موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصِّين والعَرب: توظِيف للذَّاتِ والمُشترَكات

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكادِيمي مَروان سودَاح*:

يَبدو لي أن الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي الذي عُقد في بيجين مؤخراً، كان على الدرجة الأعلى من الترتيب والتنظيم والطرح السياسي والهدف، وتعمّد الحُلفاء الصينيون بلسان الزعيم الأمين والحكيم شي جين بينغ، تذكير العالم كله – وبِضمنهم أولئك الذين “تغاضوا!” عن إمكانية انتعاش الروابط العَميقة بين الصين والعرب في الزمن المُقبل- بأن المتكلّمين بالضاد سيتمكنون بالعمل سوياً مع الصين في الحقبة القريبة لاستعادة دورهم التاريخي المَسروق منهم عنوة، وسيستعيدون أمجادهم المشتركة في لحظة تاريخية مُقبلة تكون فاصلة، لتوظيفها حتماً في تعديل مسار التاريخ الذي شوّههُ الغربيون وعلى رأسهم “الولايات” ذاتها.

إن عودة الصين الى العرب بقوة وزخم واضحين، وعودة العرب إلى الصين، باتت مهمة العصر المُلحّة، وصمّام آمان لهم جميعاً في مواجهة شتى أشكال الجبايات والحِمائيات القاتلة، بنسخها المتعددة التي يُصر ترامب فرضها.

فمنذ بداية العهد الترامبي، اتضح لي أن الصين وجمهرة محترمة من العرب، سارعوا الى البحث في قضية موقعهم في الأرض والتاريخ والمستقبل، وبعد عددٍ من النقلات الأمريكية الإقتصادية والسياسية الدامية، أيقن جميعهم أنه سيكون لازماً عليهم، عاجلاً أو آجلاً، البحث عن بدائل إستراتيجية في علاقاتهم وفي مسألة تحالفاتهم وتخندقاتهم الدولية، فكان خطاب الرئيس “شي جين بينغ”، منقذاً “للأوضاع” ومُلامساً للألم العربي، وعلامة فارقة في تاريخ الصِّلات العربية الصينية في عصرنا الجديد، وستتواصل هذه السياسة الصينية الى سنوات طويلة قادمة، لضمان التوازن في مختلف عناوين العلاقات الدولية، ولتكريس التعدّدية القطبية التي تضمن للعرب وَليفهم الصين، الوصول الى بر الأمان، في عالم يَفرض عليه ترامب قرارات غير مدروسة ومدمِّرة وتصل بنا الى حافة الهاوية الكونية.

استهل الرفيق “شي” في خطابه التاريخي أمام المسؤولين العرب بكلمات بليغة وجريئة ورنّانة أقواله: “كلما التقيت مع الأصدقاء العرب، شعرت وكأني أجتمع مع الأصدقاء القدامى، إن هذا الإحساس بالتقارب جاء من المحبة والصدق في التعامل مع بعضنا البعض، ونشأ عبر التاريخ الطويل من التواصل بين الأمتين الصينية والعربية” .

كما تحدث الأمين والرئيس “شي” في خطابه هذا، عن علاقات بلاده بالعرب كما لا يتحدث أي زعيم عربي.. إذ استعرض التاريخ المشترك مع العرب منذ ألوف السنين، مروراً بالقرنين العشرين والحادي والعشرين، ويَلفت الإنتباه حديث القائد عن “دعم الشعب الصيني والشعوب العربية لبعضهم البعض في نضالهم من أجل صيانة الكرامة الوطنية والدفاع عن السيادة”، وكان لافتاً بالتخصيص إلى تصريحات “شي” بدعم الصيّن لشعب فلسطين “منذ ستين سنة” بالذات، إذ (قطعت الصين تعهداً للدول العربية التي لم تكن قد أقامت العلاقات الدبلوماسية مع الصين أنذاك، بدعم الصين لنضال الشعب الفلسطيني.. وقبل 40 سنة، صوّتت 13 دولة عربية مع الأصدقاء الأفارقة لصالح إعادة المقعد “الدولي” للصين الجديدة في الأمم المتحدة)، وأكد “شي”: (“لن ننسى” أن قرابة 10 آلاف من الأطباء الصينيين يتنقلون بين الحقول والقرى العربية، لإنقاذ الأرواح وتضميد الجراح، وأن المساعدات الأكثر سخاء التي تلقتها الصين بعد تعرضها للزلزال المدمّر في محافظة ونتشوان بمقاطعة سيتشوان، كانت من “إخوتنا العرب”).

