موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصِّين دولةٌ إقتصاديّةُ جَبّارةٌ لا تَخشى التَّهدِيد

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
عبدالقادر خليل*:

الصّين دولة كبيرة اقتصادياً وتصنّف في مصاف الدول المتقدمة  تنموياً، حيث يَعرف اقتصادها نمواً ملموساً، بفضل تطور الاستثمار، وفرة الإنتاج وتنوعه، ونمو التجارة من خلال الصادرات والواردات، حيث أنها تسير نحو بلوغ القوة الاقتصادية الأكبر في العالم، مما يجعلها تتقدم على نظيراتها من الدول الكبرى الأخرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

الصّين وبفضل التسيير الأمثل للدولة من لدن الحزب الشيوعي الصيني الباني، وحكمة أمينه العام وربّان دفّته الرئيس شي جين بينغ، تواصل الدولة في عمليات الاستثمار لتعبيد مستقبلها الآمن، وخلق المزيد من فرص العمل، وبناء البُنى التحتية، وتمويل التعليم والتكنولوجيا، وتطوير الصناعة والتجارة ساعية بذلك إلى رفع نسب نمو ناتجها الإجمالي المحلي، في حين تغرق الولايات المتحدة وأوروبا في مرحلة من تباطؤ النمو الاقتصادي.

وبفضل تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في جمهورية الصين الشعبية منذ أربعة عقود ونيّف، صار للصين مستقبل  واعد  جداً، حيث حقّقت نجاحاً ملحوظاً في العديد من المجالات، مثل التقدم والكفاءة في التصنيع، وتكنولوجيا البيانات الكبيرة، والاتصال، والفضاء، والسكك الحديدية عالية السرعة، والطاقة النووية، وتكنولوجيا الطاقة النظيفة، التعليم والطب غيرها.
ونتيجة لهذا الأمر، بدأت الولايات المتحدة الأميركية تنظر إلى الصين على أنها قوة صاعدة لها دورها الإقليمي والعالمي، ولكنها ترى في الوقت نفسه بأن تقدّم الصين بشكل متسارع يُشكّل تهديداً لمصالحها الحيوية وأمنها القومي، ويضعف من تأثيرها  أو زعامتها المُفترضة على العالم .

لقد أصبحت العلاقات الصينية الأمريكية مؤخراً علاقات معقدة تتراوح بين التقارب حيناً والتصارع حيناً أخر، بسبب الاختلاف في مناهجهما وأيديولوجيتهما في مختلف المناحي، والمؤكد أن التصعيد و”التهديد” يأتي دائماً من الجانب الأمريكي بالذات!

وفي ظل قيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبلاده، وسياسته “المُلفتة للانتباه!”، وتفكيره التسلطي والعدواني، ومبادراته الأحادية الجانب ومواقفه المتشدّدة، ونظرته على أن بلده أمريكا هي سيّدة العالم وهي الأقوى، جاءت الكثير من قرارته  في منحى سالب ومخالفة لقرارات مَن سبقوه من رؤساء الولايات المتحدة، وبخاصة الرئيس باراك أوباما، فقراراته مثيرة للجدل من طرف دول العالم ومن المواطنين الإمريكيين أنفسهم حتى.

وقد أُدخل الى ميدان العلاقات الدولية، منذ مطلع العام الجاري، عدة مستجدات عملت على زعزعة التحالفات الدولية التقليدية التي طبعت مسيرة العالم لفترة طويلة من الزمن، وكانت أغلب القرارات “الجريئة!” مصدرها الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب، الذي يمضي قدماً في تنفيذ وعوده الانتخابية وشعار حملته “أمريكا أولا”!

ورغبة من واشنطن بفرض سيطرتها  وهيمنتها على العالم، ها هو ترامب يفتح باب حرب تجارية جديدة أو متجددة قد تكون منهكة للعالم، من خلال فرض تعريفات جمركية على واردات أمريكا من المنتجات الصينية، وقد تطال هذه التعريفات دولاً أخرى أيضاً حليفة وصديقة لأمريكا!!!

