موقع متخصص بالشؤون الصينية

منتدى التعاون الصيني العربي والمتغيرات الدولية والإقليمية

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
الأستاذ الدكتور مسعود ضاهر*

 

دراسة كتبها الأستاذ الدكتور مسعود ضاهر حول منتدى التعاون الصيني العربي عام 2014 ونشرت في كتاب أكاديمي متخحصص حول المنتدى باللغة الصينية.

يتشرف “موقع الصين بعيون عربية” بنشر هذه الدراسة للمرة الأولى باللغة العربية نظراً لما تحتويه من أفكار مؤسِّسة لعمل المنتدى، وعرض لأهميته ومنطلقاته.

 

أهداف المنتدى وإنجازاته في عقده الأول

عقدت ندوات كثيرة بين العرب والصينيين تحت عنوان ” طريق الحرير “، بفرعيه البري والبحري.وأبرزت عمق التواصل الحضاري بينهما والذي يرجع إلى أكثر من ألفي عام .   وقد أطلقت الدبلوماسيات العربية توصيات عدة لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي مع جمهورية الصين الشعبية منذ قيامها عام 1949.وشدد الجانبان على تطوير العلاقات الثنائية المباشرة التي تعزز الفهم والمتبادل بينهما في عصر العولمة،والعمل على تصويب الصورة النمطية المشوهة التي نشرتها وسائل الإعلام الغربية،وما زالت تأثيراتها السلبية واضحة في ذاكرة الشعبين الصيني والعربي.

ومن خلال مشاركة كثيفة لعدد متزايد من الدبلوماسيين والمفكرين العرب والصينيين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، تمت معالجة موضوعات متنوعة طالت الأوضاع الدولية والإقليمية في عصر العولمة، والآفاق الرحبة لتنمية علاقات الصداقة والتعاون الصينية العربية في عصر العولمة، واستفادة العرب من موقف الصين المؤيد لقضاياهم الكبرى وفي طليعتها دعم شعب فلسطين لإقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس، والتنبه لمخاطر سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتوجهاتها الاستراتيجية لإقامة شرق أوسط جديد يتجاوز تقسيمات سايكس – بيكو ويعيد تجزئة المنطقة لصالح المشروع الصهيوني الساعي إلى إقامة إسرائيل الكبرى بين الفرات والنيل.

في العام 2000 تبنت جامعة الدول العربية فكرة إنشاء منتدى التعاون العربي الصيني. واحتل الجانب الاقتصادي طابع الأولوية، فاتسعت دائرة التعاون التجاري بين الدول العربية والصين، وتم التركيز على التعاون في مجال الطاقة لدفع التطور الشامل في المجالين الاقتصادي والتجاري، ودعوة الجانب الصيني إلى المشاركة في اكتشاف حقول جديدة للنفط، والمساعدة على إدارة حقول الإنتاج القديمة بعد تطويرها، وفتح أسواق جديدة للصين في العالم العربي الذي يتمتع بموارد وافرة، ورؤوس أموال كبيرة، وقنوات تسويقية دولية متطورة وذات خبرة عالمية. بالمقابل، لدى الصين مواصفات تسويقية مثالية للتعاون الاقتصادي أبرزها الحجم الكبير للأسواق الصينية، والتكنولوجيا العصرية، والإدارة  المركزية، والأيدي العاملة الرخيصة، والاستقرار الأمني، وغيرها.

ساهم التعاون الصيني العربي في مجال الطاقة بتطورير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين على قاعدة المنفعة المتبادلة. وتحتاج الصين إلى موارد الطاقة العربية من النفط والغاز لسنوات طويلة  نظراً لحجم الإستهلاك الهائل للطاقة فيها. إذ يبلغ سكان الصين اليوم قرابة المليار وثلاثمائة وخمسين مليون نسمة. وقد شكلت منطقة الشرق الأوسط  بشكل عام، وبعض دولها العربية النفطية بشكل خاص، منطقة مثالية للاستثمارات الصينية بسبب غناها بالموارد النفطية المتاحة والاحتياطي الطويل الأمد من جهة، وللعلاقات الودية القائمة بين الصين والعالم العربي من جهة أخرى.

ونظراً لحاجة الصين إلى الطاقة لضمان نموها الاقتصادي والصناعي السريع، باتت الدول العربية النفطية، خاصة الخليجية منها، في طليعة الدول التي تزود الصين بنسبة كبيرة من حاجاتها من الطاقة، مما دفع قادة الجانبين إلى التوافق على إقامة علاقات إستراتيجية طويلة الأمد وعلى مختلف الصعد، السياسية منها والاقتصادية والثقافية وغيرها. وركزت الندوات والمؤتمرات المشتركة بين الجانبين على ضرورة تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين الجانبين، مما ساعد على تأمين مصادر الطاقة للصناعات الصينية التي ساهمت في تعزيز التنمية المستدامة في الصين.

شهدت العلاقات العربية ـ الصينية تطوراً عاصفاً في حجم التبادل التجاري في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وتزايد حجم الاستثمارات الصينية في بعض الدول العربية فترك آثاراً إيجابية جداً على تطور العلاقات الاقتصادية بين العرب والصين والتي باتت بحاجة إلى تأطير من خلال مؤسسة ترعى تلك العلاقات. وفي 30 كانون الثاني  2004 ، زار الرئيس الصيني (هو جين تاو) مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، والتقى أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى وممثلين من اثنتين وعشرين دولة أعضاء  في جامعة الدول العربية. وصدر بيان مشترك باسم وزير خارجية الصين (لي تشاو شينغ) وعمرو موسى تضمن تأسيس منتدى التعاون الصيني العربي، لتعزيز الحوار بين الدول الأعضاء في المنتدى، ودفع عملية السلام والتنمية. واتسع نشاط المنتدى تدريجيا فضم ممثلين على مستوى الوزراء، ومسؤولين كباراً، ورجال الأعمال، ومندوبين عن ممثلي جمعيات الصداقة العربية الصينية، وعن مجلس التعاون الصيني العربي لقضايا الطاقة، ومنتدى التعاون الصحافي الصيني العربي، وغيرها.

عقد منتدى التعاون الصيني العربي اجتماعه الأول في مصر عام 2004، والثاني في الصين عام 2006، والثالث في البحرين عام 2008، والرابع في مدينة تيانجين الصينية عام  2010. ويعتبر الاجتماع الوزاري على المستوى الرسمي ركيزة أساسية لرسم سياسة منتدى التعاون الصيني العربي.

