الإبحار في المكان على مقربة من شواطئ الصين الإشتراكية، والهدف هو إستيلاء التحالف الأمريكي على ما تختزنه أرضها من ثروات ضخمة. لكن الدول الحليفة لأمريكا تتناسى للأسف، أن هذا المخطط الأمريكي إنما يرى أن كل المنطقة “حول الصين”، هي مُلكية أمريكية بالذات!، وما تلك الدول “الحليفة” و “الصديقة” سوى مُجرّد بيادق للعم سام الذي بات يستشعر الهّرم، لكنه يطمح بعودته لسنوات الشباب!، وعلى تلك الدول أن تقاتل بالنيابة عنه، وأن تعادي بعضها البعض “في عمل” لتجريد الصين من سيادتها وأراضيها ونظامها!، لكننا نثق ثقة كاملة  “أن الصين ستنتصر” على هذه المؤامرة الكُبرى، والتي ينظرون إليها في واشنطن على أنها “تأكيد للأحادية القطبية الأمريكية”، و “الكرة الأرضية الأمريكية” و”قدسية سيادة الثقافة ونمط الحياة الأمريكي على العالم”!

إضافة إلى ذلك يَكمن التفكير الأخطر للإدارة الأمريكية الجديد التي يقودها التحالف التاريخي للأنجلو ساكسون والصهيونية الدولية، في رؤيتها لمُخطّطها الإستراتيجي على أنه “مُخطّط إستراتيجي كامل”، وبأنه كذلك “مُخطّط  صِفري”، بمعنى إبتعاده عن الجزئيات والصّغائر والصراعات المُتصاغرة والهامشية في الصراع العالمي ، “للارتقاء الحاسم”، مرة أخرى، الى “العالمية والشمولية”، لأجل “انتصار الحُلم الأمريكي” في “أمريكا الأعظم والقائدة الوحيدة للبشرية”!

وهنا، لا بد لي من التنويه والتأكيد والتحذير من خطورة هذا الطرح السياسي والإستراتيجي في منهاج سياسة ترامب والأجهزة العميقة التي ترافقه، ذلك أن “العالمية” في مفهوم الإدارة وأصحاب الأموال تَعتبر أن “ضربة الصين” لا يجب أن تُبعدهم عن “الإشتغال” بِ “الضربة الروسية” لقصم إدارة بوتين، إذ أن العقوبات الإقتصادية الأمريكية التي يُخطِّطون إليها في “تعاملهم” مع الصين، لا يجب ان تضعف هِممهم في التصدي لروسيا الكبيرة التي لم تفت هذه العقوبات في عزمها ولم تؤخر مسيرة التقدم والتطور فيها، وهي التي تجمع قارتين إثنتين، وتمتد من وسط أوروبا جغرافياً الى سواحل اليابان وشبه جزيرة كوريا والصين بالشرق الأقصى الروسي، وتواجه التراب الأمريكي في مضيق بيرينغ والاسكا الروسية المُستعمَرة أمريكياً منذ أكثر من 150سنة، كما ترى واشنطن أنه “لا يجب التغاضي في الإشتغال” بهذين البلدين فقط وحصراً”، بل و “من الضرري!” “الاشتغال” بأصدقاء وحُلفاء بيجين وموسكو، وبضمنهم سوريا وإيران وفنزويلا، وهي أنظمة لم تخنع للإرادة الأمريكية والصهيونية، إضافة لعدد من البلدان العربية التي يرى التحالف الأمريكي لزوم شمولها أو لنقل إشغالها بالإرهاب الدولي لتفتيتها، وبالتالي إبعاد موسكو وبيجين عنها كونها ستصبح “منطقة أزمات” و”دول فاشلة”، فالدول الصغيرة الفاقدة القدرة لا مكان فيها للإستراتيجيا الكونية للدولتين الروسية والصينية بحسب المفهوم الغربي وبضمنه الأمريكي والصهيوني والصهيوني الإسرائيلي!

ترامب سيستمر في تحويل بلاده الى أدارة ضاربة عسكرياً وتجارياً، لكن الصين وروسيا لن تسيرا في ميدانه التدميري، فالسلام هو الأصح والأصلح مهما تَعقّدت الملفات الدولية. ويبدو أن الهزائم المُتلاحقة لأمريكا على صُعدٍ إقليمية وإستراتيجية سوف تُضعِف مَسيرة العم سام في قارات العالم، وتُضعِف من قبضته على البشرية، لكن الوصول الى هذه المحطة يتطلب زمناً طويلاً و “طول نفس” من جانب الحلفاء جميعاً، وهم قادرون على الإبقاء عليه كنهج للفوز بالمستقبل.

*#مروان_سوداح: #الاتحاد_الدولي للصحافيين والأعلاميين والكتّاب العَرب أصدقاء (وحُلفاء) #الصين.

*المقالة خاصة بالنشرة النصف شهرية للصين بعيون عربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.