موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين ودورها في حلحلة المشاكل الدولية

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
عبدالإله جبر المهنا*:

 

خلال العقود الماضية، كان هناك قطبان اقتصاديان يشكلان عصب الاقتصاد العالمي، وهما العالم الرأسمالي والنظام الاشتراكي، إلى جانب دول العالم الثالث والتي كانت بمعظمها فقيرة. كنا نلاحظ حينها أن هناك محاولات من منظومة الدول الاشتراكية لتنمية قدرات الدول النامية، وبالضد من ذلك كانت الدول الغربية الاستعمارية تسعى جاهدة لسلب ثروات تلك الدول، بالإضافة إلى شدة التنافس العسكري التسليحي والذي كان يرهق ميزانيات الكثير من الدول.

في خضم هذه المنافسة، كانت جمهورية الصين الشعبية قد دخلت مرحلة جديدة وهي مرحلة الاصلاح والانفتاح، في ظل قيادة شابة طموحة تتمتع بروح عالية من الانفتاح على العالم. وفعلاً حدثت قفزة اقتصادية هائلة وتزايد معدل النمو للاقتصاد الصيني وبوتيرة عالية وثابتة، مع ما كان يحيط بتلك التجربة من مخاطر، ولكن حكمة القيادة الصينية ودقة وضع الخطط كانت كفيلة بالنجاح، مع مثابرة الشعب الصيني بالعمل الدؤب والمتواصل، وهنا ظهرت الصين كقوة اقتصادية، انعكست ايجابياتها على مختلف دول العالم.

وبعد تفكك منظومة الدول الاشتراكية، شهدنا تفرّد الاتحاد الاوربي وكندا وأمريكا بالاقتصاد العالمي، ومع تنامي دور الاقتصاد الصيني ومع ظهور منظمات اقتصادية في آسيا، ظهرت سنغافوره وماليزيا، بالإضافة إلى القوة الاقتصاديه اليابانية، حيث كانت منظمة التعاون الاوربي وأمريكا وكندا وروسيا تمثل٥٪ من سكان الارض، ومقابل هذا بادرت الصين لإقامة منظمة اقتصادية من أجل انعاش اقتصاد الكثير من الدول، وتم تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي، وقد شهدت مدينة شنغهاي انعقاد دورتها الرابعة عشر قبل ايام في المدينة نفسها، بحضور قادة الدول المنضوية اليها، وقد افتتح الرئيس شي جين بينغ الاجتماع، وتم التنويه إلى أن المنظمة تمثل أكثر من١٠٪ من سكان الكرة الارضية.

ومن جهة اخرى بادرت الصين إلى إطلاق مشروع الحزام والطريق لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري للدول المنضوية في المشروع، ونلاحظ هناك فارقاً في توجه امريكا الاقتصادي، حيث ان أمريكا تستهدف أولا تسييد اقتصادها دون وازع اخلاقي، إذ تقترن كل تصرفاتها بسياقات خارج الإطار المتعارف عليه دولياً، وبعيداً عن الالتزام بإلأُطر الأخلاقية، بل تتعداها إلى ممارسات رأسمالية جشعة. وهنا نلاحظ توجه أغلب دول الاتحاد الاوربي نحو الصين، حيث وجدت فيها ركن الحل، بعد أن أصيبت بخيبة الأمل من تصرفات الإدارة الامريكية، وتخليها عن التزاماتها الدولية، وتنصلها من المعاهدات، وظهر هذا جلياً بانسحاب امريكا من الاتفاق النووي الايراني، ومن نتائجة الإضرار بمصالح الشركات الاوروبية العاملة في إيران، وكذلك وجدت أوربا دور الصين الفاعل في حلحلة الأزمة الكورية، فقد بادرت المانيا للتوجه نحو الصين إدراكا منها للدور الذي تلعبه الصين بإيجاد حلول لمعظم المشاكل الناتجة من انسحاب امريكا من تعهداتها وسياستها الضريبية المجحفة تجاه دول الاتحاد الأوروبي، وبعد خيبة الأمل التي أصيبت بها أوروبا، وانعكاس النتائج الكارثية، كان لزاماً على أوروبا أن تتجه نحو الصين لتفادي وضع اقتصادي مقلق، وضماناً لمصالحها في ايران، وتيقنت أوروبا أن الصين هي الضمان لمصالحها من خلال الدور الصيني في المجتمع الدولي.