تبنى المنتدى موضوعات حيوية ذات منفعة مشتركة للعرب والصينيين، وناقش السياسات المتبعة، ومواقف حكومة الصين والحكومات العربية إزاء الأوضاعِ السياسية والاقتصادية الدولية وأصدر دعوات متكررة لإقامة علاقات تعاون إستراتيجي على أساس المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة بين الجانبين، ودفعِ عملية السلام والتنمية والتقدم الشامل لجميع شعوب العالم. وفي الفترة ما بين 12-16 أيلول/ سبتمبر 2011 ،عقد المنتدى الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية تحت شعار “تواصل الصداقة وتعميق التعاون والتنمية المشتركة”. وقد احتضنته مدينة ينتشوان عاصمة منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية “هوي” في شمال غربي الصين. وحضره حشد كبير من المسؤولين الصينيين إلى جانب سفراء للدول العربية فى الصين، ومندوبين عن جامعة الدول العربية، وروابط الصداقة العربية الصينية، وعدد كبير  من التجار، ورجال الأعمال، والمستثمرين العرب والصينيين .

عقد الجانبان مؤتمرات وندوات كثيرة إلى جانب اجتماعات كبار المسؤولين، وكان من ثمارها دفع علاقات التعاون نحو أفق استراتيجي شامل للتنمية المشتركة والمستدامة وفق بيان الاجتماع الوزاري الرابع الذي عقد عام 2010 وتقرر فيه رفع العلاقات الصينية العربية إلى المستوى الإستراتيجي. وعقد الاجتماع الوزاري الخامس للمنتدى في مدينة الحمامات بتونس في 31 أيار/ مايو  2012، تحت شعار “تعميق التعاون الاستراتيجي وتدعيم التنمية المشتركة”. وتبنى آليات عمل جديدة لتعزيز علاقات التعاون الاستراتيجي بين الجانبين وتطوير عمل المنتدى لتحقيق الأهداف الرئيسية التالية: بحث السبل والإجراءات الكفيلة  بتعميق علاقات التعاون الاستراتيجي بين الصين والدول العربية وتطوير آليات المنتدى، وتحديد المجالات ذات الأولوية للتعاون المشترك، ووضع البرنامج التنفيذي، وتبادل الآراء حول القضايا الدولية والإقليمية الهامة لحماية وتوسيع المصالح المشتركة .

تبنى الاجتماع آليات عمل جديدة لمؤتمر رجال الأعمال، ولندوة الاستثمارات، ولمؤتمر التعاون في مجال الطاقة. ولعب المنتدى دوراً هاماً في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية. فتطور حجم التبادل التجاري من  قرابة 37  مليار دولار في عام تأسيس المنتدى 2004  إلى أكثر من 220 مليار دولار أميركي في عام 2012.

نشير أخيراً إلى الدورة الخامسة لمؤتمر رجال الأعمال وندوة الاستثمار الثالثة لمنتدى التعاون الصيني العربي، والتي عقدت في الفترة ما بين 8-10  كانون الأول/ ديسمبر 2013 بمدينة “تشنغدو” بمقاطعة “سيشوان” الصينية، وقد نظمها المجلس الصيني لتنمية التجارة الدولية والحكومة الشعبية لمقاطعة سيشوان بالتعاون مع الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية، واتحاد رجال الأعمال العرب.

حظي المؤتمر بدعم كبير من وزارة الخارجية الصينية، ووزارة التجارة الصينية، والأمانة العامة لجامعة الدول العربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي فيها، ومجلس السفراء العرب في بكين. وأبرمت جامعة الدول العربية عدة إتفاقيات مشتركة مع عدد كبير من الدول لتعزيز فرص التنمية الإقتصادية والتجارية المستدامة، والعمل على إزالة كافة العقبات التي تعترض تعزيز العلاقات بين الجانبين، وتقدير جهود منتدى التعاون الصيني العربي الذي يمارس دوره بكفاءة ملحوظة منذ تأسيسه. فشكل انعقاد هذا المؤتمر في الصين دعما واضحا لتفعيل البرنامج التنفيذي للمنتدى خلال أعوام  2012 – 2014.

خلال العقد المنصرم على تأسيسه، قدم المنتدى مساهمات إيجابية أدت إلى تعزيز الثقة المتبادلة بين الصين والدول العربية، ودعمت الحوار الإيجابي بين الجانبين، وارتقت بمستوى العلاقات الصينية العربية بصورة مضطردة. ولعب الاجتماع الوزاري دوراً أساسياً في وضع برامج تنفيـذية أعطت نتائج هامة تجلت عبر فعاليات كثيرة نظمها المنتدى، وأبرزها مؤتمرات رجال الأعمال الصينيين والعرب، والإجتماعات الدورية لكبار المسؤولين من الجانبين، وندوات الحوار الثقافي بين الحضارتين الصينية والعربية، وملتقيات جمعيات الصداقة الصينية العربية، ومؤتمرات التعاون في مجال الطاقة، وندوات التعاون الإعلامي الصيني العربي، وغيرها.

بيد أن تفعيل الإتفاقيات والتوصيات الصادرة عن تلك النشاطات لبناء شراكة صينية عربية مستدامة يحتاج إلى تفعيل مستمر للاجتماع الوزاري، وتطوير آليات التواصل الدورية المتبعة، واستنباط آليات جديدة تتلاءم مع الانجازات الكبيرة التي حققها المنتدى، وتحديث أساليب عمله في مجال التعاون السياسي، وتأكيد التزام قادة الجانبين بالمواقف المبدئية المدرجة في إعلان منتدى التعاون وبرنامج عمله، وتكثيف المشاورات والاتصالات القائمة والبحث عن آفاق جديدة للعلاقات الثنائية، والمشاركة في حل القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.

لقد نجح منتدى التعاون في المجال الاقتصادي والتجاري وأحرز تقدماً كبيراً في السنوات القليلة الماضية. وحققت مؤتمرات رجال الأعمال الصينيين والعرب في إطار المنتدى نتائج ممتازة من خلال ندوات التعاون الاقتصادي والتجاري التي أقيمت في مدن  صينية وعربية. وتم التوافق على إجراءات عملية لتوسيع التجارة والاستثمارات المتبادلة، وضمان وصول السلع المتبادلة إلى الأسواق وفقاً للأنظمة والقوانين المعمول بها لدى الجانبين، وتبادل خبرات الإدارة الاقتصادية والتعاون بين المؤسسات المتوسطة والصغيرة، وتعزيز تبادل المعلومات في المجالات المتعلقة بالاقتصاد والتجارة. وعمل المنتدى على تكثيف الترويج التجاري وتوظيف الاستثمارات المتبادلة، وتشجيع الشركات على إقامة المعارض والمشاركة فيها، وتقديم المعلومات والتسهيلات اللازمة في هذا الصدد.

