موقع متخصص بالشؤون الصينية

مع الصين بمسيرة الألف ميل منذ الطفولة!

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
فاروق أيوب خوري:*

لم “أتصوّر” يوماً منذ سنوات الطفولة، التي قضيتها مع زميلي الأخ مروان سوداح في المدرسة وفي جيرة طيبة في منطقة سكنية واحدة، أنني سوف أرافقه بدعوة رسمية الى جمهورية الصين الشعبية، التي كان يتحدث لنا عنها في المدرسة، ومنذ الصف الرابع الإبتدائي!

فمنذ ذلك الوقت كان الزميل سوداح جادّاً في كل أقواله ودعواته للصداقة والتحالف مع الصين وروسيا، برغم صِغر سنّه، وبرغم كونه تلميذاً في المدرسة التي كان إسمها وما يزال “الكلية البطريركية الوطنية”، بموقعها في منطقة “المصدار” القديمة والتاريخية التي شهدت ولادة الثقافة والحضارة العربية القديمة، وتعمير القِلاع والحصون والبيوت و “الخانات”، وإقامة أكثر من “سبيل” واحد “للحوريات” للمسافرين ولطريق الحرير الصيني القديم، من خلال وسط مدينة عمّون القديمة عاصمة المملكة الشهيرة أنذك، ثم انتقلت مدرستنا إلى “جبل الأشرافية” الشهير. فمدرستنا تُعتبر حتى اللحظة واحدة من أقدم مدارس الاردن، إن لم يكن أقدمها على الإطلاق، فلها قصة طويلة لا مجال لذكرها هنا، ومن صفوفها ومن على يد أساتذتها الكِبار والشهيرين في العلوم واللغات والتربية والتعليم، تخرّج عدد كبير من الطلبة، الذين صاروا الأشهر في الوطن الصغير الاردن، وفي الوطن الكبير العالم العربي بل وعلى صعيد دولي أيضاً، عِلماً وعَملاً وسِعة أُفق وخدمةً لمجتمعهم والانسانية، ومنهم أذكر المرحوم زواد السمردلي؛ والعلاّمة المرحوم رُوكس بن زائد العزيزي، وإبراهيم حدّاد، وفخري قعوار، وواصف حدادين، و “ألفرد أبو منّه” وعبد الله خليل، وجريس أسطفان، وعصام الموسى، ويوسف ضبيط، ومصطفى المصري، والأب لبيب دعيبس والبطريرك ميشيل الصبّاح، وعيسى وفؤاد عريضة “أبو عصام”، وعبدألله حسونة، وسامي عوض الله، ألياس رزق الله، وعيسى بطارسة والمرحوم حيدر هلسه، ومحمد وهبة، ويوسف ميمون، وأنور الربضي، كثيرون أخرين..

عندما زفّ الزميل مروان إلي بنبأ سفري الى الصين، بدعوة رسمية من جانب قيادة الحزب الشيوعي الصيني الذي يرتبط به سوداح بعرى وثيقة من الصداقة العقائدية والشخصية، اعترافاً بكل ما قدّمت أنا للصين من خدمات استهدفت الأوساط المحلية والأجنبية التي عشت في إطارها وعملت معها في حياتي، لم أُصدّق أُذناي.. فهل كان من المعقول والمنطقي أن أتلقّى دعوة مشكورة رفيعة المستوى كهذه بعد نصف قرن بأكمله طوته أحداث جسام بسرعة، وأصبحت أنا فيه كهلاً و “جَمَل مَحامِل” لأنواء هذا الدهر القاسي وسياساته المُرهقة التي لا تعرف رحمة “بالأغيار” العرب من طرف العرب أنفسهم!!! فما بالكم من جهة غير العرب!!!، وبرغم أنني كنت وما أزال صديقاً للصين وروسيا منذ عشرات السنين، دون أن يدري بي صديق أو حَليف دولي لم يتابع حُلفاءه أمثالنا في الاردن!

في صفوف المدرسة وخلال “الفُرص المدرسية” بين الحصِص، كان سوداح يوزّع علينا المطبوعات الناشرة باللغة العربية الصينية ومنها “مجلة الصين اليوم” و “مجلة الصين المصورة”، والسوفييتية ومنها صحيفة “أنباء موسكو”، ومجلات “المرأة السوفييتية”، و”الإتحاد السوفييتي”، و”المجلة العسكرية السوفييتية”، و”المدار” وكانت تصدر في بيروت، و”العصر الحديث” وصدرت بمصر، و”النشرة الصحفية –  وكالة نوفوستي للأنباء” وكانت تصدر يومياً بالاردن، وليس أخيراً جريدة الحزب الشيوعي الاردني وكان إسمها “الحقيقة”. لكن هناك البعض من تلاميذتنا اشتكوا ذات مرة لاستاذ التجارة السيد “ألفرد أبو منّه”، وهو حي يرزق إلى اليوم في الاردن، فاستدعى الاستاذ الزميل مروان مُستفسراُ منه في الصف وخلال درس مادة “التجارة”، قائلاً له: هل أنت تؤمن حقاً بما تقوم به وبما تدعو إليه؟ ولماذا توزّع هذه المطبوعات؟ فأجابه سوداح: نعم، أنا أومن بهذا كله، ولماذا أنت يا أستاذ لا تريد أن يَعرف التلاميذ الحقيقة، وهل تريد منهم أن يتوقفوا عن معرفة البلدان الصديقة لنا؟!