كما كان لحديث القائد “شي” أهمية خاصة ومفصلية عندما تطرق إلى “إن الصين حريصة على “تحقيق الالتقاء فيما بين التنمية فيها والتنمية في الدول العربية”، بما يقدم دعماً لِما تعمل عليه الدول العربية من زيادة نسب التوظيف وتعزيز العملية الصناعية، ودفع التنمية الاقتصادية”. وأفرد القائد “شي” فقرات هامة عن دعم فلسطين والسلام فيها وسيادتها وشعبها. وبرغم قِصر خطاب القائد، إلا أنه خصَّ كل القضايا الهامة في العلاقات الصينية العربية بإهتمام ظاهر، ولهذا الأمر مغزىً كبير وعَميق، وهو يكشف عن نقلة سياسية واقتصادية صينية كبيرة مع البلدان العربية، ستجلو في القريب عن توجّهاتها الحازمة على الأرض العربية في مواجهة ناعمة لسياسة الإلحاقية الأمريكية للبلدان العربية إقتصادياً وسياسياً .

لكن الصين “لن تسكت” في حَال تم الاعتداء عليها بأشكالٍ أكثر ضرراً، وحَال زيادة منسوب الضّرر الأمريكي للدولة الصينية، وهي مُستعدة للرد “بقوة” و “بتوظيف كل أسلحتها المتوافرة في جِعابها”، ولذلك نرى التحرّك الفوري للرئيس “شي” خارج الصين، في الإعلان عن زياراته القريبة إلى عدة بلدان تُشكّل للصين مواقع مفتاحية لتسهيل وصولها السلمي والمُثمر إلى العالم، وفي الوقت نفسه خدمة هذا العالم بالإتجاهين إقتصادياً وتجارياً ومالياً ومادياً.

ومن اللازم أن نذكّر كل مَن يأخذ بالتذكير ومَنافِعه، بأن الحضارتين العربية والصينية شقيقتان، وهما على تواصل مُثمر منذ أُلوف السنين، وضرورة أخذ الواقع الآسيوي بعين الاعتبار، وكذلك أخذ عامل الجيوبوليتكا بالحسبان، ولا يمكن لدولة وبضمنها الولايات المتحدة، أن تسيطر على بلدان وقارات غير أراضيها الوطنية لمجرد رغبتها بكبح غيرها ومحاصرة إقتصادات دول أخرى تتقدم فكرياً وتكنولوجياً وحضارياً، وعمل الولايات المتحدة في هذا الجانب مُنافٍ للقوانين الدولية والأخلاقيات السلمية، وترفضه شعوب آسيا وأفريقيا.

السياسة الأمريكية على المَحك التاريخي الآن. فإمّا أن تخدم العَالم والحضارة بسلوك ولغة جديدتين ونافعتين، وإما أن تنهزم في المنافسة الدولية التي باتت تكرّس تعدّدية الأقطاب، فزمن انتصار طرف واحد في منافسات دولية قد ولّى إلى غير رجعة، وحلّ محلّه فكر التعايش المُشترك والرّبح للجميع، وتقاسم الثروات، والمُنافسة الشريفة بدون حروب ونزاعات تجارية وعسكرية، فمن يَشن الحروب ويُخطِّط لها يَخسر نفسه قبل أن يَخسر غيره.

من المؤكد أن ترامب كما كان أمر مَن ولّى من قيادات الإدارات الأمريكية السابقة، يُحَاول مُحَاصرة الصّين برياً وبحرياً وجوياً وفي كل مجال وعلى كل حدود.. فالنقلات الأمريكية العسكرية واضحة، وما الحرب التجارية على جمهورية الصين الشعبية وجارتها روسيا الفيديرالية سوى واحدة ومتطابقة باتجاه دقّة تصويبها على هذين البلدين، ويُقصد أمريكياً بكل ما يجري، التمهيد الى شن عدوان عسكري مضمون النصر فيه، “يكون مميتاً” للآخر الصيني والروسي، بعد “التمكّن!” من البلدين بإنهاكهما إقتصادياً ومالياَ وتجارياَ، وبعد إفراغ خزينتهما من الأموال بمحاصرتهما بدول عدوّة وقواعد عسكرية بأسلحة متقدّمة، و”توزيع” الفيروسات على أراضيهما من خلال العملاء والسياح – العملاء، لقتل ملايين الروس والصينيين بدون شن حرب نووية سريعة، فكل ما يجري الآن هو عملية إنهاك متواصل لموسكو وبيجين، لمنعهما من النهوض النوعي بالبشرية إلى عالمِ جديد، يأخذ معه كل الإنسانية الى مشارف السيادة على نفسها والاستقلالية والتقدم الحضاري والاقتصادي الحقيقي، وتفعيل الاقتصاد لصالح الأعمال والعلوم، وبعيداً عن روتشيلد وأرباب الأموال الصهاينة، مِمَن يُسيطرون على الدولار، الذي بدأ بالتراجع التدريجي، بعد الخطوة الصينية الروسية الأولى، بالتعامل المُباشر وبدون وسطاء مع بعضهما البعض ومع العالمين العربي وغير العربي بالعِملات الوطنية.

وللموضوع بقية.

ـ #مروان_سوداح: رئيس الإتحاد #الدولي_للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العَرب أصدقاء “وحُلفاء” #الصين – الأُردن.

ـ المقالة خاصة بالنشرة النصف شهرية لموقع الصين بعيون عربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.