رحب الجانب الصيني بمشاركة الشركات العربية في المعارض الصينية للترويج لمنتجاتها، وتعزيز دور مؤتمر رجال الأعمال الصينيين والعرب في المنتدى. وعقدت دورات متتالية بصورة دورية منتظمة منذ العام 2009 في الصين والدول العربية. وبذلت جهود إضافية لتعزيز الاستثمارات وإنشاء آلية جديدة للندوات التي يقيمها الجانبان في هذا المجال بالتناوب وربط انعقادها بموعد مؤتمر رجال الأعمال الصينيين والعرب. ووضعت آلية جديدة  لدعم التعاون بين الجهات المختصة للتأكد من الجودة والمواصفات والمقاييس والحجر الصحي لدى الجانبين، وإنشاء لجان مشتركة صينية عربية لوضع وتنفيذ مشاريع مشتركة، وتعزيز التعاون الثنائي بين المنظمات الاقتصادية والتجارية الصينية والعربية، وبين غرف التجارة والنقابات المهنية. وشجع الجهات المعنية بالجمارك والضرائب والصناعة والزراعة والقطاعات الأخرى لدى الجانبين على التواصل والتعاون الفني بأشكال متنوعة، ودفع التعاون بين الجهات الصينية المعنية والمنظمات الاقتصادية العربية المتخصصة في إطار جامعة الدول العربية. وشدد لمنتدى على ضرورة إنشاء نظام تجاري متعدد الأطراف، وإصلاح وتحسين النظام المالي الدولي لحماية مصالحهما المشتركة.

في مجال الطاقة، ساهم منتدى التعاون الصيني العربي في تعزيز آليات التعاون بين الجانبين في مجالات البترول والغاز الطبيعي والكهرباء والطاقة الجديدة والمتجددة والبديلة على أساس المنفعة المتبادلة. ودعم الجانبان الاستثمارات المتبادلة في تلك المجالات، وتبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا في مجال الطاقة، وتطوير التعاون بينهما في مجال حماية البيئة والتنمية المستدامة. وتم التوافق على إنشاء آلية للتعاون الصيني العربي في مجال البيئة، على أن تقوم وزارة حماية البيئة الصينية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية ومجلس وزراء البيئة العرب بالتنسيق الدائم في هذا المجال. ودعا المنتدى إلى تعزيز التبادل والتعاون في مجال مكافحة التصحر، وتبادل الخبرات بين الخبراء والإداريين حول مكافحة التصحر ومراقبة تنفيذ القوانين المرعية الإجراء، والمشاركة في مشاريع استعادة الأنظمة الإيكولوجية في الدول العربية، وبناء مناطق نموذجية تجريبية في الدول العربية ومساعدتها على إنشاء شبكة مكافحة التصحر لحماية الطرق العامة وخطوط السكك الحديدية والواحات ذات الكثافة السكانية العالية.

حرص المنتدى على تعزيز التعاون الزراعي بين الجانبين، وتبادل المعلومات وتعزيز التواصل بين المتخصصين في مجالات الزراعة وتربية الحيوانات، وتشجيع التعاون الاقتصادي والتجاري بين المؤسسات الزراعية، ومنح تسهيلات لدخول المنتجات الزراعية المتميزة إلى أسواق الجانب الآخر.

وأحزر المنتدى نجاحاً ملحوظاً في مجال التعاون السياحي بين الصين والدول العربية، فدعا  إلى إقامة معارض وندوات للترويج السياحي وجذب المواطنين العرب والصينيين للسياحة البينية. وشجع الجانب الصيني على تدريب أعداد متزايدة سنوياً من الكادرات العربية في مختلف التخصصات المتفق عليها بين الجانبين، وبوتيرة متزايدة منذ العام 2008، ووجه عبر سفارات الصين لدى الدول العربية دعوات سنوية لحضور دورات تدريبية استفاد منها عدد كبير من الخبراء العرب الذين أنجزوا دورات في الصين.

