موقع متخصص بالشؤون الصينية

مَع الصّين لكَسر الهَيمَنة الأَمريكية

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
محمَد هَائل السَّامعي*:

لا تزال بلدان العالم النامي تبحث بطموح عن آلية حقيقية، توقف الإجراءات الرمادية المُستخدمة ضد صادراتها، من قِبل الدول المتقدمة التي ابتكرت كل هذه العوائق أمام تحرير التجارة الدولية من سياسات جمركية وغير جمركية، وقائية حمائية، خوفاً على منتجاتها الوطنية. وهنا يتضح ويَظهر زيف شعارات كانت تروجها، والصحيح هو أنها لا تؤمن بالمنافسة الحرة الشريفة.

لقد مزّقت هذه الدول العالم تحت غطاء تقسيم العمل والتخصص في الإنتاج، وسَعت جاهدة بكل قوة إلى تحرير التجارة، هادفة من ذلك إلى تصريف بضائعها المُكدّسة داخل حدودها، وحل أزماتها في تصريف فوائض إنتاجها وتكوين مخازن كبيرة من الذهب من عوائد تجارتها الخارجية تُمكّنها من بناء قوة عسكرية كبيرة تستطيع عبرها إخضاع العالم والسيطرة عليه بقوة السلاح.

الصين تمتلك مزايا خاصة من حقها أن تستغلها فيما يخدم اقتصادها، ومن ضمنها “رخص” العَمالة الماهرة والمدرّبة، إضافة إلى الفن الانتاجي المتميز. الصين بقدراتها الفائقة استطاعت دراسة وتجزئة السوق العالمي بشكل جيد، والنزول إلى مستوى تحقيق رغبات وأذواق المستهلكين من شعوب العالم النامي والمتقدم، فيما يتناسب مع مستوى دخول الأفراد وغيره، وهنا تكون الصين وشعبها العظيم قد أخذت بيد العالم النامي بحنو بعدما كسرت احتكار الدول المتقدمة لوسائل التصنيع، ووفرتها بأسعار مناسبة .

قبل أن تكون منظمة التجارة العالمية كنظام تجاري عالمي، تقوم التجارة الدولية على أساس مبادئ التبادل التجاري المتكافئ بين الدول، إلا أن عوائد المُبادلات التجارية غير متكافئة، وهذا طبيعي، أما أنها لم تكن عادلة فهذا غير مرغوب، في حال أن الدولار الأمريكي ما يزال يُهيمن على النظام المالي والنقدي العالمي .

من حق الصين أن تعامل الولايات المتحدة الأمريكية بالمِثل، بعد مضاعفات الرسوم الجمركية على البضائع الصينية، واعتباطية قرار الرئيس الامريكي ترامب بهذا الخصوص، دون الاحتكام لهيئة دولية كمنظمة التجارة العالمية  (WTO) التي يجب ان تقوم بواجبها في فض النزعات بين الدول الاعضاء في المنظمة. وعلى دول العالم النامي المنضوية تحت مظلة منظمة التجارة العالمية أن تقف بمسؤولية الى جانب الصين، لوقف أمريكا عند حدّها.

الصين ما تزال في قائمة دول العالم النامي (ولهذا أيضاً استضافت الصين على أراضيها منتدى التعاون الصيني العربي منذ 2004م وكانت السباقة الى إقتراح تأسيسه)، وهناك تسهيلات ومزايا خاصة في منظمة التجارة العالمية للدول النامية والأقل نموّاً. الصين لم تُغرق السوق كما تدّعي أمريكا ودول الغرب، والأصح أنها في توسّع وسيطرة مستمرة، وعلى أمريكا أن تعلن إفلاسها وتحتكم لتغادر منطق هيمنة القطب الواحد، وكما أن الحرب التجارية ممتعة بالنسبة لترامب، فالسوق لا يرحم غشيم التجارة.

على أي أساس تريد منا هيئة الأمم المتحدة احترام قراراتها وهي مَن تقف الى جانب الجماعات الدينية المتطرفة والأنظمة الديكتاتورية المُستبدة تحت مُبرّر الوقوف مع الأقليات ضد الشعوب وتطلعاتها في العيش بحرية وكرامة. أمريكا اليوم وبالأخص الشركات الاحتكارية المُسيطرة على الكونجرس الأمريكي، تعتدي على حرية الشعوب وكرامتها، وتقتل الإنسان وتزعم أنها الراعي الرسمي للسلام في العالم، تصنع الإرهاب وتحاربه على حساب دول العالم العربي وخاصة دول الخليج، يكون هذا الاعتداء من خلال خلق صراعات داخل الدولة الواحدة أو المجتمع الواحد، مهما كانت هذه الصراعات مرتدية أي قناع من أقنعة الصّراع المناطقي أو الطائفي أو المذهبي.

فالاستعمار في السابق قسّم العالم الى دويلات صغيرة لكي يتمكن من السيطرة والهيمنة على الدول المتخلفة فيه، ومثلاً على ذلك قامت الدول الاستعمارية بصنع خلافات حدودية بين الدول المتجاورة مثل اليمن والسعودية، وبين العراق والكويت، وبين أبناء الشعب اليمني سابقاً شمال وجنوب، واليوم الصراع يأخذ صبغة أُخرى.. صراع مذهبي طائفي بين السنة والشيعة، لكنه لم يكن صراعنا الحقيقي الذي يجب علينا أن نخوضه جميعاً وهو أن نكون أبناء الشعب اليمني والعالم العربي طرفاً واحداً في مواجهة قطب واحد (أمريكا)، مهيمن على العالم وناهب لثرواته، ومُتحكّم في قرارته.

