موقع متخصص بالشؤون الصينية

العلاقات الاميركية –الصينية: تنافس تجاري بأبعاد إستراتيجية

0

 

موقع الصين بعيون عريية ـ
الدكتور وحيد مصطفى*:

منذ عدة أشهر ، يسود التوتر العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، على خلفية إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه  فرض رسوم جمركية جديدة على السلع صينية، تحت شعار خفض الخلل التجاري بين البلدين والذي يميل لمصلحة الصين، وتطبيقاً لما تقدم فقد أعلن ترامب مؤخراً فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 25 % على سلع صينية قيمتها 50 مليار دولار، وتعهده فرض مزيد من الرسوم إذا اتخذت بكين إجراءات انتقامية ..

وبرر ترامب خطوته بالتأكيد على أن هذه الرسوم ضرورية لمنع المزيد من النقل غير المنصف للتكنولوجيا والملكية الفكرية إلى الصين، وحماية الوظائف الأمريكية.

ومن اللافت أنه رغم اعلان بكين عزمها على فرض رسوم مماثلة في الحجم والكثافة، رداً على الولايات المتحدة، إلا ان وزارة التجارة الصينية أبدت رغبتها بعدم إثارة حرب تجارية تؤثر سلباً على المصالح التجارية للبلدين ، وتعيق  نظام التجارة العالمي.

ورغم حصول عدة جولات دبلوماسية بين البلدين لمعالجة الخلل في الميزان التجاري، في الفترة ما بين

4-3 أيار/مايو الماضي, ومباحثات البعثة الاميركية إلى الصين والتي ضمت وزراء ومستشارين منهم بيتر نافارو Peter Navarro صاحب كتاب ” الموت عبرالصين “” Death by China     ومطالبة الاميركيين خفض الخلل التجاري بنحو 200 مليار دولار تدريجيا وصولا الى العام 2020 ، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق يُنهي “شرارة حرب تجارية”، وحرب اقتصادية هي جزء من تنافس استراتيجي شامل بين البلدين، حيث ان التجارة والجيوبوليتيك متوازيا التاثير وفق المحلل  Brice Pedroletti

 MONDE | 09.05.2018) Le)

 

طبعاً ينفي ترامب وجود حرب تجارية مع الصين، لكن يؤكد وجود خسارة بما  يقارب 500 مليار دولار (سبوتنيك24.06.2018.) و “لن نسمح باستمرار ذلك” كما يقول .

والسؤال الذي يمكن طرحه: ما هي المعطيات الميدانية والابعاد الاستراتيجية ـ في آن ـ والتي دفعت الإدارة الاميركية إلى الشروع بإجراءات أحادية الجانب لتعديل “الخلل التجاري” مع الصين؟ وما هي تداعياتها؟

  • أولاً: أثبتت الصين جدارتها الكبيرة في تطوير صناعاتها ، وفي تسويقها عالميا ، بحيث تمكنت من تجاوز الكثير من القوى الاقتصادية العالمية ، ولتصبح في موضع الند للولايات المتحدة الاميركية في كل المجالات ومنها المجال التجاري والاقتصادي ، وخلال عهد الرئيس الصيني شي جين بينغ Xi Jinping تمكنت الصين من إحراز تقدم  عالمي كبير لافت على المستوى الاقتصادي والسياسي.
  • ثانيا : وجود عجز تجاري بين البلدين يقدر بما يفوق 375مليار دولار – وفق إحصاءات عام 2017- حيث خلال عام 2017، بلغ حجم الصادرات الأميركية الى الصين – ثاني اكبر إقتصاد عالمي – 130.4 مليار دولار من المنتجات، كما واستوردت أميركا في الوقت ذاته ما قيمته 505.6 بليون دولار من المنتجات الصينية بحسب احصاءات وزارة التجارة، ومن ثم يسعى ترامب لخفض العجز التجاري الذي تسجله بلاده حيالها بمقدار 200 بليون دولارإن امكن .

وفي هذا السياق ثمة مراجعة اميركية  تؤكد خطأ واشنطن بالسماح لبكين بدخول منظمة التجارة العالمية (OMC) عام 2001 .

  • عالميا ، يخشى المحللون الاقتصاديون من التبعات السلبية لهذه الحرب التجارية على الاقتصاد العالمي كله، مع الأخذ بعين الاعتبار :
  • حجم التبادل التجاري الكبير بين البلدين، حيث تبلغ نسبة الصادرات الصينية إلى أمريكا نسبة 21.4 بالمئة.
  • تُعد الصين أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة

فيما أن اوروبا لم تكن خارج إطار الصراع الأمريكي الصنيى ، إثر فرض ترامب رسوماً على واردات الفولاذ والألمنيوم لحماية المنتجين الأميركيين، فيما رد الاتحاد الاوروبي بأنَّه سيبدأ من يوم 22 حزيران/ يونيو 2018 فرض رسوم استيراد بواقع 25 % على مجموعة من المنتجات الأميركية، رداً على الرسوم التي فرضتها واشنطن على شحنات الصلب والألومنيوم المستوردة من الاتحاد. وأوضحت سيسيليا مالمستروم مفوضة التجارة للاتحاد الأوروبي في: “لم نكن نريد أن نكون في هذا الموقف”، مضيفة أن القرار الأميركي “الأحادي وغير المبرر” لم يترك خيارا أمام الاتحاد الأوروبي.