وحقق المنتدى نتائج إيجابية في مجال تعزيز التعاون الثقافي والحوار الحضاري بين الجانبين. فأقيمت ندوات ومؤتمرات ثقافية متنوعة، ومعارض موسمية، وعروض فنية، وأسابيع ثقافية ساهمت جميعها في تعزيز المعرفة المتبادلة والصداقة المشتركة بين الصينيين والعرب. وبتشجيع من المنتدى، وفي إطار برامجه السنوية، أقامت وزارة الثقافة الصينية والوزارات والمؤسسات العربية المعنية بالشؤون الثقافية الكثير من النشاطات المشتركة. فشكلت مؤتمرات الحوار الثقافي منطلقاً هاماً لتعزيز العلاقات بين الجانبين. ووضع روزنامة عمل ثقافي مكثف بدأ  تنفيذها منذ العام 2012  لتطوير العلاقات الثقافية بين الجانبين، على مختلف الصعد .                                                                                                           فأقيمت عروض فنية تحت عنوان “الليالي العربية” في الصين، والعروض الفنية الصينية في الدول العربية، ومهرجان الفنون العربية ومهرجان الفنون الصينية بالتناوب كل سنتين. ودعا وزارة الثقافة الصينية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية والجهات الثقافية العربية للتعاون على دعم تلك المهرجانات. وصدرت توصيات عدة تطالب بوضع برنامج لترجمة أهم المصنفات لدى الجانبين في مختلف جوانب المعرفة من وإلى اللغتين الصينية والعربية، والتعاون في مجال الحفاظ على التراث التاريخي والثقافي للجانبين وسبل الاستفادة من التجربة الصينية في هذا المجال. ووضع خطة عمل لاستخدام وسائل التقنية والمعلومات الحديثة في تحويل الثقافة التقليدية إلى ثقافة إلكترونية، وتأسيس مكتبة إلكترونية صينية عربية على شبكة الإنترنت لتقديم معلومات في شتى المجالات عن الجانبين. وشجع إقامة تعاون مشترك بين المؤسسات والهيئات الثقافية من الجانبين كاتحاد الكتاب والمؤلفين والناشرين والمكتبات الثقافية، وتطوير التعاون في البحث عن الآثار وتبادل الخبرات في مجال صيانة وترميم التراث الثقافي، وإدارة المتاحف وفنون العرض المتحفي والبرامج الثقافية المتحفية. ودعا إلى تبادل زيارات علماء الآثار ومديري وأمناء المتاحف ومرممي الآثار، وتبادل المعلومات والمطبوعات والأفلام التسجيلية عن الآثار، والمشاركة في المؤتمرات الأثرية والعلمية التي ينظمها الجانبان.                                                                                                         وساهم المنتدى في تعزيز التعـاون بين الجانبين في مجال التعليـم ونشر العلوم العصرية، والاستفادة من الخبرات والإمكانات التعليمية المتوفرة لديهما، وتشجيع المؤسسات التعليمية الصينية والعربية، خاصة المعاهد العليا والجامعات، على التواصل فيما بينها والقيام ببحوث علمية مشتركة، وتبادل الزيارات وتنظيم الملتقيات الأكاديمية. وأوصى بإقامة منتدى لرؤساء الجامعات الصينية والعربية واعتماد آلية له بخطوات تدريجية، وتنفيذ اتفاقيات التعاون التعليمي المبرمة، وزيادة عدد المنح الدراسية الحكوميـة، وتقديم  فرص أكبر للدراسات العليا، وتوسيع تخصصات الوافدين، وتشجيع تعلم اللغة العربية في الصين واللغة الصينية في الدول العربية، وزيادة عدد المراكز والمعاهد والجامعات لدى الجانبين، وتنشيط التبادل العلمي والتكنولوجي بين هيئات البحوث العلمية والجامعات والمؤسسات المختصة في مجال التكنولوجيا المتطورة. ووضع المنتدى برامج مشتركة في مجال البحوث العلمية وتطوير التقنيات، وتوفير الظروف الملائمة لتوقيـع اتفاقيات للتعاون العلمي والتكنولوجي على المستوى الحكومي بين الجانبين، والاهتمام بموضوع نقل التكنولوجيا، وتعزيز التعاون والتبادل في مجال العلوم الطبية والتدريب الطبي، والتعاون في مجال التشريع والسياسة المتعلقة بالطب التقليدي، وتبادل المعلومات في مجالات الأمراض المعدية الجديدة والرعاية الطبية وغيرها.

وعمل المنتدى على تطوير التعاون بين مؤسسات الإعلام والنشر العربية والصينية، وتشجيع العاملين فيها على تبادل الزيارات والمشاركة في المعارض والاجتماعات الدولية ذات الصلة، وتقديم مساعدات وتسهيلات للصحفيين المعتمدين لدى الجانبين. ودعا إلى عقد ندوات علمية لتطوير التعاون الإعلامي الصيني العربي بالتناوب مرة كل سنتين، وتشجيع تبادل المواد والبرامج الإعلامية المسموعة والمرئية والمكتوبة بانتظام، وإرسال الوفود للمشاركة في المعارض الدولية في كافة مجالات الإعلام وفي الندوات التي يقيمها الجانبان، والتنسيق بين المؤسسات الإعلامية الصينية والعربية، وتعزيز التعاون في المجالات التقنية والمهنية واللغوية بين محطات الإذاعة والتلفزيون في الجانبين.

وفي مجال التعاون الشعبي، شجع المتدى جمعية الصداقة الصينية العربية في الصين وجمعيات الصداقة العربية الصينية في الدول العربية على تعزيز الصداقة الصينية العربية. ودعا الجهات المعنية إلى تأسيس مجلس أعلى لجمعيات الصداقة العربية الصينية في أسرع وقت ممكن. وشدد دوما على تنفيذ توصيات مؤتمرات الصداقة الصينية العربية التي عقدت تباعاً في عدة مدن صينية وعربية، ودعم مؤتمرات المدن والحكومات المحلية الصينية والعربية وتفعيل علاقات التوأمة في ما بينها وإقامة المزيد من علاقات التوأمة بين المدن الصينية والعربية. وحرص على تعزيز التبادل بين الحكومات المحلية الصينية والبلديات العربية. وشجع التبادل الودي والتعاون المشترك بين منظمات الشباب والنساء والمنظمات الأهلية وغيرها من الجهات المعنية بتطوير التعاون بين الشعبين الصيني العربي.

دور المنتدى في زمن المتغيرات الدولية   

رغم تحفظات بعض الدول العربية على النظام الشيوعي ودولة الحزب الواحد في الصين، لم يشكل اختلاف الأنظمة السياسية مع الصين عائقاً أمام تطور العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والتوظيفات المالية بين الجانبين. مرد ذلك إلى أن الصين في مرحلة الإنفتاح والإصلاح تخلت عن سياسة التشدد في نشر الايديولوجيا الشيوعية، وإنصرفت بالكامل إلى تعزيز علاقاتها الإقتصادية مع الدول الأخرى. ورغم الذاكرة الحافلة بمآسي الاحتلال الياباني لأجزاء واسعة من الصين في فترة ما بين الحرب العالميتين، تطورت العلاقات الإقتصادية بين البلدين لتبلغ توظيفات اليابان نسبة مئوية كبيرة من حجم التوظيفات المالية الخارجية في الإقتصاد الصيني. وكانت الصين قبل مرحلىة الإنفتاح والإصلاح تطلق على الولايات المتحدة الأميركية صفة الدولة الإمبريالية الأولى في العالم، لكنها طورت علاقاتها معها على مختلف الصعد .فلم يكن هدف الصين العودة مجددا إلى الصراع االإيديولوجي وسباق التسلح على المستوى الكوني بل تعزيز التنمية المستدامة على قاعدة القوة الناعمة لحل مشكلات المجتمع الصيني أولا. مما جعل الصين في طليعة الدول النامية التي تساهم في بناء مشاريع تنموية كبيرة أحدثت تبدلات جذرية في جميع الدول النامية، ومنها الدول العربية.

بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي في نهاية الحرب الباردة، حاولت الولايات المتحدة فرض هيمنتها على العالم بصفتها القطب الأوحد في النظام العالمي الجديد. فتخوف العرب من تلك الهيمنة واتجهوا نحو الصين، وعقدوا معها علاقات وثيقة ذات أبعاد إستراتيجية تضمن المنفعة المشتركة لكلا الجانبين. فأبدت الصين اهتماماً متزايداً بالتعاون المشترك مع الدول العربية، خاصة في قطاع الطاقة لدعم اقتصادها، وحل مشكلاتها التنموية في الداخل، وتعزيز موقعها على المستويين الآسيوي والعالمي. وساعدت سياسة الإنفتاح التي اعتمدتها الصين في المجالين الدبلوماسي والاقتصادي على تعزيز التعاون وتطويره مع جميع الدول العربية، وأصبحت الصين في طليعة التكتلات الاقتصادية العملاقة المستثمرة في العالم العربي.

هكذا بدأت تتحقق تدريجياً الأهداف المباشرة والطويلة الأمد التي ساهمت في إنشاء منتدى التعاون الصيني العربي، وفي طليعتها: تشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية لتحقيق الاستقرار الداخلي ومعالجة مشكلات الفقر والبطالة، ومساعدة الصين في البحث عن حل سلمي للصراع العربي – الصهيوني، وتشجيع العرب على لعب دور فاعل في إقامة عولمة أكثر عدالة وإنسانية. وطالبت الصين إسرائيل باحترام الحقوق الأساسية  للشعب الفلسطيني، وإنهاء احتلالها للجولان السوري، ووقف اعتداءاتها اليومية المستمرة على لبنان. وساعدت دول الخليج العربية على حماية مصادر الطاقة لضمان التنمية المستدامة واستقرار التطور الصناعي ونسب النمو في العالم.

حث المنتدى الدول العربية على توطين التكنولوجيا الصينية لتطوير الصناعات العربية والاستفادة من تجربة الصين المتميزة في تحقيق معدلات مرتفعة للتنمية البشرية والاقتصادية المستدامة، ومن خبراتها العسكرية لتطوير القدرات العسكرية العربية وصولاً إلى إقامة التوازن الاستراتيجي بين العرب وإسرائيل في مختلف المجالات. وعمل منذ تأسيسه على بناء مجتمع المعرفة في الدول العربية على أساس امتلاك التكنولوجيا الحديثة والعلوم العصرية المتطورة بالاستفادة من خبرة الصين واليابان والدول الغربية. ونجح في تحقيق نوع من التوازن الإيجابي بين المصالح الصينية والمصالح العربية على مستوى التعاون والتبادل والدعم .

قدم الجانبان خدمات كبيرة لتحقيق مصالح مشتركة ذات نفع متبادل. ونشط التعاون الاقتصادي الصيني في الأسواق العربية عبر تطبيق أنظمة الإعفاءات الجمركية المتبادلة. واستفادت الصين من عقود النفط والغاز العربي المباشرة مع العرب دون المرور في قنوات شركات أميركية أو أوروبية .وباتت الصين قوة اقتصادية فاعلة في النظام الدولي رغم النفوذ الهائل لتكتل الدول الصناعية الغربية في التجارة والاقتصاد والسياسة الدولية. وفتحت المجال واسعا للتفاعل الثقافي مع الدول العربية عبر إقامة عشرات المؤتمرات والندوات الثقافية المشتركة دون الخضوع لضغوط  خارجية كانت تفرض نوعا من العزلة على الثقافة والفنون واللغة الصينية في ظل هيمنة الثقافة الغربية بجناحيها الأميركي والأوروبي.

مع ذلك، برزت بعض العقبات التي ما زالت تحد من تعزيز العلاقات الصينية العربية خارج دائرة التبادل الاقتصادي الذي تطور بوتيرة ممتازة. ونشرت دراسات نقدية عربية كثيرة حول التطور غير المتكافيء في تلك العلاقات التي جاءت لمصلحة الصين أكثر منها لمصلحة العرب. وتخوف بعض الباحثين العرب من التطور الإيجابي السريع لعلاقات الصين مع إسرائيل وإعتبروه على حساب نوعية علاقاتها مع الدول العربية. فقد تعزز التبادل التقني المتطور جداً بين إسرائل والصين في حين بقي ذلك التبادل بين الصين والعرب على مستوى المواد الخام، ومشاريع البنى التحتية. فلم تؤسس مصانع صينية متطورة على امتداد العالم العربي لتطوير القوى المنتجة المحلية وتوطين التكنولوجيا الصينية في بلاد العرب. ومنهم من عزا ذلك إلى صعوبة اللغة الصينية وحالت دون انتشارها في الأوساط العربية، في حين تطورت الدراسات العربية في الصين بصورة جيدة وباتت لديها نخبة ممتازة من المستعربين الصينيين مقابل وجود ضئيل جدا لباحثين عرب يتقنون اللغة الصينية. وما زالت الترجمة من العربية إلى الصينية وبالعكس تقع عل عاتق المستعربين الصينيين، في حين يترجم المترجمون العرب الأعمال الصينية عن إحدى اللغات الأوروبية، خاصة الإنكليزية أو الفرنسية، وليس عن الصينية مباشرة، مما أثر سلباً على حركة التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية.

المنتدى وتحديات الانتفاضات العربية الراهنة

ما زال العرب والصينيون يعتمدون على مصادر المعلومات من الإعلام الغربي، الأميركية منها والأوروبية، وقد لعب ذلك دوراً بارزاً في تشويه الصورة المتبادلة بين العرب والصينيين، مما شكل إساءة مباشرة للجانبين على مستوى تشكل الرأي العام في كل منهما، وتقديم صورة مشوهة عن الآخر بعيون غربية وليس صينية أو عربية. ونشير هنا إلى أبحاث ندوة الإعلام الصيني الموجه إلى العالم العربي التي عقدتها جامعة بكين للدراسات الأجنبية في 7 كانون الأول/ ديسمبر 2013  تحت عنوان “الإعلام الصيني الموجه إلى العالم العربي”. وقد تضمنت ثلاثة محاور رئيسية: الإعلام الصيني والعالم العربي، وصورة الصين في وسائل الإعلام العربية، والتعاون الإعلامي الصيني العربي: الواقع والمستقبل. وحضر الندوة باحثون وإعلاميون من الصين والعالم العربي، وباحثون عرب يعملون في وسائل إعلام صينية أو عربية في الصين.

