موقع متخصص بالشؤون الصينية

الحرب التجارية الأمريكية على الصين إحدى تجلّيات سياستها العدوانية العالمية

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
أ.د. جهاد حمدان*:

 

ما تزال إدارة الرئيس الأمريكي ترامب مصرّة على انتهاج سياسات عدائية تجاه قضايا يراها العالم عادلة كما تعبّر عن ذلك قرارات الهيئات والمنظمات الدولية التي لا تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية فيها بأفضلية تصويتية، كالجمعية العامة، واليونسكو، ومجلس حقوق الإنسان. هذا واضح في موقفها المعادي لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس، إذ تستمر في دعم احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ورفضها الانصياع للشرعية الدولية.

 

كما تستمر هذه الإدارة في عدوانها على سورية، ودعمها للمجموعات المسلحة التي تسعى لتقويض الدولة السورية. وتتدخل أمريكا بشكل سافر في شؤون الدول المستقلة في أمريكا اللاتينية، كفنزويلا وبوليفيا. وأيّدت المحكمة العليا الأمريكية هذا الأسبوع قرار ترامب بحظر سفر مواطني عددٍ من الدول ذات الأغلبية المسلمة إلى أمريكا. هذا كلّه في عالم السياسة فماذا عن عالم الاقتصاد والتجارة؟

 

فقد صعّدت الإدارة الأمريكية مؤخراً حُمّى حربها التجارية على الصين، فارضة مزيداً من القيود والجمارك على ما يعادل 60 بليون دولار من البضائع والسلع الصينية في الولايات المتحدة. ويأتي قرارترامب عشية توجّه الولايات المتحدة لفرض تعرفة جمركية بنسبة 25% على صادراتها الصينية من الصلب و10% على صادراتها من الألمنيوم.

وأوضح روبرت لايتايزر مُمَثّل وزارة التجارة، أنّ هذا الإجراء سيشمل مستقبلاً بلداناً أخرى، مثل كندا والمكسيك والأرجنتين والبرازيل وكوريا الجنوبية.  هذا وسبق للولايات المتحدة أن فرضت رسوماً جمركية على وارداتها من الألواح الشمسية والغسالات من الصين. وردّت هوا شونينغ الناطقة بلسان وزارة الخارجية الصينية أنّ بلادها “ستتخذ جميع الإجراءات القانونية التي من شأنها حماية مصالحنا”، إذا نفّذّت الولايات المتحدة “إجراءات تضر بمصالح الصين ومصالحها”. وأضافت: “إننا نقف بحزم ضد الإجراءات الأحادية والتدابير الحمائية.. ولن تقف الصين مكتوفة الأيدي وهي ترى مصالحها تتضرر.. نأمل أن تُدرك الولايات المتحدة أهمية المصالح المشتركة، فلا تقوم بأفعال من شأنها إلحاق الأذى بهذه المصالح”.

وتراجعت أسواق المال والعِملات الأمريكية نهاية الأسبوع الماضي، إذ أغُلق مؤشر “داو” على انخفاض مقداره 700 نقطة تحسبّاً من تدابير انتقامية صينية. كما سجل سعر سهم سندات الخزينة الآجلة لعشر سنوات أكبر انخفاض له في يوم واحد منذ أيلول/ سبتمبر الماضي. وعلّق مُحلّل الأوراق المالية المعروف إيان واينر “أنّ آخر ما ينتظره الاقصاد والمستهلك الأمريكي هو أن يتبع الإجراءات الصينية ارتفاع أسعار البضائع في والمرت وبقية الأسواق”.

لقد استند ترامب في إجراءاته الحمائية ضد الصين إلى تشريعات الحرب الباردة، إذ نفض الغبار عن قانون التجارة لعام 1974 الذي يُتيح للرئيس فرض رسوم جمركية أحادية الجانب، حيث كان الجزء الأكبر من التجارة خارج الاتفاقيات الدولية. ولكن ظهور منظمة التجارة العالمية عام 1995، وانضمام معظم الدول إليها، جعل هذا القانون خارج الزمان والمكان ولا معنى له. وفي المقابل حثّ رئيس الوزراء الصيني لي كي تشيانغ واشنطن على التصرف بعقلانية واعداً بأنّ الصين ستنفتح على مزيد من التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية.