والجدير بذكره، أن قيام الحكومة الصينية بإنشاء المدينة الموازية للعاصمة بكين، وهي مدينة شيونغآن، والتي تبعد عن بكين٩٠كم، حيث تم ربطها بسكة حديد وقطار فائق السرعة يقطع المسافة ب٣٠ دقيقة، وإليها قامت الحكومة بنقل الكثير من الإدارات الرسمية مع مراعاة الكثير من الشروط، منها الصرامة بالحفاظ على البيئة، وتحديد ارتفاع البنايات الشاهقة، مع المحافظة على نسبة كبيرة من المساحات الخضراء، والاستفادة من الأراضي الرخوة شمال البلاد، وتأكيد الحفاظ على ١٤٠بحيرة فيها وبمساحة٣٦٠كيلو متر مربع، وتزويد المدينة بقاعدة علمية ذات تقنيات عالية، وتوفير مكننة عالية التقنية تتيح للمستثمرين إنتاجاً عالي الجودة، وهذا بدوره سهّل التبادل الاستثماري الناجح مع بقية دول العالم.

ويمكن تلخيص النتائج الاقتصادية لإنشاء هذه المدينة بالآتي ١: نشوء صناعات متقدمة عالية الجودة وتكنولوجيا تتماشى مع المعاير العلمية والتطورات الصناعية العالمية؛ ٢/ تغطية المتطلبات الداخلية والخارجية وبالتكامل بين الاثنين؛ ٣/ إيجاد نظام متكامل يعتمد على آخر التطورات والابتكارات العلمية والتقنية في معظم البناء الاقتصادي.

وتعتبر هذه المدينة رافداً آخر لما حققته شنغهاي والتي أوجدت معلماً جديداً للنظام الاقتصادي العالمي، نتيجة الثقل الاقتصادي للصين في العالم، إذ تسعى الصين من خلال منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي إلى إيجاد صيغ للتعاون الاقتصادي سواء بين الدول المنضوية بالمنظمة أو الاتحاد الاوربي وكندا والولايات المتحدة الامريكية، على أساس التبادل التجاري وتبادل المنفعة بعدالة، وهذا كله سيصب بمصلحة تقوية الاقتصاد العالمي، ومن أجل تقوية النقد الصيني وعملات باقي الدول التي تتعامل معها الصين اقتصادياً، وهو ما سينعكس بالايجاب على الوضع الأمني للدول المحيطة بالصين، ونشوء نظام أمني مستقر ينعكس على التقدم الاقتصادي ويكون عامل أساس في نجاح مشروع الحزام والطريق.

ومن جانب آخر نجد أن حجم التبادل التجاري مع روسيا بلغ ٢٠٠ مليار دولار مع نشوء تعاون اقتصادي في مجالات الطاقة والطاقة النووية وطرق المواصلات، حيث من المؤمل ان تقوم روسيا ببناء خمس محطات نووية في الصين، وقيام الشركات الصينية ببناء خط سكك حديدية تصل إلى موسكو، بالرغم من عقبة برودة الجو في المنطقة التي ستمتد من خلالها السكة الحديدية.

والجدير بالذكر ان هناك نية بتوجية الدعوة لدول أخرى للانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي، حيث سيسهم انضمامها بفوائد اقتصادية وتجارية لبلدانهم والاستفادة من نشوء بنى تحتية مثل المواصلات والموانئ. ومن المتوقع أن نشهد خلال السنوات القادمة تقدما للصين على أمريكا في المجال الاقتصادي، وقد توجه الدعوة لأمريكا للانضمام إلى منظمة شنغهاي نتيجة لتعاظم التعاون الصيني مع روسيا والاتحاد الاوربي وكندا، وللجوء أوربا وكندا نحو الصين، كنتيجة منطقية لإصابتها بخيبة الأمل تجاه الولايات المتحدة الامريكية لكونها اصبحت تعتمد ضرائب مجحفة على الدول الاخرى، وكذلك لإخلال امريكا بتعهداتها الدولية.

#عبدالاله جبر المهنا:  عضو ناشط في المجموعة الرئاسية #العراقية الأُولى – الأول من أُكتوبر2016/ الذكرى الـ67 لتأسيس جمهورية #الصين الشعبية، ومسؤول متابعة الأنشطة في مجموعة #الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب #أصدقاء (وحُلفاء) #الصين، وكاتب ومهتم بالتاريخ والنشاط الصحفي، وناشط في التيار الديمقراطي من أجل الاصلاح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.