ركزت كلمات الإفتتاح على سياسة الإنفتاح والإصلاح المستمرة في الصين منذ العام 1978 والتي قادت إلى تطور كبير في علاقاتها الاقتصادية مع العالم العربي، مما دفع الصين وبعض الدول العربية للمطالبة برفع درجة التعاون بينهما إلى مرتبة العلاقات الإستراتيجية. وتم التذكير بإنجازات منتدى التعاون الصيني العربي، والمنتديات الأخرى المشتركة، وجمعيات الصداقة الصينية العربية، والوفود السنوية المشتركة، وتشجيع السياحة المتبادلة بين الجانبين والدعوة إلى استقطاب ملايين الصينيين إلى المراكز السياحية العربية. واستعادت الكلمات الدبلوماسية مواقف الصين الثابتة والداعمة للقضايا العربية الكبرى،خاصة  قضية الشعب الفلسطيني وحقه في العودة إلى وطنهوبناء دولته المستقلة على حدود العام 1967. وأدانت الصين بناء مستوطنات صهيونية جديدة على الأراضي الفلسطينية، وذكرت مراراً بموقفها الثابت  لحل الصراع العربي- الإسرائيلي عن طريق المفاوضات، ودعم مبدأ الأرض مقابل السلام، وتقديم مساعدات عينية ومالية عاجلة للفلسطينيين لمساعدتهم على الصمود على أراضيهم، والعمل على حل الأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية عبر مؤتمرجنيف الثاني للسلام، والتركيز على العلاقات الإنسانية المبنية على قيم الصداقة، والتسامح، وحماية المصالح المشتركة، وتعزيز التعاون بين الشعوب العربية والصينية.

عالجت الندوة موضوعات هامة أبرزها: الإعلام الصيني بين الفرص والتحديات، ولغة الصور في الإعلام، وملاحظات حول تعزيز دور القنوات التلفزيونية في الإعلام الموجه إلى العالم العربي، ودراسة مقارنة لوسائل الإعلام العالمية الناطقة باللغة العربية، ورسالة الإعلام الصيني الموجه إلى العالم العربي، وصورة الصين في وسائل الإعلام العربية، والإعلام الصيني والانتفاضات العربية لعام 2011، وموقف الصين من الربيع العربي في وسائل الإعلام العربية، وصورة الصين في فضائيات عربية، وواقع التعاون الإعلامي الصيني العربي وآفاقه المستقبلية، ودور الإعلام في نشر الثقافة الصينية في الدول العربية، ومركزية الأخبار وإنعاكاساتها على الإعلام الصيني الموجه إلى العرب، وإستراتيجيات الإعلام الصيني في العالم العربي، وتعزيز التوجه الرقمي لتفعيل التعاون الثقافي الصيني العربي، والإعلام الصيني في ظل الهيكلة الجديدة للإعلام العربي، والمجلات الإعلامية الصينية الموجهة إلى العالم العربي، وغيرها.

نبهت الندوة إلى ضرورة تطوير العلاقات المباشرة بين وسائل الإعلام العربية والصينية لتصويب الصورة المتبادلة لدى الرأي العام في كلا الجانبين وبناء صورة  واقعية على أسس سليمة تقوم على وضوح الرؤية، ومواجهة كل أشكال التشويه والتشويش التي تبثها وسائل الإعلام الغربية، فهي تقدم صورة خاطئة ومشوّهة عما يجري في الصين والدول العربية. وازدادت تلك الصورة ضبابية منذ تفجر الانتفاضات العربية لعام 2011 والتي أسقطت عدة أنظمة عربية استبدادية دفعة واحدة، وتعمل على إقامة أنظمة عربية عصرية    على أسس ديموقراطية سليمة. وبرز توجه إيجابي يدعو الإعلام الصيني المرتجى إلى إيصال القضايا العربية اليومية للمواطن الصيني، وأن يوثق بالصورة والصوت واقع الشعوب العربية وينقله بأمانة إلى الشعب الصيني. وبإمكان الإعلام  الصيني في زمن العولمة وثورات التكنولوجيا والتواصل أن يلعب دوراً أساسيا في نقل نماذج من الحياة اليومية للإنسان العربي العادي، وأن ينقل بدقة وموضوعية معاناة شعب فلسطين الذي شرد من أرضه. فغياب الصورة الواقعية المتبادلة لدى المواطن العربي والمواطن الصيني أدى إلى الإستعاضة عنها بصورة ضبابية لا يستسيغها المواطن العادي الذي يسمع يومياً في وسائل الإعلام عن طريق الحرير التاريخي، البري والبحري، دون أن يفقه الكثير عن هذا الشعار الطوباوي ولا يرى منه شيئا على أرض الواقع  المعاش. فمعرفة الصيني عن العرب وبالعكس ليست سوى صورة نمطية  تبثها وسائل الإعلام دون أن تثقف المواطن العادي بأبعادها الإنسانية. ودور الإعلام المتبادل عبر تقنيات التواصل والاتصال أن ينقل يوميا حقيقة ما يجري في الصين والعالم العربي على أرض الواقع. فالمواطن الصيني يريد أن يعرف هموم المواطن العربي: كيف يعيش؟ كيف يفكر؟ ماذا يريد المواطن العربي من الصين، وماذا يريد المواطن الصيني من العالم العربي؟ وهنا يبرز الدور الهام لمنتدى التعاون الصيني العربي في المرحلة الراهنة. فيؤسس لعلاقات ثقافية وإقتصادية وإجتماعية وإعلامية متبادلة أكثر إنسانية وشفافية وصدقية.