إن للصين سياستها الراشدة والحكيمة والمتميزة التي يشهد الجميع لها، وتستمدها من تاريخها وثقافتها العميقة، وهي لا تتطلع إلى خوض أي حرب، مهما كان نوعها وشكلها ولا تفكّر بهذا الأمر، سواءً أكانت تجارية أو غيرها، بل تسعى لانتهاج سياسة الوفاق والسلام وتحقيق الربح المشترك وإفادة الغير من خلال مبدأ “رابح – رابح”، ولا تسعى إلى أن تشكّل تهديداً على غيرها من دول العالم وشعوبه، مهما كان نوعه. وذلك ما  جعل الصين ترد على الإجراءات الأمريكية الأخيرة بنفس المستوى، أي بفرض تعريفات جمركية على وارداتها الأمريكية بنفس النسبة ونفس القيمة، في حين كان بإمكانها اتخاذ إجراءات أكثر حزماً  وقوة، وبتطبيقها المثل العربي “السن بالسن والبادئ أظلم”!

وفي تصريحات لشخصيات صينية رزينة، أن فرض رسوم ضخمة على المنتجات الصينية كوسيلة ضغط على الصين لن يُحقق شيئاً، والقيادة الصينية لن تغير من مبادئها تحت أي ضغط ، وعندما يواجه الاقتصاد الصيني مشكلة ما تسعى الصين لإيجاد حلول بنفسها وليس بتوجيه اللوم للآخرين. وإن كل الاتفاقيات التجارية التي توصلت إليها الصين مع الجانب الأمريكي تندرج عموماً تحت قواعد منظمة التجارة العالمية، وما بادرت به واشنطن هو خرق واضح لتلك الاتفاقيات.

ومن بين تلك القرارات، انسحاب إدارة ترامب من مؤسسات واتفاقيات متعددة الأطراف، مثل واتفاق باريس للتغير المناخي، والاتفاق النووي الإيراني، ومنظمة التربية والعلوم والثقافة للأمم المتحدة، وانسحابها مؤخراً من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ورغبة من واشنطن فرض سيطرتها  وهيمنتها على العالم، ها هو ترامب يفتح باب حرب تجارية غير واقعية.

ولو عدنا إلى تحليل بعض المواقف الأمريكية الأخيرة، نأخد على سبيل المِثال الأزمة النووية الكورية، فإن الرئيس ترامب يريد كسب نقاط إيجابية لصالحه كما يهيأ له وبخاصة أمام شعبه المُحَاصَر بالإعلام الداخلي الموجّه. ففي الوقت الذي يواجه المجتمع الدولي فيه القضية الفلسطينية والمسألة النووية الإيرانية، يريد الرئيس الأمريكي أن ينفرد دون غيره بتسوية سلمية، لكنها عملياً غير مضمونة، لملف شبه الجزيرة الكورية، الذي بقي حبيس صراعات الحرب الباردة طويلة الآجل، لعقود كثيرة بعد الحرب الكونية الثانية، فهو يريد أن يُسوّق صورة رجل السلام وفي نفسيته عقدة باراك أوباما الذي تحصّل على جائزة نوبل للسلام، فكل خطاباته هي انتقاد لسلوك أوباما خصوصاَ في المسائل المالية، من خلال الاتفاقيات التجارية، العابرة للأطلسي أو النافتا مع كندا والمكسيك، وانتقاده للتسوية النووية الإيرانية التي أعتبرها أسوأ اتفاقية في التاريخ  الدبلوماسي الأمريكي.

إجمالاً إن إدارة ترامب تتفاعل مع وحدات النظام الدولي في الاتجاه الذي يكبح التغييرات السريعة التي تعطي نقاطاً لمنافسيه الصينيين، الروس والأوروبيين وتفقد الولايات المتحدة عناصر قوتها كإمبراطورية أحادية، أصبحت البشرية تنظر الى أنها إلى زوال.

ومن المؤكد أن الصين تحافظ وستبقى تحافظ على مصالحها الاقتصادية ومصالح شعبها، وتحقيق الحياة الرغيدة للمجتمع الصيني بحسب الخطط الموضوعة، وستستمسك بالمستوى التقدمي الذي وصلت إليه، بكل حزم وحكمة وجدية، ولن تتأثر  بتلك الإجراءات الأمريكية الأُحادية الجانب أو غيرها،  ولن تخشى أي تهديد من أية جهة كانت، فالصين كانت  قوية و ستظل قوية، بل قوة بعدل وإحسان وإنسانية وافرة.


* #عبدالقادر_خليل: كاتب ورئيس مجموعات الجزائر للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين، وخريج الإتحاد السوفييتي، ورئيس رابطة أصدقاء الصين بالجزائر، وصديق قديم ومتابع للقسم العربي لإذاعة الصين الدوليةCRI، وناشط بقراءة وتوزيع مجلة “الصين اليوم” منذ عشرات السنين، ومستمع ثابت للقناة العربية لتلفزيون الصين المركزىCCTV.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.