موقع متخصص بالشؤون الصينية

من وحي منتدى التعاون العربي الصيني

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
طارق قديـــس*:

يأتي انعقاد منتدى التعاون العربي الصيني في دورته الثامنة في بكين في وقت دقيق تعاني فيه البلدان العربية من تدني مستويات التنمية الاقتصادية بسبب الحروب الإقليمية المشتعلة في المنطقة والتي تلقي بظلالها على الجميع بلا استثناء. وهو ما جعل الخطوط الرئيسة للمنتدى غاية في التناسق مع ما هو حاصل على أرض الواقع. فقضايا التنمية في المنطقة العربية تتصدر أجندة المؤتمر واهتمامات بكين بشكلٍ خاص، إضافة إلى التباحث حول القضايا الدولية المشتركة، وتقييم فعاليات الدورة السابعة للمنتدى التي انعقدت عام 2016 في الدوحة، وتمحورت حول رؤية الرئيس شي جين بينغ لمبادرة “الحزام والطريق” بهدف رفع وتيرة التعاون المشترك في كافة المجالات سواء التجارية أو الاقتصادية أو البنى التحتية.

وتعتبر الصين حالياً ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية، حيث أسهمت اتفاقيات التعاون مع العالم العربي في وصول حجم التبادل التجاري فيما بينها عام 2017 إلى 191352 مليار دولار أمريكي. وهو ما أسهم بدوره في تنشيط التعاون المشترك بخصوص مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقها الرئيس “شي” عام 2013 إحياءً لطريق الحرير القديم الذي ربط الصين بالشرق الأوسط من خلال القوافل المنتشرة على طول المنطقة وعرضها.

وقد جاءت كلمة الرئيس “شي” في افتتاح المؤتمر غنية بما هو لصالح المجتمع العربي والإنسانية عموماً، ومؤكدة على عمق العلاقات التي تربط الصين والدول العربية، وعلى اهتمام بكين برفع مستوى التنمية الاقتصادية في البلدان العربية، ووقوفها إلى جانبهم في القضايا المصيرية في الأمم المتحدة. فقد أوضح الرفيق “شي” أن بكين ستقدم لعدة دول عربية قروضاً للتنمية الاقتصادية بقيمة 20 مليار دولار، تهدف تحديداً إلى دفع عجلة التنمية الاقتصادية من خلال إنشاء مشاريع تعمل على توفير العديد من فرص العمل التي تحتاجها تلك المجتمعات وتؤثر بشكل إيجابي على قطاع العمل والعاملين فيه، مؤكداً بذات الوقت على أن ما تقوم به جمهورية الصين الشعبية ينبع من إيمانها بأن التطوير الاقتصادي وتنشيط الصناعة هما حجز الأساس للوصول بالمجتمعات النامية إلى أعلى درجات التقدم الاقتصادي. وأكمل الرئيس كلمته ليؤكد على أن ارتباط العالم العربي بالصين من خلال طريق الحرير القديم هو دافع مهم لإعادة التركيز على الشراكة في المنطقة، وإعادة بث الحياة في طريق الحرير من جديد ولكن برؤية عصرية مختلفة.

ولعل مما يؤكد على أهمية توجه الرئيس “شي” إلى تعزيز العلاقات مع الدولة العربية وخاصة الواقعة منها ضمن مبادرة “الحزام والطريق” وارتفاع فرص التعاون فيما بينها هو تمركز أهم الدولة المنتجة للطاقة والمستهلكة لها في منطقة جغرافية متقاربة نسبياً، بحيث يمكن تحقيق الاستفادة المشتركة لكل الأطراف، منتجة كانت أو مستهلكة، فالدول التي تقع ضمن نطاق مبادرة “الحزام والطريق” تنتج 60% من نفط العالم، وما يعادل 50% من الغاز، وفي المقابل تستهلك الكثير من دول المنطقة 40% من النفط العالمي، و50% من الغاز، وهو ما يعني بأن المعادلة الاقتصادية التي تتبناها الصين في تعاونها المشترك مع الدولة المنتجة والمستوردة – أي معادلة (رابح – رابح) – تتجلى في العلاقات التجارية والاقتصادية بين الصين والدول العربية، فالدول المصدرة للنفط والغاز تربح بتعاونها مع الصين، والصين تربح كذلك بتأمين موارد الطاقة لاقتصادها الصناعي المتطور وبشكل تصاعدي ومتسارع.

إن احتضان بكين لفعاليات منتدى التعاون العربي الصيني في دورته الثامنة هو رسالة حية إلى دول العالم كافة، تعكس صورة جمهورية الصين الشعبية كشريك في تحقيق السلام والعدالة، وأن يدها ممدودة للجميع بهدف التشارك في كُلّ ما من شأنه أن يخدم المجتمعات البشرية. فهي في تعاملها مع الدول العربية تقف منها وقفة الشريك للشريك، وقد أكد سابقاً الرئيس شي جين بينغ في خطابه عام 2016 في جامعة الدول العربية أن الصين لا تسعى للسيطرة على أسواق الدول العربية في المنطقة، أوالبحث عن وكلاء لها في الشرق الأوسط ، وإنما رسالتها تتكئ ُ على المساهمة في طرح مبادراتٍ تهدف إلى خير الشعوب، وترسيخ الأمن عن طريق تنشيط عجلة التنمية الاقتصادية كنقطة مركزية لا يمكن تجاوزها.

إن فعاليات المنتدى وحجم التمثيل الدبلوماسي للدول العربية المشاركة على أعلى المستويات فيه لخير دليل على متانة العلاقات بين الصين والدول العربية قديماً وحديثاً، وأن نداءات الرئيس “شي” لاقت آذاناً صاغية لها في المنطقة العربية، وأن فرص التعاون آخذة بالازدياد والتمدد، وهو ما يشكل بحدِّ ذاته انتصاراً للسياسة الخارجية الصينية على صعيد توطيد العلاقات الدولية مع كافة دول العالم، وذلك بهدف إحلال السلام الدائم في منطقة حيوية من العالم كمنطقة الشرق الأوسط.

*طارق_قديس: شاعر وكاتب أردني معروف، وعضو قيادي متقدّم في #الاتحاد_الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء #الصين – الأردن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.