وتعيش المنطقة العربية اليوم تبدلات مصيرية غير مسبوقة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر. وهي تؤسس لعلاقات جديدة أكثر جذرية بين العرب وباقي دول العالم. فالعالم العربي ما بعد 2011 لن يبقى كما كان قبل ذلك التاريخ. فقد نجحت تلك الإنتفاضات في إسقاط أربعة أنظمة سياسية، وأحدثت هزة عميقة في العالم العربي. فسارعت الصين إلى تبلور سياسة إيجابية تقوم على احترام إرادة الشعوب العربية في التغيير الديموقراطي، ورفض كل أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول العربية أو محاولة تغيير أنظمتها السياسية عبر الاستعانة بقوات أجنبية، أو الاستفادة من قرارات الأمم المتحدة لتغطية ذلك التدخل. وعملت على ضمان تطور العلاقات مع الشعوب العربية بالدرجة الأولى. وارتقت بالعلاقات الثنائية بين الجانبين إلى مستوى التعاون الاستراتيجي. فقضايا هذه المنطقة معقدة جدا. ورغم غناها بالموارد الطبيعية وبالطاقات البشرية الشابة والمثقفة بثقافات عصرية متطورة، فإن هيمنة الأنظمة الإستبدادية جعلتها أسيرة الجهل، والتعصب الديني، والفقر، والتصحر، والبطالة، والأمية. ما زالت المنطقة العربية في قبضة أنظمة تسلطية وقوى إرهابية ممولة ومدعومة من دول عالمية وإقليمية ذات مصلحة في دعم الإرهاب الأصولي. ولا يمكن للعلاقات الصينية العربية أن تستمر في النمو ما لم تشارك الصين في دعم القوى الديموقراطية العربية لمواجهة الحركات الإرهابية التي بدأت تضرب في الصين وروسيا ودول أخرى. ويولي منتدى التعاون الصيني العربي أهمية خاصة لمواجهة الإرهاب الأصولي الذي يهدد بانهيار أكثر من دولة عربية. ويدعو الصين إلى المساعدة على إستقرار هذه المنطقة وبناء مستقبل أفضل لشعوبها عبر مشاركتها الفاعلة في رسم السياسات الدولية الخاصة بالشرق الأوسط، وممارسة الضغوط المتزايدة لحل الصراع العربي الإسرائيلي بالطرق السلمية، وضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ووقف موجات الاستيطان الصهيوني على أرض فلسطين، ودفع الأمم المتحدة لإجبار إسرائيل على إحترام القوانين الدولية، ووقف الاستيطان بصورة نهائية تحت طائلة فرض عقوبات على إسرائيل بموجب الفصل السابع من نظام الأمم المتحدة. وينتقد بعض المفكرين العرب بصورة علنية سياسة الصين تجاه المنطقة العربية لأنها ما زالت أسيرة التركيز على تعزيز التبادل التجاري المتزايد مع دوله، لكنها تتجنب الصدام مع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط لأنها تدرك جيدا أن غالبية الدول العربية ما زالت شديدة التبعية لها ولدول أوروبية فاعلة. كما أن تنامي علاقات الصين مع إسرائيل يضعف من صورتها  لدى العرب خارج دائرة التبادل التجاري. ونبه المنتدى مراراً  إلى أن ضمان المصالح الاقتصادية للصين في المنطقة العربية وجوارها يتطلب حماية الأمن والاستقرار فيها. فتصاعد النزاعات الدموية في الدول العربية يؤثر سلباً على تطور المصالح الاقتصادية للصين فيها ويضعف علاقاتها معها. وقد بنت الصين سياستها السلمية في زمن الانفتاح والإصلاح على قاعدة تطوير بيئة مستقرة تضمن الأمن والسلام في الصين والعالم  كله .

ويتوقع العرب مواقف من الصين أكثر جذرية لبناء تعاون إستراتيجي يضمن التفاعل السياسي، والاقتصادي، والمالي، والثقافي، والأكاديمي لتطوير وتنمية الاقتصادات العربية وبناء مجتمع المعرفة العربي بدعم صيني، ومساعدة العرب على توطين التكنولوجيا والعلوم العصرية على طريق الإبداع فيهما. ويدرك المنتدى جيداً أن الصين لا ترغب بالتورط عسكريا في منطقة الشرق الأوسط. لكن العرب يطالبونها بإستخدام نفوذها لوقف الحروب العبثية الدائرة الآن في أكثر من بلد عربي. فالتعاون الصيني العربي في بناء التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة يساعد على حل أزمة منطقة الشرق الأوسط، ومعالجة مشكلات الإرهاب الأصولي، وإثبات صدقية السياسة الصينية القائمة على اعتماد القنوات الدبلوماسية لحل الأزمات الإقليمية والدولية. وذلك يتطلب تشجيع الحوار الثقافي ووضع برامج عملية لتطوير العلاقات المشتركة بين العرب والصينيين في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وتوسيع دائرة التبادل الفني والعلمي والتقني بينهما عبر تبادل المعلومات، وبناء مجموعات عمل مشتركة، وفتح مصانع صينية مزودة بتكنولوجيا صينية متطورة في أكثر من بلد عربي، وتفعيل دور المنتدى الصيني العربي على مختلف الصعد.

ملاحظات ختامية

يؤكد تاريخ العلاقات العربية ـ الصينية على مبدأ التواصل الحضاري والثقافي الموغل في القدم. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كثرت الندوات الثقافية بين الجانبين وشددت على ضرورة التعاون الإيجابي، الرسمي والشعبي، وبناء مجتمع المعرفة، وحماية الإبداع الثقافي والفني، وتبادل الخبرات المشتركة في مختلف المجالات، وحماية البيئة، والاهتمام بقضايا المرأة والشباب والأطفال، وإقامة مؤسسات ناشطة لتعزيز التبادل في مجال الترجمة والاهتمام المتزايد بثورات العلوم، والتكنولوجيا، والإعلام، والإعلان، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في نقل المعرفة، ونشر المعلومات. ومع تنامي دور الصين على المستوى الإقتصادي والتقني تخوف منظرو الثقافة الغربية من قدرتها على المنافسة لنيل المرتبة الأولى في الإقتصاد العالمي بعد أن تبوأت المرتبة الثانية  منذ العام 2011. وقد روجوا طويلا لمقولة نابوليون بونابرت  الشهيرة : “عندما تستيقظ الصين يهتز العالم”. لكن الصين استيقظت وأيقظت معها الكثير من الدول النامية، ومنها الدول العربية.

ما زال إقتصاد الصين ينمو بوتيرة متسارعة مقابل تراجع نسب النمو في الاقتصادات الأميركية والأوروبية. وحذر خبراء غربيون من أن النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين سيكون آسيويا بامتياز. فطوال العقدين الماضيين حقق الاقتصاد الصيني نسبة نمو سنوي ثابتة ما بين 7-9 %، وهي الأعلى في العالم. ونجحت الصين في إنقاذ نسبة كبيرة من سكانها كانوا يعيشون على خط الفقر. وتضاعف دخل الفرد فيها عدة مرات خلال السنوات العشر الماضية. وبات لديها احتياطي عالمي كبير من العملات الأجنبية خاصة بالدولار الاميركي. وبات لها حضور قوي على المستوى الكوني بعد أن أصبحت بضائعها تزاحم بضائع الغرب بقدرة تنافسية عالية في مختلف المجالات.