فإزاء هذه العصبية الأمريكية تتصرّف الصين بحكمة لتظل السيادة لأجواء التعاون في العلاقات الدولية فتنتصر سياسة رابح – رابح بدل سياسة رابح – خاسر التي تنتهجها إدارة ترامب. وفي هذا السياق قالت هوا إنّ الصين تأمل “أن يجلس الطرفان على الطاولة ويتحدّثا بلغة هادئة.. وفي إطار مبدأ المساواة والاحترام المتبادل، فإننا نسعى لضمان المكاسب المشتركة من خلال الحوار والنقاشات البناءة”.

وبالطبع فإنّ سياسة الإملاءات الأمريكية سترتد على مَن أطلقها. فسفن العالم تجري في كثير من الأحيان بما لا تشتهيها رياح ترامب الذي أعلن في آذار/ مارس الماضي أنّ من السهل كسب الحروب التجارية وذلك قبل أن يجد بلاده في أسوأ نزاع تجاري مع شريكاتها والصين في مقدمتها. وفي عُجالة يَرى المراقب ارتفاع كثير من السلع في السوق الأمريكية بفعل سياسات ترامب. فقد ارتفعت أسعار الأخشاب مثلاً بنسبة 32% منذ فرضت الحكومة الأمريكية رسوما جمركية بنسبة 21% على واردات الأخشاب الكندية. وأشارت نقابات عمال البناء إلى أنّ هذه التعرفة ستؤدي إلى خسارة حوالي 9400 فرصة عمل في قطاع الإنشاءات، مما يرفع من متوسط كلفة بيت العائلة الصغيرة بمقدار 9000 دولار.

وقد ردّ الاتحاد الأوروبي على قرارات ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية على الصُلب والألمنيوم، بفرض تعرفة جمركية على بضائع أمريكية المنشأ قيمتها 3.3 بليون دولار، تشمل فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على درّاجات هارلي دافيدسون والجينز ماركة Levis والويسكي (ماركة بوربون). كما ضمت قائمة الاتحاد الأوروبي مئتي سلعة منها القمح والذرة وعصير البرتقال والدخّان والسيجار والقمصان ومواد التجميل والقوارب والصُلب.

أما الموجة الأولى من التعرفة الجمركية التي فرضتها الصين على البضائع الأمريكية، فكانت نسبتها 25% بقيمة 34 بليون دولار ودخلت حيّز التنفيذ بتاريخ 6 حزيران/ يونيو 2018 وسيتبعها موجة أخرى بقيمة 16 بليون دولار لم يتم جدولتها بعد. وتشتمل البضائع الخاضعة للرسوم الجمركية على منتجات زراعية، منها فول الصويا والذرة والقمح ولحم البقر والخنزير والدواجن، بالإضافة إلى السيارات. أما الموجة الثانية من البضائع التي ستخضع للرسوم الجمركية، فتشتمل على الفحم والنفط الخام والبنزين والمعدات الطبيّة.

كما رفع الاتحاد الأوروبي شكوى إلى منظمة التجارة الدولية جاء فيها: إذا استمرت العقوبات الأمريكية لمدة ثلاث سنوات، فإن الاتحاد الأوروبي يَنوي فرض رسوم جمركية إضافية قيمتها 3.6 بليون دولار. وذكر نائب رئيس المفوضية الأوروبية في مؤتمرٍ صحفي في بروكسل أن التدابير الأمريكية غير قانونية وأضاف “إن الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الاتحاد الأوروبي ستدخل حيّز التنفيذ في تموز/ يوليو وسيتم مراجعتها في ضوء القرارات أحادية الجانب التي أخذتها وتتخذها الولايات المتحدة”.

وهناك أيضاً التبعات الاقتصادية لخروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران وعرقلة عمل الشركات الأوروبية في إيران. كل هذا دفع وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير للرد على سياسة ترامب الحمائية من خلال بناء مؤسسات مالية مستقلة وذات سيادة، تتيح لبلدان الاتحاد الأوروبي بناء قنوات تمويل مع مختلف البلدان ومزاولة التجارة الدولية بحرية.