طبعاً، الاستاذ “ألفرد” لم يتوقع هكذا أجوبة من زميلنا سوداح، الذي كان يُصرُ على كل مواقفه السياسية، ولم يتخذ الاستاذ “ألفرد” ولا أيّ من إدارة المدرسة ولا مديرها أية إجراءات ضده ولم يقمعوه، وكان مدير المدرسة أيّامها الخوري العادل والإنساني جبرائيل حجازين، وبعده ترأّس الإدارة المدرسية البطريرك الوطني والأكاديمي والباحث والشخصية الدولية ميشيل الصبّاح، وقد أفسحوا لسوداح المجال للحديث بين الطلبة بما يريد وبتواصل نقاشاته بحسب رغباته مع الطلبة، ذلك أن أجواء المدرسة كانت أنذاك تتمتع بالحرية الفكرية والسياسية والانفتاح الاجتماعي الكامل، برغم أن الاوضاع على صعيد غالبية المدارس الاخرى والبلد كانت مغايرة لذلك!

كانت التجربة السياسية والاقتصادية الصينية منذ الستينات وفي السبعينات الماضية، جاذبة لشعبنا الاردني والعالم العربي، ويعود السبب في ذلك الى إنسانية الطرح الصيني، وتواصله مع أماني العرب في قضايانا الوطنية والعالمية، ودعم الصين للتنمية العربية الداخلية والقضية الفلسطينية بكل قوة، وكانت مؤلفات الزعم “ماوتسي تونغ” المنشورة بالعربية مدار دراسة واهتمام عربي عام وتباع وتوزع على نطاق واسع، كذلك الأمر كان للمنتجات الصناعية الصينية الكثيرة في أسواقنا أنذاك، والكتب عن تاريخ الصين وقضاياها وكانت تطبع في بلدان غير الصين وزهيدة الثمن، بل أن بث القسم العربي لإذاعة الصين الدولية كان يصل الى الاردن بوضوح، وكنا نستمع إليه وننشط في إطار نادي للمستمعين لراديو بكين، أسسه وترأسه الزميل سوداح، الذي أسس وترأس نوادي أخرى لمستمعي مختلف أذاعات الدول الاشتراكية والجمهوريات السوفييتية أيامها، فقد كان المِثال الاشتراكي وقتها جاذباً لنا جرّاء نهوض حركة التحرّر العربي وازدهار أفكار الاستقلاليات العربية.

وفي حقيقة الأمر، فقد استمر نشاطي نحو الصين حتى خلال وجودي الدراسي في الهند، برغم الخلافات الهندية الصينية أنذاك، رغبة مني بتواصل الحصول على جرعات ثقافية صينية جاذبة، ولعدم رغبتي في الابتعاد عن موروث غني حصلت عليه بالاردن، من خلال التواصل الذهني والفكري مع الصين، وقد كاد هذا الامر يكلفني غالياً، إلا أن الهند انضمت قبل فترة الى دول تحالف “بريكس”، وتنسق مع الصين وروسا وغيرهما لحماية مصالحها الدولية ضمن الاسرة الانسانية، وفي خضم عالم لا يرحم المتراجعين، فالتواصل والتعاون الثنائي والجماعي أصبح شعار اليوم والغد، وبدونه لا وجود لعالم المستقبل السلمي ضمن المنفعة والربح والتفاهم بين جميع البلدان والامم ولصالحها.

أشكر الصين رئيساً وحزباً ودولة وحكومة وشعباً لاستضافتي في الصين مؤخراً، ضمن وفد “الاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب اصدقاء (وحلفاء) الصين، ولن أنسى الجهد الذي بذلته القيادة الصيني لنستمتع نحن أعضاء الوفد بجماليات الصين وحضارتها ونطلع على شعبها ونجاحاتها، فقد تحققت أمنيتي برؤية الصين بعد نصف قرن، فيا لها من زيارة تاريخية عوملنا خلالها من جانب القيادة الصينية بكل محبة وتقدير يشتهر به شعب الصين منذ غابر الأزمان.

 *م. #فاروق_أيوب_خوري: كاتب وصديق قديم للصين والقسم العربي لإذاعة #الصين الدوليةCRI، وعضو ناشط في الفرع الاردني للاتحاد #الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء #الصين ومنتديات القسم العربي للاذاعة ومراسل لها، ومتابع لمجلة “#مرافىء_الصداقة” التي يَنشرها القسم العربي لإذاعة #الصين الدولية CRI.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.