لقد جاء تأسيس منتدى التعاون العربي الصيني في اللحظة التاريخية المناسبة. وعمل بكفاءة عالية على رفع مستوى العلاقات بين الجانبين لتصبح علاقات استراتيجية تؤسس لمستقبل أفضل، تقوم على المنفعة المتبادلة للعرب والصينيين. فدعمت الصين المصالح العربية، وساعدت الشعوب العربية على تحقيق مستويات أعلى من الإنتاج.بيد أن العرب لم يستفيدوا بصورة عقلانية من التكنولوجيا الصينية المتطورة والمتاحة، ومن التوظيفات الصينية لدعم قطاعات الإنتاج في جميع الدول العربية. وتشير توصيات المنتدى إلى وجود فرص كبيرة للاستفادة من التكنولوجيا والتوظيفات المالية الصينية في الزراعة، والصناعة، وتطوير الطاقة البديلة، وحماية البيئة، والحد من نسب الفقر، والأمية، والبطالة. وتبدي الصين الاستعداد التام لمساعدة الدول العربية على تحقيق تنمية بشرية واقتصادية مستدامة على مختلف الصعد.

من جانبها، حرصت الدول العربية على بلورة رؤى مشتركة مع الصين إزاء القضايا الإقليمية والدولية المختلفة، وتعلّق آمالا كبيرة على نتائج الدورة السادسة للمنتدى التي ستعقد في الصين عام 2014 ، والتي تتزامن مع مرور عشر سنوات على تأسيسه. فيساعد على تطوير آليات عمل المنتدى لتحقيق تطلعات الشعبين العربي والصيني في أعقاب الانتفاضات العربية الأخيرة وما رافقها من تبدلات إقليمية ودولية بارزة على طريق ولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب، وعولمة سياسية واقتصادية وثقافية أكثر إنسانية.

يعتبر الجانبان أن تأسيس منتدى التعاون الصيني العربي شكل خطوة استراتيجية لمواجهة تحديات العولمة وتطوير العلاقات الصينية العربية وفق منظور إستراتيجي طويل الأمد. وبفضل الجهود المشتركة تطورت نشاطات المنتدى بصورة كبيرة وفق آليات متنوعة حققت إنجازات هامة في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والشعبية. وحافظ الجانبان على عمل الإجتماع الوزاري الذي يعقد  بصورة منتظمة مرة كل عامين، واجتماع سنوي لكبار المسؤولين يتبادلان فيه وجهات النظر حول العلاقات الصينية العربية والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.

في إطار المنتدى وضعت آليات عملية لندوات الحوار الحضاري، ولمنتدى التعاون الإعلامي، ولمهرجانات الفنون الصينية والفنون العربية، ولجمعيات الصداقة العربية الصينية لتعزيز العلاقات الإنسانية وتوسيع دائرة التعارف والتفاهم بين الشعبين العربي والصيني، ووضع المنتدى برامج مستقبلية متفائلة لتطوير التواصل الصيني العربي على أساس المنفعة المتبادلة لكلا الشعبين، ودافع بقوة عن أهمية تطوير العلاقات الصينية العربية على مختلف الصعد لكي تحقق تطلعات الشعوب ولا تبقى فقط أسيرة العلاقات الدبلوماسية والرسمية. فتطورت العلاقات الصينية العربية بصورة مضطردة خلال السنوات العشر الماضية حيث إن الحجم التجاري بين الصين والدول العربية التي أصبحت شريكا تجاريا أساسيا لها. وتطور بشكل ملحوظ التبادل الثنائي في مجال الثقافة والتربية والتعليم  فشهد تقدما متزايدا. ولعب المنتدى دورا أساسيا في رفع العلاقات بين الصين والدول العربية إلى مستوى التعاون الاستراتيجي بين الجانبين .

ختاما، وشكل المنتدى الاقتصادي والتجاري الصيني العربي، ومؤتمرات الصداقة الصينية العربية منطلقا ثابتا لتعميق التعاون الصيني العربي على قاعدة التنمية المشتركة والمنفعة المتبادلة. وبعد عشر سنوات على تأسيسه تبرز اليوم تساؤلات هامة حول قدرة المنتدى على إعادة تنشيط طريق الحرير التاريخي بين الصين والدول العربية من منظور عصري يركز على تبادل الخبرات في مجال العلوم العصرية، والتكنولوجيا المتطورة، والإستثمارات المشتركة، والتبادل الأكاديمي والأبحاث العلمية المشتركة في مجال التأليف والترجمة والنشر، وشبكات الاتصال والتواصل والإعلام، وتعزيز التفاعل الإيجابي المباشر على المستوى الشعبي بين الصين والدول العربية، وغيرها. فهناك ركائز اقتصادية وثقافية مشتركة وقوية جدا يمكن الإستفادة منها في مجالات الطاقة، والتبادل التجاري، والتكنولوجيا المتطورة لتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين العرب والصينيين. ويتمتع منتدى التعاون الصيني العربي بكفاءة عالية لكي يتحول إلى مركز للتخطيط وتنفيذ مشاريع التعاون بين الصين والدول العربية وتعزيز العلاقات بينهما وفق أبعاد إستراتيجية تتلاءم مع نظام العولمة وتعددية الأقطاب في داخله. فإحياء طريق الحرير العالمي اليوم يتطلب التعاون الإستراتيجي الشامل والدائم استناداً إلى ما وصلت إليه العلاقات العربية الصينية في السنوات الخمس الماضية. والاستمرار في تطوير تلك العلاقات رهن بإعتماد التنمية البشرية والإقتصادية المستدامة في الصين والدول العربية، وإعادة هيكلة النظم السياسية والاقتصادية لدى الجانبين وفق متطلبات نظام عالمي جديد ومتعدد الأقطاب. فيبنى طريق الحرير على أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار التغيير الهائل الذي طرأ على العلاقات العربية الصينية من جهة، وعلى العلاقات الدولية من جهة أخرى. وبإمكان المنتدى أن يلعب دوراً أساسياً في التحضير لطريق الحرير الجديد المعولم، وبناء علاقات استراتيجية يعم فيها الازدهار الاقتصادي والتفاعل الثقافي لمصلحة الشعبين الصيني والعربي.

 

                                                        بيروت في 1 شباط 2014

*المعهد العالي للدكتوراه في العلوم الإنسانية الإجتماعية بالجامعة اللبنانية 

رئيس الرابطة اللبنانية – الصينية للصداقة والتعاون

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.