  • التنافس التجاري جزء من تنافس له أبعاد استراتيجية  :
  • وفق وثيقة “استراتيجية الدفاع الوطني” الاميركية للعام 2018 الصادرة عن البنتاغون، تم تحديد الصين – وروسيا – كمنافسين استراتيجيين أساسيين  في مواجهة الولايات المتحدة. ووفق الوثيقة “تسعى الصين وروسيا إلى بناء عالم يتوافق ونظامهم الشمولي، وامتلاك حق النقض –الفيتو – على قرارات الدول الأخرى على الصعد الاقتصادية والديبلوماسية والأمنية”، هذا بالرغم من تأكيد الوثيقة الاميركية أن هدف المراجعة الاستراتيجية وضع العلاقات العسكرية الاميركية – الصينية في أطر شفافة وعدم إعتداء.
  • ووفق المحلل Bill Bishop ثمة ملفات شائكة بين أمريكا والصين: تقارير من قبل الممثلية التجارية الاميركية – التابعة للبيت الابيض – حول “التهديد التجاري” الذي تمثله الصين، وتقييمات وثيقة الدفاع الوطني حول “الخطر الصيني” ووجود جيش صيني هو الأكثر منافسة للجيش الاميركي، والأفضل تمويلاً بعد الجيش الأميركي.

وفي هذا الاطار، وفي الدقائق الاخيرة، تم الغاء عقد مع الشركة الصينية منتتجة اجهزة الخلوي Huawei Mate 10 Pro، والذي ينافس بخصائصه التقنية أجهزة أيفون وسامسونغ، وذلك بسبب تخوف الأميركيين من وجود صلات مُحتملة بين تلك الهواتف والأجهزة الامنية الصينية!

(راجع Par Pierre Haski  / janvier 2018  Le monde 29  )

في هذا السياق ثمة تحذيرات من قبل باحثين من احتمالات خطرة في العلاقات الاميركية ـ الصينية، حيث يحذر البروفسور الأميركي Graham Allison  في كتاب له صدر عام 2017 (Destined for war : Can America and China escape Thucydydes’s trap?) من تداعيات التنافس بين قوة دولية مهيمنة، وقوة دولية متصاعدة ومنافسة بقوة وصولاً إلى… الحرب .

ومن المناسب إيراد وجود مبالغات أميركية في تصوير حجم العجز التجاري،  فأمريكا تبالغ في حجم عجزها التجاري مع الصين، بتجاهل احتساب فائضها مع بكين فيما يتعلق بتجارة الخدمات، فوفقاً لوزارة التجارة الأمريكية ساهمت  صادرات الولايات المتحدة من السلع والخدمات إلى الصين في دعم نحو 910 آلاف فرصة عمل داخل أمريكا عام 2015، منها 610 آلاف مدعومة بصادرات السلع، و309 آلاف أخرى مدعومة بصادرات الخدمات، وخلال سنوات تمتعت الولايات المتحدة بفائض تجارة خدمات مع الصين، وكان هذا الفائض 38 مليار دولار عام 2016.

من جانب آخر، فإن جزءاً من الصادرات الصينية للولايات المتحدة الأمريكية هو من إنتاج شركات عالمية تستثمر في الصين، وهي في معظمها شركات أمريكية عملاقة مثل «آبل»،ومن ثم لا يمكن الركون تماماً إلى أرقام الصادرات والواردات بين البلدين دون قراءة في تفاصيل البضائع المصدرة !

بالمقابل ما هي خيارات بكين ؟

تمتلك الصين خيارات واسعة للتعامل مع الاجراءات الاميركية ، فهي لا تستورد الكثير من المواد من الولايات المتحدة كما ليس هناك منتجات إضافية يمكن فرض رسوم عليها  – وفق تأكيد كريستوفر بالدينج خبير الاقتصاد في كلية التجارة “اتش اس بى سى” ـ وفي هذا الاطار ثمة قلق في أوساط المزارعين الأمريكيين الذين قد يكونون الأكثر تضرراً من إجراءات صينية. كما يخشى قطاعا السيارات والطيران من تبعات هذا الخلاف، ومن الطريف فعلا أن شعار الحملة الانتخابية لترامب «لنجعل أمريكا أعظم مرة أخرى»، الذي كان مكتوبا على حقائب وقبعات وغيرها، كانت صناعة صينية استوردتها حملة ترامب من الصين ولم تقم بتصنيعها فى المصانع الأمريكية!.

ومن الخيارات لدى الصين يمكن ايراد :

  • فرض رسوم على المنتجات الاميركية رداً على الاجراءات الاميركية .
  • تقليص السياحة الصينية إلى امريكا حيث يزور حوالي ثلاثة ملايين صيني الولايات المتحدة سنوياً وينفقون ملايين الدولارات هناك وشكلت خدمات السفر نحو ثلثي صادرات الخدمات الأمريكية إلى الصين في 2015، بحسب لجنة التجارة الدولية الأمريكية .
  • مقاطعة المنتجات الأمريكية من قبل المستهلكين الصينيين
  • تقليص الصين حيازاتها الضخمة من سندات الخزانة الأمريكية. والتي بلغت خلال آذار/ مارس الماضي ، نحو 188 تريليون دولار، مسجلة أعلى المستويات منذ تشرين الأول/ أكتوبر2017.
  • يمكن للصين خفض عملتها امام الدولار ما يجعل المنتجات الأمريكية أكثر تكلفة، والصادرات الصينية أرخص

 بالخلاصة : من غير المرجح لجوء الصين إلى كل تلك الاجراءات المتاحة، حفاظاً على استقرار النظام الاقتصادي العالمي من جهة، ولعدم  حصول حرب تجارية واسعة النطاق مع الولايات المتحدة  لا تفيد أحداً، ومن المتوقع  أيضاً خفض الرئيس ترامب طلباته لتصبح أكثر واقعية بما يحفظ مصالح البلدين.

  • باحث في الشؤون الدولية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.