ومن الجدير بالذكر أن البضائع الأمريكية التي اختار الاتحاد الأوروبي والصين فرض رسوم جمركية عليها جرى انتقاؤها لتحقيق أغراض سياسية. فولاية ويسكنسون على سبيل المِثال فاز فيها ترامب بفارق أقل من 1% من الأصوات، في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وهي موطن بول رايان الناطق باسم البيت الأبيض، وهي موطن صناعة دراجات هارلي دافيدسون. ففرض رسوم جمركية على هذه الدراجات يَعني انخفاض نسبة مبيعاتها في أوروبا والصين، مما يعني مَزيداً من فقدان فرص العمل في هذه الولاية، مما سيُغضب الناخب الأمريكي الذي صوّت لترامب، فتقل شعبية ترامب في هذه الولاية المتأرجحة. والأمر ذاته ينطبق على الويسكي الذي يأتي من ولاية كنتاكي المؤيّدة لترامب وموطن السيناتور ميتش ماكونيل.

ولنأخذ مِثالاً آخر من قائمة البضائع الأمريكية التي فرضت الصين عليها رسوماً جمركية والتي ستدخل حيّز النفاذ في غضون أسبوعين، أي أواسط تموز 2018، وهو فول الصويا الذي يُزرع في ولايتي أياوا ونبراسكا، وكلاهما من الولايات التي أيّدت ترامب في الانتخابات الرئاسية، وسيؤدي انخفاض مبيعات فول الصويا منها إلى الصين إلى خسارة فرص عمل كانت متاحة للأمريكيين، قبل موجة العقوبات التجارية التي فرضها ترامب على الصين. والشيء ذاته ينطبق على فرض الصين رسوماً جمركية على البرتقال الذي يُزرع في ولاية فلوريدا المتأرجحة أيضاً.

ويقول دان إيكنسون، مدير أحد مراكز دراسة السياسات التجارية الأمريكية “إن الهدف من وراء الرد الصيني على عقوبات ترامب هو تذكير الرئيس أنه يحتاج هذه الولايات لتعزيز انتصارات الجمهوريين في انتخابات الخريف القادم”. وأضاف إيكنسون أن الصين “تأمل أن تكون قائمة البضائع التي انتقتها كافية لحمل قطاع الصناعة في الولايات المتحدة، للضغط على الإدارة الأمريكية لإقناعها بأنها تسير في الطريق الخطأ”.

وحذّر البنك الدولي أن موجة التصعيد في الحرب الحمائية بين الولايات المتحدة وشركائها الرئيسيين سيكون لها نتائج على التجارة العالمية، مشابهة لتلك التي حدثت إبّانَ الأزمة المالية عام 2008. وجاء في تقرير البنك الدولي حول هذا الموضوع أن المبالغة في فرض الرسوم الجمركية واقترابها من الحدود العليا التي تسمح بها منظمة التجارة العالمية سيؤدي إلى تراجع في حجم التجارة الدولية تصل نسبته إلى 9%.

مما تقدّم نرى أنّ الحرب التجارية التي تشنّها إدارة ترامب عبر فرض رسوم جمركية على وارداتها من الُصلب والألمنيوم، ترتدي صبغة عالمية وأضرّت بمصالح الصين والدول الأوروبية، ومن المتوقع أن تتوسّع هذه الحرب لتشمل طائفة من الدول الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها هنا. إنها حرب بين سياسة التعاون والتسامح، سياسة “رابح – رابح”، التي تمثلها الصين وشركاؤها في منظمة شنغهاي للتعاون، وبين سياسة الحمائية التجارية الأُحادية، سياسة “رابح – خاسر”، التي تمثِّلها الولايات المتحدة والتي ألحقت أذى بمصالح أصدقائها وحلفائها، ومنهم مجموعة السبع بالإضافة إلى الصين وروسيا وغيرها.

#الأستاذ الدكتور جهاد_حمدان: أكاديمي وباحث ورئيس جمعية أساتذة اللغة الإنجليزية وآدابها والترجمة في الجامعات العربية، وعضو ناشط في “الاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.