يتوجب اليوم على القوة الوطنية والمدنية في الوطن العربي واليمن خصوصاً، أن تصطف في صف واحد في مواجهة مثل هذه المشاريع التدميرية للمجتمعات والدول، (بالاستناد الى الصداقة والتحالف مع الصين والمشاركة الفاعلة في منتدياتها على شاكلة منتدى التعاون العربي الصيني)، فالصراع يكون بين عصابات لا تريد دولة ديمقراطية، وبين السواد الأعظم من أبناء الشعب العربي الباحث عن دولة حقيقية بكل مقوّماتها، كما أن صراعنا يكون مع هذه النخب التابعة التي تعمل في مصلحة الغرب وأمريكا أكثر من عملها في مصلحة شعوبها.

إن هذه الحرب التي نخوضها حالياً لم تكن حربنا، إذ حملت طابعاً مناطقياً وطائفياً ومذهبي، وهي حربنا إذا حملت طابع البحث عن الدولة.

كذبة كبيرة ما يُسمّى هيئة أمم متحدة أو مجلس أمن دولي، وقراراتها تصيغها الولايات المتحدة الامريكية وتلعب بها، فيما يخدم مصالحها، والدليل الأكبر على عدم وجود ما يُسمّى مجلس أمن أو أمم متحدة هو احتلال “إسرائيل” للأراضي الفلسطينية وتمكينها منها، والتدخل الامريكي العسكري في العراق وتدميره، وغيرها من التدخلات السافرة غير المشروعة والانتهاك لسيادة بلدان العالم النامي.

تتلخص مشكلة اليمن في الداخل، ولا يمكن أن يأتي الحل من الولايات المتحدة بالأصح، وليس من الامم المتحدة أيضاً، فالولايات المتحدة الأمريكية ناجحة في تصدير الحروب بقصد تصريف كميات كبيرة من السلاح المُدمّر، لتفادي أزمة مالية تعيشها، وهي مُبدعة في تصنيع سياسات التفريق والدمار وتعميق الأزمات للشعوب، وهي تشعل الصراعات قاصدة تدمير هويات وتاريخ وحضارات بلدان مثل اليمن، وبلاد الشام، والعراق وغيرها..

للصين كل الاحترام من الشعب اليمني في مساندته والوقف التاريخي الى جانبه، فالصين تبني صداقة ثابتة مع الشعوب بعكس أمريكا التي تبني علاقات مع عصابات متطرفة ونخب ناهبة فاسدة ومستبدة. للصين بصمات حقيقية: مشاريع تنموية وخدمية كثيرة منذ بداية فتح علاقاتها مع اليمن الحبيب.

نتذكر موقف القيادة الصينية في 2015م أثناء اندلاع الحرب في اليمن، والانهيار الكامل لكافة المؤسسات العامة والخاصة، فقد صدر حينها توجيه من قيادة الحزب الشيوعي الصيني برفض أية أموال قادمة من اليمن الى الصين بعيدة عن إشراف البنك المركزي اليمني، لأنها تُعد تهريباً، وبالتالي لم يكن يمكن أن تُعد تعاملاً شرعياً. إضافة للمساعدات والهبات المالية غير المشروطة من الصين الصديقة والشقيقة للشعب اليمني، والتي كان آخرها إعفاء اليمن من ديون بلغت عليه بمقدار 700 مليون يوان في عام 2017م.

الصين الصديقة عِملاق أبهر العالم في التجارة الدولية، واليمن بموقعها المتميز والفريد هي ركنٌ للتجارة الدولية، ومصالحها مرتبطة بالصين من منذ القِدم بلا منازع. ودلالة على العلاقات الطيبة بين بلدينا، قال السيد تشن جيان مستشار سفارة جمهورية الصين الشعبية بصنعاء سابقاً، إن “اليمن من أوائل الدول العربية التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية. وعلى الرغم من تقلبات الأجواء الدولية منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1956، لكن علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين ظلت تتطور تطوراً صحياً ومتزناً صامدة أمام مختلف الاختبارات”.

إن علاقة الصين باليمن قديمة وحميمة، فقد ترجمها الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي حين وجد الدولة التي تحترم اليمن حقاً، ففتح علاقات رسمية قائمة على المنفعة والاحترام المتبادل بين الصين واليمن، لذلك فإن نجح مسعى الرئيس اليمني هادي إلى الصين، وأبرم اتفاقات من خلال المنتدى الصيني العربي أو من خارج إطاره، في الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية والتجارية وفيما يخص الموانئ اليمنية، وإعادة تأهيلها وبالذات منها الحديدة، وعدن، والمخا، وجعل ميناء ومدينة عدن منطقة تجارة حرة لأهمية موقع الميناء التجاري التاريخي (عدن)، فأمن واستقرار اليمن هو أمن الإقليم والعالم أجمع، وهذا ماعهدناه من الصين عبر التاريخ، واليوم نعهده من خلال القائد شي جين بينغ وبعض الدول الصديقة مع العرب واليمن، لتحقيق السّلم الاجتماعي والتنمية والإعمار بدلاَ من الحروب وعوضاً عن النزعات .

#محمد_هائل_السامعي: عضو مرشح وناشط في هيئة الاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وُحلفاء) الصين في اليمن، وكاتب وخبير إقتصادي دولي يمني معروف، والتخصص العلمي إقتصاد سياسي دولي، وعضو في إتحاد الكتّاب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.